تشويه الماركسية : كتاب - تونس : الإنتفاضة و الثورة - لصاحبه فريد العليبي نموذجا


ناظم الماوي
2014 / 8 / 31 - 00:28     

تشويه الماركسية : كتاب " تونس : الإنتفاضة و الثورة " لصاحبه فريد العليبي نموذجا
( نسخة بي دي أف من هذا المقال متوفّرة للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )
ملاحظة :
إنتهينا من تأليف هذا البحث فى بداية 2012 و كنّا ننوى نشره بسرعة بعد نسخه كما يجب غير أنّ ظروفا معيّنة حالت دون ذلك و ظلّ فى شكل مسودّة عدنا إليها عندما قرّرنا نشر كتاب يعنى بالخطّ الإيديولوجي و السياسي للمجموعات التى تقول إنّها ماوية فى القطر فى إرتباط بضرورة تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا فكان بوسعنا حالئذ تحيينه و تنقيحه لكنّنا لم نفعل سوى رقنه و آثرنا تركه كما هو فى آخر مسودّة سيما و أنّنا عقدنا العزم على مواصلة متابعة الإشتغال على وثائق أخرى لحزب الكادحين و أمينه العام .
لذا نرجو من القرّاء أخذ ذلك بعين النظر كما نرجوهم أن يأخذوا بعين النظر أيضا أن صاحب الكتاب الذى ننقد هو الأمين العام لحزب الكادحين الذى صار منذ مدّة حزب الكادحين الوطني الديمقراطي .
===================================================

قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء .
( لينين – مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة ).
--------------------------
إن النظرية هي تجربة حركة العمال في كل البلدان، هي هذه التجربة مأخوذة بشكلها العام . ومن الواضح أن النظرية تصبح دون غاية ، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ؛ كذلك تماماً شأن النشاط العملي الذي يصبح أعمى إذا لم تنر النظرية الثورية طريقه . إلا أن النظرية يمكن أن تصبح قوة عظيمة لحركة العمال إذا هي تكونت في صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري ، فهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوة التوجه وأدراك الصلة الداخلية للحوادث الجارية ، وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط في أي اتجاه وكيف (....) تتحرك الطبقات في اللحظة الحاضرة ، بل كذلك في أي اتجاه وكيف ينبغي أن تتحرك في المستقبل القريب .
نظرية" العفوية" هي نظرية الانتهازية ، هي نظرية السجود أمام عفوية حركة العمال ، هي النظرية القائمة على إنكار إن الدور القيادي لطليعة الطبقة العاملة ، إنكار الدور القيادي لحزب الطبقة العاملة ، إنكاراً فعلياً ... إن نظرية السجود أمام العفوية تعارض معارضة تامة في أعطاء الحركة العفوية صفة واعية ومنظمة ، أنها تعارض في أن يسير الحزب على رأس الطبقة العاملة ، وفي أن يرفع الحزب الجماهير إلى مستوى الوعي ، وفي أن يقود الحزب الحركة وراءه . انها تريد من العناصر الواعية في الحركة، أن لا تمنع هذه الحركة من متابعة السير في مجراها ، أنها تدعو إلى أن يقتصر الحزب على ملاحظة الحركة العفوية وعلى الزحف في مؤخرتها . إن نظرية العفوية هي نظرية الانتقاص من دور العنصر الواعي في الحركة ، هي عقلية " السير في المؤخرة " هي الأساس المنطقي لكل انتهازية .
( ستالين – " أسس اللينينية " )
--------------------------------

إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي- الينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ سواء .
(" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ " صفحة 65 ؛ و" قضايا الحرب و الإستراتيجيا " 6 نوفمبر- تشرين الثاني- 1938- المؤلفات المختارة ، المجلد الثاني ).
-------------------------------
على كلّ شيوعي أن يدرك هذه الحقيقة : " من فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية " .
( المصدر السابق ).
-----------------------
بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيء للشعب.
(ماو تسى تونغ " الحكومة الإئتلافية "- 24 أفريل – نيسان 1945؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثالث ؛
و " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، الصفحة 105).
-------------------------------
على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أية حقيقة ، تتفق مع مصلحة الشعب . و على الشيوعيين أن يمونوا فى كلّ وقت علىأهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلها ضد مصلحة الشعب .
( " الحكومة الإئتلافية " ، 24 أبريل - نيسان 1945 ، المؤلفات المختارة المجلّد الثالث ).

================================================================





المحتويات:
1- مقدّمتنا و صدمة مقدمته .
2- إضطرابات فى المنهج و الأفكار :
+ منهج يتنافى مع المادية الجدلية : أ- مصطلحات و مفاهيم برجوازية فى نهاية المطاف .
ب- المثالية فى تناول المسائل .
+ عدم دقّة و تضارب فى الأقوال من صفحة إلى أخرى .
3- إنتفاضة و ليست ثورة :
أ- تداخل فظيع فى المفاهيم .
ب- أسباب الإنتفاضة .
ت- أعداء الإنتفاضة .
ث- مكاسب الإنتفاضة .
ج- آفاق الإنتفاضة .
ح- وهم تواصل الإنتفاضة و المسار الثوري .
4- عفوية الجماهير و الوعي البروليتاري :
أ- الوعي الطبقي / السياسي : موجود أم غائب ؟
ب- الوعي الطبقي / السياسي و غرق الكاتب فى الإقتصادوية .
ت- الوعي الطبقي مقابل العفوية .
ث- النضال ضد إنتهازية " اليسار" و " اليمين الديني" .
ج- فهم العصر و الوضع العالمي .
5- التعاطي الإنتهازي مع الإستشهادات:
أ- بصدد إستشهاد بماركس .
ب- بصدد إستشهادات بماو تسى تونغ .
ت- آلان باديو؟
6- المسكوت عنه كلّيا أو جزئيّا :
أ- تغييب لينين كلّيا.
ب- تغييب حرب الشعب كلّيا.
ت- تغييب النضال ضد إضطهاد نصف السماء/ النساء مرحليّا .
7- الخاتمة:
1- مقدمتنا و صدمة مقدّمته :

حدث جلل ما جدّ فى تونس فى جانفي 2011 فهروب بن علي كرئيس للبلاد ما كان متوقّعا من ناحية و من ناحية أخرى تحقيق الشعب فى تونس مثل هذا الإنتصار كان بمثابة رمي حجر فى بحيرة من الماء الراكد نسبيّا على مستوى الوطن العربي ستكون له تبعات هامة و أكيدة على مجرى الحياة السياسية فى عدد من الأقطار . لذلك تابعنا ، ضمن المتابعين عن كثب ، ما يحبّر و يقال و يصوّر عن حدث من هذا القبيل و طالعنا الكثير ممّا خطّ على الورق أو نشر على الأنترنت فى نسخ ألكترونية ، غير أنّ هذا و بالرغم من دسامته ، لم يشف غليلنا إلى المعرفة و الإحاطة بأهمّ جوانب الإنتفاضة الشعبية فى تونس خاصّة و انّ ما طالعناه من كتابات شيوعية ثورية فى شكل نصوص جيدة إنصبّت على جوانب معيّنة و لم تلمّ بالإنتفاضة من كلّ جوانبها و من كتابات شتّى غير شيوعية ثورية تناولت المسألة من وجهة نظر أبعد ما تكون عن وجهة النظر البروليتارية التى نتبنّا و التى ينبغى ان يكون شغلها الشاغل بلوغ الحقيقة بعمقها و شموليتها لأنّ الحقيقة وحدها هي الثورية كما يقول لينين و لأنّ كل الحقائق مفيدة للشعب كما يؤكّد ماو تسى تونغ للفهم و إستخلاص الدروس قصد تغيير الواقع تغييرا ثوريّا .
و على هذا ، لمّا لاحظنا على شبكة الأنترنت بعض من يقدّمونأنفسهم على أنّهم من الشيوعيين الماويين يقومون بالدعاية لكتاب عن الإنتفاضة إعتبروه هاما ، إهتزّ قلبنا غبطة و قلنا فى نفسنا أخيرا سننال قسطا من المعرفة العميقة و الشاملة بعدما تجمّعت لدينا قراءات جيدة للحظات من تطوّر الصراع الطبقي فى تونس فى المدّة الأخيرة و تحليلات لا بأس بها لجوانب نظرية و عملية إستقيناها من عديد مقالات الرفاق الشيوعيين الماويين المنشورة فى الحوار المتمدّن و المتداولة على الفايسبوك .
و نحن ننتظر حصولنا على نسخة ورقية من الكتاب ، كنّا نتحرّق شوقا كالأطفال الذىن ينتظرون عودة والديهما ليمدّاهم بالهديّة التى وعداهم بإقتنائها لهم . وأمسكنا بالكتاب حين وضعنا عليه يدىنا بإرتعاشة خفيفة فرحا. و أخذنا نقلّبه يمنة و يسرة قبل تصفّحه . فأحسسنا و كأنّ قطرة ماء بارد تسلّلت إلى ظهرنا حينما لمحنا فى الجهة الأولى و الأساسية من الغلاف صورة لإعتمادها اللون الأبيض فقدت بريقها و تأثيرها و رسالتها وهي بألوانها الأصلية التى عرفناها على النات جدّ معبّرة. و لمّا ألقينا نظرة على الجهة الثانية من الغلاف عاودنا ذات الإحساس بالرعشة لتسلّل قطرة ماء بارد أخرى إلى ظهرنا ذلك أنّ كتب و بحوث الكاتب مذكورة دون تمييز و دون تعيين الدوريّات التى تتوفّر بها و سنوات النشر و ما إلى ذلك من معطيات تتطلّبها الدقّة العلمية و تيسّر لمن يرنو الإطلاع عليها عمليّة الحصول علي مراده .
و بعد قراءة الإهداء ، هممنا بالإنقضاض على المقدّمة إلاّ أن عينايا لم تطاوعاننا فى المرور إلى الصفحة المقابلة و سرعان ما إستحضرت ذاكرتنا عمّار العليبي أحد شهداء إنتفاضة 1984 و من لقبه و لقب الكاتب إستخلصنا صلة عائلية . و لئن لا يسعنا إلاّ أن نوجّه تحيّة إكبار للشهداء الذين قدّموا حياتهم و دماءهم فى خدمة الشعب ، فقد حزّ فى نفسنا ذكر شهيد حمل هموم البروليتاريا العالمية دون ربط الحلقات بمعنى ربطه بغيره من شهداء ذات الإنتفاضة و الإنتفاضات الأخرى السابقة فى تونس و شهداء الإنتفاضة الأخيرة و أيضا بالمضحّين بالغالي و النفيس من أجل تحرير الإنسانية جمعاء من كلّ صنوف الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري و تحقيق الشيوعية عالميّا . بروليتاريّا ، دم عمّار العليبي يلتحم بدم فاضل ساسي و دم فتحي فلاح و حمّادى زلّوز و غيرهم فى القطر ليعانق كأحد الروافد نهر دماء شهداء البروليتاريا الذين غطّوا بدمائهم الزكية الحمراء الكوكب من أقصاه إلى أقصاه ، من كمونة باريس إلى أيامنا هذه و شهداء الثورة الماوية فى الهند أخيرا القادة آزاد و كيسنجي ... فالعالم أرحب و أرحب و أرحب بالنسبة للبروليتاريا العالمية و بالتالي لعمّار العليبي الشيوعي الماوي الأممي !
تحت تأثير هذه الأفكار التى راودتنا ، وجدتنا عوض أن نحثّ الخطى لنتوغّل فى مقدّمة الكتاب ، مغمضى العينين ، منقبضى النفس و قلبنا يعتصر ألما تضاعف بتواتر صور آزاد و كيسنجي و تداخلهما مع صور كثيرة لرفيقات و رفاق من العالم قاطبة ، فى ثواني معدودات كالومضة الضوئية.
و كدنا نتوقّف عن القراءة و نضع الكتاب جانبا لحين بيد أنّنا جمّعنا قوانا و أصدرنا لنفسنا أمرا قاطعا : إلى المقدّمة حالا! و بقدر ما كانت آمالنا عريضة و كبيرة فى الحصول أخيرا على إحاطة بكافة جوانب الإنتفاضة الشعبية فى تونس بقدر ما كانت خيبة أملنا ثقيلة ثقل الجبال الرواسي ، و بقدر ما جنّحت بنا الآمال بقدر ما كان السقوط مدوّيا .
و قد تملّكتنا بفعل شعور جارف بالإحباط فكرة تأجيل عملية القراءة إلى أجل غير مسمّى لقناعة نشأت فى داخلنا و كبرت بسرعة فائقة بعدم إنطواء الكتاب و ثناياه على تحليل و تلخيص شيوعيين ماويين و حرّكنا رأسنا فى محاولة لإسقاط فكرة تأجيل القراءة من ذهننا لكنها لم تطاوعنا بل تمسّكت أيما تمسّك فلم نعد نرى سواها و نحن نجول بنظرنا فى المكان الذى كنّا فيه . و فجأة فى داخلنا سمعنا صوتا خافتا كأنّ أحدا ينادين من بعيد لم نتبيّن لحظتها فحواه ثمّ أصغينا إليه بكلّ إنتباه فألفيناه يحدّثنا عن مواصلة القراءة و يدفع بفكرة بزغت فى البداية صغيرة للغاية ، فكرة إنجاز قراءة نقدية للوثيقة التى بين أيدينا و ما هي إلاّ لحظات حتى إستحالت ، بعد تفحّص الأمر من وجهة نظر المساهمة فى نشر الشيوعية الحقيقة و نظرية الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية - اللينينية - الماوية ، قرارا صارما و واجبا لا مفرّ منه عملا بما علّمنا إياه ماو تسى تونغ من الإستفادة من الأفكار الصحيحة و كذلك من الأخطاء ، و تحويل الشيء السيئ إلى شيء حسن .
و بذلت قصارى جهدي لأنهض بهذه المهمّة على أفضل وجه و النتيجة أضعها أمام الرفيقات و الرفاق خاصة و القارئ و القارئة عامة.
-----------------------------------------------
فى الفقرة الأولى من المقدّمة نقرأ أنّ الكتاب : " يطمح إلى الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمّة العربية ، بالتفكير فى ماهيمتها ، و محاولة رصد التناقضات التى تحكّمت بها ، و النتائج التى أفرزتها إلى حدّ الآن ، و المسار المعقّد الذى لا تزال تجتازه ، و الطاقات التى تختزنها و المأزق الذى تواجهه والسبل المفتوحة أمامها ، و بالتالى الوقوف على ما ظهر منها و ما خفي ، و إستشراف آفاقها ، و تسليط الضوء على شعاراتها ، و تحديد القوى التى حرّكتها و تلك التى جابهتها ، أي فهم علاقة مجموعة القوى المتدخّلة فيها بعضها ببعض ، و حصر مجالات فعلها و الوسائل التى إستعملتها ، و الوقوف على مهامها المنجزة و غير المنجزة ، فى صلة بالغايات التى رسمتها لنفسها ، فقد فرضت علي الأحداث التى عشتها خلال العام الذى يوشك على الإنتهاء من عمر الإنتفاضة ، متابعتها من موقع المساءلة النظرية ، آملا فى القبض على أفكار ، تساعد على الإجابة عن سؤال ما العمل؟ " ( ص3 ).
عظيم ! هذا ما قلناه فى نفسنا و نحن نبحر فى ثنايا الكتاب و نمنّيها بإشباع نهمنا للمعرفة رغم إستنكافنا خاصة من الجملة الأولى و " الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية " و إضافة " و من ثمة العربية " و كأنّ الأمر آلي أو أنّ هناك فى الواقع " إنتفاضة عربية " ؛ لكن خيبة الأمل كانت كبيرة عند بلوغنا الصفحة الأخيرة من الكتاب الذى قرأنا بصفة مسترسلة فى ساعات معدودات . فصاحب الكتاب لم يف بما وعد حيث لم نجد نصّا خاصا أو فصلا ل" تسليط الضوء على شعارات الإنتفاضة " على أهمّيتها و الشيء ذاته يمكن قوله عن " تحديد القوى التى حرّكتها و تلك التى جابهتها " و " الوسائل التى إستعملتها " إلخ . هذه المسائل و غيرها لم يأت عليها كلّيا أو بالعمق اللازم " البحث المتواضع " ( ص4) من جهة و الذى " يطمح إلى الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمة العربية " من جهة ثانية !!!
و عند بلوغ نهاية الكتاب ، لم نخرج بأفكار واضحة أمل الكاتب القبض عليها ل " تساعد على الإجابة عن سؤال ما العمل؟ " عدا فكرة مواصلة النضال و الإنتفاضة .
و نتابع مع ما ورد على لسان الكاتب من :
" للإنتفاضة كينونتها فهي تحيى و تنمو من خلال حركة صناعها ، إنّها تتطلّب الدراسة بإعتبارها مسارا نحو الثورة ، أو إنحدارا نحو الثورة المضادة " .
و كتعليق مباشر ، نقول إنّ الإنتفاضة لا تحيى و تنمو من خلال حركة صناعها و حسب و إنّما أيضا من خلال التناقضات الداخلية لحركة صناعها و كذلك فى صراع ضد حركة القوى المعادية لها ، أعدائها . و بالتأكيد أنّ هذا الفهم لحياة و نموّ الإنتفاضة المستعصى على الضبط الدقيق من طرف الكاتب يصدر عن نظرة إحادية الجانب بعيدة عن النظرة المادية الجدلية للأشياء و الظواهر و السيرورات . والإنتفاضة ليست " مسارا نحو الثورة ، أو إنحدارا نحو الثورة المضادة " و إنّما هي لحظة مفصلية من لحظات الصراع الطبقي قد تكون جزئية أو عامّة ، و قد تنتصر و تحقّق بعض المطالب أو تنهزم و قد تشكّل هي ذاتها جزءا من ثورة - متبوع بحرب أهلية - إن توفّرت مقدّماتها و مستلزماتها و تمكّنت بفضل قيادة ثورية تتقن فنّ الإنتفاضة و تنظيم و حركة ثوريين وقوّة و وعي طبقي و مشاركة جماهيرية عريضة و تضحيات جسام من الإطاحة بالطبقة او الطبقات السائدة و جيشها و دولتها ككلّ و إرساء دولة جديدة عمادها جيش شعبي . يقول الرفيق ماو تسى تونغ " إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنيف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى"- مارس 1927-
و ما جاء فى فقرة أخرى من المقدّمة يحظى بأهمّة كبرى :
" و الإشتغال على هذه الإشكاليّات و محاولة حلّها ليس مقصده معرفي فقط كما ذكرنا وإنّما عملي أيضا، إذ يتمثّل رهانه فى إثراء معرفتنا بكفاح الجماهير المنتفضة ، بما يمكنها من وعي ذاتها و يفتح المجال أمام ولوجها دروب الحرّية ، بمعنى أنّ المقصد مزدوج ، فهو تفسيري و تغييري فى ذات الوقت ". ( ص 4-5 ).
هذه فقرة عظيمة أخرى لا تخطئها العين المتفحّصة ، إضطررنا إلى إعادة قراءتها أكثر من مرّة لأنّ خيوط المنطق الداخلي فيها متقطّعة فكيف يمكّن " إثراء معرفتنا بكفاح الجماهير" الجماهير ذاتها من " وعي ذاتها " ؟ بمعنى إن نحن تعرّفنا عليها بمزيد من العمق هل يتماهي ذلك أو يساوي أنّها تمكّنت من" وعي ذاتها " ! لا علاقة لهذا اللغو بالفهم الماركسي – اللينيني – الماوي لا للعلاقة بين الممارسة العملية و النظرية و لا لمقتضيات الخطّ الجماهيري !
هل تُمكّن معرفة كفاح الجماهير الجماهير ذاتها من " ولوج دروب الحرّية " ؟ لينينيّا ، ليس وعي الجماهير بذاتها فقط و إنّما و بالأساس عملها لذاتها بقيادة حزبها الطليعي أي سعيها لإفتكاك السلطة لتغيّر العالم من منظورها هي هو الذى يخوّل لها المضي صوب تحرير ذاتها و الإنسانية جمعاء كمهمّة تاريخية ملقاة على عاتقها .
و ينمّ إستعمال الكاتب لمصطلح " الحرّية " بصيغة عامة فضفاضة عن غياب الصرامة العلمية من وجهة نظر المنهج المادي الجدلي و بالمناسبة نذكّر بتحديد ماو تسى تونغ للحرّية بما هي " وعي الضرورة و تغيير الواقع ". و للأسف سيتمادى الكاتب فى إستعمال المصطلح إيّاه و بالصيغة إيّاها فى الصفحة عينها و فى ثنايا الكتاب ( مثلا أيضا صفحة 22 " شوقهم للعدل و الحرّية " – مضيفا هنا العدل بذات الصيغة الفضفاضة - ليؤكّد عدم إلتزامه بالمنهج المادي الجدلي و بالموقف الطبقي البروليتاري ).
إنّ فهم الكاتب للحرّية فى المجتمع الطبقي و جمعه بين كلمة الحرية و الدولة يتضارب مع الفهم الشيوعي الحقيقي لها وقد أصاب لينين حين صرّح فى " الدولة و الثورة " :
" الآن فقط ، يمكننا أن نقدّر كل صحّة ملاحظات إنجلس عندما سخر دونما رحمة من سخافة الجمع بين كلمتي " الحرية " و " الدولة " . فما بقيت الدولة ، لا وجود للحرية ، و عندما توجد الحرية تنعدم الدولة ."
والجملة التالية بالضبط للفقرة التى علّقنا عليها للتوّ ، تجانب الحقيقة بصورة مزعجة إذ ورد فيها " لقد مثلت الإنتفاضة التونسية الشرارة التى أحرقت السهل العربي" و الصيغة تعميمية لا تصمد أمام وقائع الحياة العنيدة و تذكّرنا بملاحظة سابقة صغناها و تشى بالنزعة المثالية لدى الكاتب الذى لا ينظر إلى الواقع المادي الموضوعي كما هو و إلى أنّ الحقيقة هي حدوث إنتفاضات فى بلدان معيّنة و عدم حدوثها فى بلدان أخرى ، بل يعوّضه بالتعميم و التجريد الذى ليس له أساس مادي و لا يعكس الحقيقة و بالتالى يسقط فى المثالية الذاتية لا غير تصل به حدّ الهذيان ب " إنتفاضة عربية متحرّكة " ( ص 6 ) !
ونفتح أعيننا على غياب الصرامة العلمية و الدقّة التاريخية فى " بما يذكّر بتلك الإجابة الطريفة الواردة على لسان الوزير الأوّل الصيني الأسبق شو آن لاي ، الذى سُئل يوما عن تقييمه للثورة الفرنسية فأجاب ..." . متى وقع ذلك ؟ فى أيةّ سنة؟ و عن أية ثورة فرنسية يتمّ السؤال؟ هذا فضلا عن أنّ شو آن لاي ، ماويّا ، وسطي إلتحق باليمين و دنك سياو بينغ و دافع عنه و عمل معه ضد ماو تسى تونغ و القيادات البروليتارية الثورية داخل الحزب الشيوعي الصيني خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، و خاصة إثر فشل الإنقلاب الذى حاول القيام به لين بياو و وفاته وهو يسعى إلى الفرار إلى الإتحاد السوفياتي سنة 1971. و من ثمّة ندقّق لمن يرغب فى فهم جملة الكاتب : شو آن لاي كان وزيرا أوّلا زمن الصين الماوية لسنوات إلى وفاته سنة 1974 و ما قصده الكاتب و لم تفصح عنه جملته بوضوح هو إنتفاضة 1968 بفرنسا و نكرّر إنتفاضة 1968 بفرنسا و ليست " الثورة الفرنسية " !!! و بالمناسبة فى الصفحة 43 سنجد الكاتب يتحدّث عن نفس الحدث فى فرنسا كاشفا عن " إنتفاضة ماي 1968 الفرنسية " ما يبرز لديه فضلا عن ما سقناه من ملاحظات ، خلطا فظيعا فى الفهم و التمييز بين الثورة و الإنتفاضة يزداد تأكّدا فى خاتمة المقدّمة و جملة " تلك الإنتفاضات أو ما أطلق عليه أحيانا صفة الثورات ". و كلّ هذا لا يبقى ظلاّ من الشكّ فى أنّ منهج الكاتب إنتقائي و موقفه الطبقي متقلّب و الإثنان يصبّان فى خانة الفكر البرجوازي و إن تقنّعا أحيانا لمصطلحات و إستشهادات منبعها رموز الشيوعية الثورية .
جانفي 2012



