أنور خوجة و نقد نظرية -العوالم الثلاثة- لماو تسي تونغ


رشيد العيساوي
2014 / 9 / 21 - 02:22     

نقرأ للكل ونأخذ الصالح ونترك الطالح فلطالما دعى لينين لقرائة كتابات كاوتسكي حين كان ماركسيا.
ترجمة مقتضبة من كتاب أنور خوجة ("الامبريالية و الثورة 1978" في طبعته الفرنسية)عن فصل خصصه لنظرية العوالم الثلاث لماوتسي تونغ.
نظرية "العوالم الثلاثة" الصينية نظرية مضادة للثورة وشوفينية:
الان التحريفيون الصينيون هم كذلك وقفوا ضد النظرية الماركسية اللينينية، ويصارعون على جبهات واسعة لطرح نظريتهم الرجعية.
لا يهم من هو الاول اللذي وضع هاته النظرية، لكن الحزب الشيويعي الصيني يقول أن ماو هو طرحها. فإذا كان كذلك فهاذا برهان آخر على أن ماو ليس ماركسي.
نظرية "العوالم الثلاثة" نفي للماركسية اللينينية:
نظرية "العوالم الثلاثة" أو تقسيم العالم إلى ثلاث تجد أسسها في رؤية عنصرية وميتافيزيقية للعالم،ولدتها الرجعية. فالنظرية الشوفينية اللتي تضع الاقطار في ثلات درجات تعتمد في ترتيبهم حسب درجة التطور الاقتصادي بتقسيم ميتافيزيقي يخدم مصالح البورجوازية الرأسمالية، فهي تعتبر الشعوب كقطعان غنم.
الدياليكتيك الماركسي اللينيني يعلمنا أن التطور لا يتوقف و الكل في تحول مستمر،وفي عملية التطور الغير المتوقفة هاته تتم تغييرات كمية وكيفية. مرحلتنا ككل المراحل تعرف تناقضات عميقة، مرحلتنا مرحلة الامبريالية هي مرحلة الثورات البروليتارية ومرحلة انتزاع السلطة لصالح الطبقة العاملة في أفق بناء مجتمع جديد، مجتمع الاشتراكية.
في المجتمع الرأسمالي الحالي هناك طبقبتان رئيسيتان في صراع تناحري دائم، البورجوازية و البروليتاريا. الماركسية اللينينية تعلمنا ان الانتصار سيعود للبروليتاريا و بناء المجتمع الاشتراكي، وأنه حتى من داخل ذالك المجتمع يبقى الصراع قائما بين السلطة الجديدة و بقايا المجتمع البورجوازي القديم.
ففي كل المجتمعات الرأسمالية ومهما بلغت درجة تطورها يبقى الصراع الطبقي قائما،و نظرية العوالم الثلاث هي فقط من تنفي وجود هذا الصراع في "العالمين الاولين"، فهي تقسم العالم حسب التقسيم الجيوسياسي البورجوازي.
نظرية العوالم الثلاث التحريفية الصينية تنفي وجود الصراع الطبقي، تتجاهل حقيقة حقبتنا حقبة الامبريالية. تضع حواجز أمام نضال الشعوب ضد الامبريالية الامريكية، ضد الاشتراكية الامبريالية السوفياتية، ضد رأس المال والرجعية في كل أقطار العالم.فهاته النظرية تدعي للسلم الاجتماعي بين طبقتين متناحرتين، تحاول أن تجد توافقات بين البورجوازية و البروليتاريا، بين المضطهدون و المضطهدين. وبكل بساطة تحاول إطالة عمر العالم القديم بنفي الصراع الطبقي.
لينين قال في 2021: ( هناك عالمان: العالم القديم والمتشابك واللذي لن يعود أبدا و العالم الجديد الضعيف جدا واللذي حتما سيكبر لانه لا يهزم)
هاته العوامل الطبقية لا زالت تحتفظ بكل قيمتها، رغم فشل التجربة الاشتراكية في عديد من الاقطار، فواقع أن الاشتراكية تعرضت للخيانة بالاتحاد السوفياتي و أقطار أخرى، لن يغير في التقسيم العلمي للينين للعالم.
