خروتشوفيّة - اليسار - الإصلاحي


ناظم الماوي
2014 / 8 / 22 - 02:09     

خروتشوفيّة " اليسار " الإصلاحي
( أوت 2014 )

لقد منيت اشتراكية ما قبل الماركسية بالهزيمة . وهي تواصل النضال ، لا فى ميدانها الخاص ، بل فى ميدان الماركسية العام ، بوصفها نزعة تحريفية...
- ان ما يجعل التحريفية أمرا محتما ، انما هي جذورها الطبقية فى المجتمع المعاصر . فإن النزعة التحريفية ظاهرة عالمية...
- ان نضال الماركسية الثورية الفكرى ضد النزعة التحريفية ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التى ستخوضها البروليتاريا السائرة الى الأمام ، نحو انتصار قضيتها التام...

( لينين - الماركسية و النزعة التحريفية )
-----------------------------------------

إنّ الإستعاضىة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا تمكن بدون ثورة عنيفة .

( لينين - الدولة و الثورة - ص 23 )

=======================

التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي .
( ماو تسي تونغ - خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية - 12 مارس/ أذار 1957 ؛ - مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ - ، ص21-22 ).

========================

إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي - اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء .

( ماو تسى تونغ - قضايا الحرب و الإستراتيجية - نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛
المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني )



مقدّمة :
فى الإطار الشامل لصراع الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية فى ستيّنات القرن العشرين و سبعيناته ، بين التحريفية المعاصرة ، السوفياتيّة منها و اليوغسلافية و الإيطاليّة و الفرنسية ... و على رأسها الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي من جهة ؛ و الأحزاب و المنظّمات التى ستشكّل ما سيطلق عليه الحركة الماركسية – اللينينية و على رأسها الحزب الشيوعي الصيني ، نشأت معظم فرق اليسار الماركسي فى تونس ( كما فى بلدان أخرى ) خارج الحزب الشيوعي التونسي التحريفي الإصلاحي و الموالي للتحريفية السوفياتية . فكانت هذه المجموعات الماركسية – اللينينية الناشئة حينها معادية للخطّ و الأطروحات الخروتشوفية التى رفعتهما التحريفية السوفياتية ، إلاّ أنّها مع مرور الزمن و بعد عقود الآن أضحت هي ذاتها فى غالبيّتها الغالبة خروتشوفيّة من حيث تعلم و من حيث لا تعلم .

جوهر الخروتشوفية :

كان خروتشوف عضوا قياديّا بارزا فى الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و عقب وفاة ستالين سنة 1953 ، صعد إلى أعلى المراتب القيادية و إنقلب على ستالين و الخطّ البروليتاري الثوري ليفرض و زمرته خطّا تحريفيّا برجوازيّا على الحزب و الدولة أعاد تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي . و بإقتضاب من أهمّ مكوّنات الخطّ الخروتشوفي الذى تواصل تطبيقه حتى بعد سقوط خروتشوف و تعويضه ببريجناف على رأس الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي ، الهجوم الإنتهازي السافر و المسعور على الرفيق ستالين الماركسي العظيم الذى قام ببعض الأخطاء ، قصد تحطيم صورته و ما ترمز إليه لدى الحركة الشيوعية العالمية و الشعوب الطامحة للتخرّر من نير الإمبريالية و الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري ، و تعبيد الطريق لفرض سياسة " التعايش السلمي " و " التنافس السلمي " و " الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية " إلى جانب " دولة الشعب بأسره " وهي مفاهيم تضرب فى الصميم النظرة الشيوعية للعالم و مبادئها و الخطّ و البرنامج البروليتاريين و تعدّ إستسلاما أمام الإمبريالية العالمية و تكريسا لخطّ البرجوازيّة الجديدة التى نشأت فى ظلّ الإشتراكية لأسباب ليس هنا مجال تفصيلها و الذى أعاد تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي وحوّل فى نهاية المطاف الحزب و الدولة البروليتاريين إلى حزب و دولة برجوازيين فصار الإتحاد السوفياتي إمبريالية إشتراكية ، إمبريالية فعلا و إشتراكية قولا .
لذلك يعتبر خروتشوف رمزا للبرجوازية الجديدة التى أطاحت بحكم البروليتارية فى الإتحاد السوفياتي ، و للتحريفية المعاصرة التى خرّبت الحركة الشيوعية العالمية بما هي فكر برجوازي فى صفوفها فنال ما يستحقّ من إختقار الشيوعيين الثوريين عالميّا الذين فضحوه و خطّه و سياساته المعادية للشيوعية .
( و لمن يرنو إلى التعمّق فى فهم الخروتشوفية و من يريد حقائقا عن الموقف الماوي من تحريفية خروتشوف ، نوفّر له فى ملحق هذا المقال نصّا للحزب الشيوعي الصيني هو التعليق الثامن على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي و النص الماوي يحمل عنوانا معبّرا فى حدّ ذاته " الثورة البروليتارية و تحريفيّة خروتشوف " و مضمونه يدحض الكثير من الإفتراءات المعادية للماويّة و منها تلك التى أوردها السيّد فؤاد النمري فى مقاله المنشور على صفحات الحوار المتمدّن و الحامل لعنوان " ماو تسى تونغ صمت دهرا و نقطا كفرا " . )

خروتشوفيّة " اليسار " الإصلاحي :
أ- عن " التعايش السلمي " :
بيّن و جلي لمن له عيون ليرى و آذان ليسمع أنّ فرق " اليسار " الإصلاحي فى القطر ( و فى بقيّة الأقطار العربية و عالميّا ) تنتهج سياسة " التعايش السلمي " مع أعداء الشعب . فمن البديهي أن من أبرز الأمثلة على ذلك تحالف حزب العمّال منذ سنوات ، مع حركة النهضة الإسلاميّة الفاشية فى إطار تحالف 18 أكتوبر و تحالف الجبهة الشعبية بغالبيّة مكوّناتها منذ ما يناهز السنة مع " نداء تونس " المعتبر موضوعيّا وريثا للتجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ فى إطار " جبهة الإنقاذ ..." ، و جلوس ما بتا معروفا بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد ( الوطد الموحّد ) و الحزب الوطني الإشتراكي الثوري ( الوطد الثوري ) و غيرهما كثير إلى جانب الرجعيين و منهم الإسلاميين الفاشيين فى إطار المجلس الأعلى لحماية الثورة سنة 2011 .
و الأنكى أنّ المتمركسين و تعميقا منهم للتعايش السلمي مع الرجعية قطعوا أشواطا كبرى فى إتجاه التنازلات ليس السياسيّة و حسب بل النظريّة أيضا إذ شاهدنا زعيم حزب العمّال يعلن أنّه مسلم و يدافع عن النقاب على أنّه حرّية فردية ( أنظروا مقالنا " النقاب و بؤس تفكير زعيم حزب العمّال التونسي " المنشور فى مارس 2014 على صفحات الحوار المتمدّن ) و شاهدنا زعماء آخرين يكبّرون و يعلنون إعلاءهم كمسلمين لراية القرآن و يروّجون لصداقاتهم مع الإسلاميين الفاشيين .
هذا من ناحية التجارة الرائجة بالدين و المبادئ الشيوعية و من ناحية أخرى ، معلوم أنّ حزب العمّال ، فى سياق تحالف 18 أكتوبر ، صرّح بأنّ حركة النهضة الظلامية الإسلاميّة الفاشيّة تيّار ديمقراطي و أصبغ المشاركون فى المجلس الأعلى لحماية الثورة ( حزب العمّال و ما بات مشهورا بالوطد الموحّد و بالوطد الثوري و غيرهم ) صبغة الديمقراطية و الوطنية و ماشابه من الصفات على هذا التيّار الرجعي الظلامي عميل الإمبريالية العالمية .
و هذه مجرّد أمثلة قليلة عن التعاش السلمي لل"يسار " الإصلاحي مع الرجعية و تقديمه لها التنازلات و أجلّ الخدمات .
ب- عن " الإنتقال السلمي " :
إنّ الفرق المنخرطة فى لعبة ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد تتصوّر إمكانيّة " الإنتقال الديمقراطي " ( و طبعا لا تذكر الطابع الطبقي للديمقراطية بل تستخدم المصطلح على أنّه ديمقراطية " خالصة " ) أو الإنتقال إلى " الجمهوريّة الديمقراطية الإجتماعية " أو الجمهورية الديمقراطية أو إلى " مجتمع عادل " إلخ عبر الطريق البرلماني و " التنافس السلمي " مع أحزاب و منظّمات الطبقات الرجعية الحاكمة و بذلك تطبّق هذه الفرق الخروتشوفيّة بدعوى النضال الديمقراطي و الجماهيري الواسع و الواقعيّة و فنّ سياسة الممكن و المرونة التكتيكيّة و مستوى وعي الجماهير و المساهمة فى معارك الشعب ...
و قد يتلكّؤ البعض و يعلن عدم المشاركة فى لعبة الإنتخابات ليس من منطلق مبدئي شيوعي يشرحه للجماهير الواسعة الأوهام الديمقراطية البرجوازية ويروّج بالتالي للشيوعية كعلم للثورة البروليتارية العالمية ، و إنّما من منطلق تكتيكي يقولون و خاصة لعدم توفّر شروط إنتخابات نزيهة وهو ما نجده مضحكا للغاية : هل ثمّة فى عالم اليوم بلد تجرى فيه الإنتخابات دون تآمر الطبقات الرجعية و أحزابها و تحكّمها فى العملية (بالمال السياسي و الإعلام و شراء الذمم و التزوير إن لزم الأمر ...) ؟ و حتّى فى الولايات المتحدة و فرنسا ( و قد فاحت رائحة عفن الديمقراطية البرجوازية فى البلدان الإمبريالية فما بالك فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ) لم و لن تتوفّر الشروط التى تحدّث عنها مثلا البيان المشترك لحزب الكادحين الوطني الديمقراطي و حزب النضال التقدّمي و بهذا نلفيهما يسبحان فى عالم المثاليّات و أوهام الديمقراطية البرجوازية و يضلّلون المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبية بهذا الصدد .
و مثلما شاركت مجموعة ما بات يسمّى بالحزب الوطني الإشتراكي الثوري ( الوطد الثوري ) فى إنتخابات أكتوبر 2011 بصفة مقنّعة ضمن قائمات يدّعى أنّها مستقلّة ، قد تعيد الكرّة فى الإنتخابات القادمة و تساهم من موقعها هي الأخرى فى أن تصبغ على لعبة الديمقراطية البرجوازية لدولة الإستعمار الجديد الشرعية مكرّسة إيمانها غير المعلن ب" الإنتقال السلمي " .
و فى حين يرفع الشيوعيون الماويّون الثوريّون راية مقولة ماو تسى تونغ " من حقّنا أن نثور ضد الرجعية " ، فى خضمّ الصراع الطبقي نجد أن الخروتشوفيّين بشكل مباشر أو غير مباشر يدينون العنف ( بما هو إستمرار للسياسة ) الذى تلجأ إليه الجماهير فى نضالها أو مقاومتها لقمع دولة الإستعمار الجديد و يطعنون فى الصميم مبدأ من مبادئ الشيوعية و قدعرّينا مواقفهم التحريفية هذه فى ما يتّصل بأحداث سليانة فى مقال " تونس – سليانة : الموقف التحريفي المخزي لبعض فرق " اليسار" من العنف الجماهيري " ديسمبر 2012 ؛ و فى كتاب " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " عرضنا الموقف الشيوعي الماوي الثوري فقلنا فى فقرة " عن التداول السلمي على السلطة عبر الإنتخابات " كنقطة 3 من الفصل السادس : " الهوية الفكرية والطبقية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد ": حزب تحريفي برجوازي ".