2- إضطرابات فى المنهج و الأفكار :

1- منهج يتضارب مع المادية الجدلية :
لبلوغ معرفة الواقع المادي المتحرّك و تحليل الأشياء و الظواهر و السيرورات يحتاج الباحث أو الباحثة إلى منهج فضلا عن الموقف الطبقي و وجهة النظر الطبقية التى ينطلق منها . و الباحثون و الباحثات الذين يتبنّون علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية - اللينينية - الماوية يتبعون و يطبّقون المنهج المادي الجدلي فى أرقى ما بلغه بعد أن طوّره ماو تسى تونغ . و عليه و نظرا لأنّ صاحب الكتاب الذى ننقد يستشهد بماركس و بماو تسى تونغ ، يهمّنا أن نتطرّق للمنهج الذى إعتمده لنقف على مدى إنسجامه أو تضاربه مع المادية الجدلية و مدى عكسه أو تشويهه للواقع المادي الموضوعي و بالتالى ملامسته الحقيقة فى جوهرها و عمق روابطها و علاقاتها .
أ- مصطلحات و مفاهيم برجوازية فى نهاية المطاف :
بطبيعة الحال من أهمّ مكوّنات المنهج الأساسية ، المصطلحات و المفاهيم المستعملة فمنظّرو علم الثورة البروليتارية العالمية نحتوا مفاهيما و مصطلحات دقيقة علمية و زوّدوا أنفسهم و زوّدونا بها لكونها تعكس على أفضل وجه حقيقة الواقع المادي المتحرّك. و لمّا رصدنا منهج صاحب الكتاب الذى ننقد بهذا المضمار و تتبعناه فى النصوص التى صاغها ، ألفينا أنّ قريحته تفتّقت على ميوعة فى المفاهيم و المصطلحات هي فى نهاية المطاف إلى مفاهيم و مصطلحات مفكّري البرجوازية .
فالسيد و كأنّه تائه فى الظلام رغم أنّه فى غلاف الكتاب يقدّم نفسه مدجّجا بالكتب و البحوث ، يتحدّث عن " تاريخ الصراع بين البشر"( ص11) عوض تاريخ الصراع الطبقي ، و عن " الثورة العالمية " (ص 107) دون أن يحدّد الطبيعة الطبقية لهذه الثورة بمعنى هل هي ثورة بروليتارية عالمية أو برجوازية عالمية أم كما يرد على لسان الأصوليين الدينيين ثورة إسلامية عالمية . و إلى ذلك هل هي ثورة بروليتارية عالمية من منظور التروتسكيين أم الخوجيين أم...أم من منظور الشيوعيين الماويين ، البروليتاريين الثوريين؟ والإختلافات كبيرة و البون شاسع . و فوق ذلك ، نأكّد لأستاذ الفلسفة أن محاربة الطائفية و العرقية و العشائرية " تستلزم عملا مضادا " لا يستند إلى " فلسفة ثورية " فقط بل إلى نظرية ثورية ، نظرية البروليتاريا الثورية و علم الثورة البروليتارية العالمية .
و فى معمعان تفتّق قريحته ، يستعمل الأستاذ تارة مصطلح " عصر الإمبريالية " و طورا " عصر العولمة " ( ص75) . أمّا عن " الحرّية " فحدّث و لا حرج فهو لأكثر من مرّة يدرجها فى جمل من نوع " يفتح أمامها ولوج دروب الحرية..." و من قبيل " " ما تختزنه من بؤس و إضطهاد ونزوع إلى الحرّية " لا تفيد سوى معان هلامية لمفكّري البرجوازية فإنجلز عندما أشار إلى المرور من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرّية كان يقصد بالحرّية بلوغ الشيوعية و متداول هو الفهم الماركسي الشائع للحرّية على أنّها " وعي الضرورة " ، وهو فهم دقّقه ماو تسى تونغ و طوّره لتصبح الحرّية وعي الضرورة و تغيير الواقع . فأين أستاذنا من الماركسية و من ماو تسى تونغ ؟
و على طول الكتاب و عرضه سادت مفردة " الشعب " غير أنّ أستاذنا لم يتوقّف و لو لحظة ، و لو مرّة ليشرح ما يعنيه بالشعب و ما هي الطبقات و الفئات التى تنضوى تحت هذا المفهوم المتحرّك مثلما أكّد لينين ، ما أشعرنا أنّه يستعمله ليس إستعمال باحث و إنّما إستعمال مواطن عادي فى الشارع تهيمن عليه الأفكار السائدة للطبقات السائدة .
و تطرّق فى الفصل الثالث إلى " الإنتفاضة و الديمقراطية " فأتحفنا بنفث للظلام بديمقراطية غير طبقية، أي لم يربطها بطبقة كما لم يربط بينها و بين المرحلة من جهة و بينها و بين الديمقراطية الجديدة الماوية من جهة ثانية و بينها و بين الديمقراطية البروليتارية من جهة ثالثة و كذلك بينها و بين الدكتاتورية بما هي الوجه الآخر لأيّة ديمقراطية على غرار ما فعل لينين فى " الدولة و الثورة ". بهذا يطمس الأستاذ المفاهيم اللينينية و يطعنها فى الصميم و يضرب عرض الحائط بما نظّر له معلّمو البروليتاريا العالمية . و تراه يلهث بمفاهيم برجوازية فى جمل من مثل " تلج به عوالم غير مكتشفة ، و منها " عالم الديمقراطية " و " الديمقراطية الحالية " و " حصر الديمقراطية فى إصلاحات " و هلمجرّا.
و لأنّ لنا عيون ترى و عقول تفكّر ننتبه إلى أنّ الأستاذ مثلما إستبعد المفاهيم اللينينية ، إستبعد المفاهيم الماوية عن الديمقراطية الجديدة التى طوّرها ماو تسى تونغ و من اللافت أيضا أنّه إستبعد كذلك قضية المرأة و المساواة من المسألة الديمقراطية فلم يتناول بالحديث إلاّ الإصلاح الزراعي و ركّز عليه التركيز كلّه دون سواه.
و علاوة على تغيير ثنائي " مركز / هامش " ب " مركز / أطراف " بما يذكّرنا بسمير أمين وهو ليس ماركسيا- لينينيا-ماويا، فى تخريجة غير ماركسية ، أطلّ علينا الأستاذ بمصطلح " المسار الثوري" فى إطار خدعة يرمى من ورائها إلى إيهامنا بتواصل الإنتفاضة و إمكانية تحويلها قريبا إلى ثورة . و إنتهت به محاولته التلاعب بالألفاظ فى سعي محموم وراء الزخرف اللغوي و الأسلوب الإنشائي إلى أن يتلو على مسامعنا صياغة " ثقافة الإنتحار بعد إنتحار الثقافة بفعل فاعل" ؟؟؟!!! وهي صيغة تترجم فقدان الأستاذ للبوصلة إذ هي لا تعكس الواقع المادي المتحرّك أصلا : ف" الثقافة " لم تنتحر و لا يمكنها ذلك وأي ثقافة هي تلك التى" إنتحرت " ؟ هل هي ثقافة الطبقات السائدة أم الثقافة المناهضة لها ؟ ( و هما وحدة أضداد / تناقض و التناقض كامن فى كلّ الأشياء و الظواهر و السيرورات ) وأين و متى؟ و كيف ؟ ... الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقات السائدة و ما إلى ذلك.
و يصل به هذا الأسلوب وهو يتحدّث عن المهمّشين الذين سدّت أمامهم المنافذ و ضاقت بهم السبل و طحنت الفاقة عظامهم حدّ إعتبار " حياتهم مثل مماتهم" وهذا غير صحيح ذلك أنّ إقدام المهاجرين سرّا على المخاطرة بحياتهم ليس هدفه الموت أو تساوي حياتهم مع مماتهم المدعى و إنّما هدفه هو البحث عن الشغل و بالتالى الحياة و ما يحدوهم هو أمل " الحياة الكريمة " نسبيّا فى الضفّة الأخرى من البحر الأبيض المتوسّط و ما يدفعهم هو اليأس من حلول فى بلدهم و ما يفرّون منه هو الفقر والعوز و الجوع و من هنا الموت . إنّهم يخاطرون بحياتهم من أجل الحياة ، ضد الموت وهو أمر غير خافي على من له عيون ليرى الواقع الموضوعي و لا يحاول وأده و التعتيم عليه بنوع من الحذلقة الفكرية و اللغة الإنشائية !
ب- المثالية فى تناول المسائل :
و قد تجلّى جانب المثالية فى منهجه فى عدّة مناسبات منها :
أوّلا ، المبالغة حدّ الكذب . و الأمثلة على ذلك كثيرة و وفيرة و منها :
أ- " فالتهميش يخترق المجتمعات الطبقية من أقصاها إلى أدناها ، و لا يمكن تصوّر وجود إمبريالية بدون تهميش و لا برجوازية [ لاحظتم و لا شكّ الخطأ إذ المقصود هو الرأسمالية ] دون هامش و لا إقطاعية دون هامش و لا أسياد [ مجددا خطأ فالمقصود عبودية ] دون هامش" ( ص11). و إضافة إلى الأخطاء التى أشرنا إليها و تداخل فى المفاهيم و خلط بين " التهميش " كفعل إرادي مقصود عن وعي وهو ما تفيده صيغة تفعيل فى العربية و بين هامش وهو إسم مكان ؛ نلاحظ سحب عملية التهميش على جميع المجتمعات الطبقية فى حين أنّ الواقع و التاريخ يبرهن على أن ما أسماه فى عنوان النصّ الذى وردت ضمنه هذه الجمل " أشباه البروليتاريا أو جيش العمل المهمّش " ظهروا إلى الوجود مع نمط أو أسلوب الإنتاج الرأسمالي و الإمبريالية أعلى مراحله و ليست نمطا إنتاج مغاير للرأسمالية . و حسب منطق كلام الأستاذ و منطوقه فى إطار العبودية ، العبيد هم الهامش فى مقابل الأسياد ( و الأصحّ أسياد العبيد ) !!!
ب- " و فى خضمّ هذه المواجهة تظهر شيئا فشيئا أشكال تنظيم جماهيرية متعدّدة ، وتحشد من حولها جمهورا تتزايد أعداده بإستمرار". ( ص60) وهو تعميم غير دقيق و لوعي الكاتب لمبالغته حدّ الكذب لم يفصّل هذه الأشكال " المتعدّدة " و عندما تحدّث عن بعضها نقد ميوعتها و جمعها بين اليمين و اليسار و فى مواقع أخرى من الكتاب يؤكّد إنفضاض الجماهير من حول أشكال تنظيمية معيّنة كما سنرى لاحقا.
ت- " و الثورة تأتي كإعصار و لا تترك للخصم فرصة لإلتقاط الأنفاس ، فهي تأخذه على حين غرّة و تفرض عليه الإستسلام لسلطانها..." ( ص 63). و " تفرض عليه الإستسلام لسلطانها " محض كذب فما إستسلمت الطبقات المهزومة لا فى الثورة البرجوازية الفرنسية وتاريخ فرنسا يثبت ذلك و لا فى ثورة أكتوبر و الحرب الأهلية و تدخّل البلدان الإمبريالية و عديد البلدان المتحالفة معها ضد الثورة يثبت ذلك ؛ و لا فى الثورة الصينية و مواصلة الكيومنتانغ المدعوم من قبل الإمبريالية الأمريكية صراعه و تأسيسه لدولة أخرى فى جزيرة تايوان و إنزال الإمبريالية الأمريكية لجيوش فى كوريا سنة 1950 أي بعد سنة من إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة فى الصين و تهديدها بغزو الصين . و لينين العظيم يشدّد فى " " اليسارية " مرض الشيوعية الطفولي" على إستمرار قتال أعداء الثورة للثورة بل و تضاعفه بعد فقدانهم السلطة . يروّج الأستاذ المثالي عندئذ للأوهام التى يريد أن يبسط هيمنتها على ذهن القارئ و القارئة.
و ثانيا ، أو الوجه الآخر لهذه المثالية هو تبنّى الحتمية التاريخية - كمادية ميكانيكية تنكر دور الوعي و النضال الطبقي الواعي و تسقط فى الإقتصادوية و نظرية قوى الإنتاج التحريفية - و تكريسها ففى الصفحة 44 يعرب عن أنّ " الطبقات المهيمنة لا مستقبل لها بالمعنى التاريخي للكلمة ، فهي تغرق شيئا فشيئا فى أزماتها المتتالية و تسير إلى مصيرها المحتوم..." و يقول فى الصفحة 54 إنّ " الوليد سيرى النور لا محالة " و " إنّه عرس الدم التونسي المتواصل الذى لن يكتفى بنصف إنتصار" ( صفحة 55).
و تتخذ بعض صيغ المثالية جمل " إمّا و إمّا " أو "خيارين لا ثالث لهما " (ص 91) و لا لون إلاّ الأبيض أو الأسود و هكذا من الصيغ المثالية التى نقدها نقدا لاذعا إنجلز فى " ضد دوهرينغ " ، ف " الإنتفاضات يتمّ القضاء عليها بوسيلتين إحداهما السيطرة عليها بسلاسة من داخلها ، و الأخرى قمعها ، و فى تونس لا تزال الرجعية تجرب الحلّ الأوّل..." ( ص 46).
إنّ هذا الكلام المثالي يغيّب إمكانيات أخرى كإستعمال العنف والمناورة السياسية معا ، العصا والجزرة ، بعد تلبية جزئية أو كلّية لمطالب المنتفضين و كشقّ الصفوف و إضعاف الحركة الإنتفاضية بتقديم بعض التنازلات و عزل البؤر المنتفضة و إستعمال العنف ضدّها . وهو ما حصل و يحصل فى تونس و تشهد على ذلك أحداث فى مناطق مختلفة من البلاد من قفصة إلى سيدى بوزيد إلى تونس العاصمة ." إمّا و إمّا " المثالية هذه تذهب فى عمقها و خاصة فى هذه الجمل بالذات ضد حقيقة أن " الحرب " مواصلة للسياسة بطرق عنيفة كما أكّد لينين و أكّد ماو تسى تونغ ، و العنف سياسة و المناورة و شراء الذمم سياسة و الإقناع و التضليل سياسة ...
نتضوّر جوعا " للإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمة العربية " فى حين يطعمنا المثالي أوهاما !
و ثالثا ، دوس العلاقة الجدلية بين الخاص و العام حيث وهو يقسم بأغلظ الأيمان أنّه أتى بما لم يأت به الأوائل من " الإحاطة النظرية بالإنتفاضة " ، لم يعمل الأستاذ على تنزيل ما حدث فى سيدى بوزيد فى إطاره العام أي أوّلا و بالذات الإطار العالمي قبل المرور إلى الإطار العربي و القطري و كأنّ ما جدّ بسيدى بوزيد منفصل عن ما جدّ ويجدّ فى العالم قاطبة و ما جدّ قبل بضعة سنوات (2008) فى الحوض المنجمي من إنتفاضة دامت أشهرا و ليس أياما معدودات و ما جدّ فى فريانة بالقصرين و فى الصخيرة بصفاقس و فى غيرها من مدن البلاد و أريافها . و كأنّ ما حدث فى سيدي بوزيد لم يتأثّر بما حدث فى تالة و القصرين و أيضا بتحرّكات فى تونس العاصمة و جهات أخرى فى ديسمبر بالذات .
الأستاذ لم يبذل أدنى جهد لإستقصاء هذا التفاعل تأثيرا و تأثّرا ما يجعل المرء يشعر بتكريسه نوعا من الجهوية و إحلال الجهة محلّ القطر و إستعماله فى الصفحة 28 لكلمة " شعب بأكمله " فى إشارة إلى سكّان ولاية سيدي بوزيد دليل آخر على ما نذهب إليه.
ورابعا ، اللجوء إلى مفردات تعميمية مثالية على غرار " فى بلد يعيش فيه الجميع ..." (ص 20) و " ماذا نملك لا شيء ، ماذا نريد ، كلّ شيء " ( علما أنّه لم يضع المقولة بين معقّفين) و " جموع الشعب " ( ص33) و " تلك المشاعر موزّعة توزيعا عادلا بين المنتفضين و أعدائهم" ( ص 128) و" أي ثورة " (ص 62 ) سابحا فى سماء المثالية طولا و عرضا.
و خامسا ،عدم فهم الفرق بين التناقضات المادية و السياسات التضليلية و من ذلك " بهدف تحويل التناقض الرئيسي من تناقض بين الشعب و أعدائه إلى تناقض فى صلب الشعب نفسه ، وهو ما كان سببا فى حرب جهوية و عشائرية متنقّلة " ( ص 67 و 96 ) حيث أنّ التناقض الرئيسي بين الشعب و أعدائه تناقض مادي موضوعي طبقي بمعنى أنّه يتحدّد بالتشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية و المرحلة التاريخية و تطوّر الصراع الطبقي أمّا " التناقض فى صلب الشعب " الذى يتحدّث عنه هو فلا يتحدّد بما سلف عرضه بل هو سياسة فرّق تسد الرجعية التى تتوخّاها الطبقات السائدة لتضليل الطبقات الشعبية . حينما طرح ماو تسى تونغ معالجة التناقضات صلب الشعب كان يقصد التناقضات المادية صلبه بين الطبقات المكوّنة له و ليس سياسة فرّق تسد . و من هنا نخلص إلى أنّه يشوّه الفهم الماوي للمادية الجدلية و التناقض كقانونها الجوهري .
2- عدم دقّة و تضارب فى الأقوال من صفحة إلى أخرى :
و لأنّ مؤلّف الكتاب الذى بين يدينا لا يملك خيطا ناظما لأفكاره و لأنّه لم يعتن بمراجعة ما كتب متناثرا و على فترات متباعدة زادها غموضا عدم ذكر تواريخ كتابة كلّ نصّ ، و لأّنه كان على ما يبدو على عجلة من أمره فى تجميع ما كتب فى كتاب – لغاية او غايات نجهلها و لا نودّ الدخول فى تخمينات بصددها – و هذا عيب بالنسبة ل" باحث " و من يلزم نفسه بجدّية البحث و دقّته وصرامته ، فإنّ المضامين المعبّر عنها جاءت متضاربة فى عدّة نصوص . و إستباقا لحجّة تغيّر الأوضاع و أنّ الأقوال التى سنورد تعكس أوضاعا مختلفة ، نوضح من الآن أنّنا لن نورد سوى بعض تلك المتعلّقة بحقائق موضوعية لا غبار عليها و على سبيل الذكر لا الحصر :
أ- " فبعد هروب بن علي يوم 14 جانفي 2011 لحقه مبارك يوم 11 فيفري 2011 " ( ص 105). و الحقيقة هي أنّ مبارك لم يهرب بل تنحّى عن الحكم و ظلّ فى مصر و إلى يوم كتابة هذه الأسطر لم يخرج منها وهي معلومة على شيوعها لا يصحّحها أستاذ الفلسفة ذاته فى الصفحة 107 ، بل يعيدها خاطئة قائلا :" فقد رحل مبارك و تنحى عن السلطة هذا اليوم 11 فيفري 2011 " .
ب- ما لا تخطئه العين المتفحّصة هو أنّه عندما تطرّق للمهمّشين الذين فقدان الشغل يؤرّقهم و لا لقمة عيش تسدّ رمقهم فى " من التهميش إلى الإنتفاضة " ناقض نفسه حينما أكّد فى مطلع الفقرة أن ّ " هؤلاء لا يمكن للنقابة أن تجمعهم و لا للحزب السياسي أن يستهويهم ، و لا الجمعيّات أن تستوعبهم ، إنّهم جسم يستعصي على الضبط ..." ثمّ يواصل :" تجد فيهم الجماعات الفاشية فريسة سهلة ، و فى البلاد العربية مثلا نجدهم فى صفوف جيش المهدي أو السلفية الجهادية ، كما أنّ بعض المهاجرين فى أوروبا و أمريكا يجدون فى القاعدة تعبيرا عنهم ."
و نقف قليلا ريثما نسوق بعض الملاحظات الهامة . مفاد "هؤلاء" يجليه الأستاذ فى الصفحة 12: " نتعامل مع المفهوم فى دلالته الضيّقة التى تحيل إلى جموع العاطلين و النازحين و الباعة المتجولين و ماسحى الأحذية و المتسوّلين و القوّادين و البغايا و أطفال الشوارع الذين يصطلح على تسميتهم بالبروليتاريا الرثّة و أشباه البروليتاريا و ما تحت البروليتاريا " و عليه نلمس أنّ "هؤلاء" مجموعات غير متجانسة و لا يمكن أن نعمّم عليها حكما واحدا فمثلا ما دخل النازحين فى "هؤلاء" ؟ يوجد نازحون بمعنى المنتقلين من الريف إلى المدينة عموما مندمجون فى عملية الإنتاج يشتغلون كعمّال أو موظّفين أو أعراف و أصحاب مشاريع تجارية أو صناعية و لا يجب بتاتا توصيفهم ضمن "هؤلاء". الزجّ بهم هكذا يرقى إلى مستوى الصبيانية لا غير.
هذا من ناحية و من ناحية ثانية غني عن البيان أنّ " العاطلين " أو المعطّلين عن العمل أصحّ ، ليسوا كتلة واحدة و منهم من شكّلوا جمعيّات و نقابات لها قيادات مركزية و جهوية ما يفنّد تعميمات الأستاذ . و بالعودة إلى تناقض أقواله نقول إنّ الأحزاب السياسية لا تستهويهم يقول و فى نفس الوقت يؤكّد أنّنا نجدهم ضمن تنظيمات سياسية أو سياسية - عسكرية : " جيش المهدي أو السلفية الجهادية " . و إلى هذا نضيف أنّ تجارب الشعوب ، وهو ما سيذكره " أستاذنا " فى آخر مقاله الذى نحن بصدده ، تبيّن أن من البروليتاريا الرثّة من إلتحق بصفوف الثورة التى نظّمها الحزب الشيوعي الصيني فى الصين مثلا ، فى صفوف الجيش أو حتى الحزب و أبلوا البلاء الحسن .
و الأمر الجدير بالملاحظة أن ّ فى تجارب حركات التحرّر الوطني فى أمريكا الجنوبية وقع الإنتباه إلى أنّه يمكن إنتداب مناضلين و مناضلات من صفوف لا سيما المعطّلين عن العمل و تحويلهم إلى ثوريين محترفين . والحركات الأصولية الدينية بدورها إستغلّت هذه الإمكانية . و يجب أن يتفطّن لها الشيوعيون الثوريون و يوجّهوا هذه الطاقات فى خدمة الشعب بيد أن " الباحث " عن القبض على أفكار تساعد على الإجابة على سؤال ما العمل؟ لم يقدّم لنا كيفيّة تنظيم بعض "هؤلاء" و تطوير العمل فى صفوف على الأقلّ جزء منهم بل بجملته "لا يمكن للنقابة أن تجمعهم و للحزب السياسي أن يستهويهم" يدعو بصفة غير مباشرة إلى عدم النضال من أجل كسب من يمكن كسبه لقضية الثورة البروليتارية العالمية على عكس ما تفيدنا به التجارب عربيّا و عالميّا . و حتى لا نطيل أكثر محلّيا ، نوجّه الدعوة لدراسة كيف تتعامل التيارات الدينية الأصولية مع "هؤلاء" لعلّنا، و نحن إلى الآن لم نستفد من الرفاق والأصدقاء لغياب الدراسات فى هذا المضمار ، نستفيد من الأعداء ، لعلّنا درسا نستخلص و بعبرة نستأنس لنحدّ من تأثير الأصوليين الدينيين عليهم و نطوّر تأثيرنا نحن فيهم ، مع وعينا التام بإختلافنا عن الرجعيين فى الغايات و الأساليب .

