الشيوعيون ليسوا وطنيين


فؤاد النمري
2014 / 8 / 27 - 12:46     

عقب انهيار المشروع اللينيني للثورة الإشتراكية العالمية التي كان ماركس قد نادى بها في أواسط القرن التاسع عشر قبل وصول الرأسمالية العالمية إلى مرحلة الإمبريالية، عقب ذلك أصيب الشيوعيون في كافة أقطار العالم وأولهم الشيوعيون السوفييت بانهيار فكري " إيديولوجي " . الحجر الذي سارعوا إلى الإختباء خلفه ستراً لفضيحتهم في الإنهيار هو " الوطنية " والوطنبة حجر صغير جداً قد يختبئ وراءه سياسيون من مختلف الأشكال والألوان لكن ليس الشيوعيين، فالشيوعيون الحقيقيون ليسوا وطنيين كيما يخبئ حجر الوطنية شيوعيين مهما كانت حجومهم صغيرة .
مثلما يتركب الحجر من عنصرين هما الكلس والكربونات تتركب المسألة الوطنية من عنصرين أيضاً هما القوى الخارجية، المعادية بالضرورة للقوى الوطنية، والعنصر الثاني هو تبني القوى الوطنية للمصالح التي تتشارك بها مختلف الطبقات في الوطن ظاهرياً على الأقل ـ بينما كانت البورجوازية الدينامية التي قادت الثورة الوطنية تستهدف أخيراً بناء الإقتصاد البورجوازي المستقل، رغم استحالة ذلك في عالم ثنائي القطبيه دون أن تعلم . أما الشيوعيون في البلدان الصناعية المتقدمة وهم الشيوعيون الأُصلاء فليس في تركيبتهم هذان العنصران الوطنيان، فهم لا يتبنون قضايا وطنية حيث لم يتواجد في بلدانهم قضايا وطنية، والقضايا الطبقية، قضية العمال تحديداً تتقدم على ما سواها من قضايا ؛ كما أن عدوهم الأول والرئيس هو الرأسماليون والبورجوازيون شركاؤهم في الوطن . أما الشيوعيون في البلدان المتخلفة التي لم تقتحم بعد حضارة الصناعة، وهؤلاء هم في حقيقتهم ليسوا أكثر من شيوعيين بالوكالة، لم يبارحوا طبقتهم، طبقة البورجوازية الوضيعة، حيث ليس لديهم طبقة عاملة يتبنون قضاياها ؛ اكتفوا في بلدانهم بالإصطفاف خلف البورجوازية الوطنية الدينامية وتأييدها بغير حدود، وكان لينين قد اشترط عليهم أن من لم يشارك في المسألة الوطنية ويدعم البورجوازية في ثورتها فلن يقبل عضواً في الأممية الشيوعية . وبالطبع كانت الإمبريالية تتهدد مشروع البورجوازية الوطنية الذي يتمثل باقتصاد بورجوازي رأسمالي مستقل لا يرتبط بأي مركز رأسالي بل معادٍ له . كان لينين قد بحث في هذا الموضوع وعبّر ستالين في تقريره عن المسألة الوطنية طبقاً لرؤية لينين في المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي البولشفي في العام 1921 وبوجود لينين نفسه ـ المؤتمر الذي يعتبر بحق المؤتمر التأسيسي للإتحاد السوفياتي الإشتراكي ـ إذ قال ..
" وبرهنت اللينينية، كما أثبتت الحرب الاستعمارية والثورة في روسيا، أن المسألة الوطنية لا يمكن أن تحل إلا في نطاق الثورة البروليتارية ، وإن ظفر الثورة في الغرب يتطلب تحالف البروليتاريا الأوروبية مع حركة المستعمرات والبلاد المستعبدة ضد الاستعمار. فالمسألة الوطنية هي جزء من المسألة العامة للثورة البروليتارية، هي جزء من ديكتاتورية البروليتاريا. "
إذا كان لنا هنا أن نقرأ ستالين معبراً عن لينين وبحضور لينين نفسه، فذلك يرتب على الشيوعيين بالوكالة أن يفكوا ارتباطهم بالمسألة الوطنية بعد انهيار الثورة الإشتركية وتفكك المعسكر الإشتراكي في العام 1991 والذي بدأ انهياره فعلاً في الخمسينيات واستفحل في الستينيات . ستالين يقرأ لينين ليؤكد أن " المسألة الوطنية لا يمكن أن تحل إلا في نطاق الثورة البروليتارية " وهو ما يعني أن راية المسألة الوطنية كانت قد سقطت قبل السقوط الأخير للثورة الإشتراكية . أشارت إلى ذلك سلسلة الانقلابات العسكرية ضد القيادات الوطنية في عدة بلدان في الستينيات مثل الإنقلاب على باتريس لومومبا في الكونغو (61) وعبد الكريم قاسم في العراق (63) وأحمد بن بللا في الجزائر (64) وأحمد سوكارنو في أندونيسيا (65) وكوامي نكروما في غانا (66) وجمال عبد الناصر في مصر (67) ـ بالحرب إن لم يتسن الإنقلاب ـ وموديبوكيتا في مالي (68) ونور الدين الأتاسي في سوريا (70) وسلفادور أليندي في التشيلي (73) وجاء الإنقلاب الخاتم انقلاب أنور السادات في العام 1974 وقد قفز السادات من حضن الاتحاد السوفياتي إلى حضن الولايات المتحدة الأميركية معللاً ذلك بغباء القيادة السوفياتية كما أكد دون أن يعلم أن تلك القيادة إنما كانت قيادة البورجوازية الوضيعة المعادية للإشتراكية وللتحرر الوطني بالنتيجة وليست قيادة العمال الإشتراكية كقيادة ستالين أو بولغانين صاحب الإنذار الرهيب في وقف العدوان الثلاثي على مصر في 5 نوفمبر 1956 حين نقل مدير المخابرات (السي آي ايه) ألان دالاس إلى الرئيس الأميركي آيزنهاور أن الاتحاد السوفياتي كان على استعداد للدخول في حرب عالمية ثالثة بمقتضى الإنذار ـ طبعاً لم ينس آيزنهاور قائد الجبهة الغربية وإنزال النورماندي جبروت الاتحاد السوفياتي الذي حال دون إبادة كامل قواته في جبال الجاردنز من قبل النازيين في يناير 1945 .