" و على النقيض من هؤلاء الماركسيين المزيفين ، كرّس الماركسيون - اللينينيون ، بعد إنقسام الحركة الماركسية - اللينينية إلى جناح دغمائي تحريفي خوجي و إلى جناح ماركسي - لينيني - ماوي و قبل ذلك فى بعض الحالات ، المبادئ الماركسية - اللينينية و مسترشدين بمقولة لينين : " إنّ الإستعاضىة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا تمكن بدون ثورة عنيفة " ( " الدولة و الثورة " ، الصفحة 23) و نابذين الخروتشوفية و الطريق السلمي و البرلماني ، وواعين ما تتطلّبه الثورة الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ( و الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية ) ، إنطلق العديد منهم فى حرب الشعب و ذلك على سبيل المثال فى الفليبين و الهند منذ أواخر الستينات و فى تركيا فى بداية السبعينات و لاحقا فى البيرو و النيبال . و لم تتوقّف حرب الشعب فى الفليبين و الهند و تركيا إلى اليوم وهي لا تتغافل عن الحقيقة التى لخّصها ماو تسى توغ فى جملته الشهيرة " من فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية ".

فى الوقت الذى يسوّق فيه كلّ أرهاط التحريفيين للطريق السلمي مغالطين الجماهير الشعبية و مضلّلينها ، يكرّس الشيوعيون الماويون المقولات اللينينية و الماوية و أساس تعاليم ماركس و إنجلز و يربّون الجماهير بروح الثورة العنيفة مطبّقين عمليّا ما ورد فى " الدولة و الثورة " من :

" ضرورة تربية الجماهير بصورة دائمة بروح هذه النظرة و هذه النظرة بالذات للثورة العنيفة هي أساس تعاليم ماركس و إنجلس بأكملها. و خيانة تعاليمها من قبل التيارين الإشتراكي – الشوفيني و الكاوتسكي السائدين اليوم تتجلّى بوضوح خاص فى نسيان هؤلاء و أولئك لهذه الدعاية ، لهذا التحريض ."

( لينين –" الدولة و الثورة " ، الصفحة 23 من الطبعة العربية لدار التقدّم ، موسكو ).

و هكذا بلا أدنى شكّ الحزب الموحّد خروتشوفي يتبنّى و يكرّس الخروتشوفية الداعية للتحوّل السلمي المنافي للماركسية - اللينينية التى تعلى راية حرب الشعب و العنف الثوري على خطى ماركس ولينين العظيمين . " ( إنتهى المقتطف ) .

ت- عن " دولة الشعب بأسره " :

كان خروتشوف يهدف من خلال مقولته هذه إلى إنكار حقيقة طبقيّة الدولة بإعتبارها جهاز قمع طبقة ( أو طبقات ) لطبقة ( أو طبقات ) مناهضا بذلك اللينينية و موجّها طعنة خبيثة للحقائق التى أوضحها لينين العظيم فى" الدولة و الثورة " .
و تتعاطى مجموعات "اليسار " الإصلاحي مع دولة الإستعمار الجديد كما لو أنّها " دولة الشعب بأسره " فتبثّ الأوهام بشأن قوات القمع مضلّلة المناضلاتو المناضلين و الجماهير الواسعة بشعار مخادع هو " الأمن الجمهوري " و بشأن جيش دولة الإستعمار الجديد فيمدحه من يمدحه و يتحدّث عنه آخرون بصيغة " جيشنا " ... و هذا فضلا عن كونه يفضح إصلاحية هذه المجموعات و تحريفيّتها فهو ينكر الحقائق الموضوعيّة التالية التى أكّد عليها ماو تسى تونغ :
- يعتبر الجيش ، حسب النظرية الماركسية حول الدولة ، العنصر الرئيسي فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على السلطة و المحافظة عليها ، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ.

( ماو تسى تونغ - قضايا الحرب و الإستراتيجيا- 6 نوفمبر - تشرين الثاني 1938 ؛ المؤلفات المختارة المجلّد الثاني ، الصفحة 66 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ) .

- إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي - اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء .

( ماو تسى تونغ - قضايا الحرب و الإستراتيجيا - نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛
المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني )

يزعم المتمركسون أنّهم يتبنّون الشيوعية و الحال أنّهم يديرون ظهرهم لمبادئها و منها ما صاغه ماركس و إنجلز ، مؤسسا الشيوعية فى " بيان الحزب الشيوعي " :
" و يترفع الشيوعيون عن إخفاء آرائهم و مقاصدهم ، و يعلنون صراحة أنّ أهدافهم لا يمكن بلوغها و تحقيقها إلاّ بدكّ كلّ النظام الإجتماعي القائم بالعنف . فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية. فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها و أغلالها و تربح من ورائها عالما بأسره ".


خاتمة :
كانت الخروتشوفيّة و لا تزال معادية للثورة البروليتارية العالمية فهي خطّ تحريفي برجوازي يخدم الإمبريالية و الرجعية و يبثّ الأوهام الديمقراطية البرجوازية لذا يترتّب على الشيوعيين الماويين الثوريين أن يقاتلوها بلا هوادة مهما كانت الأشكال و التعبيرات التى تتّخذها و أن يلحقوا بها الهزيمة إذا أرادوا تمهيد السبيل لإنتشار علم الشيوعية و تحوّله إلى قوّة ماديّة عندما تتبنّاه الجماهير صانعة التاريخ بقيادة الشيوعيين الماويين الثوريين .
و يحتاج العالم الشيوعي الضروري و الممكن ، يحتاج من الذين يتطلّعون إلى تحقيقه على أرض الواقع الإعداد للثورة الجذريّة ( الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات والمستعمرات الجديدة والثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية ) و إنجازها كجزء من الثورة البروليتارية العالمية كما يتطلّب مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الغاية الأسمى هي الشيوعية على النطاق العالمي ، علما أنّ الثورة الشيوعية :
" ... تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ، كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ."
ماركس و إنجلز - بيان الحزب الشيوعي -

=========================================================
ملحق :
----------------------------------------------
الثورة البروليتارية وتحريفية خروشوف
________________________________________

- تعليق ثامن على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي

بقلم هيئتي تحرير صحيفة (( جينمينجيباو )) ومجلة (( العلم الأحمر ))