3- إنتفاضة و ليست ثورة :

و نأتى الآن إلى ما يمكن أن يعتبر جوهر الكتاب الذى ننقد سيما و أنّ عنوانه يحمل كلمتي الإنتفاضة و الثورة و كنّا ننتظر من أستاذ الفلسفة ان يقدّم لنا إطارا نظريّا لطرح المسألة بمعنى مفهوم الإنتفاضة و مفهوم الثورة و العلاقة بينهما فى سياق الصراع الطبقي عالميّا منذ الصفحات الأولى من الكتاب إن لم يكن الأمر منذ المقدّمة و لكن هيهات فقد صال و جال يمينا و شمالا و أسهب فى الحديث المخاتل ليدرك أهمّية الأمر فى أواخر الفصل الثالث من كتابه حيث نعثر عليه بالصفحة 88 على وجه التحديد يقول :
" إنّ تسمية ما حصل بإعتباره ثورة أو إنتفاضة ليس مشكلا نظريّا فقط بل هو مشكل عملي أيضا ، ففى حال أن هناك ثورة فذلك يعنى عمليّا أنّ الشعب قد إنتصر و ما بقي أمامه بعد هروب الرئيس " المخلوع " و وضع حدّ لنظامه" البائد " غير العودة إلى العمل و الإنتاج و برواج هذه الأطروحة بين صفوف الشعب يجرى بثّ الوهم حتى تستمرّ الأوضاع على حالها."
و لم يلتفت إلى ضرورة العودة إلى أمّهات النصوص اللينينية بصدد الإنتفاضة مثل " الماركسية و الإنتفاضة " ليحدّد المفاهيم تحديدا علميّا و من ثمّة ينطلق فى معالجة الموضوع المطروح بل تجاهلها تجاهلا تامّا لأنّ خطّ لينين بهذا الصدد و تحليله لفنّ الإنتفاضة ومقدماتها و مستلزماتها و للوضع الثوري و لدور الحزب الطليعي يذهب ضد خطّ السيد الأستاذ و رسمه للوحته الخاصة للحدث و تلوينها بألوانه كما سنشرح لاحقا .
1- تداخل فظيع فى المفاهيم :
مبثوث هنا و هناك فى طيّات الكتاب الذى يعوزه الخط الإيديولوجي و السياسي الصحيح تداخلا فظيعا فى المفاهيم نلفت عنايتكم إلى الأمثلة التالية من ملامحه البينة :
أ- ففى الصفحة 7 ، يتحدّث عن " الثورة الفرنسية " فى إشارة إلى أحداث ماي 1968 بفرنسا و فى الصفحة 43 يحيلنا على " إنتفاضة ماي 68 الفرنسية ".
ب- فى غالبية صفحات الكتاب يتمّ الحديث عن " الإنتفاضة التونسية " و فى الصفحة 56 منه تتحوّل بفعل فاعل أو بعصا سحرية إلى ثورة فى جملة " و إنتهازيون من كلّ لون يحاولون الإلتفاف على ثورة شعبنا ".
ت- و فى حالات اخرى تدمج الإنتفاضة و الثورة فى نفس الجملة ، على غرار قوله فى الصفحة 44 : " إنّ التراجع الذى تعرفه الثورات و الإنتفاضات قد يطول و قد يقصر".
ث- و فى الصفحة 41-42 ، يستشهد بماركس وهو يعقد مقارنة بين الثورات البرجوازية و الثورات البروليتارية و يعلّق كاتبا: " و يهمّنا هنا إدراك التطوّر الذى يطبع بطابعه الثورة البروليتارية و ما يندرج ضمنها من إنتفاضات ممهدة لها ففى الحالة التونسية ..." فيدمج الإنتفاضات ضمن الثورات و يدمج الإنتفاضة التونسية ضمن الإنتفاضات الممهّدة للثورة البروليتارية !!!


2- أسباب الإنتفاضة :
بهذا المضمار تجدر الملاحظة أنّ الكتاب لا يتضمّن تحليلا شاملا و عميقا لأزمة دولة الإستعمار الجديد و لمعطيات إقتصادية و إجتماعية و سياسية موثّقة و لا يشير لا من بعيد و لا من قريب إلى إنتفاضة الحوض المنجمي لسنة 2008 و غيرها من الإنتفاضات و الإحتجاجات على نطاق ضيّق بما يشى بنوع من الجهوية فى التوجّه و التفكير كنّا لمسنا تعبيرات عنه سابقا .
و رغم نقده لقراءات الإنتفاضة التى غلب عليها " إستبعاد تحليلها على ضوء الصراع بين الطبقات " ، فإنّه لم يحلّل هو بدوره الإنتفاضة تحليلا طبقيّا و إنكبّ فى جزء قصير من الكتاب على موضوع المهمّشين و حتى معالجته لذلك الموضوع شابتها هنات ألمحنا إليها آنفا . و من هنا نستشفّ نظرة إختزالية و إحادية الجانب فالمنتفضون لا ينتمون إلى المهمّشين فقط و هذا معلوم ولا يحتاج منّا إلى بيان . و لكلّ فئة و طبقة أسبابها و للجماهير الشعبية العريضة أسباب مشتركة لتشابك فى المصالح لم يأخذها الكاتب بعين الإعتبار .
3- أعداء الإنتفاضة :
و مثلما لم يحدّد صاحبنا الفاعلين فى الإنتفاضة و دوافعهم فى الأرياف و فى المدن المختلفة و مختلف المطالب المرفوعة و الشعارات المشتركة و كذلك المتباينة أحيانا من فئة إلى أخرى و من جهة إلى أخرى ، لم يحدّد تحديدا طبقيّا أعداء الإنتفاضة و إكتفى بالإشارة إلى " الدولة " دون ذكر طبيعتها الطبقية و الطبقات التى تمثّلها و تدافع عن مصالحها و هذا أيضا تعويض إختزالي يخرّب وعي الجماهير و يمنع المنتفضين من فهم أعدائهم الطبقيين و ما قاموا و يقومون به ضد الإنتفاضة و أساليب تدخّلهم و تآمرهم و كيفية كشفهم ...
و فى هذا السياق ، لم ينبس ببنت شفة بشأن الشرطة و فرق " الأمن " التى قمعت التحركات الشعبية و عاثت فسادا حتى بالمنازل و محتوياتها من آثاث و تسبّبت فى قتل مئات الشهداء . و لزم الصمت المطبق بشأن الجيش و دوره خلال فترة حكم بن علي و أثناء الإنتفاضة كعدوّ و كأهمّ أعمدة " الدولة " ألم يؤكّد ماو تسى تونغ :
" يعتبر الجيش ، حسب النظرية الماركسية حول الدولة ، العنصر الرئيسي فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على سلطة الدولة و المحافظة عليها ، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ . إن بعض الناس يسخرون منّا و يسمّوننا أنصار " نظرية قدرة الحرب على كلّ شيء " ، نعم ، إنّنا أنصار نظرية قدرة الحرب الثورية على كلّ شيء ، و هذا ليس شيئا سيئا ، و إنّما هو شيء حسن ، ماركسي . إن بنادق الحزب الشيوعي الروسي قد خلقت الإشتراكية . و نحن نريد خلق جمهورية ديمقراطية . و تجارب الصراع الطبقي فى عصر الإمبريالية تعلمنا بأن الطبقة العاملة و الجماهير الكادحة لا تستطيع إنزال الهزيمة بالبرجوازيين و ملاك الأراضي المسلّحين إلاّ بقوّة البنادق. و بهذا المعنى ، يمكننا أن نقول إنه لا يمكن إصلاح العالم كلّه إلاذا بالبنادق"
( " قضايا الحرب و الإستراتيجيا " 6 نوفمبر- تشرين الثاني - 1938، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني ؛ و "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " صفحة 66-67).
صاحبنا يلهج بكلمة " الدولة " و يودّ " الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمة العربية " و يطمر النظرية الماركسية حول الدولة ! غريب أمر هذا المستشهد بماركس و بماو تسى تونغ فى الوقت الذى يفرغ الماركسية من مضمونها الثوري و يشوّه أطروحاتها كما رأينا و سنرى . إنّه يمارس الإنتقائية ليطلي جلدته بلون ماركسي و ينفث سموما برجوازية فى الجوهر ما يملى علينا واجب إقتلاع الأعشاب الطفيلية التى تلحق الضرر بالزرع أي فضح هذه الألاعيب الإنتقائية التحريفية لإنارة السبيل لمن قد تضلّله هذه التكتيكات الإنتهازية .
4 - مكاسب الإنتفاضة :
غير جلية هي هذه المكاسب فى ذهن ممارس الإنتقائية فهي أحيانا مكاسب كبرى و أحيانا أخرى دون ذلك و فى مناسبات يتغيّر ترتيب جوانب اهمّيتها بلا سبب يذكر . ففى الصفحة 89 نقرأ :" فقد نجحت فى تحقيق هدف مهمّ هو إسقاط الرئيس رغم كونها بقيت عاجزة حتى الآن عن إسقاط النظام ، و من مكاسبها إدراك الجماهير جزئيّا أنّه لا بناء للجديد دون تحطيم القديم و لا مجال للسلطة البديلة دون تفكيك السلطة القديمة ".
و نغضّ الطرف فى الوقت الحالي عن " ما أدركته الجماهير " لنتطرّق له لاحقا ، ونمرّ إلى الصفحة 96 ، لنسمع صوت الإنتقائي يصدح ب : " فى الوطن العربي إن كان هناك من مكسب كبير حققته الإنتفاضات الحالية فهو إجبار الرجعية على التنازل للشعب عن الحرّيات الأساسية و خاصة حرّية التنظيم و التعبير و التظاهر..." .
و أيضا دون تعليق على وصف الحرّيات ب" الأساسية " ( عوض العامة و الفردية ) ، نطالع بالصفحة 105 أنّ الإنتفاضة أدّت " إلى حدّ الآن إلى إنتصارات جزئية دون الوصول إلى تغيير جوهري فى تركيبة السلطة السياسية ".
و هنا مضطرّون للتوقّف برهة لنأكّد تكذيب وقائع الحياة العنيدة لهكذا إدعاء حيث حدث بالفعل تغيير جوهري فى تركيبة السلطة السياسية بعد إنتخابات أكتوبر فى تونس إذ صعد إلى سدّة الحكم تحالف ثلاثي – ترويكا- على رأسها حزب النهضة الظلامي بدلا من حزب بن علي ، التجمّع الدستوري الديمقراطي ، إلاّ أن هذا التغيير الجوهري فى من يمسك بزمام السلطة ليس تغييرا نوعيا طبقيا ، ليس تغييرا جوهريّا يطال الدولة و طبيعتها الطبقية بل هو تغيّر فى إطار ذات السياسة بوجوه جديدة و فى إطار ذات دولة الإستعمار الجديد بتحالف بين الجيش عامود الدولة القديمة و " الإسلام السياسي" وهي نفس الطبخة التى شهدتها مصر .
و نسترسل ، إلى الصفحة 105 التى إنطوت على الجملة التالية بصدد تنحّى مبارك عن السلطة فى مصر : " يضاف هذا الإنجاز الكبير إلى ما تحقّق فى تونس ، لكي يمثّل خطوة أساسية على طريق إنتصار حركة التحرّر الوطنية الديمقراطية العربية " . و فى الصفحة 128 نلفى " كتب الشعب من خلال إنتفاضته فصلا رائعا من فصول تاريخه المعاصر..."
و هكذا تتراوح المكاسب بين كونها فصل رائع من فصول التاريخ المعاصر و خطوة أساسية على طريق إنتصار حركة التحرّر الوطنية الديمقراطية العربية من جهة و تحقيق " الحريات الأساسية " من جهة ثانية و " عدم الوصول إلى تغيير جوهري فى تركيبة السلطة السياسية " . و من نصّ لآخر لا يتوانى بائع الأوهام عن أن يقدّم مكسبا على أنّه الأهمّ ضمن لعبة لا تنتهى من تبديل تعداد و ترتيب أهمّية المكاسب المحقّقة ما ينمّ عن ضعف فادح فى الروابط الفكرية المنطقية الناظمة للكتاب و تشويش كبير فى أفكار الكاتب .