الشيوعيون بالوكالة في البلدان النامية والتي لم تقتحم بعد مجتمع الصناعة يخونون اليوم توكيلهم وينشطون في العمل على حل المسائل الوطنية بغياب تام للثورة الإشتراكية العالمية التي هي الشرط الوحيد للتقدم خطوة واحدة في حل المسألة الوطنية، وهو ما كان لينين قد أكده في رسالته التاريخية لزعماء الشرق الإسلامي المجتعين في باكو/ أذربيجان 1920 . الشيوعيون بالوكالة الذين غيروا راياتهم التي كانت تنادي بالثورة الإشتراكية وبدكتاتورية البروليتاريا ليرفعوا بدلاً عنها اليوم رايات الحرية والديموقراطية والتعددية والعدالة الإجتماعية إنما هم يعلنون دون خجل خيانتهم للتوكيل المعطى لهم من الشيوعيين الأصلاء، ولم يعودوا شيوعيين سواء بالتوكيل أم بغيره . بعض السادرين في الخيانة في هذا السياق يلجؤون إلى ستر خيانتهم فيدعوا أن الواجب يتطلب منهم مقاومة المشروع الأميركي الصهيوني في شرق أوسط جديد علماً بأن الشرق الأوسط الجديد كما تراه أميركا ليس أكثر من التخلي عن المشروع الاستعماري القديم، محط شكوى القوميين العرب الدائمة، ألا وهو مشروع سايكس– بيكو . المشروع موضع إدعاء هؤلاء الخونة هو مشروع كاذب ولا يستر خيانة هؤلاء الشيوعيين بالوكالة . بات هؤلاء الشيوعيون بالوكالة يرغبون في الديموقراطية وفي العدالة الإجتماعية دون أن يكون هناك أية دعائم مادية تسند هذه الأهداف المرغوبة مثلهم مثل البعثيين الذين يرغبون في الوحدة والحرية والاشتراكية قبل أن يتعرفوا عليها وعلى مدلولاتها وعلى دعائم بنائها . فقط هم راغبون فيها !!

وباستكمال قراءة ستالين للمسألة الوطنية بتعريف لينين يفاجئنا الربط المعاكس الذي يربط الثورة الاشتراكية بثورة التحرر الوطني إذ يقول ستالين في تقريره ذاك .. " وإن ظفر الثورة في الغرب يتطلب تحالف البروليتاريا الأوروبية مع حركة المستعمرات والبلاد المستعبدة ضد الاستعمار. فالمسألة الوطنية هي جزء من المسألة العامة للثورة البروليتارية، هي جزء من ديكتاتورية البروليتاريا. "
ما يستخلص من هذا القول هو أن البروليتاريا في الدول الأوروبية المتطورة لن تستطيع القيام بثورة اشتراكية وإقامة دولة دكتاتورية البروليتاريا بدون الاستعانة بالقوى الوطنية في محيط المركز الرأسمالي . وقد نذهب أبعد لنقول تنعدم الثورة الاشتراكية بانعدام الثورة الوطنية .

كان لينين ومنذ العام 1920 قد كرس الوحدة العضوبة بين الثورة الاشتراكية والثورة الوطنية وقال في رسالته التاريخية لمؤتمر زعماء الشرق الإسلامي في باكو .. إذا كان ماركس قد قال " يا عمال العالم اتحدوا " فأنا أقول " يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انحدوا " .
بسبب الوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية والثورة الوطنية قد يدعي الشيوعيون بالوكالة، وقد أفلسوا تماما على الصعيد السياسي، أن الشيوعي إن لم يكن وطنياً فهو ليس شيوعياً بالتداعي طالما أن هناك وحدة عضوية بين الثورتين غير قابلة للفصل . لكن من يتستر بهذه الحجة عليه أن يسلّم ولذات السبب أن غياب الثورة الاشتراكية تغيب معه المسألة الوطنية . غياب الثورة الاشتراكية يغيّب المسألة الوطنية لكنه لا يغيّب العمل الشيوعي، بل إن الشيوعيين الأصلاء عليهم بعد انهيار الثورة الاشتراكية الأولى والأخيره في التاريخ أن يعودوا إلى علوم الماركسية للدرس والتمحيص ليتبينوا أمر الانهيار من حيث الأسباب والنتائج قبل أن يشرعوا بأي عمل سياسي . هل علينا أن نستعيد مشروع لينين لنصل إلى انهيار آخر !؟ أم نتحول إلى وطنيين وموافقين على التخلي عن الشيوعية نهائياً !؟
الإجابة هي برسم الشيوعيين بالوكالة .