31 مارس ( آذار ) 1964

دار النشر باللغات الأجنبية بكين 1964

طبع في جمهورية الصين الشعبية

نسخها للأنترنيت الصوت الشيوعي

مكتبة ماو للعرب / Mao for Arab Library
________________________________________
سيناقش هذا المقال مسألة (( الانتقال السلمي )) المعروفة . فلقد أصبحت هذه المسألة معروفة ولفتت أنظار كل الناس ، والسبب في ذلك يعود الى أن خروشوف أثارها في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي وجعلها كاملة منتظمة اتخذت شكل برنامج في المؤتمر الثاني والعشرين حيث وطد أفكاره التحريفية ضد الأفكار الماركسية اللينينية . وقد عزفت الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بتاريخ 14 يوليو ( تموز) عام 1963 هذه النغمة القديمة أيضا .
وفي تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، دائما ما عبرت خيانة جميع المحرفين للماركسية والبروليتاريا عن نفسها بصورة مركزة في معارضتهم للثورة العنيفة ولدكتاتورية البروليتاريا وفي ترويجهم للانتقال السلمي من الرأسمالية الى الاشتراكية . وهذا هو الحال أيضا مع تحريفية خروشوف . وخروشوف فيما يتعلق بهذه المسألة تلميذ لبرنشتاين وكاوتسكي كما هو تلميذ لبراودر وتيتو .
لقد لاحظنا منذ أيام الحرب العالمية الثانية ظهور التحريفية البراودرية ، والتحريفية التيتوية ، ونظرية ((الاصلاح في التركيب)) . وهذه الفصائل من التحريفية هي ظواهر محلية في صفوف الحركة الشيوعية العالمية .الا أن تحريفية خروشوف التي ظهرت وسادت في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، أصبحت قضية كبرى ذات أهمية شاملة بالنسبة الى صفوف الحركة الشيوعية العالمية تؤثر تأثيرا حاسما على نجاح أو فشل كل القضية الثورية للبروليتاريا العالمية .
وهذا ما يجعلنا نكتب هذا المقال لنجيب على المحرفين بعبارات أوضح من ذي قبل .

أحد تلامذة برنشتاين وكاوتسكي .....................................
الثورة العنيفة قاعدة عامة للثورة البروليتارية ......................
نضالنا ضد تحريفية خروشوف .....................................
السفسطة لا يمكن أن تبدل التاريخ ..................................
الأكاذيب لا تحجب الواقع ............................................
دحض (( الطريق البرلماني )) ......................................
دحض (( معارضة الانتهازية اليسارية )) ..........................
خطان مختلفان و نتيجتان مختلفتان .................................
من براودر و تيتو الى خروشوف ...................................
ما نأمل فيه .............................................................
الملحق ..................................................................
أحد تلامذة برنشتاين وكاوتسكي

بدأ خروشوف منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يتقدم بطريق (( الانتقال السلمي )) ، أي ((الانتقال الى الاشتراكية عبر الطريق البرلماني)) ، (1) هذا الطريق الذي يعارض طريق ثورة أكتوبر تامة .
فلنمحص (( الطريق البرلماني )) الذي يروج له خروشوف وأمثاله .
يعتقد خروشوف أن البروليتاريا يمكنها ، في ظل ديكتاتورية البرجوازية ووفقا للقوانين الانتخابية البرجوازية ، أن تكسب أغلبية لا تتزعزع في البرلمان . ويقول انه في الأقطار الرأسمالية : (( ... سوف تصبح الطبقة العاملة ، بحشدها الفلاحين الكادحين والمثقفين وكل القوى الوطنية حول نفسها وبانزال الردع الحازم بالعناصر الانتهازية التي ترفض التخلي عن سياسة المساومة مع الرأسماليين والاقطاعيين ، في وضع يمكنها من هزيمة القوى الرجعية التي تقف ضد مصالح الشعب ، ومن كسب أغلبية لا تتزعزع في البرلمان )) . (2)
ويرى خروشوف أن البروليتاريا اذا تمكنت من كسب الأغلبية في البرلمان فان هذا سيكون مساويا للاستيلاء على سلطة الدولة وتحطيم جهاز الدولة البرجوازي . وقال ، بالنسبة الى الطبقة العاملة (( ... فان كسب أغلبية في البرلمان وتحويله الى جهاز لسلطة الشعب ، مع وجود حركة ثورية قوية في البلاد ، يعني تحطيم الجهاز العسكري البيروقراطي للبرجوازية واقامة دولة بروليتارية شعبية جديدة في شكل برلماني )) . (3)
ويرى خروشوف أن البروليتاريا اذا تمكنت من كسب أغلبية لا تتزعزع في البرلمان فان هذا وحده سوف يمكنها من تحقيق التحول الاشتراكي للمجتمع . وقال ان كسب أغلبية لا تتزعزع في البرلمان (( من شأنه أن يخلق للطبقة العاملة في عدد من الأقطار الرأسمالية والأقطار التي كانت مستعمرات في الماضي ، الظروف اللازمة لاحراز تحولات اجتماعية أساسية )) . (4) وقال أيضا : (( ... ان الوضع الراهن يمنح الطبقة العاملة في عدد من الأقطار الرأسمالية فرصة حقيقية لتوحيد الأغلبية الساحقة من الشعب تحت قيادتها ولضمان تحويل وسائل الانتاج الأساسية الى أيادي الشعب )) . (5)
ان برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي يتضمن (( أن الطبقة العاملة في عدد كبير من الأقطار يمكنها أن تجبر البرجوازية على اتخاذ اجراءات تفوق حدود الاصلاحات العادية ، حتى قبل الاطاحة بالرأسمالية )) . (6) وحتى أن البرنامج يذكر أنه من الممكن في ظل ديكتاتورية البرجوازية أن يظهر وضع في أقطار معينة ، (( تفضل البرجوازية فيه الموافقة على أن تشترى منها وسائل الانتاج الأساسية )) . (7)
ان البضاعة التي يروجها خروشوف ليست جديدة و ما هي الا طبقة ثانية لتحريفية الأممية الثانية وبعث للبرنشتاينية والكاوتسكية .
ان أهم مميزات خيانة برنشتاين للماركسية كانت هي ترويجه للطريق البرلماني المشروع ومعارضته للثورة العنيفة ولتحطيم جهاز الدولة القديم ومعارضته لدكتاتورية البروليتاريا .
كان رأي برنشتاين أن الرأسمالية يمكنها أن (( تنمو )) بصورة سلمية و (( تصبح اشتراكية )) . فلقد قال ان النظام السياسي للمجتمع البرجوازي المعاصر (( يجب ألا يحطم ، وكل ما يحتاج اليه هو أن يطور أكثر )) ؛ (8) وقال ((نحن الآن بالتصويت والتظاهرات وأمثالها من وسائل الضغط نحقق اصلاحات كان تحقيقها يتطلب ثورة دامية قبل مئة عام .)) (9)
وكان رأيه أن الطريق البرلماني المشروع هو الطريق الوحيد لتحقيق الاشتراكية . وقال ، اذا ما أصبح للطبقة العاملة ((الحق العام والمساواة في الانتخاب ، يكون قد تم بلوغ المبدأ الاجتماعي الذي هو الشرط الأساسي للتحرر)). (10)
وقال (( سوف يحين اليوم الذي تصبح فيه الطبقة العاملة قوية التعداد ومهمة تجاه كل المجتمع حتى يمكن القول ان قصر الحكام سوف يعجز عن تحمل ضغطها فينهار كأنما من تلقاء نفسه )) . (11)
قال لينين : (( ان البرنشتاينيين قبلوا الماركسية من قبل ويقبلونها اليوم بشرط أن يحذف جانبها الثوري المباشر . اذ أنهم لا يعتبرون النضال البرلماني أحد الأسلحة الصالحة خاصة لفترات تاريخية محددة ، بل يعتبرونه الشكل الأساسي والشكل الوحيد للنضال تقريبا ، مما يجعل كلمات ”القوة“ و ”الانتزاع“ و ”الديكتاتورية“ أشياء لا حاجة اليها . )) ( (( انتصار ”الكاديت“ ومهام الحزب العمالي )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 10 )
كان السيد كاوتسكي خلفا لائقا لبرنشتاين . ولقد روج هو بهمة ، كما فعل برنشتاين ، للطريق البرلماني وعارض الثورة العنيفة وديكتاتورية البروليتاريا . وقال ، في ظل النظام الديمقراطي البرجوازي (( لم يعد هناك مجال للنضال المسلح كوسيلة لتسوية النزاع الطبقي )) ، (12) وقال (( مما يضحك الدعوة الى الاطاحة السياسية بالعنف )) . (13) وهاجم لينين وحزب البلشفيك حين وصفهم بأنهم ((كقابلة مستعجلة تستخدم العنف لتجعل امرأة حبلى تلد جنينها في شهرها الخامس بدلا من التاسع)).(14)
لقد كان كاوتسكي مصابا لا أمل في شفائه بداء هوس البرلمانية . فلقد صرح بعبارة ذائعة الصيت هي (( أن الهدف من نضالنا السياسي ما زال ، كما كان من قبل ، هو الاستيلاء على سلطة الدولة عن طريق كسب الأغلبية في البرلمان وبتحويل البرلمان الى سيد للحكومة )) . (15)
كما قال أيضا : (( الجمهورية البرلمانية – على رأسها ملكية على الطراز الانجليزي أو بدون ملكية كهذه – في نظري هي الأساس الذي تنمو منه الديكتاتورية البروليتارية والمجتمع الاشتراكي . وهذه الجمهورية هي ”دولة المستقبل“ التي يجب أن نسعى نحوها . )) (16)
لقد نقد لينين عبارات كاوتسكي السخيفة هذه نقدا لاذعا .
وأعلن لينين مستنكرا كاوتسكي : (( ان السفلة أو بسطاء العقول وحدهم هم الذين يقولون انه يجب على البروليتاريا قبل كل شيء أن تكسب الأغلبية في الانتخابات التي تجرى تحت نير البرجوازية وفي ظل نير عبودية الأجر ، وعليها بعد ذلك أن تنتزع السلطة . ان هذه قمة الرعونة أو الرياء . ومعنى ذلك استبدال الصراع الطبقي والثورة بالتصويت في ظل النظام القديم والسلطة القديمة . )) ( (( التحيات الى الشيوعيين الايطاليين والفرنسيين والألمان )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 30 )
وقال لينين في تعليق جارح على طريق كاوتسكي البرلماني : ((ما هذا الطريق سوى أتم وأسفل أنواع الانتهازية. اذ أنه يعني قبول الثورة باللسان وخيانتها بالفعل ). ( (( الدولة والثورة )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة، المجلد 25) وقال : ان كاوتسكي ، عند تفسيره لمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا ((على أنها تعني شطب العنف الثوري الذي تباشره الطبقة المضطهد-;---;--ة ضد مضطهديها ، قد حطم الرقم العالمي القياسي للتشويه الليبرالي للماركسية.)) (((الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي)) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 28)
لقد اقتطفنا فيما سبق من أقوال خروشوف وبرنشتاين وكاوتسكي ومن نقد لينين للأخيرين ، بصورة مطولة بعض الشيء بغية أن ندلل على أن تحريفية خروشوف ما هي الا برنشتاينية وكاوتسكية في العصر الراهن ظاهرا وباطنا . ان خيانة خروشوف للماركسية ، كما كان الحال بالنسبة لبرنشتاين وكاوتسكي ، تظهر في أجلى صورها في معارضته للعنف الثوري ، وفيما يقوم به من أفعال (( ليشطب العنف الثوري )) . ولقد فقد برنشتاين وكاوتسكي الآن في هذا الصدد لقبهما اذ حاز عليه خروشوف تلميذ جدير لبرنشتاين وكاوتسكي ، وقد تفوق على معلميه .
________________________________________
(1) تقرير خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يوم 14 فبراير ( شباط ) 1956 .
(2) نفس المصدر السابق .
(3) خطاب خروشوف في اجتماع عام للمنظمات الحزبية لمدرسة الحزب من المرتبة العليا التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ، وأكاديمية العلوم الاجتماعية ، ومعهد الأبحاث للماركسية اللينينية يوم 6 يناير ( كانون الثاني ) 1961 .
(4) تقرير خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يوم 14 فبراير ( شباط ) 1956 .
(5) نفس المصدر السابق .
(6) (( برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي )) ، الذي أجازه المؤتمر الثاني والعشرون للحزب الشيوعي السوفياتي يوم 31 أكتوبر ( تشرين الأول ) 1961 .
(7) نفس المصدر السابق .
(8) برنشتاين : (( الشروط المسبقة للاشتراكية ومهام الحزب الاشتراكي – الديمقراطي )) .
(9) نفس المصدر السابق .
(10) برنشتاين : (( ما هي الاشتراكية ؟ )) .
(11) برنشتاين : ((الاضراب الجماهيري السياسي والوضع السياسي للحزب الاشتراكي – الديمقراطي في ألمانيا)).
(12) كاوتسكي : (( التفسير المادي للتاريخ )) .
(13) كاوتسكي : (( الاشتراكية – الديمقراطية ضد الشيوعية )) .
(14) كاوتسكي : (( الثورة البروليتارية وبرنامجها )) .
(15) كاوتسكي : (( تكتيكات جديدة )) .
(16) حجة كاوتسكي كما أوردها ج . ك سوسليا (( التحريفية والنظرية الماركسية حول ديكتاتورية البروليتاريا )) .
----------------------------------------------
الثورة العنيفة قاعدة عامة للثورة البروليتارية