5- آفاق الإنتفاضة :
فى هذه النقطة سنصبّ إهتمامنا بوجه خاص على نص " من الإنتفاضة إلى الثورة " أين صرّح الكاتب :
" أ- يطرح على المضطهدين ، الذين دخلوا بقوّة ساحة الفعل السياسي ، قول كلمتهم ، عبر مواصلة إنتفاضتهم فى إتجاه تنظيم صفوفهم و إفراز قياداتهم و توضّح أهدافهم و مهمّاتهم ". ( ص 90 )
ب- " و هذا يتوقّف على تغيير أساليب النضال و تبيّن حدود أسلوب مثل الإعتصام..." ( ص 91 ).
ت- " و فى المقابل عندما تقدّم الإنتفاضة بديلها و قيادتها و تنجح الجماهير فى إدراك صحيح لوضعها ، و تحقّق على أساس ذلك مهماتها و تضع على الرفّ الوجوه القديمة بإقتصادها و سياستها و ثقافتها و تبنى جديدها ، حينها يكفّ الحدث عن أن يكون إنتفاضة و يصبح ثورة دون نسيان أنّ المهام الكبرى لا تنجز فى غالب الحالات إلاّ وهي تواجه المخاطر ، و للحرّية دروبها الوعرة و مخاضاتها العسيرة ، فالشعوب عادة ما تسير نحوها و سيف ديموقليس مُصلّت على رأسها " ( ص 91-92 ).
و إذن الآفاق حسب الكاتب هي مواصلة الإنتفاضة بأساليب نضال جديدة لم يحدّدها و يطرح على المضطهَدين أن يقولوا كلمتهم فى حين أنّه يعترف فى الصفحة 90-91 بأنّ " البديل غائم عدى شعارات سياسية عامّة و أشكال تنظيمية هلامية ، تجمع تحتها اليمين و بعض أطراف اليسار فى غرفة إنتظار واحدة ، مما يعنى أن التخوم و الحدود بين الشعب و أعدائه غير واضحة المعالم ".
و علاوة على عدم تعيين ما المقصود بالمضطهدين و بالشعب فى هذه المرحلة من الصراع الطبقي ، فإنّ الرجل يتخبّط فيضع " توضّح الأهداف و المهمات " بعد " تنظيم الصفوف و إفراز القيادات" و كلّ هذا يكون نتيجة مواصلة الإنتفاضة !!!
هذا هذيان لا غير من وجهة النظر البروليتارية الثورية و مثال بسيط يوضّح ذلك . فإنتفاضة الحوض المنجمي و أحداثها العاصفة تواصلت لأشهر و أفرزت قياداتها و نظّمت صفوفها و وضعت أهدافها و مهمّاتها غير أنّ كلّ ذلك لم يتجاوز حدود الإصلاحية و سقفها أهدافا و أشكال نضال و قيادات إلخ .
و بنظرة إقتصادوية و ميكانيكية ساذجة ستتحوّل الإنتفاضة إلى ثورة على النحو التالي : " تحويل كلّ تنازل يقدمون عليه إلى مكسب ، و بمراكمة المكاسب الواحد تلو الآخر يمكن الوصول إلى تلك اللحظة الفارقة ، أي اللحظة التى تتحوّل فيها الإنتفاضة إلى ثورة عارمة " . ( ص 64)
رسم هذا المشهد من تحوّل الإنتفاضة إلى ثورة لا يمتّ بصلة مطلقا إلى الماركسية فهو أوّلا إقتصادوي يغيّب عامل الوعي و الحزب الطليعي و الحركة الثورية التى تسترشد بالنظرية الثورية و ثانيا من جهة الماديّة ، يتنكّر لتجارب الشعوب و ما لخّصه لينين من مقدّمات الإنتفاضة و مستلزماتها و ما بات معروفا بمقوّمات الوضع الثوري و طريق الثورة فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية مثلما يتنكّر للماوية و طريق الثورة فى أشباه المستعمرات و إستراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد. إنّ الأستاذ هنا لا يعدو أن يكون إنتفاضويّا . و ثالثا ، جدليّا ، يخفق إخفاقا رهيبا فى فهم جدلية الكمّي / النوعي – الكيفي فالتناقض/ وحدة الضدين كميّ – نوعي ينطوى على طرفين متناقضين أي متحدين ومتصارعين و لكن أيضا و فى نفس الوقت يمكن لأحد الطرفين أن يتحوّل إلى الطرف الآخر و نشرح فنقول إنّ الكمّي يتحوّل إلى نوعي و النوعي يتحوّل إلى كمّي و من هنا التراكمات فى حدّ ذاتها تتحوّل من الكميّ إلى النوعي و العكس بالعكس . و فضلا عن هذا فإن التراكم لا يمكن أن يتخذ خطّا مستقيما أي لا يعتوره تراجع أو تراجعات ، فالتطوّر من وجهة النظر المادية الجدلية لولبي و ليس خطّيا مستقيما كما يقترح أستاذ الفلسفة الميكانيكي و بالتالى فإن الإنتفاضة لا تتحوّل إلى ثورة آليّا وبمجرّد مراكمة مكاسب بل تحتاج إلى تحوّل نوعي من صنف الحرب الأهلية و سيرورة تحطّيم الدولة القديمة و بناء دولة جديدة .
و يستمرّ الهذيان عند هذا الميكانيكي ليبدع جديدا غريبا قد يكون مادة للتندّر إذ يجعل الإنتفاضة " تصبح ثورة " عندما " تقدّم الإنتفاضة بديلها و قيادتها و تنجح الجماهير فى إدراك صحيح لوضعها و تحقّق ... جديدها ". و فضلا عن عدم شرح فحوى القديم و الجديد و عن فحوى " تقديم الإنتفاضة بديلها " ، فإنّ التضارب و الإضطراب جلي فعن أي بديل يتحدث وهو يقول عنه " بديل غائم" و " شعارات سياسية عامة " و " أشكال تنظيمية هلامية " ؟ أو ربّما إقترح بديلا غير غائم و شعارات سياسية غير عامة و أشكال تنظيمية غير هلامية ، لا لم يفعل ذلك مطلقا بل إكتفى بملاحظة الواقع المعروف و لم يطرح البديل الثوري حقّا من منظور بروليتاري وهو مهمّة أكيدة سيما و أنّ " اليمين و بعض أطراف اليسار فى غرفة إنتظار واحدة " و " التخوم و الحدود بين الشعب و أعدائه غير واضحة المعالم ". و لم ينبر الأستاذ لينير الطريق الثوري البروليتاري " للجماهير" و إنّما وقف عند ملاحظة مجريات الواقع و تركها ل" تنجح فى إدراك صحيح لوضعها ".
و بالنسبة لهذا الميكانيكي التفكير " المهمّ فى كلّ ذلك هو الإمساك بذلك الشعار التاريخي الذى رفعه المنتفضون : الشعب يريد إسقاط النظام ، فهو يعبّر بكثافة عن الإتجاه الذى يجب أن يسير وفقه الكفاح من أجل الحرّية ". و إلى جانب مصطلح " الحرّية " الذى قصفنا به قصفا مركّزا مرّ بنا التعليق عليه ، فإن الشعار فضفاض . فما المقصود بالنظام؟ و بالتأكيد ليس المقصود هو الدولة الرجعية بأسرها و ماركسيا- لينينيّا - ماويّا ينبغى تحطيم الدولة القديمة و الجيش عمادها . و أجزاء من جماهير الشعب حينما رفعت ذلك الشعار لم تكن تقصد هذا الفهم العلمي و الطبقي بل الأرجح هو أنّها كانت تستهدف رأس النظام بن علي و عائلة الطرابلسية و الواقفين وراء الفساد أساسا .
و غني عن البيان أنّ المنتفضين لم يوجّهوا سهام نقدهم و أسلحتهم البسيطة ضد الجيش عماد جهاز الدولة ، بل بالعكس وجهوا التحيّات له و حتى حينما نكث رشيد عمّار وعوده لم تهاجمه الجماهير مباشرة بل طالبته بتطبيق وعده و كان الجيش يلقى الترحيب من الجماهير وهو ما يعكس نقصا فادحا فى الوعي الطبقي / السياسي لديها خوّل للطبقات الحاكمة و الإمبريالية العالمية المناورة و تلميع صورة هذا الجيش ليواصل عمله فى خدمتها و يشرف معها بطرق شتّى على إعادة هيكلة السلطة السياسية و الدولة عموما بذات أهداف دولة الإستعمار الجديد . و من الوهم الإعتقاد فى إنجاز ثورة حقيقية تقطع مع الإمبريالية و تطيح بالطبقات الحاكمة و تضع السلطة فى يد الطبقات الشعبية الثورية دون تحطيم الجيش القديم كجهاز قمع طبقي بيد أعداء الشعب . و فى الأخير، نعيد التسطير على أنّ الشعب لم يكن يملك بديلا واضحا بإعتراف الكاتب ، فما بالك بأن يملك بديلا طبقيّا بروليتاريا ثوريّا ! صاحبنا يتعسّف على الوقائع و يمسخ الإنتفاضة مسخا !
من يساعد " الجماهير" على رفع مستوى وعيها الطبقي/ السياسي و فهم مهام المرحلة و الأهداف و الإستراتيجيا و التكتيك و السياسات و أساليب النضال المناسبة ؟ لا أحد حسب الأستاذ الإقتصادوي التفكير . لوحدها ستدرك وضعها " و تحقّق على أساس ذلك مهماتها..." . لا طليعة و لا حزب طليعي و لا نظرية ثورية و لا حركة ثورية ... و لا هم يحزنون . هذا الإنكار لمستلزمات و مقدّمات و مقوّمات أي عمل ثوري و للينينية سنعود إليه لاحقا . و عند هذا الحدّ نضيف فقط أنّ هذه الأطروحات ما هي بالماركسية أصلا و ما هي باللينينية حصرا و ما هي بالماوية جوهرا فكيف تتحوّل إنتفاضة إلى ثورة دون سلاح و جيش شعبي و دون تحطيم الدولة القديمة و ليس " الوجوه القديمة بإقتصادها و سياستها و ثقافتها " كما يقول الإقتصادوي فى صيغة غير دقيقة علميّا ؟
هذا منافي للماركسية و متضارب معها على طول الخطّ ، فكيف توجد حركة ثورية دون نظرية ثورية و دون حزب طليعي؟ و هذا منافي للينينية و متضارب معها على طول الخطّ ، فكيف يمكن لإنتفاضة أن تتحوّل إلى ثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات دون جيش شعبي و حرب الشعب الطويلة الأمد فى المرحلة المتقدّمة من الهجوم الإستراتيجي؟ و هذا وهم إنتفاضوي منافي للماوية و طريق حرب الشعب الطويلة الأمد و تحطيم الدولة القديمة و إرساء دولة جديدة قوامها جيش شعبي يكون قد هزم جيش دولة الإستعمار الجديد و فكّكه و تصدّى لتدخّل الإمبريالية العالمية و الثورة المضادة الرجعية المسلّحة ، و متضارب معها على طول الخطّ .
و يكفي بهذا الصدد ذكر ما شهدته الفليبين من إنتفاضات و رغم وجود حزب طليعي منذ الستينات و حرب الشعب بقيادة شيوعية ماوية و جيش شعبي لم تتحوّل أيّ إنتفاضة هناك إلى ثورة لأنّه لا وجود لوضع ثوري و لم تحدث الإنتفاضة فى ظلّ الخطة الأخيرة لمرحلة الهجوم الإستراتيجي لحرب الشعب الطويلة الأمد و وضع عالمي مناسب و لذلك واقعيّا و عمليّا و تاريخيّا تمكّنت الرجعية و الإمبريالية من الإلتفاف عليها أو قمعها ، فما بالك بشعب " لم يع بعد ذاته بالقدر الكافي ، ولم ينشئ أدوات كفاحه الأساسية " ، شعب أعزل من السلاح و لا جيشا شعبيّا يحميه و لم يفرّق بعدُ بين اليمين و اليسار و لا طليعة شيوعية ماوية لديه ... يوهمه الأستاذ الإنتفاضوي بإمكانية تحويل الإنتفاضة إلى ثورة تخدم مصالح الجماهير الشعبية دليل آخر يضاف إلى أدلّة سابقة عن هذيان الأستاذ !!!
6- وهم تواصل الإنتفاضة و المسار الثوري :
من ركائز وهم نظرية تحويل الإنتفاضة إلى ثورة فى الظروف الراهنة إعتبار الإنتفاضة متواصلة لم تنته وهو أمر يجانب الحقيقة فى حين أنّ الإنتفاضوي ينطق بجملة يبدو له فيها التواصل بديهيا : " و غني عن البيان أنّ الإنتفاضة لا تزال متواصلة " ( ص 125) و أين؟ فى خاتمة الكتاب !
بداية يمكن أن نقول إنّ الإنتفاضة إنتهت بعد ان هرب رئيس الدولة ، بن علي . و ما تلى ذلك ، جملة من المعارك ما بعد الإنتفاضة أطاحت بحكومة الغنوّشي و قُبل مطلبها بإجراء إنتخابات للمجلس الوطني التأسيسي التى وظّفتها الطبقات السائدة و الإمبريالية العالمية لإعادة هيكلة الدولة و إصباغ الشرعية عليها و التى لم تتخّللها تجاوزات وحسب بل كانت مسرحية على حدّ تعبير بعض الفئات الشعبية . و بذلك تراجع المدّ النضالي الشامل نسبيّا . و ما ظلّ قائما هنا و هناك كدليل على إستمرار المشاكل التى أدّت إلى الإنتفاضة الشعبية و تمسّك فئات شعبية ببعض المكاسب ومطالبة أخرى بشيء من الحقوق التى ضحّت من أجلها ، بشكل متفرّق و بنسق متباين من نضالات و إحتجاجات لا يمكن إلحاقه بالإنتفاضة بمعنى جعله إستمرارا لها و دليلا على تواصلها و إنّما هو نضالات و إحتجاجات مطلبية خاصّة رقعتها تضيق و تتسع و هي مرتبطة إلى هذا الحدّ أو ذاك بمطالب الإنتفاضة العامة أو بمطالب خاصة جديدة . و الشيئ ذاته ينسحب على النضالات و الإحتجاجات التى سبقت الإنتفاضة و لا يمكن أن نعدّها تابعة لها أو بداية لها بيد أنّ ناشري الأوهام وباعتها من البرجوازية الصغيرة ما فتئوا يعتبرون أنّ " الإنتفاضة متواصلة " و أي نضال أو إحتجاج يلصقونه بالإنتفاضة و يلحقونه بها و يعدّونه دليلا على تواصلها .
يقول الإنتفاضي :" إنّ الإنتفاضة التونسية تعيش مدّا و جزرا ، وهي لم تنته بعدُ، بل هي مستمرّة بأشكال مختلفة متخذة شكل مسار ثوري" ( ص 42) . و بهذا يبثّ وهم وجود " مسار ثوري" طبعا دون تحديد معنى هذا المسار الثوري من وجهة نظر علم الثورة البروليتارية العالمية كما يبثّ وهم إمكانية تحويل الإنتفاضة إلى ثورة شبّهها ب " إنفجار كبير " ( ص38) ، " ثورة تنجز فعليا المهمتين الوطنية و الديمقراطية و تفتح السبيل أمام الحلّ الإشتراكي للمعضلات الإجتماعية ، التى وجدت تعبيرا مكثّفا عنها فى شعارات المنتفضين" ، و الحال أن " الشعب منهك و قد هدّه التعب" ( فى الخاتمة ) و " الإنتفاضة أصبحت فى قبضة أعدائها " كما يعترف ناشر الأوهام بالصفحة 121أي قبيل الخاتمة !!!
هذه أضغاث أحلام برجوازية صغيرة فلا إنتفاضة جانفي 1978 و لا إنتفاضة جانفي 1984 تحوّلتا إلى ثورة و لن تتحوّل هذه الإنتفاضة إلى ثورة أيضا فى غياب كلّ الشروط و المستلزمات و المقدمات و المقومات اللازمة حسب علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية – اللينينية – الماوية . ببساطة يبدو أنّ ما حصل هو أنّ الواهمين لرؤيتهم الرئيس السابق يغادر البلاد تصوّروا أنّ الدولة صارت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار التام و أنّ الأستاذ تأثّر أيما تأثر بالأوهام التى يبثّها التروتسكيون عن " المسار الثوري" و المضي بالإنتفاضة نحو تحقيق ثورة إشتراكية مع خلاف طفيف هو أنّه هو من أنصار " المهمّتين الوطنية و الديمقراطية " لا غير.
هل نصدّق الأوهام البرجوازية الصغيرة و نضع جانبا أو على الرفّ علم الثورة البروليتارية العالمية . لا أبدا ! هل نصدّق الأوهام التروتسكية ، أوهام الثورة المستمرّة التروتسكية و نضرب صفحا عمّا يجرى تحت أنوفنا أم نستنطق الوقائع و الواقع المادي الموضوعي المتحرّك بحثا عن الحقيقة ؟ كماديين جدليين نعتبر أنّ الواقع هو مصدر المعرفة و محكّ صحتها . و من يصدّقهم و يتبع خطاهم واهم ، و واهم يقوده واهم كلاهما يسبحان فى الخيال ، و أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان فى حفرة و تحصل الطامة الكبرى فبإلقاء العلم فى المزبلة و التمسّك بتلابيب الأوهام يتمّ تقديم أجلّ الخدمات للرجعية و الإمبريالية العالمية بدلا من النضال ضدّهما !
ما بوسعنا فعله هو فضح الأوهام مهما كان مأتاها و الإنطلاق من الواقع الموضوعي و الذاتي و الإلتحام بجماهير شعبنا و نشر الحقيقة فى صلبها و حثّها على النضال من أجل تحقيق بعض المكاسب الجزئية و الإصلاحات لا من منظور الإكتفاء بذلك و القبول بدولة الإستعمار الجديد و السقوط فى الإصلاحية و إنّما من منظور لينين و التعاطي مع الإصلاحات و إستغلالها لمقاومة النظام و تغيير أفكار الشعب من أجل إستيعاب و تطبيق النظرية الثورية و إيجاد حركة ثورية قادرة حينها على إنجاز الثورة لمّا تتوفّر الشروط التى أنف ذكرها .
و واجبنا كشيوعيين ماويين ثوريين فى علاقة بالنضالات الشعبية هو حثّ الخطى لتأسيس أداة ضرورية من أدوات الثورة السحرية الثلاثة و الحزب الثوري الماركسي- اللينيني- الماوي ينبغى أن يكون مركزها و قائد الجبهة الوطنية الديمقراطية و الجيش الشعبي كأسلحة لا بدّ منها لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية عبر حرب الشعب الطويلة الأمد بقيادة شيوعية ماوية ممهّدة للثورة الإشتراكية و كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
يعلّمنا ماو تسى تونغ أنّه
" يجب أن يكون هناك حزب ثوري ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوري ، حزب مؤسّس وفق النظرية الماركسية اللينينية الثورية و طبق الأسلوب الماركسي-اللينيني الثوري ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبريالية و عملائها " .
( ماو تسى تونغ ، " يا قوى العالم الثورية ، لإتحدى و قاومي العدوان الإمبريالي" ( نوفمبر – تشرين الثاني - 1948 ) المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع ؛ و الصفحة 1-2 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )

