ملاحظات حول المسألة القومية العربية


معاذ عابد
2014 / 9 / 11 - 22:26     

على مر أعوام كثيرة ظهر في الساحة السياسية العربية العديد من المتغيرات والتنظيمات والبرامج الفكرية والأيدلوجيات التي تناضل لتحقيق برامجها السياسية، ولعل أكثر المدارس بروزاً هي الحركة الشيوعية العربية التي قدمت الألاف من الشهداء والمضحين في سبيل التحرر والاشتراكية، وظهرت الحركة القومية بمختلف توجهاتها وساهمت بشكل كبير في التغيير الجيوسياسي في المنطقة على الصعيد السلبي والإيجابي،بعض الأنظمة القومية دمرت دولاً وشعوباً بكاملها كما فعلت الفاشية الصدامية بالعراق وشعوب المنطقة، وبعضها تلاحم مع الماركسيين وقدم دولة ساهمت بتعزيز الروح التحررية بل وتخوض معارك مصيرية على مستوى العالم كله ضد هيمنة الامبريالية وعنجهيتها بل وكسرت أنفها وتسببت بانحسارها الفعلي عن المنطقة واكتفائها بأدواتها الرجعية، وأقصد التيار القومي العربي في سورية الذي رسخ لحركته اليسارية التقدمية المفكر والمناضل المحسوب على الشيوعيين والقوميين ياسين الحافظ والأطروحات التي قدمها خالد بكداش لحافظ الأسد خلال فترة حكمه التي اتسمت بانتعاش حركة التحرر الوطني والتقدمي وتحقيق أول علمانية في العالم العربي.
لذلك لم يعد الحديث عن الفكرة القومية مجرد أفكار طوباوية يقدمها القوميون خلال شعارت عن وحدة العرب كأمة متجانسة ومتناسقة تماماً هذا الحديث لم يعد مجرد حديث عابر ومسلماً من المسلمات كما كان في فترة انتعاش الفكر القومي كأداة تحررية من الاستعمار في ستينات القرن المنصرم،بل وظهر تيار سياسي كبير يشارك التقدميين والشيوعيين الساحة النضالية.
بل وبسبب تأثيره الكبير في تشكيل التاريخ المعاصر وجب أن نضعه على طاولة التشريح وتحت مجهر البحث للمساهمة في فهمه والتعاطي معه بما يضمن المشاركة الكفاحية التحررية.
منذ ظهورها كردة فعل على سياسات التتريك "على الصعيد القومي" ونشوء القوميات في مرحلة الانتقال من الاقطاعية إلى الرأسمالية لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل فتح أسواق للبرجوازية مرت الحركة القومية العربية بمراحل فكرية كما بقية الأفكار والمدارس فتشعبت الأطروحات القومية .

فمنها من تورط وانحدر إلى اليمين الشوفيني كتيار الفاشية في البعث العفلقي العراقي ومنها من توجه يساراً كالبعث السوري ومنها من اضمحل ووانتهى بنهاية رجل المرحلة وهي المدرسة الناصرية التي وصل بعض منها إلى أنه يرى في السعودية شريك في "معركة التحرر الوطني" ومنها من تمسك بالأسس العلمية المعرفية وبنى برامجه على هذا الأساس كالتنظيم الشعبي الناصري في لبنان والأحزاب الشيوعية التي ترتكز على فكرة قومية في شمال افريقيا.

القومية بين العنصرية العربية والتحرر الوطني .

