جذور اليسار المصرى وواقعه وآفاقه (1)


رياض حسن محرم
2014 / 9 / 15 - 11:33     

( عرض للمحاضرة التى ألقيتها فى مقر حزب المصريين الأحرار بالأسكندرية يوم السبت 13/9/2014)
ينقسم تاريخ الحركة الشيوعية المصرية الى مجموعة من الحلقات على النحو التالى:
(الحلقة الأولى) الحزب الشيوعى المصرى (1922- 1925)
(الحلقة الثانية) الحركة الشيوعية فى الأربعينات والخمسينات (1939- 1965)
(الحلقة الثالثة) حركة الطلاب فى السبعينات (1967- 1980)
(الحلقة الرابعة) الألفية الجديدة (2000- 2014 وما زالت مستمرة)
وقد أدى الإنقطاع فى الحركة الشيوعية الى عدم تواصل الخبرات بين تلك الحلقات وعدم تجنب الأخطاء والبداية من جديد فى كل مرّة، وسنتناول فيما يلى التطور التاريخى لتلك الحلقات.
سبقت النشأة الأولى للحركة الشيوعية فى مصر ظهور الفكر الإشتراكى فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على أيدى المبتعثين الى أوروبا وعلى رأسهم "رفاعة الطهطاوى" الذى قام بترجمة بعض أعمال "جان جاك روسو" ونقل الدستور الفرنسى للعربية، كما ظهرت مجموعة من الكتب الهامة التى تشرح أصول الإقتصاد السياسى نذكر منها:
1- الإقتصاد السياسى لخليل غانم 1889
2- أصول الإقتصاد السياسى لرفلة جرجس 1989
3- موسوعة الإقتصاد السياسى ترجمة جمعية التعريب المصرية 1892
4- الموجز فى علم الإقتصاد السياسى ترجمة حافظ ابراهيم وخليل مطران 1902
كان هذا قبل ظهور كتابات مباشرة عن الفكر الإشتراكى بأقلام "سلامة موسى" و "مصطفى حسين المنصورى" فى بدايات القرن العشرين.
وسبق تشكيل الحزب الإشتراكى المصرى فى 1921 أكثر من محاولة فى هذا الإطار منها محاولتين الأولى بواسطة المفكر "شبلى شميل" فى 1909 وأخرى لتأسيس "الحزب الإشتراكى المبارك" فى 1911 ولكن تلك التجارب لم يكتب لها النجاح لعدم نضوج الظروف الموضوعية وذلك رغم تأسيس العديد من النقابات العمالية منذ مطلع القرن ودور الحزب الوطنى الثانى بقيادة "محمد فريد" الذى وصل الى تخوم الفكر الإشتراكى و تأسيسه "نقابة الصنائع اليدوية" عام 1909ودوره فى نشر المدارس العمالية الليلية، وظلت تلك المحاولات مستمرة الى أن وقع حادثين كبيرين كان لهما تأثير عميق للإسراع بهذه النشأة وهما إنتصار ثورة إكتوبر البلشفية فى روسيا 1917 وقيام الثورة الوطنية الكبرى 1919مما عجّل بإنضاج الظروف لقيام "الحزب الإشتراكى المصرى" 1921 على أيدى خليط من المؤمنين بالإشتراكية فى مقدمتهم المفكر الموسوعى "سلامة موسى" الذى إعتنق الإشتراكية الفابية على نمط حزب العمال البريطانى و "على العنانى" الإشتراكى الهيجلى و "محمد عبدالله عنان" ذو الميول الإسلامية والشيخ "صفوان أبو الفتح" الأزهرى" ومسيو "روزنتال" الجواهرجى اليهودى السكندرى الذى لعب الدور الرئيسى فى نشر الأفكار الشيوعية وتأسيس النقابات العمالية بالإضافة لبعض الشوام الذين شكلوا اضافة مهمة لبناء الحزب وعلى رأسهم "فؤاد الشمالى" الذى تم إبعاده لاحقا الى سوريا ليقوم بإنشاء "الحزب الشيوعى السورى" الذى ضم لبنان وفلسطين أيضا، والمحامى العمالى السورى "مارون أنطون" الذى أعتقل وحبس ومات بعد إضرابه الطويل عن الطعام فى سجن الحضرة بالأسكندرية لمدة 42يوما.