التحريفيون الصينيون اللذين يحاججون بعدم وجود أي قطب اشتراكي نتيجة الخينات، يتناسون منطق التطور التاريخي ونضالات الشعوب من أجل تحررها. فكومونة باريز لم تنجح و قمعت، لكنها قدمت للبروليتاريا العالمية مثالا رائعا.
ماركس قال: تجربة كومونة باريز أبانت ضعف البروليتاريا الفرنسية، لكنها هيأت كل بروليتاريا العالم للثورة بإعطائها درسا مهما حول ماهية العوامل اللتي يجب أن تكون مجتمعة من أجل تحقيق النصر، فمن تجربة هاؤلاء الكومونيون أنتج ماركس نظرية وجوب تحطيم جهاز الدولة البورجوازي وديكتاتوريته.
تحريفيونا المعاصرون جبناء، فهم يقيمون أن قوى الثورة المضادة صارت أقوى. لقد تجاوتهم الشعوب وكل ما يمتلكونه هو جملهم الثورية اللتي يخبؤون ورائها خيانتهم.
لينين حدد أن البروليتاريا هي القوة المحركة للتاريخ في حقبتنا، لكن التحريفيون الصينيون يعارضون طرح لينين ويدعون أن دول العالم الثالث هي أكبر قوة محركة لعجلة التاريخ.
فهم يزدرون من بروليتاريا العالمين الاولين بدعوى أريستوقراطيتها، ويتناسون أن البرجوازية تحارب بجميع الاسلحة: قمعية، سياسية و إديولوجية و طبيعة العيش اللذي تفرض. لكن الماركسي اللينيني هو من يؤمن بالتناقضات الطبقية سواء بأمريكا أو بالمزمبيق.
الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها رأس حربة الامبريالية هو البلد الاغنى و الكثر تصنيعا و احتضانا للبروليتاريا، وكذا الفتات اللذي تتركه البورجوازية هناك للبروليتاريا هو الاكبر، لخداعها طبعا. لكن هذا لا يجب أن ينسينا عن أهمية نضال البروليتاريا الامريكية، شأنها شأن كل بروليتاريات العالم.
نظرية العوالم الثلاث و اللتي تضع "دول العالم الثالت" فقط كمحرك للتاريخ، بما أنهم يريدون التحرر من الامبريالية، هو انحراف خطير عن الماركسية اللينينية. وإذا افترضنا كذلك، فترى أين يموضعون شعوب العالمين الاولين اللتي تناضل هي الاخرى ضد نفس المضطهد.
فالماركسي اللينيني لا يخلط بين الامبريالية الامريكية و الشعب الامريكي مثلا. التحريفية الصينية ليس فقط تذوب الشعوب فيما بينها لكنها تضع حتى الاشتراكية منها في نفس السلة مع "دول العالم الثالث"، فكيف يعقل مقارنة مجتمع به السيد و العبد بمجتمع سيد نفسيه. فبتحريفيتهم يضعون الصين مع الاقطار الاشتراكية و يدعون مساندت قوى التحرر الوطني و في الحقيقة ما هي إلا نية لاخفاء نواياهم التوسعية.
بتقسيم العالم إلى ثلاث التحريفية الصينية تدعو للتصالح الطبقي: الماركسيون اللينينيون لا ينسون أبدا أن التحريف و الانتهازية يحاولون جاهدين لتحييد الصراع الطبقي، خداع الطبقة العاملة بإفراغ النظرية الماركسية اللينينية من محتواها الثوري. إن ما تحاول القيام به القيادة الصينية هو إيجاد أرضية للتعايش السلمي بين الطبقة العاملة و البورجوازية.
فصراع المصالح بين الطبقتين حول المصالح الرئيسية هي بعيدة على أن تعرف المصالحة، فهي دائمة التفاقم وتؤدي إلى صراعات سياسية و اجتماعية. فوجود الدولة ما هو إلا نتاج لطبيعة تلك التناقضات التناحرية.
