اليسار المصرى ..الجذور..الواقع الآفاق (3)


رياض حسن محرم
2014 / 9 / 22 - 05:43     

الركوب على ظهر النمر أسهل من النزول عنه "مثل ألمانى"
الحلقة الثالثة : 1967- 1980
أصابت هزيمة 1967 المجتمع المصرى بأكمله بفقدان توازن حاد، فبعد هزيمة مذلة مرّغت أنف النظام الناصرى فى التراب وأعلنت سقوطه المدوّى، كفر الكثير بكل ما كان مقررا عليهم صباح مساء من شعارات وطنية وقومية وإشتراكية، وحاول بعض اليساريين لملمة جراحهم الغائرة والشروع فى بناء منظماتهم المستقلة مرة أخرى بعد حلّ حزبهم وفشل ماتخيلوا أن بإمكانهم العمل المشترك مع "عبد الناصر فى حزبه "طليعة الإشتراكيين" الذى لم يسمح الاّ لأعداد محدودة منهم بدخوله تحت الحصار الشديد، وشارك بعضهم فى إنتفاضتى فبراير ونوفمبر 1968 التى شكل قوامها الرئيسى الطلاب " رغم أن المبادرة الأولى بدأت بعمال حلوان" كأول إرهاصات جماهيرية على ما حدث.
فى تلك الأثناء تم تكوين حلقات شيوعية سرعان ما تلاقت لخلق تنظيمات يسارية صغيرة كان باكورتها تشكيلين:
التنظيم الأول تكون من ثلاث مجموعات ( الشروق والانتصار وعدد قليل من يساريى منظمة الشباب) وأطلق على نفسه فيما بعد إسم " الحزب الشيوعى المصرى" وكان من المبادرين بذلك زكى مراد وأحمد نبيل الهلالى وآخرين، ويعد هذا التنظيم إمتدادا لحركة "حدتو".
التنظيم الثانى تشكل من التقاء ثلاث مجموعات أيضا ( خميس والبقرى- كتّاب الغد- مجموعة اسكندرية) وعرف لاحقا باسم "حزب العمال الشيوعى المصرى" وشكل ابراهيم فتحى وخليل كلفت قيادته، ويعتبر إمتدادا لمنظمة شيوعية صغيرة هى وحدة الشيوعيين "و.ش".
الى جوار هاتين المجموعتين ظهرت تنظيمات أخرى أصغر منهما ولعبت دورا محدودا فى السبعينات أحدها "الحزب الشيوعى الثورى – 8 يناير" الذى شكل امتدادا لمجموعة "الإستمرار" وأسسها طاهر عبد الحكيم وبعض من رفضوا قرار الحل، كما ظهرت مجموعة أخرى عرفت باسم "التيار الثورى ت.ث" والذى يرجع تاريخيا الى انشقاق عن حدتو عرف باسم "حدتو التيار الثورى" وكان على رأسه كمال عبد الحليم ومحمد عباس فهمى وطاهر البدرى وآخرين وحافظ هذا التيار على تأييده للسادات بعكس الجميع.
وكما هو واضح فإن قيادات تنظيمات الحلقة الثانية قد انتقلوا بخلفياتهم واختلافاتهم الى الحلقة الثالثة وكان ذلك سبب العداء الشديد بين تلك المنظمات، كما نشأ على هامش الحركة أيضا بعض العناصر ذات الإنتماء التروتسكى كونت مجموعة باسم "العصبة التروتسكية".