بعودة "حسنى العرابى" ممثلا للحزب الوليد من المؤتمرالرابع للأممية الشيوعية الثالثة "الكومنترن" فى موسكو عام 1922حاملا معه شروط الأممية لقبول عضوية الحزب بها وتتلخص فى 4 إملاءات وهى عقد مؤتمر عام للحزب خلال 3 شهور وتغيير إسم الحزب من الحزب الإشتراكى الى الحزب الشيوعى وصياغة برنامج للفلاحين وطرد بعض العناصر التحريفية من الحزب وعلى راسها "روزنتال" بزعم ميوله الفوضوية النقابوية!!، وبالفعل تم تنفيذ جميع شروط الأممية وأعلن رسميا عن إنضمام الحزب الشيوعى المصرى الى الأممية الثالثة فى يناير 1923، وتميّز هذا الحزب بمجموعة من الصفات إفتقدتها الحركة الشيوعية المصرية لاحقا وهى :
1- الإرتباط المباشر بالطبقة العاملة: حرص الحزب الشيوعى الى الإتجاه مباشرة الى الطبقة العاملة المصرية ونجح بشكل منقطع النظير فى إقامة العديد من النقابات العمالية والإرتباط المباشر بإتحاد النقابات العام الذى كان مهندسه الرئيسى "جوزيف روزنتال" حيث تأسس "الإتحاد العام لنقابات العمال" فى فبراير 1921 بالاسكندرية متشكلامن 21 نقابة تضم 3000 عامل وسرعان ما توالى انضمام النقابات العمالية اليه، بعدها بستة شهور تم إشهار "الحزب الاشتراكى المصرى"وصاحب ذلك إرتفاع حدة الإضرابات فى الفترة بين يوليو 1921 الى مارس 1922حيث وقع 81 إضرابا عن العمل، وفى بداية 1923 قام الحزب بتنظيم واحد من أوسع الإضرابات هو إضراب عمال شركة الغاز والكهرباء بالاسكندرية فى فبراير 23 بمطالب اقرار مكافئة نهاية الخدمة والتعويض عن اصابات العمل وتوفير الخدمات الطبية، ونتج عن ذلك الاضراب أول ضربة قوية توجه للحزب بالقبض على عدد من قياداته منهم العرابى وأنطون وإغلاق مقره ومصادرة أوراقه، واستمر نضال الحزب حتى تم الافراج عن المعتقلين وتصاعد نشاطه والتفاف العمال حوله واعتبر مقر اتحاد العمال مقرا رسميا للحزب وتداخلت عضوية الحزب بالاتحاد التى بلغت حوالى 20 الف عضو، وكان ذلك ايذانا بالصدام الوشيك مع حكومة الوفد التى كانت تنظر بريبة الى تمدد نشاط الحزب الشيوعى بين العمال وإتساع هذا النشاط الى مناطق أخرى منها كفر الزيات ودمنهور والمنصورة وبورسعيد
2- علنية الحزب: لم تمارس الحركة الشيوعية المصرية العمل العلنى فى تاريخها الاّ حوالى السنتين الأولين من عمر الحزب الشيوعى الأول وحتى قيام ثورة 25 يناير التى أعادت لها العلنية مرّة أخرى، رغم أن الحزب لم يستجب لنصائح الكومنترن بإبقاء صف ثانى من الحزب تحت الأرض تحسبا لضربة بوليسية يتعرض لها، فقد كانت أخبار الحزب ولائحته وبرنامجه تنشر فى الجرائد المصرية اليومية، فقد تم نشر البرنامج فى جريدة الأهرام فى 29 أغسطس عام 1921 وكانت إجتماعاته تتم بشكل علنى ويعلن الحزب مسبقاعنها وتتسابق الصحف المحلية لنشر أخباره منها ماورد فى صحيفة الأهرام فى 10 اكتوبر 1922 حيث جاء بها (إن مدينة الأسكندرية أصبحت تجرى بها حركة شيوعية لم تر البلاد لها مثيلا إذ أخذت تجتذب العمال وعشاّق الإشتراكية من كل حدب وصوب وأقبل الناس جميعا على إجتماعات الحزب فى 18 شارع نوبار باشا).
3- الوحدة: لم يشهد الحزب الشيوعى الأول ما جرى للحركة الشيوعية من تفتت وتشرذم وانقسامات ونجا من التعددية وجرثومة الانشقاقات بالرغم من أن ذلك سمح حينما وجه اليه حزب الوفد الضربة القاضية أن يؤدى ذلك الى القضاء عليه دفعة واحدة.
على أن ذلك الحزب بالرغم من إستئثاره بتلك المزايا التى لم تتح للحركة طوال تاريخها الاّ أن الحزب سقط فى مجموعة من الأخطاء القاتلة على رأسها الذيلية للكومنترن ورضوخه المطلق لجميع الشروط المفروضه عليه وتلقى التوجيهات المستمرة منها والخطأ الثانى هو سقوطه فى شرك الإنحراف اليسارى ورفعه شعارات متجاوزة الواقع السياسى والاجتماعى وصدامه المبكّر مع حزب الوفد بكل تراثه الوطنى والمعادى للإستعمار وشخصية "سعد زغلول" الطاغية وذلك بالرغم من تعنت الوفد وإستعلائه إحساسا بالقوة لكن ذلك لا يعفى الشيوعى من تعجل ذلك الصدام وتصعيده المستمر للمطالب الإقتصادية للطبقة العاملة ومنها شعاره "لا ترفعوا أيديكم من على المحراث" وكان يعنى بذلك إحتلالهم للمصانع لإجبار الرأسماليين على الإستجابة لمطالبهم، ومن أوجه هذا الإنحراف الإصرار على إبراز الوجه الشيوعى العقائدى للحزب على حساب إحراز مكاسب للحزب والطبقة، ومن أمثلة ذلك وضع شعار المنجل والمطرقة فى صدر صحيفته "الشبيبة" وافتتاحيتها بمقال للينين وتعليق صور لماركس وانجلز ولينين وتروتسكى وروزا لكسمبورج على جدران الحزب وافتتاح أى إجتماع وإختتامه بنشيد الأممية، كما حرص الحزب على الإنتشار الأفقى بشكل متسرع وعدم التدقيق فى شروط العضوية أو الوعى وحتى عدم الإلتزام بتسديد الإشتراكات أو تنظيم أعضائه فى مستويات حزبية، لذا فبمجرد توجيه ضربة أمنية شديدة للحزب تبخرت العضوية وتم الإجهاز عليه.
فى العقد الثالث من القرن العشرين (1930- 1930) تأسس فى مصر أكبر تنظيمين كان لهما أثرا عميقا على تطورها اللاحق هما الحزب الشبوعى وحركة الإخوان المسلمين فإذا أضفنا لهما تشكيل "حزب الوفد" كممثل أصيل لليبرالية المصرية يكتمل التمثبل للتيارات الثلاث الفاعلة فى الواقع المصرى حتى الآن.