القبول بطروحات التحريفية هي إيجاد تبريرات للقمع الطبقي، فطلب الوحدة داخل "العالم الثالت" هو طلب وحدة بين نقيضين.
دول ما يسمونه آلعالم الثالث" تعتمد أساسا على الرأسمال الخارجي، اللذي هو من القوة و الامتداد حيث يتحكم في كل حياتهم. فهاته الدول ليست مستقلة أو ذات سيادة بقدر ما هي تعتمد على ذلك الرأسمال و يتحكم في مصيرها عبر سياساته و إديولوجيته اللتي يحاول نشرها لتبرير الاستغلال.
موقف التحريفية الصينية تجاه التناقضات هو موقف مثالي تحريفي و استسلامي:
التطبيق الصحيح للستراتيجية الثورية ذات الاسس الماركسية اللينينية لا يقتضي فقط تصور دياليكتيكي لمجموع القوى المتحكمة في َالحركية الثورية والتحررية عبر العالم، نقاط ضعف وقوة العدو، وإنما تصورا علميا وصحيحا للتناقضات اللتي تميز حقبتنا، حقبة الامبريالية.
فيما يخص التناقض فالتحريفية الصينية يتشدقون، يتفلسفون ويخلطون بين مجموعة من الطروحات الواضحة في الماركسية اللينينية.
فبفهمهم الخاطئ للتناقضات يخلصون بتوافقات ضد ا عن الثورة وقضايا التحرر، فهم بذالك يحاولون الايهام بإخلاصهم للنظرية و كذلك لاخفاء تشوه ممارستهم.
التحريفية الصينية تحاول الايهام أن التناقض الوحيد هو بين العالم الثالت، العالم الثاني وجزء من العالم الاول مع الاتحاد السوفياتي. فهم بذلك يربطون الشعوب بمجموع إمبرياليات و ينظرون على أنه يجب ترك التناقضات الطبقية جانبا للتفرغ للالامبريالية الاشتراكية السوفياتية.
فلنحلل إذن التناقضات الموجودة بين الشعوب و القوى الظمى و من ثم ما بين القوى العظمى نفسها. ففي وضعنا الحالي الموقف من هاته القوى اللتي تحمي الاستغلال الرأسمالي ومعاقل الرجعيه، يعرف ملحاحية مهمة لتحديد الاسترارتيجية و التكتيك الثوريين الملائمين.
فلا أحد ينفي أن هناك تناقضات بينهما ممكن أن تؤدي بالبشرية إلى كوارث عظمة نتيجة صراعهم من أجل توسيع حلقات التأثير و الاستغلال.
ونحن يجب علينا معرفة استغلال هاته التناقضات لصالح الثورة فهو احتياطي غير مباشر للثورة. فاستغلال تلك التناقضات من طرف الدولة الاشتراكية السوفياتية بعد ثورة أكتوبر يبقى درسا مهما.
لكن في جميع الظروف دراسة هاته التناقضات يجب أن تكون بوجهة نظر ماركسية لينينية وأن تستثمر لصالح الثورة، لصالح قضية الاشراكية ولا أن تكون ضدا لهما.
النقطة الاولى في برنامج الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي هو خنق الاشتراكية و التحريفيون الصينيون بعيدون عن الاشارة إلى ذلك، أي التناقض التناحري بين الاشتراكية و الامبريالية، لا بل هم ينفونه تماما.
فعلى الماركسيين اللينينين أن لا ينسوا أنه ومهما وصلت درجت التناقضات بين القوتين الكبرتين،فهما لا يديرون وجههم نحو استعباد الشعوب و خنق الثورات. لكن التحريفيون الصينيون لا يرون كذلك، فهم يقدرون أن الخطر المحذق هو آت من الاتحاد السوفياتي و أما الامبريالية الأمريكية ففي نظرهم قد ضعفت ولا تشكل خطرا، وأكثر من ذلك يدعون للتحالف معها.