لعب الطلاب الدور الأكبر فى مواجهة نظام السادات فى بداية عهده، (شكلوا "بدرجة أو بأخرى" بديلا للطبقة وطليعة للجماهير) رافضين للهزيمة وملحّين على اعلان الحرب وتحرير سيناء (يمكن فهم هذا الدور فيما كتبه " تروتسكى" عن دور الطلاب فى أسبانيا عام 1930 " وذلك عندما ترفض البرجوازية بعناد حل المشكلة الوطنية، وعندما تكون الطبقة العاملة غير مستعدة للقيام بهذه المهمة، غالبا ما يتصدى الطلاب للقيادة")، ومنذ عام 1971 كان الصوت السياسى للطلاب هو الأعلى رغم وجود بعض التحركات العمالية المحدودة، لقد انتفض الطلاب بشدة بعد خطاب السادات فى 13 يناير 1972 الذى حاول فيه تبرير نكوصه عن خوض الحرب فى العام الذى أسماه "عام الحسم" ..1971 وتحججه بالضباب الذى ساد العالم نتيجة للحرب الهندية الباكستانية، وخرجت "مجلات الحائط" فى الجامعة فى اليوم التالى صارخة ضد تأجيل الحرب وساخرة من الضباب وسرعان ما تحولت الى إعتصام بالجامعة ثم الى مظاهرات بالشوارع، واستمر نمو واتساع الحركة بين الطلاب حتى قيام الحرب فى 1973 التى أربكت حسابات القوى الثورية وتراوحت تحليلاتها بين أنها حرب تحريك أومسرحية ولكن الحرب كانت عاملا رئيسيا فى سحب البساط من تحت أقدام الشيوعيين، ولكن إسراع النظام بعد انتهاء الحرب الى الارتماء فى أحضان الإمبريالية ساهم فى مدّ التظيمات الماركسية ببعض الحراك العمالى الناتج عن تغوّل الإستغلال الرأسمالى والتحول من القطاع العام الرأسمالى ذو الطابع الإجتماعى الى نمط انتاج شديد الغبن والدونية ممثلا فى القطاع الخاص، بينما عمدت نفس التنظيمات الى تغيير إسمها الى أحزاب فى عام 1975 فسّمى ماركسييى "الإنتصار" تنظيمهم "الحزب الشيوعى المصرى" وغيّرت المجموعة الثانية إسمها من "تنظيم شيوعى مصرى- تشم" الى "حزب العمال الشيوعى المصرى" وهكذا دون أن تضيف تلك التسميات كثيرا على واقع هذه التنظيمات أو تضيف تغييرا نوعيا الى بنائها الحزبى، وجاء إعلان " حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى" فى عام 1976 (تكون من تيارات يسارية ماركسية وقومية وعلمانية ودينية) بعد أن قرر السادات تحويل المنابر بعد أقل من سنة الى أحزاب ليشكل التجمع مظلة للحزب الشيوعى وقارب نجاة له ومجالا علنيا للحركة والتجنيد لتنغمس آلياته الحزبية تماما فيه مهيمنا على مستوياته التنظيمية وعلى صنع القرار داخله، وبلغت ذروة عمل اليسار المصرى وحصيلة سنوات صعبة من النضال فى الجامعات وخارجها فى الدعاية الجماهيرية فى الإنتفاضة الشعبية التى عرفت باسم "إنتفاضة الخبز فى 18- 19 يناير 1977 التى سرعان ما أجهضها السادات موجها ضربات موجعة لتنظيمات اليسار ولجريدة "الأهالى" لسان حال حزب التجمع.
سرعان ما بدأ الخط البيانى للحركة الشيوعية فى الإنحدار السريع أمام الضربات الأمنية وإنفضاض جمهورها عنها والصعود الحاد لقوى الإسلام السياسى، من مظاهر ذلك الانحدار حدوث إنشقاق "حزب الشعب" بقيادة المحامى "نبيل الهلالى" عن الحزب الشيوعى وإنشقاق "المطرقة" الذى لعب دورا بين الطلاب، وبروز تكتل كبير تحول الى إنشقاق داخل حزب العمال عرف ب "تكتل الرفيق بشير" وتحلل واختفاء تنظيم 8 يناير والعصبة التروتسكية من الوجود كتنظيمات مستقله.