لا أود الدخول هنا في سجالات عن الأطروحات القومية القديمة والجديدة والتي تتحدث عن "عنصر عربي" وتشكل "أمة عربية" في ما يعرف "الوطن العربي".
تعرف الأمة العربية بأكثر من شكل يتراوح بين العلمي وبين أحلام السفهاء التي تمجد أي كلمة تحتوي على اللفظ "قومي –عربي –عروبي بل وتطبل لمجرمين دمروا المنطقة ودمروا بلدانهم.
بالنسبة للطرح العلمي الذي يقدمه الكثير من الشيوعيون العرب وخصوصاً أصحاب الفكر الماوي كالشيوعيين التونسيين فإنهم ينطلقون من تعريف الأمة على أساس علمي طرحه ماوتسي تونغ في تعريف الأمة الصينية واعتبارها أمة واحد، معتبرين أن الفكر الجامع للصينيين جميعاً في تلك الفترة هو الحركة التحررية من الاستعمار الياباني الفاشي ومن الكومنتانغ وفلول الوطنيين "العملاء" في الصين، وعلى هذا الأساس يتم اعتبار "سكان العالم العربي" أمة واحدة ومتجانسة على غرار الأمة الكورية والأمة الصينية والأمة الروسية ..الخ .
لو أردنا أن نضع هذا الطرح على طاولة التشريح لوجدناه علمياً ومناسباً لجمع الأمم المضطهدة في العالم العربي على أساس وحدوي تحرري يساهم في التخلص من نير الاستعمار بشكل أقوى ومنظم فالطاقات الكامنة في شعوب عديدة أفضل من طاقة متفردة وحيدة .
وهذا المنطلق العلمي القائم على الفكر الماركسي اللينيني والذي طوره ماوتسي تونغ مر بمرحلتين يجب التنبه لها قبل دراستها كي لايتم الخلط بين التحليل العلمي الدقيق وبين النسخ والذيلية الأيدلوجية التي وقعت في فخها الكثير من الأحزاب الشيوعية والتقدمية :

المرحلة الأولى: وهي الدارسة التي تعنى بالحالة السياسية الخاصة بالصين بناء على الإدارة السياسية والاجتماعية للحزب الشيوعي الصيني، وهذه لا تعنينا إلا لحالات الدراسة والعرض التاريخي والفهم لمنطلقات هذه البرامج الإدارية سواء كانت إيجابية أو سلبية.
المرحلة الثانية وهي التي تهمنا: وهي تتلخص بالإسهام المعرفي الذي قدمه ماوتسي تونغ كتطور ثالث للماركسية اللينينية بإسهامات متميزة منها الإسهام في المسألة القومية والتي من الممكن إعادة تسميتها أيضاً بالوطنية.
وجد الرئيس ماوتسي تونغ أن الصين تمتلك مقومات بناء أمة “nation” وهذه الأمة متنوعة متجانسة جمعها تاريخ واحد تستطيع أن تشكل مشروعاً قومياً خالصاً.
إن أكثر ما يميز المشروع القومي الصيني والكوري والروسي هو المنطلق العلمي الأيدلوجي الذي انطلق منه على عكس المدرسة القومية العربية التي نشأت أول ما نشأت على عداء عنصري للعنصر التركي الذي حاول طمس الهوية العربية لا على أساس علمي .

التاريخ المشترك بين الفهم العلمي الماركسي والمثالي القومي

ينطلق القوميون العرب بمختلف منابتهم بنظرة وحدوية قائمة على أساس تاريخ مشترك لشعوب المنطقة ووحدة اللغة والدين والتي تهمل كيف تشكلت هذه "الأمة" ممعنين في طوباوية ومثالية لا تسمن ولا تغني من جوع بل وتساهم في تعزيز نزعات رجعية وشوفينية كالمدرسة الفاشية الصدامية.
إن المدرسة العلمية وبالأخص المدرسة الماركسية اللينينية والطرح الذي قدمه ماوتسي تونغ وهوتشي منه وكيم إيل سونغ يستند بالدرجة الأولى على الفهم العلمي للمجتمع والطبيعة والمعرفة والإدراك الواقعي المادي لما يحيط بكل برنامج وفكرة مقدمة للعمل السياسي أو المجتمعي، فالماركسية العلمية تؤمن بأن التاريخ هو سلسة متصلة من الصراعات الطبقية وعلى هذا الأساس نظر ماوتسي تونغ إلى الصين كشعوب ذات تاريخ واحد ولكنها لم تكن شعباً واحداً ولا أمة واحدة بل مشكلة من طبقتين المستغِلين "بكسر الغين" والمستغَلين "فتح العين" وانحاز بالضرورة للطبقة المسحوقة والمهمشة التي تشكل أغلبية الشعوب أو ما أطلق عليه لاحقاً "الأمة الصينية" ذات التاريخ الواحد في الاضطهاد من قبل المستعمر والإقطاعي ومالك العبيد والرأسمالي أيضاً .
لذا تراه يؤكد في أكثر من مناسبة على ضرورة تعريف الأمة والشعب والوطن اذا يقول :
" إنّنا نواجه نوعين من التناقضات الإجتماعية هما التناقضات بيننا و بين أعدائنا، و التناقضات بين صفوف الشعب. و هذان النوعان من التناقضات يختلفان إختلافا تامّا من حيث طابعهما.
لكي ندرك إدراكا صحيحا هذين النوعين المختلفين من التناقضات، أعنى التناقضات بيننا و بين أعدائنا و التناقضات بين صفوف الشعب، ينبغي لنا قبل كلّ شيء أن نوضّح من هو "الشعب" و من هم "الأعداء". .. و في المرحلة الحاضرة، كمرحلة بناء الإشتراكية، فإنّ جميع الطبقات و الفئات و الكتل الإجتماعية التي تستحسن و تؤيّد قضية البناء الإشتراكي وتعمل من اجلها تندرج ضمن الشعب، بينما القوى والكتل الإجتماعية التي تقاوم الثورة الاشتراكية و تعادي البناء الإشتراكي او تعمل على تقويضه، تعد كلّها أعداء للشعب.
لذلك ترى ماو تسي تونغ قد فند قبل أكثر من 50 عاماً كل الأطروحات الرجعية والتي تدعي إسهامها في التحرر الوطني وأكد على 6 نقاط يجب أن تتوافر في أي حركة تحررية ترتكز على أساس قومي :
1)ينبغي على الاقوال والافعال ان تساعد على وحدة شعوب القوميات المختلفة، لا ان تعمل على تفتيتها.

