نقد يهودية الدولة من وجهة نظر ماركسية (2-2)


خليل اندراوس
2014 / 9 / 13 - 09:47     

مطلب كل ماركسي كل ثوري كل تقدمي يهوديا كان أو عربيا يجب أن يكون المساواة بين الأمم من خلال إقامة نظام ديمقراطي حقيقي متطور يخلو من أي تمييز قومي أو عرقي.

كتب ماركس "في البيان الشيوعي" ما يلي: مع انهيار تناحر الطبقات داخل الأمم ستنهار أيضا علاقات الأمم العدائية فيما بينها".

وبلوغ السلم القومي والتحرر القومي يتطلب من الطبقة العاملة وخاصة لشعب الأكثرية، في الدول التي يعيش داخلها أقليات قومية مثل إسرائيل، أن تقضي على جميع أشكال الظلم الاجتماعي. ولكن ما يجري في إسرائيل من خلال جميع الأحزاب الصهيونية المضللة ديماغوغيا للغالبية الساحقة من الطبقة العاملة اليهودية، عكس ذلك حيث يجري تعميق الفوارق الاجتماعية والثقافية والسياسية بين مجتمع الأكثرية اليهودية ومجتمع الأقلية العربية الفلسطينية على أساس عزل عنصري قومي، يعمق ليس فقط الفوارق الطبقية بل أيضاً يعمق الكراهية والعداء داخل المجتمع الإسرائيلي على أساس قومي.

الماركسية تعتبر الأمم والقومية نتاجا حتميا وأشكال حتمية للعصر البرجوازي من التطور الاجتماعي.

لقد تكونت الأمم مع نشوء المجتمع الرأسمالي وتكون السوق الوطنية الداخلية ومن هنا ينجم أن الأمم نشأت كوحدات برجوازية ضمت داخل البلاد الاستغلاليين والمستغلين ذوي المصالح المتناقضة. ولكن أيضا صعوبة حل المسألة القومية تكمن في ثبات الوحدة القومية، حتى مرحليا داخل المجتمعات المستقبلية الخالية من الطبقات، ولكن في النهاية للأمة طابع تاريخي عابر. بالنسبة للماركسية جذور الاضطهاد القومي أرسيت في المجتمع الرأسمالي، في علاقات الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. مفهوم الأمة من وجهة النظر الماركسية بأنها مقولة اجتماعية تاريخية تطابق درجة معينة من تطور المجتمع البشري، وتعتبر أن الأمة انبثقت في عصر الرأسمالية. والنظرية الماركسية عن الأمة تدحض المبدأ البرجوازي المنافي للعلم الذي يعادل بين الأمة والقبيلة والأجناس. فالقبيلة مقولة أثنوغرافية. وعند دخول الرأسمالية مرحلتها الامبريالية، استعبدت الامبريالية عشرات الشعوب واستغلتها بقساوة وخاضت حروبا عالمية ومحلية، وتخوض الآن الحروب في سبيل إعادة اقتسام العالم، واستمرار الحروب التي تشنها أمريكا وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط لهو أكبر مثال على ذلك، من اجل إعادة اقتسام العالم، وفي هذه الظروف تحولت المسألة القومية إلى مسألة قومية استعمارية. ولذلك فالمسألة القومية لا يمكن حلها في ظروف الرأسمالية، في ظل السيطرة الامبريالية، فالقضاء على النير القومي مرتبط بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ولذلك فالحل المطروح لحل القضية الفلسطينية، بإقامة الدولة الفلسطينية، لا يعتبر إلا حلا مرحليا وكذلك قيام دولة إسرائيل لا يمكن اعتباره حل للمسألة اليهودية. فهذه الحلول المرحلية تساعد في إضعاف المواجهة القومية، بين كلا الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني ولكن على المدى البعيد الحل الوحيد الذي ينهي الصراع والمواجهة القومية فقط من خلال مجتمع خالي من الطبقات، مجتمع العدالة الاجتماعية والمساواة أي المجتمع الاشتراكي. لذلك من وجهة النظر الماركسية، التغييرات الاجتماعية الجذرية أمر مستحيل بدون أخذ المسألة القومية بالحسبان في حياة الشعوب وفي العلاقات فيما بينها. والمسألة القومية ككل، والمسألة اليهودية خاصة تعتبر من الناحية الموضوعية مرحلة وسطية للنضال في سبيل الدمقراطية، لأجل الانتقال إلى بلوغ الهدف النهائي الاشتراكية. فبناء مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية لا يمكن إلا من خلال وصول المجتمع أي مجتمع إلى قمة الدمقراطية، لان الانتقال للاشتراكية يجري من خلال ديمقراطية متطورة. وهذا النضال يتألف من مراحل وسطية تشغل مكانا هاما بينها حركة التحرر الوطني للشعوب ومنها الشعب الفلسطيني.