تبقى قضايا رئيسية أدت الى الموت الفجائى لتنظيمات السبعينات، لعل من أبرزها:
1- الإفراط فى الإهتمام بالقضية الوطنية على حساب القضية الإجتماعية وتكثيف المحور الوطنى فى البرنامج والتكتيك ووضعه كأولوية الحرب ضد اسرائيل فى الصدارة، والحشد الطلابى والجماهيرى للمطالبة بالحرب لتحرير الأرض أنهم كانوا يراهنون على عدم جدية السادات فى خوض الحرب بدليل إرتباكهم الشديد إزاء حرب اكتوبر فالبعض يسميها مسرحية وآخرين يعتبرها حرب تحريك بالاتفاق مع الأمريكان بينما يرفضون توصيف الجبهة الشعبية والديموقراطية بأنها حرب وطنية محدودة، وطالما أنهم توصلوا الى خيانة السادات ونظامه فلا يجب اعتبار تلك الحرب وطنية بأى مقدار، لقد ساهمت تلك الرؤى فى انفصالهم عن الواقع وعن الجماهير أيضا وأتت محاولتهم محاكمة الحرب كفعل لتحرير الأرص بنتائجها من ارتماء فى أحضان الامبريالية والصهيونية هو تحليل بائس، فكيف يمكن توصيف الثورة العرابية التى إنتهت باحتلال كامل الوطن، واستمرارا فى ذات المنهج بعد الحرب فقد تركّز نضال الشيوعيين المصريين على الخيانة الوطنية فى كافة خطوات النظام من العلاقات الجديدة مع أمريكا والصلح مع اسرائيل دون محاولة جادة وموضوعية لشرح موقفهم للجماهير واعتبار أن واجبهم اطلاق الشعارات ومن لم يقتنع بها يقع فى بئر الخيانة.
2- التركيز لدرجة الإفتنان بالطلاب وتركيز جلّ جهودهم للعمل بينهم وتجنيدهم لصفوف تلك التنظيمات وكأنهم يبنون منظمة طلابية لا حزب ثورى غير مدركين أن هؤلاء مجرد مرحلة زمنية وعامل بيولوجى سيغادرون المشهد بعد سنوات قليلة وسيخرجون الى واقع الحياة الأوسع بما يرتبه ذلك من أوضاع أسرية ووظائفية وصراعات طبقية وخدمة عسكرية عليهم مواجهتها بشكل مختلف عن الدورفى زمن الطلبنة من هتاف فى مظاهرة أو مقال فى مجلة حائط، رغم أن الجميع كان يصنّف الطلاب كجزء من شريحة البرجوازية الصغيرة فكريا وينسبهم الى المثقفين عموما (رغم أن للبعض للأمانة رأى أنهم يمثلون كافة طبقات المجتمع) فإنهم دللوا هؤلاء الطلاب واعتبروهم ممثلين أمناء للطليعة الثورية.
3- يضاف الى ذلك بعض الأخطاء الأخرى غير الصغيرة مثل عملية الإستعلاء على الآخرين والإحساس غير الحقيقى بالقوة وأتذكر مثالا كاشفا حيت كانت جميع بيانات الحركة الطلابية بالاسكندرية فى السبعينات تطالب بحرية تكوين الأحزاب " وعلى رأسها الحزب الشيوعى !!!"، ولا أفهم هذه العبارة هل تعنى حجز المقعد الأول أو فرض قيادتنا للآخرين بدلا من النضال من أجل ذلك.
يبقى من الحلقة الشيوعية الثالثة أنها ساهمت بدور فعّال فى العمل الثورى وفى إضافة العديد من الشيوعين المناضلين للزمن اوفى وصل ما انقطع من نضال شيوعى رغم أنها مضت دون إستئذان حتى من الذين صنعوها وإختفت فى ظروف غامضة دون حتى إعلان حل كسابقتها.