2) ينبغي ان تكون مفيدة للتحويل والبناء الإشتراكيين، لا ان تكون ضارة بهما.

3) ينبغي ان تساعد على تعزيز دكتاتورية الشعب الديمقراطية، لا ان تضعفها.

4) ينبغي ان تساعد على تعزيز المركزية الديمقراطية، لا ان تضعفها.

5) ينبغي ان تساعد على تقوية الدور القيادي للحزب الشيوعي، لا ان تنبذه او تضعفه.

6) نبغي ان تكون مفيدة للوحدة الاشتراكية العالمية و وحدة الناس المحبين للسلام في العالم، لا ان تكون ضارة بهما.

ان الاكثر اهمية من هذه المعايير الستة، هو الطريق الإشتراكي وقيادة الحزب الشيوعي.
"ماوتسي تونغ -حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب" (27 فبراير – شباط – 1957).

لا الحزب القومي الشوفيني الذي عادى الشيوعيين أكثر من عدائه للاستعمار والرجعية التي انحدر إليها معظم القوميين.

ويميز ماوتسي تونغ ويؤكد على ضرورة التركيز على أن النزعة الوطنية و"القومية" لا تتنافى مع الفكر الأممي الشيوعي فيقول بهذا الشأن :
" أيمكن للشيوعي، وهو أممي، أن يكون وطنيّا في الوقت ذاته؟ إنّنا نرى أنّ ذلك أمر ممكن، بل أمر واجب. إنّ مضمون الوطنية تحدّده الظروف التاريخية. فثمّة "وطنية" المعتدين اليابانيين، و "وطنية" هتلر، و ثمّة وطنيتنا نحن. أمّا "الوطنية" المزعومة لدى المعتدين اليابانيين و لدى هتلر فمن واجب الشيوعيين أن يقاوموها مقاومة حازمة. فالشيوعيون في كلّ من اليابان و المانيا هم دعاة إنهزام إزاء الحرب التي تشنّها بلادهم، إذ أنّ من صالح الشعبين الياباني و الألماني إنزال الهزيمة بالغزاة اليابانيين و هتلر بشتّى الوسائل في الحروب التي يشنّونها، فكلّما كانت هزيمتهم أفدح كان ذلك أفضل...ذلك لأنّ الحروب التي يشنّها هؤلاء تضرّ بالشعب في كلا البلدين فضلا عن إضرارها بسائر شعوب العالم. أمّا فيما يتعلّق بالصين فإنّ الحال على خلاف ذلك، لأنّ الصين هي ضحيّة العدوان. و لهذا السبب يجب على الشيوعيين الصينيين أن يجمعوا بين الوطنية و الأممية. فنحن أمميون ووطنيون في آن واحد، و شعارنا هو القتال ضد المعتدين دفاعا عن الوطن. إنّ الإنهزامية جريمة بالنسبة إلينا، في حين أنّ النضال في سبيل كسب حرب المقاومة ضد العدوان الياباني هو واجبنا الذي لا يجوز أن نتنصّل منه، إذ أنّ دحر المعتدين و تحرير أمّتنا أمر لا يمكن إنجازه إلاّ إذا حاربنا دفاعا عن الوطن. كما أنّه لا يمكن تحرير البروليتاريا و سائر أبناء الشعب الكادح إلاّ إذا تحررت الأمّة. و إذا إنتصرت الصين و دحرت الإمبرياليين الغزاة تكون قد قدّمت بذلك عونا إلى شعوب البلدان الأخرى . فالوطنية إذن هي في واقع الأمر تطبيق عملي للأممية في حرب التحرّر الوطني."

"دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية" (أكتوبر – تشرين الأوّل – 1938)، المؤلفات المختارة، المجلّد الثاني.



على هذا الأساس تعرف الماركسية معنى التاريخ المشترك تاريخ الكفاح المتصل بين الشعوب والأمم ضد الحكومات المركزية التي اضطهدتها وأذتها على مر التاريخ .
إن نزع الملامح الطبقية في مسألة الصراع والفهم القومي لهو نابع من طرح القوميين المنتمين إلى الخط البرجوازي والبرجوازي الصغير في تمثيلها الاقتصادي للمصالح الاجتماعي لطبقتها، لذلك تراهم يفصلون التاريخ الكفاحي المشترك لأي مجموعة من الشعوب ويردون الفكرة القومية إلى جوهر وعنصر قائم على أطروحات التاريخ والدين واللغة وهذه الأطروحات قابلة للتغير والاضمحلال بحسب الوضع السياسي والمجتمعي.


ولا أبلغ من هكذا مثال انحسار الثقافات المحلية في العالم العربي لصالح الثقافة السائدة ولكن اشكالية القوميين في فهم الثقافة السائدة تعود مرة أخرى لعدم استناد الكثير منهم على أساس علمي فيرون أن الثقافة السائدة تلغي الآخر أياً كان مستندين على أسطورة "مكافحة الاستعمار والتقسيم المجتمعي" بينما هم يقومون بما يخدم الاستعمار بإقصاء الثقافات وتهميش التنوع الذي يثري المجتمعات العربية ويغنيها ويدفعها إلى الأمام كاليهود العرب"على سبيل المثال لا الحصر" الذين قدموا أرواحهم في نضالات طبقية كبيرة من المغرب والعراق وغيرها، بينما يرى الشيوعيون ممن يقدمون برامج قومية أن هذا التنوع يغني ويثيري حركة التحرر العربية ولا يضعفها مثلما يضعفها العنصر الواحد الذي تبرز خلال تفرده عيوبه ونواقصه وتعزز شوفينية وفاشية مقيتة سببت المعاناة لعقود طويلة لشعوب المنطقة وبعد إنهياراها كان تأثيرها السلبي أكثر من أي نظام شمولي كما حصل في ليبيا والعراق.
حتى أن القوميون أنفسهم بين أيديهم أطروحات علمية مهمة تقدم بها كثيرون أمثال الراحل ياسين الحافظ والمفكر الراحل نديم البيطار الذي ينسف فكرة العنصر وتوارث الجوهر العربي بقوله "الهوية القومية هي هوية نسبية وتاريخية يحققها شعب ما عن طريق تفاعله أ-;-و علاقته الديالكتيكية مع التاريخ ولا يرثها من "جوهر " متأصل فيه . إ-;-ﻧ-;-ﻬ-;-ا استجابة ) response ( تتحول مع تحول أ-;-وضاعنا الاجتماعية التاريخية ، ونقتبسها عنها، وليست رداً " طبيعيًا "
نديم البيطار - حدود الهوية القومية.