و عن ما بات يطلق عليه الأسلحة السحرية الثلاثة ، كتب :
" حزب قوي النظام مسلّح بالنظرية الماركسية – اللينينية ، يستخدم أسلوب النقد و النقد الذاتي و يرتبط بجماهير الشعب ، و جيش يقوده مثل هذا الحزب ، و جبهة متحدة تضمّ مختلف الطبقات الثورية و الجماعات الثورية و يقودها مثل هذا الحزب- هذه هي الأسلحة الرئيسية التى ننتصر بها على العدوّ".
( " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " يونيو – حزيران 1949، المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع ؛ و الصفحة 3 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ" ).


4- عفوية الجماهير و الوعي البروليتاري:

لدي صاحب " تونس :الإنتفاضة و الثورة " سيلا دفّاقا من الأطروحات الغريبة عن الماركسية فى هذا المضمار أيضا نستقصيها معا و نفضح كنهها البرجوازي .
1- الوعي الطبقي / السياسي : موجود أم غائب؟
من ميزات صاحبنا المثالي أنّه يطلق العنان لجمل لا تعكس الواقع فيقول على سبيل المثال ( ص 22) متحدّثا عن ما سمّاهم " أبناء حافية القدمين" : " و هم مدركون أن تحرّرهم مثل سائر المضطهَدين لن يكون إلاّ من صنعهم" و " من مكاسبها إدراك الجماهير جزئيّا أنه لا بناء للجديد دون تحطيم القديم " . (ص 89) وهي صيغ تحيل على مقولات لماركس يعرب فيها عن أنّ البروليتاريا الواعية طبقيّا ستصنع تحرّرها و تحرّر الإنسانية جمعاء وستحطّم القديم و تبنى مجتمعا جديدا إشتراكيا فشيوعيا . و عليه تفيد هذه الصيغة وجود الوعي السياسي بالإضطهاد الطبقي- تماما أو جزئيا- و الوعي بالحلّ : التحرّر و بوسيلة ذلك : " من صنعهم " و بضرورة تحطيم القديم و بناء الجديد.
يتحدّث صاحبنا المثالي و كأنّهم – أبناء حافية القدمين – القوة الوحيدة فى الإنتفاضة وفى البلاد من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها ، و كأنّهم كتلة واحدة لا تشقهم إختلافات فى المشارب و مستويات الوعي ، وكأنّهم قد إمتلكوا بعدُ وعيا طبقيّا سياسيا و مشروعا ثوريّا هو المشروع الطبقي البروليتاري – الشيوعية و تحرير الإنسانية من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي . و الحال أنّ الواقع يكذّب بوضوح ذلك الإدعاء الزائف و يفنّده فشعارات الإنتفاضة لا علاقة لها بهكذا وعي طبقي سياسي ثوري متقدّم و إنّما هي شعارات إصلاحية تطالب مركزيّا بالشغل و الحرّية و الكرامة الوطنية و خاصة و فى المصاف الأوّل بالشغل .
و قد بلغنا ما بلغنا من إكتشاف و كشف عمق تفكير صاحبنا هذا ، لم نعد نستغرب تأكيده بعد ذلك فى الصفحة 43 بأنّ : " شعبنا لم يع بعدُ ذاته بالقدر الكافي " ! ( و ما هو القدر الكافي ؟ ) و فى الصفحة 70 : " إنّ العوائق الكبرى التى وقفت فى طريق الإنتفاضة ، و حالت دون تحوّلها إلى ثورة قد أدّت من جديد إلى نفور من السياسة لدي قطاعات واسعة من الجماهير ، و بالتالى إلى تفاقم خطر غربة المضطهَدين عن السياسة ". و يناقض السيد ذاته بعد صفحات خمس ( صفحة 75 ) مصرّحا : " و الأمر الجدير بالملاحظة أنّ الجماهير لا تزال على تصميمها على النضال و تقديم المزيد من التضحيات ، رغم التخريب المنظّم لوعيها خلال أشهر لزرع اليأس بين صفوفها ".
و يراجع ذلك مجدّدا فى الصفحة 90-91 ملاحظا :" ومن المهمّ إدراك ما عليه حال الإنتفاضة الآن ، فالقيادة المركزيّة مفقودة و البديل غائم عدى شعارات سياسية عامة و أشكال تنظيمية هلامية ، تجمع غالبا تحتها اليمين و بعض أطياف اليسار فلا غرفة إنتظار واحدة ، مما يعنى أن التخوم و الحدود بين الشعب و أعدائه غير واضحة المعالم ".
و نصل نهاية الكتاب فنقرأ إقرارا بنقص الوعي الطبقي لدي الجماهير وهو أمر ترجمته بما لا يدع مجالا للشكّ نتائج مسرحية الإنتخابات – و بالمناسبة لم يرغب صاحبنا فى التعليق على تصويت أبناء جهته و إكتفى بصيغة بقطع النظر عن صحتها أو خطئها - مكذّبة للمرّة الألف أحلام المثالي القافز على الواقع الموضوعي و ما أعرب عنه فى بداية الكتاب بالصفحة 22 على وجه الضبط : " وهم مدركون أن تحرّرهم مثل سائر المضطهَدين لن يكون إلاّ من صنعهم " .
2- الوعي الطبقي / السياسي و غرق الكاتب فى الإقتصادوية :
لا يعترف صاحب الكتاب الذى ننقد باللينينية و يضرب بمؤلّف لينين " ما العمل؟ " بالذات الذى يغمز إليه فى نهاية أوّل فقرة من مقدّمته و يحلم بتعويضه بما العمل الجديد الذى سيقبض على أفكاره فى نصوصه ، عرض الحائط . فعدا إشارة عابرة إلى " إمتلاك خطّ إيديولوجي و سياسي و تنظيمي صائب " ( ص 44)، لا كلمة واحدة فى الكتاب عن الوعي الطبقي و عن دور الطليعة فى نقله إلى البروليتاريا و الطبقات الشعبية و عن النظرية الثورية التى دونها لا وجود لحركة ثورية ...
ما نستشفّ من أطروحاته هو عكس ما نظّر له لينين أي بقدر ما كان لينين ينقد الإقتصادوية و يفضحها و يستهجنها بقدر ما نعثر على صاحبنا متلبّسا فى وضح النهار بنشر الإقتصادوية الفجّة يمنة و يسرة و إليكم فقرات تدلّل على ما نقول :
- " هذا الحضور الذى إذا ما إزداد قوّة فإنّه سيدفع بجموع الكادحين للنضال على قاعدة المطالب الإجتماعية بشكل خاص، و بالتالي وعي وجودهم المخصوص قياسا على الطبقات السائدة ، هذا الوعي الذى يسهل إدراك أن إنسداد أفق الإنتفاضة سببه الرئيسي بقاء النظام القديم المدعوم إمبرياليّا على حاله ، مما يعنى أنّ حلّ المطالب الإجتماعية مرتبط جوهريا بالمسألتين الوطنية و الديمقراطية فى صيرورتهما الثورية و نعنى الأفق الإشتراكي تحديدا . " ( ص 60).
و تتجلّى الإقتصادوية فى أنّ رفع " المطالب الإجتماعية " سيكسب الجماهير وعيا طبقيّا / سياسيا بمعنى أنّه سيحوّل البروليتاريا و الطبقات الشعبية من الوعي بالذات إلى النضال من أجل المشروع الشيوعي ، من أجل إفتكاكها هي للسلطة و إنشائها لدولة تقودها البروليتاريا للمساهمة فى تغيير العالم من منظور البروليتاريا العالمية ؛ و ليس " وعي وجودهم " الذى لا يعنى الوعي الطبقي السياسي . و هذا الوعي الطبقي السياسي يحتاج إلى النضال على الجبهتين الأخريين كما شدّد على ذلك لينين فى " ما العمل ؟ " و تحديدا فى فقرة " إنجلز و أهمّية النضال النظري " : النضال السياسي و النضال النظري و هما جبهتان حاول صاحبنا الإقتصادوي قدر الطاقة تغييبهما تماما و كلّيا مثلما يفعل ذلك فى الجمل التالية :
- " تحويل كلّ تنازل يقدمون عليه [ أعداء جبهة الشعب ] إلى مكسب ، و بمراكمة المكاسب الواحد تلو الآخر يمكن الوصول إلى تلك اللحظة الفارقة أي اللحظة التى تتحوّل فيها الإنتفاضة إلى ثورة عارمة ". ( ص 64).
3- الوعي الطبقي مقابل العفوية :
و يدافع الإقتصادوي بإنتقائيّة عن أنّ الإنتفاضة لم تكن إنتفاضة عفوية تماما دون أن يحدّد الجانب الرئيسي فيها و الجانب الثانوي – و نحن نأكّد ما ينطق به الواقع من كون جانبها الرئيسي عفوي- و لأجل التعمية يذكر أنّها أفرزت أشكالا تنظيمية و قيادات جهوية معتبرا ذلك علامة على أنّها كانت غير عفوية فى جوانب منها و يقصد من هنا أنّها كانت واعية طبقيا و سياسيا إلاّ أنّه لا يصرّح بذلك مباشرة و يخلط خلطا فظيعا بين الوعي الطبقي السياسي و مسألة التنظيم و أشكال النضال . فحتى تحرّكات عفوية قادرة على إيجاد أشكال تنظيمية و قادرة على إفراز قيادات لا جهوية فحسب بل مركزية أيضا . و القضيّة تتعلّق ، من وجهة نظر البروليتاريا ، بالذات بطبيعة الأشكال التنظيمية أي بمضمونها الطبقي و مدى مناسبتها للتكتيك الثوري و فتحها الأبواب على الإستراتيجيا و تمكين الجماهير من الوعي الطبقي الثوري بقيادة طليعتها - الحزب الشيوعي الماوي - المسترشدة بالنظرية الثورية ، علم الثورة البروليتارية العالمية من التقدّم بالنضال وفق الأهداف البروليتارية المرسومة و بالأسلحة المطلوبة و الفعّالة بغاية تحطيم الدولة القديمة و إرساء دولة جديدة بقيادة البروليتاريا وكجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
و صاحبنا الإقتصادوي بعيد عن هذا الفهم البروليتاري بمسافة أميال كي لا نقول بعد السماء عن الأرض، يسبح فى عالم الأوهام متناسيا او غير مدرك الواقع فى القطر المتميّز بالصراعات الجهوية و العشائرية كتعبير آخر عن غياب الوعي الطبقي السياسي و فقدان النظرة البروليتارية للعالم و الموقف البروليتاري الثوري حقّا .
و يتحفنا الإقتصادوي بمزيد من الدفاع عن العفوية معتبرا التنظيم يضاهي أو يساوي الوعي الطبقي بالصفحة 81 :
" كما جرى تضخيم الطابع العفوي للإنتفاضة و تغييب وجود قوى منظّمة من مشارب شتّى سيّرت التحرّكات و أطّرتها ".
صحيح أنّ هناك قوى شتّى نظّمت التحرّكات غير أنّ هذا لا ينفى أنّ حتى معظم المنظّمين لم يكونوا يملكون الوعي الطبقي السياسي البروليتاري و إن وجد أفراد قليلون بروليتاريون ثوريون فإنّهم لم يلوّنوا الإنتفاضة بلونهم و شعارات الإنتفاضة ذاتها تفصح عن عفوية لا عن وعي طبقي .
و حتى إن كانت الإنتفاضة أفرزت " على مستوى الجهات قادتها " (ص 82) فإنّ ذلك لم يشمل الجهات كلّها بل حصل فى جهة أو جهتين ربّما – حسب قوله هو إذ لا نملك معلومات دقيقة بهذا المضمار وهو لم يشر إلى الجهات المعنية – و بالتالي تظلّ ثانوية و ثانوية جدّا ، و فضلا عن ذلك تبقى المسألة الحاسمة من وجهة النظر البروليتارية و الوعي الطبقي السياسي البروليتاري ، طبيعة القادة الطبقية و برنامجهم المكرّس عمليّا . فى خدمة أيّة طبقة هم؟ و ما هي خططهم ؟ و أساليب النضال المقترحة ؟ و الأهداف الطبقية ؟ إلخ و بالتأكيد أنّ هؤلاء القادة لم يرفعوا شعارات بروليتارية ثورية ، شيوعية .
و حتىّ شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " ليس شعارا ثوريّا من وجهة النظر البروليتارية الثورية ذلك أنّ هذه الأخيرة لا تتطلّع إلى تغيير نظام بن علي مثلا ، بنظام الترويكا الحالي ، أو بشكل آخر من أشكال نظام حكم الطبقات السائدة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية ، و إنّما تهدف إلى تحطيم الدولة القديمة برمتها ، مؤسسات و جيش ... فالشعار إيّاه دليل إستفاقة الجماهير على حقيقة أن بن علي لن يحقّق لها المطالب المرفوعة بل هو زاد فى قمعها و أخذ يقتل المنتفضين وعلامة تقدّمها نحو إستهداف المجرم على رأس السلطة أساسا و ليس الدولة برمّتها . و مجبرون مرّة أخرى على التذكير بأنّ المنتفضين لم يواجهوا جيش دولة الإستعمار الجديد إلاّ لفترات متقطّعة و وجيزة لا سيما فى القصرين و سيدي بوزيد فخرج الجيش سليما من الإنتفاضة لا بل جعله جزء لا بأس به من المنتفضين وغالبية السكّان مأتمنا على مكاسب إنتفاضة الشعب و بطلا .
و لا يسعنا هنا إلاّ أن نلفت النظر إلى أنّ أطروحات الإقتصادوي هذه بخصوص " إفراز القادة " و الأشكال التنظيمية أقرب ما تكون إلى الفكر المجالسي و أبعد ما تكون عن الماركسية – اللينينية – الماوية .
4- النضال ضد إنتهازية " اليسار" و" اليمين الديني" :
يتغيى الكتاب الذى ننقد الإجابة على سؤال " ما العمل؟ " . هكذا قيل لنا فى مقدّمته بيد أنّنا لا نجد من إجابة تتربّع على عرش رؤيته سوى مواصلة الإنتفاضة فى حين أنّ مختلف جوانب المسألة إيديولوجيا و سياسيّا و تنظيمياّ إلخ تناساها الكاتب و أغفلها جراء نظرته الإقتصادوية المعادية للماركسية – اللينينية – الماوية .
كان من المفروض وهو يطرح على نفسه الإجابة على "ما العمل؟ " و كذلك وهو يتناول بالحديث " اليسار" الإنتهازي و " اليسار الثوري" أن يشرح أوجه الخلافات و يسلّح الجماهير بالأفكار التى تمكّنها من التعرّف على الإنتهازيين و الصراع ضدّهم لإلحاق الهزيمة بهم و تعزيز صفوف الثوريين و أفكارهم و سبل نشرها لتغدو قوّة مادية . كيف يجب التعامل مع" اليسار الإنتهازي" ؟ ما هي محاور الصراع التى ينبغى التركيز عليها ؟ ما الأفكار التى يجب نشرها على أوسع نطاق ممكن و تلك التى يجب التصدّى لها ؟ و ما الوسائل الكفيلة بالقيام بذلك بنجاح و بما يمكّن " اليسار" الثوري من دحر " اليسار الإنتهازي" أو كسب ما يمكن كسبه من أفراد إلى صفوف النضال الثوري؟ ...و قبل هذا و ذاك ماهي الأحزاب و المجموعات التى تمثّل " اليسار الثوري " هذا ؟
أسئلة جدّية يتغاضى عنها " اليساري الثوري". هذا من جهة " اليسار" ، أمّا من جهة " اليمين" فنعثر عليه وهو يغازل الإسلام السياسي مؤكّدا " إمكانية وجود قوى سياسية إسلامية وطنية " و كالعادة يتجنّب كمثالي ذكر و لو مثال واحد يثبت ما يدّعيه . وهو هنا يفصل بمثالية أيضا و بإنتهازية يمينية المسألة الوطنية عن المسألة الديمقراطية فى الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة و يتناسى أنّها لينينيا و ماويّا ثورة ديمقراطية و لكن من صنف جديد ، بقيادة البروليتاريا و كجزء من الثورة البروليتارية العالمية . فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية لا وجود لإسلام سياسي وطني ديمقراطي أو وطني أو ديمقراطي بالمفهوم الماركسي- اللينيني- الماوي و نعيدها فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية لا مجال لإمكانية أن تقود و تنجز أية طبقة برجوازية فما بالك بما قبل الرأسمالية الثورة الديمقراطية من النوع القديم و الديمقراطية الجديدة لن تقود الشعب فى إنجازها سوى البروليتاريا و قد تنضمّ فئات من البرجوازية الوطنية المتسمة بالتذبذب إلى صفوف الشعب لفترات تحت قيادة البروليتاريا و خلاف هذا غير واقعي و يتضارب مع الماوية .
و لئن وُجدت تناقضات و صراعات بين بعض فرق و أحزاب الإسلام السياسي ضد هذه القوّة الإمبريالية أو تلك فهذا لا يقضى بالطبيعة الوطنية الديمقراطية ( و ليس الوطنية فحسب وفق المرحلة ) لهذه القوى التى تكون مرتبطة من جهة أخرى بقوّة إمبريالية أخرى أو دول رجعية هي ذاتها تدور فى فلك الإمبريالية العالمية . و عمق المسألة يتأتى من الطبيعة الطبقية لهذه القوى و برامجها على كافة الأصعدة و مشاريعها الإجتماعية الرجعية . و لا ننسى أنّ الإسلام السياسي بتلويناته يعتمد الإسلام الذى هو أداة و إيديولوجيا فى يد الطبقات المستغِلّة و تجارب هذا الإسلام السياسي جميعها فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية خدمت و تخدم فى نهاية المطاف أعداء الشعوب .
و كان من المفروض على صاحب نظرية " وطنية الإسلام السياسي" أن يقترح خطّة لمواجهة هذا التيار الذى صار بمعيّة الجيش أهمّ ركائز دولة الإستعمار الجديد فى تونس و فى مصر... لكن فاقد الشيء لا يعطيه ، لا بل الأدهى أنّه كإقتصادوي يشدّد بشكل عام من ناحية على النضال السياسي و الإجتماعي ضد الإسلام السياسي و يستبعد النضال الإيديولوجي ( ص 101) و كمثالي متبنّى للحتمية التاريخية ينوّم من ناحية أخرى الجماهير الشعبية بأن يمنّيها بكون " اليمين الديني" مآله الفشل آليّا ففى الصفحة 126 أي فى الخاتمة و أواخر صفحات الكتاب ، حبّر : " يمكننا القول إن اليمين الديني بقدر توغله فى ممارسة لعبته السياسية ، بأدواته الحالية و خطاباته المزدوجة ، و تحالفاته المريبة ، و إبقائه على جوهر الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية ، فإنه يسير إلى حتفه بظلفه ، فهو كلما توغّل فى ذلك السبيل إلا و إختصر دون وعي منه طريق الشعب إلى الحرية ".
عندئذ ما المطلوب من المناضلات و المناضلين و الشعب عموما ؟ لا شيء سوى أن ندعه " يتوغّل فى سياساته " و نقف نشاهد كيف أنّه " يسير إلى حتفه " أو إن أردنا حلاّ أفضل نشجعه على الإسراع فى " التوغّل فى ذلك السبيل " حتى نقطف الثمرة بأسرع وقت ممكن !!! هذا ما يؤدّى إليه المنطق الإقتصادوي و المثالي لهذا " اليساري الثوري" .
و ببساطة قد يثير المرء سؤالا غاية فى الوجاهة : " فى إيران ، " اليمين الديني" طبّق مشروعه متوغّلا ليس فقط فى " لعبته السياسية " بل حاصر المجتمع أيما محاصرة و قولبه بشتى الوسائل حسب قالبه و لمدّة تفوق الثلاثة عقود و رغم إفتضاح " تحالفاته المريبة "( لا بل يقينا هي واضحة و جلية لمن له عيون ليرى ! ) مع الإمبريالية و حتى الصهيونية – إيرانغايت- ورغم مقاومة عدّة منظّمات و أحزاب و رغم عدد من الإنتفاضات و الكفاح المسلّح جزئيّا لم " يسر إلى حتفه بظلفه ". و صاحب العيون المثالية لا يرى أنّ فى الواقع لل" يمين الديني" قاعدة إجتماعية واسعة ليس من اليسير إفقاده إيّاها سيما و أنّه مسنود من الإمبريالية العالمية و الرجعية العربية و المحلّية ، كما لا يرى وجود الجيش و البوليس و أجهزة الدولة الأخرى و إمكانيّة إستعماله لها ضد الجماهير و إن لزم الأمر سيمرّ من سياسة قوامها رئيسيا الإقناع و التآمر و المغالطة إلى سياسة قوامها رئيسيا الإرهاب او يستعملهما معا و قد فعل ذلك إلى الآن هنا و هناك على نطاق ضيّق آخذ فى الإتساع .
و كماديين جدليين من قراءة تاريخ الصراع الطبقي إستخلصنا دروسا جمّة بهذا المضمار و سنضع دوما بين أعيننا ما علّمنا إيّاه ماو تسى تونغ من ضرورة كنس الرجعية التى لا تسقط لوحدها و من ضرورة إعداد البديل البروليتاري ليحلّ محلّها و بحكم أنّ البديل البروليتاري ضعيف فى الوقت الراهن فإنّ للطبقات الحاكمة و الإمبريالية العالمية و من يمثّلوهم إمكانيات كثيرة للمناورة و توظيف " اليمين الديني" و " الديمقراطيين " و " الليبراليين" و " اليسار الإنتهازي" و عديد التركيبات الممكنة منهم . لذا يجب الذى يجب ، يجب الإسترشاد بالماركسية – اللينينية - الماوية :علم الثورة البروليتارية العالمية و القيام باللازم و تحديدا مقاومة النظام برمّته و كسب الناس إلى قطب يستند إلى المشروع الشيوعي و الإعداد لإيجاد الأسلحة السحرية الثلاثة و مركزها الحزب الشيوعي الماوي كمهمّة مركزية حاليّا وهو ما يلغيه صاحب العيون المثالية و يشطبه من على جدول أعمال البروليتاريين الثوريين .