الامبريالية الامريكية لم تضعف، وكونها لا تلعب نفس دورها المهيمن السابق فذلك لا يغير من طبيعتها. إنه دياليكتيك تطور رأس المال وذلك يؤكد نظرية لينين، أن الرأسمالية و الامبريالية إلى انحطاط وتقهقر. لكن الانطلاق من هذا للوصول إلى سوء تقدير درجة خطورتها، فذلك خطر لا يغتفر من القيادة الصينية.
إذا كان لنا فهم صحيح للماركسية اللينينية سيتوضح لنا بجلاء واجب دعم نضالات الشعوب ضد الامبرياليتين الاثنتين والبورجوازية اللتي تقمعهم. فالعالم الرأسمالي يمر بأزمة عميقة، لكن هاته الازمة يجب أن تقرأ في مداها العام من حيث تلك التناقضات.
المنطق البراكماتي لا ماركسي الصيني يجعلهم يرون أن الاتحاد السوفياتي يتطور دون تناقضات، كأنه إمبريالية تهيمن دون متاعب على الدول الثحريفية الاخرى، كبولونيا، ألمانيا الشرقية، هنغاريا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، بلغاريا. فهم يعرفون الكتلة السوفياتية كالكتلة الامبريالية الوحيدة المتبقية و اللتي تحاول بسط سيطرتها عبر كل أنحاء العالم. فالهيمنة السوفياتية على الاقطار التحريفية تمثلت أولا بتدخلات عسكرية، بسرقة بدون هوادة لخيراتهم، وفي هذا الاطارتصطدم التحريفية السوفياتية لمعارضة تتطور الى مقاومة.
لقد صنفنا الامبريالية الاشتراكية السوفياتية بالعدوانية، لانها هاجمت وغزت تشيكوسلوفاكيا، لانها انخرطت في إفريقيا، لانها أنتجت مخططات لهجومات جديدة. لكن هل كل هذا يعني أن الامبريالية الامريكية أقل عدوانية؟
القيادة التحريفية بالصين تناست هجوم الامبريالية الامريكية على كوريا، تناست الحرب الطويلة الامد و الوحشية على فيتنام، الكومبودج، لاووس، الشرق الاوسط، تدخلاتها بجمهوريات أمريكا الوسطى، إلخ. لقد وضعت كل هذا جانبا وخلصت إلى أن الامبريالية الامريكية نضجت. القيادة التحريفية بالصين تناست حين يريدون إيهامنا بضعف الامبريالية الامريكية و أصبحت أليفة، وبالتالي يمكن التحالف معها.
وفي نفس السياق التحريفيون الصينيون لا يعترفون بأن الدول الرأسمالية بأوروبا الغربية و الامبريالية الامريكية، بغض النظر عن تناقضاتهم، فهم مرتبطون بشكل واسع، بحيث أنه مرتبطون بتحالفات سياسية، اقتصادية، وعسكرية.
التحريفيون الصينيون يتجاهلون بنفوذ الاقتصاد الامريكي الى هاته الدول و الاتحاد السوفياتي نفسه.
استعمال التناقضات بين الدول الامبريالية و القوى الكبرى، يعني توسيع الهوة بينهما ، تشجيع القوى الثورية بهاته الدول اللتي ترفض هيمنة هاتين الامبرياليتين.
لكن التحريفية الصينية تنظر عكس هذا، فهي تدعي إلى تحالف هاته الدول مع الامبريالية الامريكية، وأكثر من ذلك فهي تذهب لان تدعي بروليتاريا هاته الدول للتحالف مع بورجوازيتها. ترى أين هي الماركسية اللينينية هنا؟
إن محاولة التحريفية الصينية وضع قوى التحرر وراء الامبريالية الامريكية هو تعبير عن خطهم التحريفي، المضاد للثورة. فبإجراء توافقات بدون مبادء مع الامبريالية الامريكية، هؤلاء التحريفيون خانوا الماركسية اللينينية.