تشكل الهوية العربية

تقع المنطقة العربية بين 5 كيانات متصلة ولكنها ذات حدود اجتماعية متباينة لذلك من الممكن أن نطلق عليها قوميات اجتماعية وليست قوميات سياسية وهي : الجزيرة العربية –سورية الطبيعية- وادي النيل – شمال إفريقيا
وتحمل كل قومية اجتماعية منها ملامح هوية وجوهر متوارث يجب أن لايكون بالأصل ذو نزعة انفصالية كما يطرح بعض المعادين للدين "كملحد متدين" لا كماركسي علمي فهناك اختلافات عظيمة بدرجة التأثر والتأثير في هذه القوميات المجتمعية.
مثلاً لا يمكننا تشبيه فكرة القومية الاجتماعية السورية"ليس الحزب" بالهوية الفرعونية لأنه تشبيه مجحف بسبب القطع الحضاري الحاصل بين الدولة "والهوية" الفرعونية وبين الدولة والهوية المصرية الموجودة وانكفاء هذه الهوية إلى رواسب مجتمعية وتشكيلات اجتماعية تظهر بشكل جديد لكنها قائمة على هذا الأساس فمثلاً في مصر يجب أن يُدفن الميت في قريته ولو اضطر الأهل لبيع كل ما يملكون،مكان المقبرة غربي المساكن السبوع،الأربعين ...ألخ .
بينما في سورية التي لم تكتفي بتقبل الثقافة العربية القادمة من الغزو الإسلامي بل وصبغته بهويتها الثقافية فخلقت تنوعاً اكتسب ثقافة جديدة وأثرى الثقافة الموجودة بالأصل وأكبر الأمثلة على هذا هو التنوع الديني والمذهبي في كل من سورية "الدولة" والعراق فمثلاً الطائفة الدرزية الموحدة جمعت بين الدين الإسلامي والمذهب الفاطمي المصبوغ بالثقافة المصرية وأثر فيها "شاهد ميتم مصري وعراقي وملامحه الاجتماعية" وجمعت كذلك الفلسفة الاغريقية المتأصلة في المنطقة فتم اعتبار أفلاطون وفيثاغوروس أنبياء وتجسدات لفلسفات كونية فيثاغورية كانت انتهت بعد خراب الاسكندرية وتسيد الثقافة القبطية المسيحية على الثقافات الاغريقية والرومانية، أو الايزيديين الذي جمعوا الثقافة الفارسية المثنوية في الإله وبعض المثيولوجيا الإسلامية وشكلوا دينهم المتواجد.
لم يحصل قطع حضاري في سورية ولكن حدث انكفاء ثقافي بسبب الغزو القرشي"وأقصد بالغزو القرشي هو فرض لهجة قريش في اللغة العربية على اللهجات العربية الشآمية والعراقية "بتقسيم عربي حديث"من خلال لغة القرآن التي تأثرت باللغات السورية "العربية منها" مثل كلمات "جهنم وشيطان والكلمات المستمدة من الأساطير الدينية" .
يوجد لليوم مجموعات قومية غير عربية بشكلها الحديث مثل :السريان الأثور الكلدان وحتى الأقباط الذين حافظوا على لغتهم القومية لسبب بسيط أنهم لم يدخلوا الإسلام واستعملوا لغتهم القديمة في الحياة الاجتماعية وفي الطقوس الليتورجية الكنسية للحفاظ على الهوية القومية التاريخية من الاضمحلال في مجتمعات محيطة بهم كان هدفها قتل هذه الحضارات بسياسة الإقصاء الديني والتي كان من أهم روادها ابن تيمية وغيرهم والتي توجت حقارتها بالفكر الوهابي،هذا الإقصاء الديني المستند على ثقافة صحراء الجزيرة العربية شكل مرجعاً لتنامي نزعات قومية شوفينية بين الأمازيغ والمصريين والتونسيين وغيرهم ساهمت بترسيخ التفتت المجتمعي بين فئات مضطهدة في مجتمع واحد !