يخبرنا تاريخ حركة الطبقة العاملة قاطبة أن الاعتراف أو عدم الاعتراف بالثورة العنيفة باعتبارها قاعدة عامة للثورة البروليتارية ، وأن الاعتراف أو عدم الاعتراف بضرورة تحطيم جهاز الدولة القديم ، وبضرورة احلال ديكتاتورية البروليتاريا محل ديكتاتورية البرجوازية ، دائما ما كانا يشكلان خطا فاصلا بين الماركسيين وكل أنواع الانتهازية والتحريفية ، وبين الثوريين البروليتاريين وكل المرتدين عن البروليتاريا .
وتبعا للتعاليم الأساسية للماركسية اللينينية فان القضية الرئيسية في كل ثورة هي قضية سلطة الدولة . وان القضية الرئيسية في الثورة البروليتارية هي قضية الاستيلاء على سلطة الدولة وتحطيم جهاز الدولة البرجوازي بالعنف ، واقامة ديكتاتورية البروليتاريا واحلال الدولة البروليتارية محل الدولة البرجوازية .
ودائما ما أعلنت الماركسية بصراحة حتمية الثورة العنيفة . وتبين بأن الثورة العنيفة هي القابلة التي تهيء لولادة المجتمع الاشتراكي وأنها الطريق الوحيد لاستبدال ديكتاتورية البرجوازية بديكتاتورية البروليتاريا ، وأنها قاعدة عامة للثورة البروليتارية .
وتعلمنا الماركسية بأن الدولة نفسها هي نوع من العنف . وان العنصرين الرئيسيين اللذين يتركب منهما جهاز الدولة هما الجيش والشرطة . ويدل اللتاريخ على أن جميع الطبقات الحاكمة تعتمد على العنف بغرض الحفاظ على حكمها .
ان البروليتاريا تفضل بالطبع الحصول على السلطة بالطرق السلمية . الا أن دلائل تاريخية وافرة تبرهن على أن الطبقات الرجعية لا تتخلى مطلقا عن السلطة من تلقاء نفسها ، وأنها دائما ما كانت البادئة باستخدام العنف لقمع الحركة الثورية الجماهيرية ، ولأثارة الحرب الأهلية ، الأمر الذي يدعو الى التفكير الجاد في النضال المسلح باعتباره قضية الساعة .
قال لينين : (( ما من ثورة عظيمة واحدة حدثت في التاريخ ، بدون حرب أهلية ، وما من ماركسي جاد سوف يؤمن بأنه من الممكن احداث الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية بدون حرب أهلية . )) ( (( نبوءة )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 27 )
ان الثورات العظيمة التي حدثت في التاريخ والتي أشار اليها لينين تشمل الثورة البرجوازية أيضا . ومع أن الثورة البرجوازية هي ثورة تطيح بها طبقة مستغلة (بكسر الغين – ملاحظة الصوت الشيوعي) بأخرى عن الحكم ، الا أنها لا يمكن أن تحدث بدون حرب أهلية . فكيف اذن لا تحدث حرب أهلية نتيجة الثورة البروليتارية التي هي ثورة تنشب بهدف ازالة جميع طبقات ونظم الاستغلال .
وباعتبار أن الثورة العنيفة هي قاعدة عامة للثورة البروليتارية ، أوضح لينين مرارا (( أن فترة طويلة مليئة ب ” آلام المخاض “ تقع بين الرأسمالية والاشتراكية ، وأن العنف دائما كان قابلة تولد المجتمع القديم . )) (((الذين يفزعهم انهيار القديم والذين يناضلون من أجل الجديد )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 26 ) ((ان الدولة البروليتارية ، أي ديكتاتورية البروليتاريا ، لا يمكن أن تحل محل الدولة البرجوازية عن طريق ”التلاشي التدريجي“ ، بل القانون العام هو أن تحل الدولة البروليتارية محل الدولة البرجوازية فقط عن طريق ثورة عنيفة )) ، و (( ان ضرورة تثقيف الجماهير بصورة منتظمة بهذا ، وبالتحديد بفكرة الثورة العنيفة هذه ، تكمن في جذور جميع تعاليم ماركس وانجلز )) . ( (( الدولة والثورة )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 25 )
وقال ستالين أيضا ان الثورة العنيفة التي تقوم بها البروليتاريا أي ديكتاتورية البروليتاريا هي (( شرط حتمي ولا غنى عنه )) للسير قدما نحو الاشتراكية في جميع الأقطار الواقعة تحت حكم رأس المال . ( (( رد على مناقشة تقرير ” الانحراف الاشتراكي – الديمقراطي في حزبنا “ )) ، المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلد 8 )
هل يمكن احداث تحول جذري للنظام البرجوازي بدون ثورة عنيفة وبدون ديكتاتورية البروليتاريا ؟ لقد أجاب ستالين على هذا السؤال وقال : (( كلا بوضوح . والتفكير في أن ثورة كهذه يمكن القيام بها بصورة سلمية ، في نطاق الديمقراطية البرجوازية التي تلائم حكم البرجوازية ، اما أن يكون جنونا وفقدانا للفهم الانساني العادي ، واما أن يكون خيانة معيبة مكشوفة للثورة البروليتارية . )) ( (( حول قضايا اللينينية )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 8 )
ووفقا للنظرية الماركسية اللينينية المتعلقة بالثورة العنيفة وبالارتكاز على الخبرة الجديدة للثورة البروليتارية والثورة الديمقراطية الشعبية بقيادة البروليتاريا ، وضع الرفيق ماو تسي تونغ رأيه المأثور الشهير والقائل بأن ((السلطة السياسية تنبت من فوهة البندقية)) .
قال الرفيق ماو تسي تونغ : (( . . . ان الثورات والحروب الثورية محتمة الوقوع في المجتمع الطبقي وما من قفزة بغياب هذه ، يمكن احرازها في التطور الاجتماعي ، كما سوف تستحيل الاطاحة بالطبقات الرجعية ويستحيل على الشعب أن يكسب السلطة السياسية . )) ( (( حول التناقض )) ، مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلد 1 )
وقال : (( ان الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة وتسوية المسألة عن طريق الحرب ، هما المهمة الأساسية وأرقى شكلين للثورة . ان هذا المبدأ الماركسي اللينيني الثوري ساري المفعول عموما ويمكن تطبيقه على الصين وعلى جميع الأقطار الأخرى . )) ( (( قضايا الحرب والاستراتيجية )) ، مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلد 2 )
وقال : (( تعلمنا خبرة الصراع الطبقي في عهد الاستعمار أن الطبقة العاملة وجماهير الشغيلة تتمكن من هزيمة البرجوازية والاقطاعيين المسلحين ، فقط بقوة السلاح . وتبعا لهذا يمكن القول بأنه يمكن بالسلاح ولا شيء سواه تغيير العالم كله . )) ( نفس المصدر السابق )
وملخص القول هو أن الثورة العنيفة هي قاعدة عامة للثورة البروليتارية ، وهذا مبدأ أساسي للماركسية اللينينية . وخروشوف يخون الماركسية اللينينية فيما يتعلق بهذه القضية البالغة الأهمية بالذات.
-----------------------------------------
نضالنا ضد تحريفية خروشوف