5- فهم العصر و الوضع العالمي :
مثلما مرّ بنا ، لا يفرّق المثالي النظرة بين " عصر العولمة " ( ص 79) و " عصر الإمبريالية " ( ص40). و ماركسيا-لينينيا- ماويا ، العولمة ليست جديدة و إنّما موجتها الأخيرة إستمرار لموجات عولمة سابقة لها وهي تتمّ فى إطار عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية و ليس"عصر الإمبريالية " فحسب . و نسيان أو تناسي نصف التحديد أي الثورة الإشتراكية يصبّ فى خانة الفكر البرجوازي الذى يعترف بعصر الإمبريالية إلاّ أنّه أبدا لا يطيق الحديث عن الثورة الإشتراكية كنقيض للإمبريالية . و" عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية " وحدة أضداد / تناقض و من يذكر طرفا واحدا من طرفي التناقض يعبّر عن نظرة إحادية الجانب لا تعكس الواقع بل تشوّهه و المادية الجدلية منها براء .
و أيضا مثلما مرّ بنا ، يتحفنا صاحب النظرة الإحادية الجانب بعملية جديدة من نوعها هي عملية إدماج الإنتفاضات ضمن الثورة البروليتارية العالمية و إدماج الإنتفاضة فى تونس كذلك ضمن الثورة البروليتارية فيقول فى الصفحة 42:" و يهمّنا هنا إدراك التطوّر الذى يطبع بطابعه الثورة البروليتارية و ما إندرج ضمنها من إنتفاضات ممهّدة لها ، فى الحالة التونسية نحن أمام حلقة جديدة..." .
و يهمّنا نحن هنا بالذات أن نذكّر بأنّ الثورة البروليتارية العالمية تنطوي على تيارين إثنين هما تيّار الثورات الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و تيار الثورة الإشتراكية فى البلدان الإشتراكية . و هذا ما عرضه بوضوح " بيان الحركة الأممية الثورية " لسنة 1984. أمّا حشر صاحب النظرة الإحادية الجانب لأي صراع طبقي و أية إنتفاضة ضمن الثورة البروليتارية فهذا منه مبالغة سيما و أنّ الإنتفاضة لم ترفع لا شعارات و لا مطالب تميّز الثورة الديمقراطية الجديدة و ما كانت تقودها البروليتاريا الواعية طبقيّا و حزبها الشيوعي الثوري نحو إفتكاك السلطة و تحطيم الدولة القديمة و تشييد دولة جديدة ، دولة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية تمهيدا للثورة الإشتراكية و كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
و بشأن الوضع العالمي ، المثالي مدافع لا يلين عن أنّ الإنتفاضة حدثت " فى ظرف عالمي غير مناسب للثورة لا تزال فيه الإمبريالية الفاتق الناطق " و يعتبر هذا الوضع العالمي أحد عاملين رئيسيين فى تفسير ما سمّاه " الإستعصاء" وهو العامل الخارجي فى حين أن العامل الداخلي هو إفتقار " العمال إلى التنظيم الحزبي ، و الشعب إلى التنظيم الجبهوي". و كلامه هذا غير دقيق و غير صحيح . فالتنظيمات الحزبية و الجبهوية متوفّرة إلاّ أنّها – التنظيمات الحزبية المشاركة فى الجبهات أو القائدة لها - ليست ثورية و لا تسترشد بالنظرية الثورية و علم الثورة البروليتارية العالمية و ما يعنيه ذلك من غلبة التحريفية كفكر برجوازي فى صفوف الحركة الشيوعية فى تونس و غلبة الأفكار الرجعية و الإنتهازية فى صفوف العمّال و الشعب عامّة . و الغلبة هنا نوردها بمفهوم الطرف الرئيسي للتناقض و بالتالى لا ننكر وجود تنظيمات ثورية إلاّ أنّها تمثّل الطرف الثانوي و واقعيّا هي ثانوية جدّا ما تترتّب عنه الحاجة إلى خوض نضال مديد و مرير ، قويّ شديد ضد التحريفية ليتحوّل الطرف الثانوي إلى الطرف الرئيسي داخل الحركة الشيوعية فى تونس . وهذه حقيقة موضوعية يطمرها طمرا صاحب النظرة الإقتصادوية .
و بشأن الوضع العالمي ، نلفت النظر إلى أنّ فى هذا الوضع غير المناسب بالذات تتطوّر أحزاب شيوعية ماوية و تتقدّم حرب الشعب- ليس تطوّرا خطّيا مستقيما - فى العديد من البلدان بقيادات شيوعية ماوية ما يضرب فى الصميم تفسير صاحب النظرة المثالية الميتافيزيقية للسبب الخارجي لما سمّاه " الإستعصاء " فهذا الوضع بالرغم من أنّه غير مناسب رئيسيا و على نطاق شامل إلاّ أنّه ثانويّا و فى مناطق معيّنة من العالم مناسب لإندلاع ا لثورة و حرب الشعب بقيادات شيوعية تشهد على ذلك أمّا الإنتصار النهائي لثورة من الثورات بمعنى إفتكاك السلطة على النطاق القومي فيستدعي بلا ريب نوعا من الوضع العالمي المناسب تشهد فيه القوى الإمبريالية مثلا تفكّكا و نزاعات و صدامات قد تصل إلى حروب فى منطقة أو أكثر من منطقة إلخ . و جدليّا كما أدركنا للوضع العالمي طرفي تناقضه و ليس له طرفا واحدا .
و من المفيد هنا أن نستشهد بتاريخ البروليتاريا و تحديدا بثورة أكتوبر العظيمة كأوّل ثورة ظافرة حدثت فى وضع كانت فيه الإمبريالية العالمية " الفاتق الناطق" و إضطرّت أوّل ثورة إشتراكية فى العالم لمواجهة الثورة المضادة و جيوش أهمّ القوى الإمبريالية و أكثر من عشرة دول أخرى متحالفة معا ضدّها .
و نحن نورد هذه المعلومات المعروفة ، نصوّب سهمنا أيضا إلى صدر الإنتهازيين الذين يتعلّلون بالوضع العالمي غير المناسب للتهرّب من النهوض بالواجب البروليتاري و العمل الثوري و متطلّباته و النزوع إلى النقابوية و التصفوية و الإستسلام للرجعية و النشاط فى إطار دولة الإستعمار الجديد .
و لنتعلّم من الرفاق الشيوعيين الماويين فى الفيليبين و فى الهند و غيرهما من البلدان رفع راية الثورة البروليتارية العالمية مهما كانت الظروف صعبة و معقّدة و كانت التضحيات المتطلّبة جسيمة و التقدّم بحرب الشعب على الطريق الذى خطّه ماو تسى تونغ . و يترتّب علينا أن نعي تمام الوعي أنّه لعقود آتية و حتى بعد إختراق الثورة فى بلد أو عدّة بلدان لجدار النظام الإمبريالي العالمي ، ستظلّ الإمبريالية هي الطرف الرئيسي للتناقض ، هي السائدة عالميّا و لن يحصل تغيّر نوعي لتصبح الثورة هي السائدة ، هي الطرف الرئيسي و الإمبريالية هي الطرف الثانوي إلاّ بعد وقت طويل لا يمكن التكهّن به الآن . و على أساس هذا الفهم المادي الجدلي لهذه الحقائق الموضوعية ، يظلّ الشيوعيون و الشيوعيات الحقيقيون مفعمين بالأمل لا يتملّكهم شعور جارف بالإحباط و اليأس ، لا يساومون على المبادئ و يقاومون بضراوة فى سبيل تحرير الإنسانية من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي مهما كانت الظروف قاسية و غير مناسبة ومهما تطلّبت من تضحيات جسام و بنضالاتهم يخلقون و يدفعون نحو وجود الظروف المناسبة فنشهد تحويل الذاتي إلى الموضوعي فى تناقض الذاتي/ الموضوعي.
" إثارة الإضطرابات ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى إثارة الإضطرابات ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، هكذا دواليك حتى الهلاك ، ذلك هو المنطق الذى يتصرف بموجبه الإمبرياليون و جميع الرجعيين فى العالم إزاء قضية الشعوب ، وهم لن يخالفوا هذا المنطق أبدا . إن هذا قانون ماركسي . و نحن حين نقول إنّ " الإمبريالية شرسة جدّا " إنما نعنى أنّ طبيعتها لن تتغيّر أبدا و أنّ الإمبرياليين لن يلقوا أبدا سكين الجزار التى يحملونها ، و لن يصيروا آلهة للرحمة إلى يوم هلاكهم .
النضال ، ثمّ الفشل ، و العودة إلى النضال ثانية ، ثمّ الفشل أيضا ، ثمّ العودة إلى النضال مرّة أخرى ، و هكذا حتى النصر ، ذلك هو منطق الشعب، وهو أيضا لن يخالف هذا المنطق أبدا . و هذا قانون ماركسي آخر . لقد إتبعت ثورة الشعب الروسي هذا القانون ، كما تتبعه ثورة الشعب الصيني أيضا " . ( " أنبذوا الأوهام و إستعدّوا للنضال" - 14 أغسطس – آب -1949 ؛ المؤلفات المختارة ، المجلد الرابع ؛ و " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " صفحة 72-73 ) .
المستقبل الثوري نبنيه من الآن و نضخّ فيه الدماء الحمراء بنضالنا الثوري الدؤوب و المبدئي فى تطوّر لولبي تعتوره التراجعات و الإنتكاسات . لن ينتظر الشيوعيون الماويون الثوريون الوضع العالمي المناسب الذى لن ينضج لعقود للقيام بما يمليه عليه واجبهم ، ربّما ينتظرون فى بلد ما وضعا مناسبا نسبيّا لشنّ الهجوم الأخير لإفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها فى وضع ثوري كما شرحه لينين لكن لن ينتظروا و لو لحظة للقيام باللازم بروليتاريا من إستعدادات لإفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها آخذين بعين النظر و معدّين الشعب للتدخّل الإمبريالي الداهم و للثورة المضادة . هذه عناصر أساسية من الفهم الماركسي- اللينيني- الماوي لكيفية التعاطي مع الوضع العالمي وهي تتضارب بجلاء مع الفهم الإنتهازي لكاتب " تونس : الإنتفاضة و الثورة ".