الإشكال القومي العربي بين الهوية العنصرية والحركة التحررية

إن الإشكال بين الفكرة القومية العربية الشوفينية المتخلفة أنها تبحث بكل ما أوتيت من قوة لتشكيل هوية قومية قائمة على عنصر عربي وتحويل القومية إلى أيدلوجية منفصلة بحد ذاتها عن الواقع الاجتماعي والسياسي والديموغرافي والانثروبولوجي،بل وساهم هولاء الجهلة بتحويل الهوية العربية الحضارية المتنوعة بمشاربها الثقافية، والتي تشكل قوة اجتماعية بتنوعها تساهم في إثراء الدول وقوتها وحولوها إلى قوميات متناحرة بين عرب وكورد وأسوأ مجموعة ظهرت على الساحة القومية البعثية نسخة عشيرة صدام وعصابته،بينما تتلخص الفكرة القومية التحررية بأن سكان 5 أقاليم جغرافية يجمعها تاريخ سياسي واحد "لا عنصر قومي أبداُ" وتاريخها السياسي من نظرتنا الماركسية هو تاريخ شعوب رزحت تحت نير الاقطاع العربي والتركي و..و.. حتى وصلت إلى التقسيم الاستعماري الحديث .
لذا ببساطة القومية العربية والعروبة هي باختصار : تشكيل سياسي اجتماعي بين مجموعة شعوب مشتركة التاريخ السياسي وهذا التشكيل العربي الشعبي هو أداة كفاحية تعزز نضالات هذه الشعوب معاً في التحرر الوطني من الاستعمارات الأجنبية بشكلها المباشر وغير المباشر،ويجب أن تكون وحدة كفاحية لا وحدة أيدلوجية، وأكبر دليل على سقوط فكرة الأيدلوجية القومية هو أن القومجيين بمختلف مشاربهم الفكرية لا يستطيعون أن يتوحدوا في تنظيم واحد في دولة واحدة بسبب الخلاف السياسي فكيف ننتظر منهم توحيد "الأمة العربية مهما كان تعريفها وشكلها" مما يؤكد أنها ليست أيدلوجية علمية عندهم ولا تستند إلى أساس تقدمي ولفهم مدى الجهل والانحدار المثالي لديهم يكفي النظر الى الناصريين الجدد مثلاً ..أو الى السيدة (ليسن يو أوباما سيسي يس سيسي يس مرسي نو مرسي نو ) فهذه المثقفة السياسية هي عضو في حزب الكرامة الناصري(تخيل يارعاك الله) أو إلى البعث العراقي وتياره النقشبندي السني الداعشي أو إلى رائحة القومي هنا وهناك .
اختلاف آخر ظهر بين القوميين بمختلف كياناتهم السياسية فهناك الشيوعيون الماويون" أصحاب الطرح القومي العربي العلمي" على سبيل المثال يؤمنون بالوحدة العربية وتشكيل أمة عربية لكنهم يؤكدون تشكلها من مختلف القوميات والأعراق وحتى موضوع القوميات الأخرى يرجعون بها إلى مبحث الثقافة السائدة "وهي العربية" مع ضمان والتأكيد على الحقوق القومية والثقافية والإثنية لكافة القوميات والإثنيات في المنطقة سواء الأصيلة منها أو الجديدة كالشركس والأرمن والشيشان والفرس ..الخ
أما بالعودة للقومية السورية بشكلها الحديث فإن البرنامج السياسي للقوميين السوريين متطور دوماً لدرجة أن خلافاً كبيراً يقوم بين منظري الحزب وخصوصاً في مسألة الفضاء العروبي الذي تنتمي له الأمة السورية، ويقوم تعريف هذه الأمة على أساس مجتمعي جغرافي يؤكد سهولة التوحد في كيان متجانس قومياً بسبب وقوع هذه الشعوب في منطقة شبه مغلقة جغرافياً بسبب حدود الصحاري والبحار والجبال المحيطة بها،ولكنهم على عكس الشوفينية العربية "وليست القومية التحررية" لا يؤمنون بالانعزال أو التفوق،مما جعل الكثير منهم وخصوصاً "مقربين من شخص الزعيم أنطون سعادة بالنسب والقرابة" مؤمنين بفكرة المشرقية العربية،القائمة على أساس اقليم قاعدي عربي يكون منطلق لتوحيد الكفاحات الشعبية العربية من أجل اتمام التحرر الوطني الديموقراطي كحاجة أساسية لبناء استقلال وطني سواء كان في اقليم المشرق أو في العالم كله.