عندما قدم خروشوف مسألة (( الطريق البرلماني )) لأول مرة في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، اعتبر الحزب الشيوعي الصيني أن هذا كان خطأ عظيما ، كان نقضا للنظريات الأساسية للماركسية اللينينية ويستحيل قبوله على الاطلاق .
ولكن نظرا لأن تحريفية خروشوف كانت وقتذاك في مرحلتها الابتدائية ، ولم يكن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي أثاروا المجادلات العلنية بعد ، أمسكنا لحين من الوقت عن كشف خطأ خروشوف الذي ارتكبه بتقديمه (( الطريق البرلماني )) كما لم ننقده علنا أيضا . ولكننا وضحنا ، مقابل رأيه الخاطىء ، الرأي الماركسي اللينيني في شكل ايجابي في مستنداتنا ومقالاتنا . وقمنا في نفس الوقت بالنضال الملائم والضروري ضد رأيه الخاطىء في المحادثات الداخلية الحزبية وفي الاجتماعات بين الأحزاب الشقيقة .
وقلنا بوضوح في تلخيصنا لخبرة الثورة الصينية ، في التقرير السياسي الذي قدمته اللجنة المركزية لحزبنا الى المؤتمر الوطني الثامن للحزب في سبتمبر (أيلول) عام 1956 :

(( وبينما يعمل حزبنا من أجل الاصلاح بالطرق السلمية ، لا يسمح لنفسه بأن يفقد يقظته أو يتخلى عن سلاح الشعب . . . ))
(( ان الشعب ، على النقيض من الرجعيين ، ليس محبا للحرب . . . ولكن عندما يضطر الشعب الى حمل السلاح ، يصبح له كامل الحق في ذلك . ومعارضة الشعب في حمل السلاح ومطالبته بالرضوخ والتسليم أمام العدو المهاجم يعني السير على خط انتهازي . فهنا تصبح مسألة اتباع خط ثوري أم خط انتهازي مسألة كبرى تتعلق بما اذا كان على شعبنا البالغ عدده 600 مليون أن يستولي على السلطة السياسية عندما تكون الظروف ناضجة أم لا . لقد اتبع حزبنا الخط الثوري والنتيجة في ذلك هي أن لدينا الآن جمهورية الصين الشعبية . ))

وفيما يتعلق بهذه المسألة فان وجهات النظر الماركسية اللينينية التي اتخذها المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني كانت تعارض وجهات النظر التحريفية التي اعتنقها المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي .
وفي ديسمبر ( كانون الأول ) عام 1956 ، أوضحنا طريق ثورة أكتوبر بصورة ايجابية في مقال نشرناه بعنوان (( مزيد من القول حول الخبرة التاريخية لديكتاتورية البروليتاريا )) ، وهكذا نقدنا في الحقيقة ما يسمى بالطريق البرلماني الذي وضعه خروشوف ليعارض به طريق ثورة أكتوبر .
وفي محادثات عديدة خاصة مع قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، نقد الرفاق القياديون في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وجهات نظر خروشوف الخاطئة نقدا جديا . وتمنينا بكل اخلاص أن يصلح أخطاءه .
وعند اجتماع ممثلي الأحزاب الشيوعية والعمالية في عام 1957 ، دخل وفد الحزب الشيوعي الصيني في مناظرة حادة مع وفد الحزب الشيوعي السوفياتي فيما يتعلق بمسألة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية .
وأشارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في مسودتها الأولى للتصريح والتي قدمتها أثناء التحضير لاجتماع موسكو ، فقط الى امكانية الانتقال السلمي ولم تذكر شيئا حول احتمال الانتقال غير السلمي ؛ وأشارت الى الطريق البرلماني وحده ولم تذكر شيئا عن وسائل النضال الأخرى ، وفي نفس الوقت علقت الآمال في كسب سلطة الدولة بواسطة الطريق البرلماني على (( الأعمال المتفق عليها بين الشيوعيين والاشتراكيين )) . ولم يكن بوسع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بالطبع أن توافق على كتابة هذه الأفكار الخاطئة التي تشط عن الماركسية اللينينية في الوثيقة المبرمجة لجميع الأحزاب الشيوعية والعمالية .
وبعد أن قدم وفد الحزب الشيوعي الصيني نقده ، قدمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي مسودة ثانية للتصريح . وبالرغم من اضافة بعض العبارات حول احتمال الانتقال غير السلمي اليها ، كانت صيغة ما ورد حول الانتقال السلمي فيها لم تزل تعكس الآراء التحريفية التي قدمها خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي .
لقد عبر وفد الحزب الشيوعي الصيني عن عدم موافقته على هذه الآراء الخاطئة بعبارات واضحة . وفي 10 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1957 ، وضح آراءه الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بطريقة منتظمة حول مسألة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، كما قدم اليها أيضا عرضا عاما كتابيا بهذا الصدد .
والنقاط الأساسية في عرضنا العام الكتابي كانت ملخصة كما يلي :

(( يكون من المفيد تاكتيكيا الاشارة الى الرغبة في الانتقال السلمي ولكن من غير الملائم الافراط في التركيز على امكانية الانتقال السلمي . ومن الضروري الاستعداد في كل وقت من الأوقات لردع الهجمات المعادية للثورة ؛ والاطاحة ، في مفترق الثورة الحرج عندما تقوم الطبقة العاملة فعلا بالاستيلاء على سلطة الدولة ، بالبرجوازية بالقوة المسلحة اذا استخدمت البرجوازية القوة المسلحة لكبت ثورة الشعب ( ويتحتم عموما أن تلجأ البرجوازية لهذا ) .
وتجب الافادة افادة كاملة من النضال البرلماني كشكل من أشكال النضال ، الا أن دوره محدود . والمهم للغاية هو السير بالعمل الشاق ، عمل تجميع القوى الثورية . ويجب ألا يفسر الانتقال السلمي بصورة تجعله يعني فقط الانتقال عن طريق أغلبية برلمانية . فالمسألة الأساسية هي مسألة جهاز الدولة ، وهي بالتحديد تحطيم جهاز الدولة القديم ( وأساسا القوات المسلحة ) .
ان الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية ليست أحزابا اشتراكية . وفيما عدا أجنحة يسارية معينة فانها أحزاب برجوازية سياسية في قناع جديد . وموقفنا فيما يتعلق بقضية الثورة الاشتراكية يختلف اختلافا أساسيا عن موقف الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية . وهذا الاختلاف لا يجب تغطيته بأي حال من الأحوال .