من هنا مصلحة الشعب الإسرائيلي الحقيقية، أولا تعميق الدمقراطية في إسرائيل، وتهميش يهوديتها الدينية العنصرية، ودعم تحرر الشعوب في المنطقة وخاصة الشعب الفلسطيني.

لذلك كي تصبح اسرائيل دولة ديمقراطية عليها تهميش الهوية الدينية العنصرية الشوفينية وليس تأكيد يهوديتها.

كتب لينين يقول في ملاحظات انتقاديه حول المسألة القومية" إن الرأسمالية تعرف في تطورها اتجاهين تاريخيين في المسألة القومية: الأول هو استيقاظ الحياة القومية والحركات القومية، والنضال ضد كل اضطهاد قومي وإنشاء دولة قومية.

والثاني تطور شتى العلاقات بين الأمم وتكاثرها المتزايد، وهدم الحواجز القومية، وانشاء وحدة الرأسمال العالمية، ووحدة الحياة الاقتصادية بصورة عامة ووحدة السياسة والعلوم الخ....

وكلا الاتجاهين هما قانون عالمي للرأسمالية. فالأول يسود في بدء تطورها والثاني يميز الرأسمالية الناضجة والسائرة نحو تحولها إلى مجتمع اشتراكي. من هنا فإسرائيل كدولة صغيرة في منطقة عربية واسعة وكبيرة سيفرض عليها التطور التاريخي إما أن تكون جزءا من فسيفساء وتعددية الشرق الأوسط أو ان لا تكون. وكذلك في هذه المرحلة التاريخية على كل ماركسي أن يحدد ويفهم الفارق بين مظهري النزعة القومية (للأمم المضطهِدة والأمم المضطهَدة) وموقف البروليتاريا المختلف منها. فالنزعة القومية للأمم المضطهِدة ومثال على ذلك إسرائيل كدولة محتلة ومضطهدة للأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل نفسها، تتسم بطابع رجعي استعماري عنصري صريح معادي عداءا شديدا لمصالح الدمقراطية.

وهي تتخذ في إسرائيل شكل الدولة الشوفينية، من خلال ممارسة سياسة عنصرية ضد الأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل نفسها. ومن خلال التركيز على شعار يهودية الدولة.

وتستغل الأمة المضطهِدة بشكل عام وفي إسرائيل بشكل خاص الفوارق في اللغة، والتقاليد والدين من اجل تبرير سياستها العنصرية والتي تكرسها من خلال سن عشرات القوانين التي تميز ضد الأقلية القومية الفلسطينية داخلها.

أما النزعة القومية للأمم المضطهَدة والمثال على ذلك نضال الأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل، فهي تحمل طابعا معاديا للامبريالية وتتضمن عناصر الدمقراطية، وعناصر التحولات الاجتماعية والاقتصادية والقومية.

ولذلك مجحف جدا المساواة بين النزعة القومية للشعب المضطهِد أي الإسرائيلي وبين النزعة القومية الفلسطينية لدى الأقلية العربية داخل إسرائيل، فجوهرها مختلف جدا.

فمطلب كل ماركسي كل ثوري كل تقدمي يهوديا كان أو عربيا يجب أن يكون المساواة بين الأمم من خلال إقامة نظام ديمقراطي حقيقي متطور يخلو من أي تمييز قومي أو عرقي.

وهذا يتناقض مع شعار وقيم ومبادئ الحركة الصهيونية وأحزابها التي تنادي بيهودية الدولة. واستمرار سياسة حكام إسرائيل القائمة على الاضطهاد والتمييز العنصري سيعمق تخلف إسرائيل حضاريا وإنسانيا وثقافيا وانعزالها بين الأمم وخاصة شعوب الشرق الأوسط وسيحوّلها إلى غيتو صغير يعاني من الصراعات الطبقية والقومية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأخلاقية. مجتمع يهدم نفسه بنفسه.

فالثوري الحقيقي يرفض كل تعصب قومي وكل سياسة شوفينية. لان سياسات التعصب القومي تؤدي إلى تعتيم الوعي الطبقي وتكرس الاضطهاد القومي وهذا ما يحصل في إسرائيل. (انتهى)