من وجهة نظري لا أرى أي تناقض بين الأطروحات القومية الثلاثة بل أرها مكملة لبعضها البعض ومرسخة لفكرة التحرر أكثر وأكثر بناء على المتغيرات السياسية وخصوصاً بعد وباء الربيع العربي الذي أصاب المنطقة،فالشيوعية الماوية "على سبيل المثال" لا تعادي الفكرة القومية السورية" لكني بشدة أعادي الاستعلاء الشوفيني لدى بعض التنابل ممن يؤمنون بالهوية الفرعونية وكأنه يبني المسلات والأهرام هنا وهناك،وكذلك الفاشيين الأمازيغ وعتاة الأكراد المتصهينيين ..الخ من القوميات الفرعية الشوفينية وخصوصاً التي تشكلت كرد فعل على كره العرب والعروبة بسبب جرائم الصداميين ومن لف لفهم.
الفكرة المشرقية العربية قائمة على أساس سياسي فمشروع المشرقية هو نواة تحررية بشكله الحالي فسورية ولبنان والعراق تخوض معارك "الأمة بكاملها" وتدافع عن الأمازيغي والقبطي ضد الغزو الاستعماري بأدوات الفاشية الدينية "في هذه الفترة" وامكانية تشكيل الحلف المشرقي القائم على منافع اقتصادية وسياسية متبادلة وعلاقات ندية وودية مع ايران مثلاً ومع البريكس وأمريكا اللاتينية لا ينفي أممية الفكرة بل يؤكدها ولا يعادي الفكرة القومية التحررية بل ينطلق من هذه القاعدة السياسية،وحتى القومية السورية وإن رغب منظروها بالاكتفاء بالكيان السوري كدولة لكنها لا تتوقف عند الهوية السورية بل تؤكد أنها جزء لا يتجزأ من فضاء عروبي واحد.
الأطروحات الثلاث أعلاه هي تطبيقات فعلية للحركة القومية الحقيقية التحررية في جوهرها السياسي والاجتماعي والتي يجب أن تكون اشتراكية بالضرورة في برامجها الاقتصادية وأن تكون وحدوية التوجه والقائم على إعادة انتاج العلاقات القومية على قاعدة التحرر والكفاح المشترك ضد الاستعمار والصهيونية والرجعيات المحلية لا على قاعدة التاريخ المشترك "الحكم الإسلامي..الخ" لأن هذه الشعوب عانت من الاقطاعية الوطنية أكثر مما عانت من الاستعمار الخارجي .
ولم تكن التشكيلات السياسية السابقة مستقرة أو قادرة على حماية الشعوب بمقدار ما كانت قائمة على استغلالها، لذا إذا أردنا أن نضع فكرة قومية على أساس تاريخ مشترك بين هذه الكيانات والشعوب ال5 فإنها قائمة أساساً على تاريخ الكفاح المشترك ضد الحكومات السابقة كالأتراك والمماليك والعباسيين وحتى الأمويين .
وعلى هذا الأساس يجب أن تكون المسائل القومية لدى المنظمات والحركات التحررية والتي لم تدرك هذا الكفاح التاريخي سوى في مجاميع قومية "أيدلوجياً" قليلة منها التنظيم الشعبي الناصري صاحب أكبر طرح تقدمي بين القوميين لأنه يرى أن التحرر أساس الاشتراكية والتي هي أساس الوحدة على عكس فلاسفة القومجيين الجدد الذين يرون وحدة عرقية وقومية من الممكن أن تؤدي إلى توحد واشتراكية الأمر الذي يخالف منهجية أكبر حركة قومية تحررية في التاريخ المعاصر وهي الحقبة الناصرية التي بدأت تحقق التحرر الوطني بدعم الجزائر واليمن مثلاً ثم تحدثت عن بناء داخلي "تحالف قوى الشعب الهامل" وانطلقت الى وحدة الاقاليم "السوري والمصري" والتي منيت بالفشل لأسباب كثيرة ومتعددة منها عدم التجانس السياسي والاجتماعي والثقافي والشكل العسكرتاري الذي طبق وخصوصاً في الإقليم الشمالي واستثناء الطاقات السياسية من عملية البناء كالاستثناء العظيم للقوميين والشيوعيين وخصوصاً القمع الذي قام به المجرم النافق السراج والذي ساهم بشكل كبير بإطاعة مركز الاقليم الجنوبي دون أي قدرة مخابراتية على فهم الحراك السياسي القائم في سورية مما أدى إلى سقوطها "وهذا موضوع آخر".
في الختام أؤكد أن القومية التحررية الحقيقية يجب أن تعرف كالتالي: هي أداة كفاحية لشعوب ذات تاريخ نضالي مشترك ولبناء تشكيل سياسي مجتمعي متنوع وقوي قائم على اساس تقدمي يحترم كافة التنوعات ويحتويها ويستفيد منها من أجل الاستمرار في التاريخ الكافحي الواحد وترسيخه وتقدمه