ان آراءنا هذه تساير الماركسية اللينينية مسايرة تامة .
ولم يستطع رفاق وفد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي معارضتها وقتذاك ، ولكنهم طلبوا منا مرارا أن نراعي حاجياتهم الداخلية ، وعبروا عن الأمل بأن تكون صياغة هذه المسألة في مسودة التصريح بصورة تظهر بعض الصلة بالصياغة التي وضعها المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي .
لقد دحضنا الأفكار الخاطئة لقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي وقدمنا عرضا عاما كتابيا يوضح آراءنا . ونظرا لهذا السبب ومن أجل النضال المشترك ضج العدو ، استجاب وفد الحزب الشيوعي الصيني للالتماس المتكرر من قبل رفاق الحزب الشيوعي السوفياتي ووافق على أن تعتبر مسودة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي المتعلقة بهذه المسألة أساسا بينما اكتفى بادخال تعديلات على بعض النقاط منها .
كان أملنا أن يستيقظ رفاق الحزب الشيوعي السوفياتي بهذه المناظرة ويدركوا أخطاءهم ويصلحوها . ولكن على النقيض مما أملنا فيه ، لم يفعل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هذا .
وفي اجتماع الأحزاب الشقيقة عام 1960 ، دخل وفد الحزب الشيوعي الصيني مرة أخرى في مناظرات حادة متكررة مع وفد الحزب الشيوعي السوفياتي حول مسألة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، وقد كشفنا ونقدنا بصورة شاملة كاملة أفكار خروشوف التحريفية . وقد تمسك الجانبان ، الصيني والسوفياتي ، أثناء الاجتماع بموقفيهما ولم يكن الاتفاق ممكنا . وتمشيا مع الرغبة العامة التي أبدتها الأحزاب الشقيقة في وضع وثيقة مشتركة في الاجتماع ، قدم وفد الحزب الشيوعي الصيني تنازلا آخر في النهاية حول هذه المسألة ووافق على ادراج الصياغة الحرفية التي وردت في تصريح عام 1957 بشأنها ، وافق على ادراجها في بيان عام 1960 ، وكان السبب أيضا هو مراعاة حاجيات قادة الحزب الشيوعي السوفياتي . وقد وزعنا في نفس الوقت في هذا الاجتماع عرضا عاما خاصا بآرائنا حول مسألة الانتقال السلمي باسم الحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957 ، وأوضحنا أن مراعاتنا لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي فيما يتعلق بهذه المسألة ، هي آخر مراعاة لهم وسوف لا نكرر هذا مرة اخرى .
اذا نقدنا بعضﹸ-;---;-- الرفاق بأننا أخطأنا حين أبدينا تلك المراعاة لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي في ذلك الحين ، فنحن على استعداد تام لقبول هذا النقد .
نظرا لأن صياغة مسألة الانتقال السلمي في التصريح والبيان كانت على أساس مسودات الحزب الشيوعي وهي في بعض أجزائها نفس الصياغة التي وضعها المؤتمر العشرون ، أصبحت في صياغة المسألة هذه بصورة عامة نواقص وأخطاء خطيرة ، حتى بالرغم من ترقيعها هنا وهناك . وبينما توضح الصياغة في الوثيقتين أن الطبقات الحاكمة لا تتخلى عن السلطة أبدا باختيارها ، تقول فضلا عن ذلك بأن سلطة الدولة يمكن كسبها في عدد من الأقطار الرأسمالية بدون حرب أهلية ؛ وبينما تقول بوجوب شن النضال الجماهيري الواسع بالاضافة الى النضال البرلماني لتحطيم مقاومة القوى الرجعية ، تقول أيضا بأن أغلبية غير متزعزعة يمكن الحصول عليها في البرلمان وهكذا يمكن تحويل البرلمان الى أداة لخدمة الشغيلة ؛ وبينما تشير الى الانتقال غير السلمي ، تمتنع عن التركيز على أهمية الثورة العنيفة باعتبارها قاعدة عامة . لقد استغل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي نقاط الضعف والأخطاء هذه التي جاءت في التصريح والبيان وتذرعوا بها لترويج تحريفية خروشوف .
يجب أن نعلن بمهابة أن الحزب الشيوعي الصيني ظل يتمسك بآرائه المختلفة عن الصياغة التي وردت في تصريح عام 1957 وبيان عام 1960 حول مسألة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية . ولم يحدث أبدا أن أخفينا آراءنا . ونرى أنه ، مراعاة لمصلحة القضية الثورية للبروليتاريا العالمية وبغرض سد الطريق أمام المحرفين حتى لا يسيئوا استعمال هاتين الوثيقتين المبرمجتين للأحزاب الشقيقة ، من الضروري تعديل صياغة هذه المسألة في التصريح والبيان عن طريق المشاورات المشتركة بين الأحزاب الشيوعية والعمالية حتى تساير المبادىء الماركسية اللينينية الثورية .
وبهدف مساعدة القراء على الالمام بوجهات نظر الحزب الشيوعي الصيني بكاملها حول هذه المسألة ، نعيد نشر النص الكامل للعرض العام للآراء حول مسألة الانتقال السلمي الذي قدمه وفدنا الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في 10 نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1957 كملحق لهذا المقال .
لقد أحرز نضال الأحزاب الماركسية اللينينية والماركسيين ضد تحريفية خروشوف في العالم في السنوات الثماني الماضية تقدما عظيما . فلقد عرفت أعداد متزايدة من الناس القسمات الحقيقية لتحريفية خروشوف . ومع ذلك ، ما زال قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يلجأون الى الخدع والمماحكة ، محاولين بجميع السبل ترويج سقط متاعهم .
ولهذا مازال من الضروري لنا أن ندحض سفسطة (( الانتقال السلمي )) .
-------------------------------------------------------
السفسطة لا يمكن أن تبدل التاريخ