5- التعاطي الإنتهازي مع الإستشهادات :

تخلّلت الكتاب الذى ننقد إستشهادات من المهمّ أوّلا أن نسجّل بصددها الغياب البارز لحضور لينين وهو ما سنشرح بالتفصيل لاحقا ، و ثانيا ، أن نسوق بعض الملاحظات بشأن منتخبات منها . و بما أنّنا لا نودّ تكرار ما قلناه عن الإستشهاد بشو آن لاي فى مقدّمتنا ، نمرّ رأسا إلى التلاعب بإستشهادات بماركس و بماو .
1- بصدد إستشهاد بماركس :
فى الصفحة 41 -42 ، يورد " المتمركس" كلاما لماركس من " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت" فيه يشرح الفرق بين الثورات البرجوازية و الثورات البروليتارية و بالتالى لا علاقة لكلام ماركس بالإنتفاضة فى تونس التى لا هي ثورة برجوازية و لا هي ثورة بروليتارية إلاّ انّ " المتمركس" يحشر حشرا الإنتفاضة ضمن الثورة البروليتارية (" الثورة البروليتارية و ما يندرج ضمنها من إنتفاضات ممهّدة لها " ص 42) و لا يعير أدنى إعتبار لكون كلام ماركس ورد فى مرحلة ما قبل عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية . و هذه منه عمليّة إلصاق إنتهازية لا غير يوظّف فيها ماركس بغية أن يقال أنّ " الباحث " ماركسي .
2- بصدد إستشهادات بماو تسى تونغ :
و لمّا تفحّص " المتمركس" موضوع " المهمّشين" المكتوين بنار الفقر و البؤس و طبيعتهم ، إستشهد بماو تسى تونغ بشأن الطابع المزدوج الذى يسم البروليتاريا الرثّة ثم إستشهد ( ص17) ثانية بماو بشأن " الأساليب التى إعتمدها هؤلاء" إلاّ أنه إنتقل مباشرة إلى الحديث عن الجزائر دون أن يتناول بالبحث الأساليب التى إعتمدها " المهمّشون" فى تونس كموضوع هام و هام جدّا لمن يريد الإحاطة الشاملة النظرية و العملية بالمسألة و لمن يريد أن يستخلص العبر و الدروس خدمة للحركة الثورية راهنا و مستقبلا .
و فى الفصل الثالث ، و ضمن " بعض أسئلة الإنتفاضة و أجوبتها " و فى سياق الدروس المستخلصة من قبل " اليسار" ، إستشهد " المتمركس" بماو تسى تونغ :" فالثورة كما يقول ماو تسى تونغ ليست مأدبة عشاء أو تطريز ثوب و إنّما هي عمل عنيف تطيح من خلاله طبقة بطبقة أخرى".
تسطير "عمل عنيف " قصدنا منه إبراز أهمّيته ذلك أنّ " المتمركس" إلتزم الصمت المطبق بهذا المضمار ، أي العنف و علاقته بالإنتفاضة سواء الثوري الذى مارسه الشعب أو الرجعي الذى مارسه أعداء الشعب عموما و بالطبع يمثّل هذا نقيصة كبرى أخرى لدي" متمركس " كان يطمح حسب المقدّمة للإحاطة " النظرية بالإنتفاضة التونسية ، ومن ثمّة العربية " و لجعل الأفكار التى " يقبض" عليها مفيدة فى الإجابة عن سؤال "ما العمل؟ " و فى الدراسات المقارنة بين الإنتفاضات فى عدّة بلدان عربية .
من منظور البروليتاريا ، أبدا لا تصحّ معالجة فنّ الإنتفاضة و علم الثورة دون الإنكباب على مسألة مركزية هي مسألة العنف الثوري و أشكاله و العنف الثوري و الثورة و طبيعتها فى البلدان الإمبريالية و فى أشباه المستعمرات و المستعمرات و المستعمرات الجديدة .
و إلى جانب ما تقدّم من ملاحظات ، رصدنا تشويها لمقولة ماو تسى تونغ المستشهد بها فوجب على أصواتنا أن ترتفع عاليا و تفضحه.
ورد فى" تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان" – مارس : آذار 1927، المؤلفات المختارة ، المجلّد الأوّل ، لماو تسى تونغ :" ليست الثورة مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقّة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس . إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى".( و أيضا ب" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ" صفحة 12- 13) .
و لعلّكم لاحظتم معنا التلاعب بما كتبه ماو و التغييب المقصود ل " الثورة إنتفاضة و عمل عنف " لأنّ ذلك يضرب فى العمق و الصميم ما بناه " المتمركس" من مفاهيم خاطئة عن الإنتفاضة و الثورة ، و محوه المتعمّد لإطاحة إحدى الطبقات ... بطبقة أخرى" بترويجه لمفهوم غير ماركسي للثورة مدّعيا الآتى ذكره : " تتطلب أي ثورة القضاء على الطبقات القديمة ، لا سياسيّا و حقوقيّا فقط و إنّما إقتصاديّا أيضا..." فى مبالغة مثالية المادية الجدلية و الواقع يتبرّءان منها تمام التبرء . فالثورة تتطلّب إطاحة طبقة بطبقة أخرى لا القضاء عليها والقضاء على طبقة لا يستدعى ثورة فحسب بل سيرورة تاريخية طويلة و مثال ذلك ما حصل مع البرجوازية فى ثورة أكتوبر و بقائها فى موقع المطاح بها وعليها و ضدّها تمارس دكتاتورية البروليتريا و من يتسرّب إلى ذهنه أدنى شكّ فى ما نقول أو يرغب فى تفاصيل متصلة بهذا الموضوع عليه / عليها بالعودة للينين فى " مرض" اليسارية " الطفولي فى الشيوعية ".
و فوق ذلك ، و يا للهول ! بالنسبة لل" متمركس" الذى لعلّه يصعق إذا علم أنّه حتى خلال دكتاتورية البروليتاريا يتواصل وجود البرجوازية القديمة منها و الجديدة حسب التحليل المادي الجدلي و العلمي الذى أنجزه ماو تسى تونغ للتجربة الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و الصين و من هناك أتت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، و لعلّه يغشى عليه إذا ما شاهد بأمّ عينه جملة لينين فى" الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " كلماتها : " إنّ حرمان البرجوازية من الحقوق الإنتخابية لا يشكّل ، كما سبق و أشرت ، سمة لازمة لا غنى عنها لدكتاتورية البروليتاريا " . ( ص 51 ، طبعة دار التقدّم ، موسكو).
3- آلان باديو؟ :
و نسمح لأنفسنا و قد بلغنا هذا المبلغ بشيء من ما سيعدّه البعض ترفا فكريّا و نستسمح القارئة و القارئ و نعوّل على رحابة صدهما ليتابعانا فى بضعة فقرات قصيرة نفردها لآلان باديو ذلك أنّه و إن لم يكن موضوع حديث الأوساط الشعبية و حتى المثقّفة جميعها إلاّ أنّ أفكاره متداولة لدي ثلّة من المهتمّين بالفكر و الفلسفة و الشيوعية و مأثّرة فى أوساط مثقفين أوروبيين على هامش الحركة الشيوعية و يبدو أنّ " متمركسنا " يريد منّا أن نعلم أنّه واسع الإطلاع و أنّه قرأ و إستوعب و تمثّل بحكم إختصاصه المهني – أستاذ فلسفة - كتبا أو مقالات لباديو و تأثّر به و تبنّى أفكاره إلى درجة الإشارة إليه فى الصفحة 80 من كتابه حيث خطّ الفقرة التالية :
" تمّ ربط الإنتفاضة بمفهوم رئيس آخر ، هو مفهوم الديمقراطية فى دلالته الليبرالية على وجه الحصر ، حيث تتماهى الديمقراطية مع الليبرالية ، و ليس المجال هنا للتوسّع فى شرح الطابع الإيديولوجي المخادع الذى تصطبغ به هذه الديمقراطية اليوم من حيث هي أداة تستخدمها الدعاية الرأسمالية عبر العالم كما يبيّنه ألان باديو ."
أستاذ الفلسفة هذا " المتمركس" يغيّب لينين و عمق تحاليله الطبقية للديمقراطية و الطابع الطبقي للديمقراطية و يغيّب ما أّلفه الشيوعيون الماويون الثوريون عبر العالم بهذا الصدد ليدفع إلى قلب المشهد آلان باديو و يستخدم مصطلحا مائعا غير لينيني " مفهوم الديمقراطية فى دلالته الليبرالية " و ليس طبعا الديمقراطية البرجوازية .
و كيما لا نطيل عليكم و فى إختصار نؤكّد أنّ آلان باديو ليس منظّرا شيوعيّا و مشروعه كلّه يتنزّل ضمن إطار النظام الإمبريالي القائم ، لا يقطع معه . و واضعين جانبا علاقة مشروع باديو بفكر روسو كمفكّر من مفكّري الثورة الفرنسية ، و إعادة تحديده الشيوعية على أنّها أي نضال قديما و حديثا من أجل "مبدأ المبادئ " بالنسبة له ، المساواة فى المطلق و نفيه كون الشيوعية علم و كون السياسة تعبير مركّز عن الإقتصاد كما قال لينين و مواقفه البرجوازية الخاطئة من ثورة أكتوبر و ستالين و التجربة الإشتراكية فى القرن العشرين و من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، إليكم أطروحتان مختصرتان غاية فى الدلالة ولكم أن تربطوا مضامينها ببعض أفكار صاحب الكتاب الذى ننقد :
1- نبذ النظرية اللينينية للحزب و الدولة :" الماركسية ، الحركة العمّالية ، الحركة الديمقراطية ، اللينينية، الحزب البروليتاري ، الدولة الإشتراكية – كافة هذه الإختراعات اللامعة فى القرن العشرين – لم تعد لها فائدة عملية ".
(Alain Badiou, The Meaning of Sarkozy (London: Verso, 2008), p. 113 )
2- نبذ الجدلية و نظرية التناقض : " خلال مرحلة السياسات الحزبية ، كان المنطق المعتمد هو الجدلية الهيغلية ؛ نظرية التناقض . خلال كامل تطوّر الماركسية و اللينينية و الماوية ، مثّلت نظرية التناقض جوهر الإطار المنطقي . وقناعتى هي أنّ ذلك أيضا إنتهى ".
(Alain Badiou, University of Washington Interview)
( و تحليل نقدي شامل و عميق غاية فى الأهمّية لأعمال باديو و خطّه الإيديولوجي و السياسي متوفّر بمجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ؛ " تمايزات " – العدد الأوّل على الأنترنت و الرابط :
)http://demarcations-journal.org/issue01/demarcations_badiou.html
=============================================================
6- المسكوت عنه جزئيّا أو كلّيا :
و قد إنكبّ نقدنا إلى هذا الحدّ على منطوق الكتاب و ما صرّح به و أعرب عنه ، ننظر الآن فى الجانب الآخر أو نقيضه أي فى المسكوت عنه جزئيّا أو كلّيا .
1- تغييب لينين كليّا :
عطفا على ما أنف و تطرّقنا إليه من تغييب متعمّد للينين ، نلتقط خيوط الحديث و نمضى قدما إلى ما سيشرح لنا مردّ هذا التغييب المتعمّد.
على عكس آلان باديو المستشهد به ، ليس لينين برجوازيّ الأفكار و التوجه و المشروع المجتمعي ، و إنّما هو منظّر بروليتاري يعتمد الموقف الطبقي البروليتاري و وجهة النظر البروليتارية و المنهج العلمي المادي الجدلي . و في ما يتصل ب " الديمقراطية "، كان لينين صارما ، دقيقا و واضحا فى كتاباته و منها مثلا :
أ- " من الواضح أنّه، طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ،- لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة " ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست فقط صيغة جاهلة تنمّ عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء... ".
( لينين : " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ).
ب- " إنّ كاوتسكي قد هبط بنفسه حتى مستوى الليبرالي الذى يتشدّق بكل مبتذل و سطحي حول " الديمقراطية الخالصة" فيطمس محتوى الديمقراطية البرجوازية الطبقي و يزيّنه ، و يخشى أكثر ما يخشى العنف الثوري من جانب الطبقة المضطهَدَة ، المظلومة."
( لينين : " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ).
ت- " إنّ وجهة النظر الديمقراطية الشكلية هي بالضبط وجهة نظر الديمقراطي البرجوازي الذى لا يقبل بأن تعلوها مصالح البروليتاريا و النضال الطبقي البروليتاري "
( لينين : " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي ").
و يعلم صاحب آلان باديو و شبيه كاوتسكي فى التشدّق بكلّ مبتذل و سطحي حول الديمقراطية وفى خشية العنف الثوري ، والمعادي للينينية أنّ لينين لن يسعفه فى شطحاته الفكرية ذات النزعة البرجوازية الصغيرة بل سيواجهه و يوجّه سهامه إلى قلب الحقيقة الموضوعية التى يمقتها الأستاذ المثالي الذاتي فلينين كمادي جدلي ، على عكس البرجوازي الصغير عندما يتناول بالحديث " الشعب " يحدّده طبقيّا حسب المرحلة التاريخية و لينين لا ينبذ الصراع الإيديولوجي و المكوّنات الثلاثة للنضال البروليتاري الشامل ( الإقتصادي و السياسي و النظري) و لينين يعلى راية النظرية الثورية التى أكّد أنّه بدونها لا وجود لحركة ثورية وهو بهكذا مقولات و مواقف لامعة شهيرة يحرق القصور الورقية التى يشيّدها البرجوازي الصغير . و نتصوّر صاحبنا يضرب الأرض برجليه و يلعن لينين و يصبّ عليه جام غضبه و لعنات لا تتوقّف صباحا مساء إن ذكّرناه بمقولة لينين المشدّدة على الحاجة إلى الحزب البروليتاري الثوري ، الحزب الطليعي الذى أهال عليه الإقتصادوي جبالا من التراب و طرده شرّ طردة من ثنايا كتابه فهو أمر لا يحتمله البرجوازي الصغير و يمقته أشدّ المقت سيما و أنّ أطروحاته ( الإقتصادوي) أقرب ما تكون إلى الفكر المجالسي :
" لا يستطيع القيام بدور مناضل الطليعة إلا حزب يسترشد بنظرية الطليعة "
( لينين : " ما العمل؟ " ).
2- تغييب حرب الشعب الماوية كلّيا :
و اللافت للنظر أيضا إسدال صاحب آلان باديو، المادي أكثر من اللزوم ، الستار على عنصر من عناصر و مكوّن من مكوّنات المشهد السياسي العالمي و الوضع العالمي ألا وهو حرب الشعب الماوية فى عدد من بلدان العالم و قد صارت فى المدّة الأخيرة متداولة حتى فى وسائط الإعلام البرجوازية ، المكتوبة منها و السمعية البصرية و باتت تقام بشأنها أسابيع التضامن الأممي مثلما هو الحال بالنسبة لحرب الشعب الماوية فى الهند التى تتقدّم بخطى جبّارة و تفسح المجال للجماهير الشعبية لتجترح البطولات و تصنع التاريخ رغم الخسائر الفادحة التى تكبّدتها جراء الإغتيال المنظّم لقادتها – تقريبا نصف المكتب السياسي للحزب الشيوعي الهندي (الماوي)- ، و ذلك بفضل التضحيات الجسام لمئات الشيوعيين الماويين و أبناء و بنات الطبقات الشعبية بحياتهم و دمائهم .
و تلقى حرب الشعب فى الفيليبين التضامن الأممي من القوى الثورية و التقدّمية عبر العالم وهي كذلك تخطّ صفحات مجيدة فى تاريخ الصراع الطبقي و الكفاح المسلّح بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي المسترشد بالماركسية – اللينينية –الماوية .
و لا نحتاج لعناء التفكير العميق لندرك لماذا أخرجها " اليساري الثوري" عنوة هي و غيرها فى تركيا و البيرو ... من مجال الوضع العالمي على كوكبنا و قذف بها إلى كوكب آخر نائي ليس بوسعنا رؤيته أو طمرها وهي تنبض حياة فى غياهب النسيان و أمرها أن تسكت صونا لأطروحاته البرجوازية الرثّة – و مع ذلك فهي تسمع صوت بنادقها حتى لمن به صمم !
إنّ حروب الشعب هذه أمثلة حيّة عظيمة تسير على الطريق الصحيح الذى خطّه ماو تسى تونغ و الذى ينبغى أن تسلكه البروليتاريا على رأس الطبقات الشعبية فى أشباه المستعمرات و المستعمرات و المستعمرات الجديدة لتنجز الثورة الديمقراطية الجديدة و تحطّم فعليّا و عمليّا و حقّا دول الإستعمار الجديد و ترسي دول الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية تمهيدا للثورة الإشتراكية و كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
والإقتصادوي يطرح طريقا آخر ، طريق الإنتفاضوية و المجالسية ، طريق أثبتت التجارب التاريخية خطأه و إستحالة تحقيقه للثورة المرجوّة بروليتاريّا فى أشباه المستعمرات و المستعمرات و المستعمرات الجديدة .
وطريق الإنتفاضة المتبوعة بحرب أهلية هو طريق الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية وليس طريق الثورة فى أشباه المستعمرات و الإنتفاضوي زيادة على كونه يتجاهل الحرب الأهلية و العنف الثوري كما سلفت الإشارة إليه ، يريد إغتصاب الواقع و قولبته حسب رؤيته المثالية الذاتية فيا لبؤس الفلسفة التى يحملها !
و يتجلى مأزق الإنتفاضوي وإختناقه بفعل المحاصرة من قبل لينين و الحزب الطليعي و النظرية الثورية و العنف الثوري من جهة و حرب الشعب و ضرورة الجيش الشعبي و تحطيم الدولة القديمة و جيشها و تفكيك هذا الجيش الذى لم ينبس ببنت شفة بشأنه الإنتفاضوي فأين المفرّ أيّها الإنتفاضوي و لينين أمامك و ماو تسى تونغ وراءك ؟
3- تغييب النضال ضد إضطهاد نصف السماء/ النساء مرحليّا :
حقّا أثار الإشمئزاز عنوان نص " سيدي بوزيد التونسية : أبناء حافية القدمين " ذلك أنّنا شعرنا بتضمّنه إساءة للنساء أكثر منه رفعا لتحدّي و نشرح فنقول إنّ الصيغة تلصق الإهانة بالمرأة مرّتين ، فى شخصها لأنّ العبارة شعبيّا شتيمة و كذلك تلحقها بفعل إلصاقها بأبنائها الذين يهانون بسبب أمّهم فتكون النتيجة شتيمة مزدوجة للمرأة و تكون المرأة سببا فى شتم أبنائها . و كان بإمكان أستاذ الفلسفة أن يستعمل صيغة " حفاة القدمين " فتؤدّي المعنى و تعبّر عن نوع من التحدّي و لا تلحق الأذى بالمرأة من منطلق ذكوري يجعل المرأة سبب شقاء الأبناء و الرجل ما يحيلنا على الأسطورة الدينية التى تكرّس دونية النساء ، أسطورة حوّاء التى تسبّبت فى خروج آدم من الجنّة و ما إلى ذلك .
و من لديه أدنى إطّلاع على التجربة الإشتراكية الصينية الماوية سيلتقط التشابه فى عبارة " حفاة القدمين " فمن المكاسب المذهلة للحقبة الماوية فى الصين تجربة " الأطبّاء ذوى الأقدام الحافية " الذين وفّروا الرعاية الصحّية الأساسية و الضرورية الإستعجالية لجماهير الشعب فى الريف و القرى النائية و حتى فى الحقول المليئة ماء أثناء غراسة الأزر و من هنا أتت تلك التسمية ...
و غدت هذه التجربة المذهلة المعبّرة عن خدمة الصين الماوية للشعب من أهمّ معالم المكاسب التاريخية للبروليتاريا العالمية وهي تجربة سرعان ما قضت عليها صين دنك سياو بينغ و أشياعه الذين أعادوا تركيز الرأسمالية فى الصين بعد إنقلاب 1976 .
و نسترسل لنسجّل بالخطّ العريض أن صاحب الفكر الذكوري فى الفصل الثالث من كتابه و على وجه الحصر " الإنتفاضة و الديمقراطية " أزاح قضية المساواة و تحرير المرأة إزاحة تامة من كلامه و قذف بها خارج إطار المسألة الديمقراطية ليدلّل على أنّه ليس فقط غير ماركسي أو " متمركس" و حسب بل ليس حتى ديمقراطي برجوازي .
و سيضطرّ إضطرارا و عن مضض لمعالجة سريعة فى فقرتين للقضية فى إجابته على أسئلة وجهها له موقع الحوار المتمدّن فى علاقة بالإنتفاضة و منها سؤال مباشر ما كان بوسعه مراوغته كلّيا فأجبر على الإجابة و السؤال هو : " قوى اليسار معروفة بكونها مدافع عن حقوق المرأة و مساواتها و دورها الفعّال ، كيف يمكن تنشيط و تعزيز ذلك داخل أحزابها و على صعيد المجتمع؟ ".
لكنّه فى إجابته لجأ إلى المراوغة الجزئية و لم يجب على جانب من السؤال ، الجانب المتصل ب" كيف يمكن تنشيط دور المرأة الفعّال و تعزيزه داخل أحزاب " اليسار". و زيادة على ذلك نطق بكلام يستحق منّا التوقّف عنده و النظر فيه.
1- " إنّ دورهنّ فى الثورة ، مهمّ جدّا ، و تعزيز هذا الدور يقتضى ذهاب الثوريين إلى المعامل و الحقول و المعاهد و الجامعات لتنظيم جمهور النساء ، و فى خضمّ الكفاح ستفرض المرأة المناضلة حضورها ، و لن تحتاج لمراسيم حزبية رجالية لكي تتصدّر القيادة هنا أو هناك " ( ص 100).
و نعلّق موضحين أوّلا أنّ دور المراة فى الثورة ليس " مهمّا جدّا " فحسب بل هو دور حاسم فدون المشاركة الفعّالة للمرأة لن توجد ثورة بالمعنى الماركسي- اللينيني- الماوي ، ثورة تقودها البروليتاريا و حزبها المسترشد بعلم الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى بلوغ الشيوعية وهذا يصحّ على الثورة الديمقراطية الجديدة الممهدّة للثورة الإشتراكية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات كما يصحّ على الثورة الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية ؛ و موضحين ثانيا أن الحديث عن " ذهاب الثوريين إلى المعامل ..." تفوح منه رائحة الذهنية الذكورية لدي الكاتب حيث لم يقل الثوريين و الثوريات ، و كأنّه ينفى وجود الثوريات أو ينتقص من قيمة نضالهن و هكذا نلمس مجدّدا عمليته المفضّلة : تغييب كلّ ما لا يتماشي و خطّه الإيديولوجي و السياسي و نظرته المثالية الذاتية و ذهنيته الذكورية المعادين طبعا للشيوعية الحقيقية .
و إلى هذا يضاف أنّ المسألة ليست مسألة " فرض المرأة حضورها " فهي حاضرة أراد من أراد و كره من كره و إنّما المسألة من منظور بروليتاري مسألة خطّ شيوعي ثوري يقود تحريرالنساء من الإستغلال والإضطهاد الجندري والطبقي والقومي و مسألة تكريس هذا الخطّ عمليّا بإيجاد حركة نسائية ثورية و تعزيز الدور الفاعل للمرأة داخل الأحزاب البروليتارية بالسعي ليس فقط لتنظيم صفوف النساء و لكن و جوهريّا بتكوين قياديات بروليتاريات شيوعيات ثوريات بأعداد وافرة . علينا عمليّا تطبيق شعار ماو تسى تونغ " النساء نصف السماء" و كذلك شعار الصين الماوية : " كل ما يستطيع الرجل القيام به تستطيع المرأة القيام به " و من الآن يقتضى الأمر السعي الدؤوب لإيجاد قياديات شيوعيات بأوفر أعداد ممكنة وتشجيع كلّ جهود تنصبّ فى هذا الإتجاه . و هكذا ليست المسألة مسألة " مراسيم رجالية " بل هي مسألة خطّ إيديولوجي و سياسي صحيح حزبي و طبقي أفقه تحرير النساء و الإنسانية جمعاء و تكريسه ينطلق من الآن و هنا فالنضال ضد إضطهاد النساء ركيزة من ركائز الإعداد للثورة البروليتارية العالمية بتياريها .
2- " إنّ المطلوب هنا هو الإهتمام رئيسيا بنضال المرأة فى المعامل و الحقول ، و عندها سيتحقّق الإرتباط الضروري بين كفاح النساء و الرجال من أجل التحرّر الوطني الديمقراطي و التقدّم على طريق الكفاح من أجل الإشتراكية فتحرّر النساء جزء من تحرّر الشعب نفسه و لا يمكن أن يكون بديلا عنه ".
و نعلّق معيدين للأذهان حقيقة فاقعة مفادها أنّ إضطهاد نساء الطبقات الشعبية مركّب فى المستعمرات و أشباه المستعمرات فهو إضطهاد قومي و طبقي و جندري/ ذكوري أيضا و هذا الإضطهاد الأخير هو الذى يريد منّا صاحب الذهنية الذكورية أن نحجبه فى حين أنّه جبهة من الجبهات التى تستلزم العناية الأكيدة من البروليتاريا و تستلزم من الثوريين و الثوريات إنشاء الأطر التنظيمية خارج الحزب و داخله لرسم الخطّ و السياسات و البرامج و تكريسها عمليّا نحو دفع تحرير النساء كقوّة جبّارة من أجل الثورة ،على كافة الأصعدة إلى أقصى درجة ممكنة فى كلّ لحظة من لحظات النضال الذى لا ينقطع و كلّ مراحل الثورة و قبلها و بعدها ، إلى بلوغ الشيوعية عالميّا .
صاحب الذهنية الذكورية شأنه فى ذلك شأن الكثيرين من المتبنّين للشيوعية قناعا و قولا و ليس فعلا يؤجلون النضال على هذه الجبهة الأساسية فى المجتمع ككلّ و حتى داخل الحزب الثوري ذاته و تنظيماته بدعوى التركيز على المسائل الأهمّ و المسائل الوطنية و الديمقراطية الأعمّ . وهو نتيجة لذلك لا يرى وجوب النضال ضد إضطهاد النساء داخل الأسرة مثلا و لا يرى حاجة لخوض النضال على الجبهة الإيديولوجية ضد العراقيل و التقاليد و العادات و الممارسات الذكورية التى تكرّس دونية المرأة . و النضال ضد إضطهاد النساء المركّب و بالمعنى الذى فسّرنا ليس " بديلا عن " تحرّر الشعب و إنّما هو جزء لا يتجزّا منه يكسر القيود و يطلق العنان للنساء كقوّة جبّارة من أجل الثورة .
و على الرغم من منتهى الأهمّية التى تكتسيها قضية المساواة و تحرير النساء بما هي مطلب ديمقراطي ، فإنّ تحرير المرأة تحريرا ناجزا تاما و كلّيا من نير الإستغلال و الإضطهاد الذكوري و القومي و الطبقي لن يحصل ما لم يتمّ بلوغ الشيوعية عالميّا ذلك أنّ إضطهاد المرأة أساس من أسس المجتمعات الطبقية و حتى فى ظلّ الإشتراكية وهي مجتمع طبقي إنتقالي من الرأسمالية إلى الشيوعية ، يظلّ النضال من أجل التحرير التام للنساء واجب يتنزّل فى إطار النضال الشامل للتقدّم صوب الشيوعية و التصدّى للطريق الرأسمالي و ممثليه الذين يعملون وسعهم لإعادة تركيز الرأسمالية .
و قد دلّل ما جدّ فى الإتحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين و هزيمة البروليتاريا أمام البرجوازية الجديدة و تغيير لون الحزب و الدولة من حزب و دولة بروليتاريين إلى حزب و دولة برجوازيين و ما جدّ فى الصين بعد إنقلاب 1976 و بلوغ التحريفية السلطة ما يعنى بلوغ البرجوازية السلطة و تحويل الصين الإشتراكية إلى صين رأسمالية ، على أنّه إذا أعيد تركيز الرأسمالية تنتكس قضيّة تحرير النساء و الإنسانية جمعاء و تتبخّر المكاسب المحقّقة للمرأة و يعاد إضطهاد النساء بشتّى الأساليب و بمختلف وجوهه .
خاتمة
بناء على ما حلّلنا و لخّصنا ننتهي إلى أنّ " أستاذ الفلسفة " صاحب كتاب " تونس : الإنتفاضة و الثورة " يتميّز بالخلط فى الفهم بين الإنتفاضة و الثورة و المسار الثوري و بالإضطراب فى المنهج و الأفكار و بالدفاع عن العفوية و الأفكار المجالسية و عدم فهم العصر و خصوصيات الوضع العالمي و الثورة البروليتارية العالمية و بالإنتهازية فى توظيف الإستشهادات و بتغييب المفاهيم الصحيحة للدولة و لدور الجيش و الوعي الطبقي و الخطّ الإيديولوجي و السياسي البروليتاري و رموزه و بالذهنية الذكورية و من ثمة خطّه الإنتقائي و المثالي و الإقتصادوي لا يمتّ بصلة للماركسية -اللينينية – الماوية بل هو عدوّها.
و نظرا لأنّنا أسهبنا فى الفقرات السابقة ، نختصر فنشدّد فى الختام على جملة أفكار ينبغى أن نضعها نصب أعيننا و ننشرها على أوسع نطاق ممكن ألا وهي :
1- إنتهت الإنتفاضة فى تونس ووقع الإلتفاف عليها و على الشيوعيين و البروليتاريا و الشعب مواصلة النضال دون وهم تحويل الإنتفاضة إلى ثورة فى المدى المنظور فى غياب الأسلحة السحرية الثلاثة التى من شأنها أن تحقّق الظفر و فى غياب وضع ثوري بالمعنى اللينيني و من هنا تأتي مركزية مهمّة تأسيس الحزب الشيوعي الماوي كحلقة محورية للتقدّم على طريق الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية .
2- إلى جانب عملنا على المساهمة فى مقاومة النظام و كسب أذهان الطبقات الشعبية إلى الشيوعية من أجل الثورة ، من جديد ، يجب أن نضع على جدول الأعمال نقاشا مستفيضا و دراسة معمّقة لدلالات جملة لينين " لا حركة ثورية دون نظرية ثورية " و فهمها و الإحاطة بكلّ معانيها و متطلّباتها و رفع رايتها و تطبيقها .
3- يتعيّن خوض الصراع الطبقي البروليتاري على الأصعدة كافة و مثلما ورد فى " ما العمل؟ " يجب أن يجرى النضال البروليتاري العميق و الشامل على الجبهات الثلاثة الإقتصادية و السياسية و النظرية بشكل متكامل قد تكون جبهة منها هي الرئيسية فى لحظة ما لكن أي تغييب لواحدة منها يعيق تقدّم النضال ، لا سيما تغييب السياسي و الإيديولوجي . و فى إطار هجمة إيديولوجية إمبريالية رجعية منذ عقود ضد الشيوعية ، من نافل القول أن الإستهتار بالنضال الإيديولوجي لن يخدم قضية البروليتاريا و الشعب الكادح بل يغرق البروليتاريا و الطبقات الشعبية فى أوحال إيديولوجيا الرجعية و التحريفية و الإصلاحية بما يأسر آفاق النضال فى إطار النظام الإمبريالي العالمي و يحوّل علم الثورة البروليتارية العالمية إلى مجرّد مادة مكتبية ينهل منها البعض مفردات أو جمل يتحلّوا بها و يستخدموها أقنعة لمزيد تضليل المستغَلين و المضطهَدين من الطبقات الشعبية ، عوض أن ترفع رايته و يستوعب كنهه و يطبّق عمليّا و على كافة الأصعدة فى سبيل جعله قوّة مادية لتغيير العالم تغييرا جذريّا من منظور البروليتاريا الثورية و بإتجاه الشيوعية عالميّا .
4- نستخلص من نقدنا أعلاه و من قراءاتنا المتنوّعة لتجارب حالية و ماضية شتّى و لوثائق مشارب أصحابها شتّى أن من ركائز – و لا نقول الركائز الوحيدة و لا الأهمّ بصفة مطلقة – هجمات الكثير من التحريفيين فى أشباه المستعمرات و المستعمرات و المستعمرات الجديدة خاصة على جوهر الشيوعية ، طرح منارات أربعة أرضا، منارتان للينين و منارتان لماو تسى تونغ، حتى يتمكّنوا من تشييد صروح أطروحاتهم البرجوازية و يلوّنوها على أنّها بروليتارية ونقصد هنا على وجه التحديد المؤلفان العظيمان للينين " ما العمل؟ " و " الدولة و الثورة " و الكتابان العظيمان لماو تسى تونغ و هما " فى التناقض " و " حول الديمقراطية الجديدة ".
و عليه من هذا المنبر و بكلّ رفاقية نتوجّه للمناضلين و المناضلات ، شيبا و شبابا ، نساء و رجالا ، قيادات و كوادر و متعاطفين و متعاطفات مع الماركسية - اللينينية - الماوية الذين يتطلّعون حقّا و فعلا، قلبا و قالبا ، إلى أن يساهموا قدر طاقتهم فى تحرير الإنسانية من جميع أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ؛ بالدعوة إلى أوّلا أن يتشبّعوا بمضامين هذه المؤلفات ( غيرها كثير من المؤلفات الماوية الجديدة ) لأنّها شموع فى دهاليز هذا الليل الدامس و العتمة الرجعية و التحريفية ، و ثانيا أن يعتمدوها فى الحكم على مدى ثورية بعض الأطراف و الأشخاص و مدى تحريفيتهم ، و ثالثا أن يطبّقوا و يكرّسوا مضامينها الثورية بالطبع مع قراءة علمية مادية جدلية للواقع الراهن و متطلّباته محلّيا و عربيّا و عالميّا ، من أجل إنشاء حركة ثورية ، آخذين بعين النظر من منطلق بروليتاري ، شيوعي ثوري أنّ صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء و أنّ هذا الخطّ الصحيح هو الذى ينبغى أن يتمسّك به الثائرة و الثائر ، الشيوعية و الشيوعي .
و نكرّرها الخطّ هو المهمّ وهو أهمّ من الأشخاص و أهمّية الأشخاص حتى و إن كانوا قادة لا تتأتّى من موقعهم بقدر ما تتأتّي من تمسّكهم بالخطّ الإيديولوجي و السياسي الصحيح و تكريسهم و تطويرهم له و الأفراد و إن كانوا مساهمين فى صياغة الخطّ إيّاه ليسوا أهمّ من الخطّ و إن سجن هذا أو سجنت هذه أو غاب أو غابت لسبب ما ، أو لما لا ، وهذا وارد جدّا و لا ينبغى إستبعاده أيضا ، إن إنحرف أو إنحرفت فليكن الخطّ الإيديولوجي و السياسي الصحيح هو ما يجب التمسّك به و أمّا الأفراد المخطئون من الرفاق و الرفيقات فإمّا أن يقدّموا نقدهم الذاتي و يصحّحوا أخطاءهم أو ينبذوا و من التنظيم يطردوا إن هم بإنحرافهم و خطّهم الخاطئ تمسّكوا .
5- " الذهاب ضد التيّار مبدأ ماركسي " هذا ما علّمنا إيّاه ماو تسى تونغ و طبّقه طوال حياته النضالية ما مكّن من الدفاع المستميت عن مبادئ الشيوعية الثورية و خدمة الشعب و الثورة و تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية . و من الأكيد أن نتخذ الرفيق ماو تسى تونغ قدوة لنا و نحذو حذوه و ليتجرّا الرفيقات و الرفاق الطامحون للتقدّم بوعيهم الطبقي و التقدّم بالوعي الطبقي للجماهير الشعبية و لإمتلاك ناصية الإيديولوجيا البروليتارية و تطبيقها ، على إستعمال النقد و النقد الذاتي بإستمرار بمبدئية و بغاية تطوير النضال و تغيير الواقع و ذواتنا أيضا . لنمتشق سيف النقد و النقد الذاتي سلاحا نستخدمه و لا نخشى فى ذلك أحدا ولا لومة لائم ، هدفنا هو البحث عن الحقيقة التى هي وحدها الثورية كما قال لينين .
على الحركة الشيوعية فى تونس تهيمن هيمنة تكاد تكون كلّية و تامة و ساحقة التحريفية كفكر برجوازي فى صفوف البروليتاريا و علينا أن نفجّر هذا القمقم و نرفع سلاح النقد عاليا و نوجهه لها علّنا نساعد بهذا و بوجوه أخرى من النضال طبعا ، فى كنس شيء من هذه القمامة المتراكمة لنفتح المجال وسعنا نحو نشر الشيوعية الثورية ، الماركسية – اللينينية -الماوية و تأسيس الحزب الشيوعي الماوي كمهمّة مركزية فى هذه المرحلة من النضال ثمّ نبذل قصاري الجهد النضالي فى بنائه و صهره فى قاعدته الإجتماعية و فى إيجاد الأسلحة السحرية الأخرى و بهذا نساهم حاليّا فى دفع عجلة التاريخ إلى الأمام ، من وجهة نظر الثورة البروليتارية العالمية و كجزء منها وهدفنا الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي.