يشوه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مؤلفات ماركس ولينين علنا ، كما يشوهون التاريخ علنا أيضا ، لكي يستروا خيانتهم للماركسية اللينينية ويبرروا خطهم التحريفي .
انهم يجادلون قائلين : ألم يكن ماركس (( يعترف بامكانية ( الانتقال السلمي ) في انجلترا وأمريكا )) ؟ (1) ان هذه الحجة في حقيقة الأمر استعاروها من المرتد كاوتسكي الذي استعمل نفس الأسلوب لتشويه وجهات نظر ماركس حتى يتمكن من معارضة الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا .
حقيقة أن ماركس قال في سبعينات القرن التاسع عشر (( ان العمال ( في بلاد مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ) يمكنهم بلوغ هدفهم بالطرق السلمية )) . ولكنه أكد في نفس الوقت أن هذا الاحتمال أمر شاذ . وقال ((حتى اذا كان الحال كذلك ، علينا أن نعترف أيضا بأن القوة في معظم أقطار القارة يجب أن تستخدم كرافعة لثورتنا)) . ( ماركس: (( حول مؤتمر الهيق )) ، خطاب في اجتماع جماهيري في أمستردام )
وأضاف قائلا : (( دائما ما أظهرت البرجوازية الانجليزية استعدادها لقبول قرار الأغلبية طالما كانت تسيطر هي على احتكار الانتخابات . ولكن صدقوني انه ، عندما تجد هذه البرجوازية نفسها في جانب الأقلية فيما يتعلق بالمسائل التي تعتبرها ذات أهمية حيوية ، سيظهر هنا نوع جديد من حرب ملاك الرقيق . )) ( (( محضر المحادثة بين كارل ماركس ومراسل صحيفة ”العالم“ )) ، المجموعة الكاملة لمؤلفات ماركس وانجلز ، المجلد 17 )
قال لينين في نقده للمرتد كاوتسكي : (( ان الحجة القائلة بأن ماركس قد افترض في سبعينات القرن التاسع عشر امكانية الانتقال السلمي الى الاشتراكية في انجلترا وأمريكا ما هي الا حجة مغالط ، أو اذا قلنا بصراحة ، هي حجة مخادع يتلاعب بالعبارات المقتطفة والمراجع . اذ أولا ، أن ماركس اعتبر هذا الاحتمال أمرا شاذا حتى في ذلك الوقت . وثانيا ، لم يكن الرأسمال الاحتكاري ، أي الاستعمار ، موجودا وقتذاك . وثالثا ، لم تكن في انجلترا وأمريكا في ذلك الوقت عسكرية ، كما هو الحال الآن ، تخدم بصفتها الجهاز الرئيسي للدولة البرجوازية . )) ( (( الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 28 )
وقال لينين ان الاستعمار ، بطبيعة خصائصه الاقتصادية الأساسية ، يتميز ب (( أدنى قدر من الصلة بالسلم والحرية ، وبأعظم قدر شامل لتطوير العسكرية )) . ان (( ” العجز عن رؤية “ هذا )) أثناء مناقشة مسألة التغير السلمي أو العنيف معناه (( النزول الى مستوى عميل سافل للبرجوازية أو شيء تابع لها )) . (نفس المصدر السابق)
ان قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعزفون اليوم نغمة كاوتسكي القديمة ، وما طبيعة هذا ان لم يكن انحطاطا الى مستوى فصيلة عميل سافل للبرجوازية ؟
ويلجأ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي الى حجة أخرى هي : ألم يكن لينين (( يقبل من ناحية المبدأ امكانية الثورة السلمية )) ؟ (2) وهذه سفسطة أسوأ مما سبق .
كان رأي لينين لبعض الوقت بعد ثورة فبراير ( شباط ) 1917 (( أن هذه الثورة في روسيا قد تكون ، بصورة خارجة على العادة ، ثورة سلمية )) . ( مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 25 ) وقد وصف هذه الثورة بأمر ((خارج على العادة)) نظرا للظروف الخاصة التي كانت موجودة آنذاك : (( ان جوهر المسألة هو أن السلاح كان في أيادي الشعب ، ولم يحدث ضغط من الخارج على الشعب )) . ( نفس المصدر السابق ) ولكن في يوليو ( تموز ) عام 1917 ، باشرت الحكومة البرجوازية المعادية للثورة القمع المسلح لجماهير الشعب وسالت دماء العمال والجنود في شوارع بتروغراد . وبعد هذا الحادث ، أعلن لينين قائلا (( لقد تلاشت بالتأكيد كل الآمال في تطور الثورة الروسية بصورة سلمية )) . ( نفس المصدر السابق ) وفي أكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1917 ، قاد لينين والحزب البلشفي العمال والجنود بحزم الى القيام بانتفاضة مسلحة والاستيلاء على سلطة الدولة . وأوضح لينين في يناير ( كانون الثاني ) عام 1918 أن (( النضال الطبقي . . . قد تحول الى حرب أهلية )) . ( مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 26 ) وقد اضطرت الدولة السوفياتية الى شن حرب ثورية أخرى استمرت ثلاثة أعوام ونصف والى بذل تضحيات كبيرة حتى تمكنت بعد ذلك من تحطيم التمرد المعادي للثورة في الداخل وصد التدخل المسلح من الخارج معا . وحينذاك فقط تدعم انتصار الثورة . وقال لينين في عام 1919 : (( لقد أحرز العنف الثوري نجاحات باهرة في ثورة أكتوبر )) . ( مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 29 )
أما الآن فقد بلغت الوقاحة بقادة الحزب الشيوعي السوفياتي درجة تجعلهم يقولون ان ثورة أكتوبر (( كانت ثورة غير دامية الى أبعد الحدود من بين جميع الثورات )) ، (3) وانها (( أنجزت بطريقة سليمة تقريبا )) . (4) ان مزاعمهم هذه تناقض حقائق التاريخ مناقضة تامة . وكيف يواجهون الشهداء الثوريين الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم لخلق أول دولة اشتراكية في العالم ؟
عندما نقول ان التاريخ العالمي لم يقدم حتى اليوم سابقة تدل على الانتقال السلمي من الرأسمالية الى الاشتراكية ، يخاتل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قائلين ((توجد خبرة عملية تبرهن على انجاز الثورة الاشتراكية بالطرق السلمية)) . ويقولون وهم يغمضون أعينهم عن رؤية كل الحقائق (( لقد أسست ديكتاتورية البروليتاريا في هنغاريا في عام 1919 بالطرق السلمية )) . (5)
فهل هذا صحيح ؟ كلا ، ليس كذلك ! ولننظر فيما قاله بيلا كون قائد الثورة الهنغارية بهذا الشأن .
لقد أسس الحزب الشيوعي الهنغاري في نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1918 . وما ان أسس هذا الحزب الفتي حتى اندفع في النضال الثوري وأعلن أن شعار الثورة الاشتراكية هو (( انزعوا سلاح البرجوازية ، وسلحوا البروليتاريا وأسسوا السلطة السوفياتية )) . (بيلا كون : (( دروس حول الثورة البروليتارية الهنغارية ))) لقد عمل الحزب الشيوعي الهنغاري بنشاط في جميع الميادين لأحداث انتفاضة مسلحة . فقد سلح العمال ، وسعى لكسب القوات الحكومية العسكرية ولتنظيم الجنود المسرحين ، ونظم المظاهرات المسلحة ، وقاد العمال فطردوا رؤساءهم واحتلوا المصانع ، وقاد العمال الزراعيين للاستيلاء على الضياع الكبيرة ، ونزع سلاح ضباط الجيش والجنود والشرطة الرجعيين ، وجميع ما بين الاضرابات والانتفاضات المسلحة وهلم جرا .
ان الثورة الهنغارية في الحقيقة زاخرة بالنضال المسلح بمختلف أشكاله وعلى مختلف نطقه . كتب بيلا كون ما يلي: (( منذ أول يوم تأسس فيه الحزب الشيوعي حتى استلام السلطة ، ازداد قرب الصدامات المسلحة مع جهاز الدولة البرجوازي من بعضها على الدوام . ومنذ 12 ديسمبر ( كانون الأول ) عام 1918 عندما خرجت حامية بودابست المسلحة الى الشوارع متظاهرة ضد وزير الحرب في الحكومة الموقتة . . . لم يمر يوم واحد بالتقريب لم تكتب الصحافة فيه عن الصدامات الدامية بين العمال والجنود الثوريين من جهة والوحدات المسلحة لقوات الحكومة من الجهة الأخرى ، ولا سيما بينهم وبين قوات الشرطة . لقد نظم الشيوعيون عددا لا يحصى من الانتفاضات لا في بودابست وحدها بل في المقاطعات أيضا . )) ( بيلا كون : (( دروس حول الثورة البروليتارية الهنغارية )) ) ان قول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بأن الثورة الهنغارية كانت مثلا على الانتقال السلمي ما هو الا كذب صريح لا يعرف الخجل .
لقد ادعت الصحافة السوفياتية أن الحكومة البرجوازية الهنغارية آنذاك (( استقالت من تلقاء نفسها )) . (6) وقد تكون هذه هي الحجة الوحيدة التي يرتكزون عليها . ولكن ما هي الحقائق ؟
كان رأي كارولئي رئيس الحكومة البرجوازية الهنغارية في ذلك الوقت واضحا تماما فيما يتعلق بهذه النقطة ، فقد صرح بالآتي : (( لقد وقعت اعلانا يختص باستقالتي الشخصية وتحويل السلطة الى البروليتاريا ، هذه السلطة التي قد سبق في الحقيقة أن استولت البروليتاريا عليها وأعلنت كسبها من قبل . . . وأنا لم أسلم السلطة الى البروليتاريا ، اذ أن البروليتاريا قد كسبت هذه السلطة فعلا من قبل لأنها شكلت جيشا اشتراكيا حسب خطة موضوعة . )) ولهذا السبب أوضح بيلا كون أن القول بأن البرجوازية قد سلمت السلطة السياسية طائعة مختارة الى البروليتاريا ما هو الا (( خرافة )) خادعة . ( بيلا كون : (( دروس حول الثورة البروليتارية الهنغارية )) )
لقد هزمت ثورة عام 1919 الهنغارية . وقال لينين في تمحيص السبب الرئيسي لفشلها ان الخطأ القاتل الذي ارتكبه الحزب الشيوعي الهنغاري الناشىء كان عدم حزمه الى درجة كافية في ممارسديكتاتورية على العدو ، بل تردد في اللحظة الحرجة . وبالاضافة لهذا لم يتخذ الحزب الهنغاري خطوات صحيحة لمقابلة مطلب الفلاحين لحل مسألة الأرض ، ولهذا عزل نفسه عن الفلاحين . ومن الأسباب الهامة الأخرى لهزيمة الثورة أن الحزب الشيوعي الهنغاري كان قد اندمج في الحزب الاشتراكي – الديمقراطي الانتهازي .
وما يقوله قادة الحزب الشيوعي السوفياتي حين يدعون بعناد بأن الثورة الهنغارية في 1918 – 1919 كانت نموذجا (( للانتقال السلمي )) ما هو الا تشويه محض للتاريخ .
وبالاضافة لهذا يدعي قادة الحزب الشيوعي السوفياتي أن الطبقة العاملة التشيكوسلوفاكية (( قد كسبت السلطة بالطريق السلمي )) . (7) وهذا تشويه باطل آخر للتاريخ .
لقد أسست سلطة الشعب الديمقراطية في تشيكوسلوفاكيا في مجرى الحرب ضد الفاشستية ، ولم تؤخذ (( بصورة سلمية )) من يد البرجوازية . فلقد قاد الحزب الشيوعي الجماهير خلال الحرب العالمية الثانية في حرب الأنصار والانتفاضات المسلحة ضد الفاشست ، وأباد قوات الفاشستية الألمانية وحكم عملائها في تشيكوسلوفاكيا بمساعدة الجيش السوفياتي ، وأسس حكومة ائتلافية تمثل الجبهة الوطنية . لقد كانت هذه الحكومة في طبيعتها ديكتاتورية ديمقراطية شعبية تحت قيادة البروليتاريا أي أنها كانت شكلا من أشكال ديكتاتورية البروليتاريا .
وفي فبراير ( شباط ) عام 1948 ، تآمر الرجعيون في داخل تشيكوسلوفاكيا بمساندة الاستعمار الأمريكي بتنظيم انقلاب معاد للثورة استعدادا للاطاحة بحكومة الشعب عن طريق التمرد المسلح . الا أن الحكومة بقيادة الحزب الشيوعي أرسلت قواتها المسلحة مباشرة ونظمت مظاهرات جماهيرية مسلحة ، وهكذا حطمت مؤامرة البرجوازية للعودة الى السلطة عن طريق التمرد المعادي للثورة . وتدل هذه الحقائق بوضوح على أن حادث فبراير ( شباط ) لم يكن انتزاع الطبقة السلطة السياسية (( سلميا )) من أيدي البرجوازية ، بل كان قمعا للانقلاب المعادي للثورة الذي نظمته البرجوازية ، هذا القمع الذي نظمته الطبقة العاملة عن طريق جهاز الدولة الذي كان تحت سيطرتها ولاسيما عن طريق قواتها المسلحة الخاصة بها .
قال قوتوالد في تلخيصه لحادث فبراير ( شباط ) : أن أحد التغيرات الأساسية ، بالمقارنة بالوضع ما قبل الحرب ، هو بالتحديد أن جهاز الدولة بهذا المفهوم قد لعب دورا بارزا . )) ( خطاب في الدورة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي 17 نوفمبر – تشرين الثاني – 1948 )
كيف اذن تعتبر الحقائق السالفة الذكر سابقات تدل على الانتقال السلمي ؟
قال لينين : (( لجأ كاوتسكي الى كل هذه الحجج والسفسطة والتزييفات المفتعلة لفصل نفسه عن الثورة العنيفة ، ولأخفاء شططه عنها وتحوله الى سياسة العمال الليبيرالية أي الى البرجوازية . )) وأضاف ((هذا جوهر المسألة .)) ( (( الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 28 )
لماذا اذن شوه خروشوف بدون خجل مؤلفات ماركس ولينين ، وزيف التاريخ ، ولجأ الى المخادعة ؟ نقول مرة اخرى ، هذا جوهر المسألة .