على الشيوعي أن يكون صريحا ، صافي السريرة ، مخلصا ، عظيم الهمّة و النشاط ، يفضّل مصالح الثورة على حياته ، و يخضع مصالحه الشخصية لمصالح الثورة . و عليه أن يتمسّك فى كلّ زمان و مكان بالمبادئ الصحيحة و يخوض النضال بلا كلل أو ملل ضد جميع الأفكار و الأفعال الخاطئة ، و ذلك من أجل توطيد الحياة الجماعية للحزب و تعزيز الروابط بين الحزب و الجماهير . و عليه أن يهتم بالحزب و الجماهير أكثر من إهتمامه بأي فرد ، و ان يهتمّ بالآخرين أكثر من إهتمامه بنفسه . و بهذا وحده يمكن أن يعدّ شيوعيّا .
( ماو تسى تونغ " ضد الليبرالية " 7 سبتمبر- أيلول- 1937، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني ؛ و صفحة 284 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ).

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

الأشياء الثلاثة التي يجب القيام بها و الأشياء الثلاثة التي يجب عدم القيام بها

مارسوا الماركسية و أنبذوا التحريفية ؛

إعملوا من أجل الوحدة و أنبذوا الإنشقاق ؛

تحلّوا بالصراحة و الإستقامة و لا تحبكوا المؤامرات و الدسائس .

( ماو تسى تونغ ، " المعرفة الأساسية للحزب الشيوعي الصيني" – شنغاي 1974)
---------------