________________________________________
(1) كوسينين وغيره : (( أسس الماركسية اللينينية )) .
(2) (( نظرية لينين حول الثورة الاشتراكية والوقت الراهن )) ، مجلة (( الشيوعي )) السوفياتية ، العدد 13 عام 1960 .
(3) (( لينين وعهدنا )) ، مجلة (( الشيوعي )) ، العدد 5 عام 1960 .
(4) خطاب ميكويان في جلسة المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يوم 16 فبراير ( شباط ) 1956 .
(5) (( الماركسية اللينينية – أساس وحدة الحركة الشيوعية )) ، مقال بقلم هيئة تحرير (( الشيوعي )) ، العدد 15 عام 1963 .
(6) (( كيف تتطور عملية الثورة العالمية )) ، صحيفة (( روسيا السوفياتية )) ، أول أغسطس ( آب ) 1963 .
(7) كلمة بريجنيف في المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي يوم 4 ديسمبر ( كانون الأول ) 1962 .
-----------------------------------------------------
الأكاذيب لا تحجب الواقع

ان الحجة الرئيسية التي يبرر بها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي خط (( الانتقال السلمي )) المعادي للثورة هي أن الظروف التاريخية قد تغيرت .
أما فيما يختص بتقدير التغيرات التي طرأت على الظروف التاريخية منذ الحرب العالمية والنتائج التي تستخلص منها ، فان آراء الماركسيين اللينينيين تختلف اختلافا كليا عن آراء خروشوف .
يرى الماركسيون اللينينيون أن الظروف التاريخية قد تغيرت تغيرا جذريا منذ الحرب . ويظهر هذا التغير بصورة رئيسية في الازدياد العظيم في قوى الاشتراكية البروليتارية ، وفي الضعف العظيم الذي طرأ على قوى الاستعمار . فلقد ظهر منذ الحرب المعسكر الاشتراكي الجبار وسلسلة كاملة من الدول الوطنية المستقلة الجديدة الى حيز الوجود ، وتتابعت النضالات الثورية المسلحة واحدا اثر الآخر ، كما حدث مد جديد في الحركات الجماهيرية في الأقطار الرأسمالية وتوسع عظيم لصفوف الحركة الشيوعية العالمية . ان الحركة البروليتارية الاشتراكية الثورية العالمية ، والحركة الوطنية الديمقراطية الثورية في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية أصبحتا تيارين تاريخيين رئيسيين في العهد الحاضر .
أوضح الرفيق ماو تسي تونغ مرارا في الفترة المبكرة لما بعد الحرب أن ميزان القوى العالمي أصبح في صالحنا وليس في صالح العدو ، وأن هذا الوضع الجديد (( قد أوجد امكانيات أوسع من ذي قبل لتحرر الطبقة العاملة والأمم المضطهدة في العالم ، كما فتح طريقا أكثر واقعية نحو هذا التحرر )) . ( (( يا قوى العالم الثورية ، اتحدي لمقاومة العدوان الاستعماري ! )) ، مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلد 4 )
كما أوضح الرفيق ماو تسي تونغ أيضا : (( ان منطق المستعمرين وجميع الرجعيين في العالم هو خلق القلاقل ، ثم الفشل ، وخلق القلاقل مرة أخرى ، ثم الفشل مرة أخرى ، الى يوم فنائهم . هذا هو منطقهم عند معالجتهم لقضية الشعب ، ولا يفعلون أبدا ما يناقض هذا المنطق ، هذا قانون ماركسي . وعندما نقول، ” ان الاستعمار شرس “ فانما نعني أن طبيعته لا يمكن أن تتغير ، وأن المستعمرين سوف لا يرمون بمدى الجزارين أبدا ، وأنهم سوف لا يصبحون أبدا آلهة للرحمة والعدل الى يوم فنائهم . )) ( (( اطرحوا أوهامكم واستعدوا للنضال )) ، مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلد 4 )
ان الماركسيين اللينينيين ، بالارتكاز على التغيرات التي طرأت على الظروف ما بعد الحرب والتي هي مؤاتية بالمزيد للثورة وبالارتكاز على قانون أن الاستعمار والرجعية سوف لا يغيران أبدا طبيعتهما ، يستخلصون نتائج مؤداها أن تدفع الى أمام ، انهم يرون أنه لا بد من الافادة افادة كاملة من هذا الوضع المؤاتي ، وأنه على ضوء الظروف المحددة في الاقطار المختلفة يجب تطوير النضالات الثورية بحيوية ونشاط ، كما يجب التحضير لانتزاع النصر في الثورة .
الا أن خروشوف ، بحجة هذه التغيرات التي طرأت على ظروف ما بعد الحرب ، يصل الى نتيجة أنه تجب معارضة الثورة والغاؤها ، ويرى أنه ، نظرا للتغير الذي طرأ على ميزان القوى العالمي ، قد تغيرت طبيعة الاستعمار والرجعية ، وتغير قانون الصراع الطبقي ، وأصبح طريق ثورة أكتوبر العام والنظرية الماركسية اللينينية المتعلقة بالثورة البروليتارية قديمين فات أوانهما .
ان خروشوف وأمثاله ينشرون قصة كاحدى قصص ألف ليلة وليلة . ورأيهم (( أن ظروفا ملائمة عالمية ومحلية تتهيأ الآن في عدد من الأقطار الرأسمالية من انجاز الثورة الاشتراكية بصورة سلمية . )) (1)
وقالوا : (( في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، لجأت البرجوازية الرجعية في عدد كبير من الاقطار الأوربية ، وهي تطور وتحسن بلا انقطاع أجهزتها البوليسية البيروقراطية ، الى كبت الحركات الجماهيرية للشغيلة بصورة وحشية ، ولم تترك بذلك أي احتمال لاحراز الثورة الاشتراكية بالطريق السلمي . )) ولكن حسب قولهم ، قد تغير هذا الوضع الآن . (2)
وقالوا : (( لقد حدثت في العلاقات بين القوى على المحيط العالمي تغيرات جذرية هي في صالح الاشتراكية )) ، مما (( شل تدخل الرجعية العالمية في الشئون الداخلية للبلدان التي تقوم بالثورة )) ، (3) و (( هذا يقلل من احتمالات شن البرجوازية للحروب الأهلية )) . (4)
الا أن أكاذيب خروشوف وأمثاله لا يمكنها أن تحجب الواقع .
فلقد برزت منذ الحرب العالمية الثانية حقيقتان أولاهما أن المستعمرين والرجعيين يدعمون في كل مكان أجهزة استخدام العنف بغرض كبت الجماهير بقسوة وبلا رحمة ، والثانية هي أن الاستعمار بقيادة الولايات المتحدة يباشر تدخلاته المسلحة المعادية للثورة في كل جزء من أجزاء العالم .
لقد أصبحت الولايات المتحدة الأميركية الآن عسكرية أكثر من أي وقت مضى ، ولقد زادت عدد قواتها الى أكثر من مليونين وسبعمائة ألف جندي ، أي أحد عشر ضعفا بالمقارنة بعدد قواتها في عام 1934 ، وتسعة أضعاف مجموع قواتها في عام 1939 .
كما أصبحت لديها أعداد كبيرة من المنظمات البوليسية والتجسسية الى درجة أن بعض كبار الرأسماليين الأمريكيين اضطروا الى الاعتراف بأنها أصبحت الدولة الأولى في العالم في هذا الصدد ، وأنها فاقت ألمانيا الهتلرية الى حدود بعيدة .
لقد ازداد الجيش النظامي لبريطانيا من حوالي ربع مليون من الرجال في عام 1934 الى أكثر من أربعمائة وعشرين ألفا في عام 1963 ، كما ازدادت قوات الشرطة فيها من سبعة وستين ألفا في عام 1934 الى سبعة وثمانين ألفا في عام 1963 .
ولقد ازداد جيش فرنسا النظامي من ستمائة وخمسين ألفا في عام 1934 الى أكثر من سبعمائة وأربعين ألفا في عام 1963 ، كما ازدادت قوات شرطتها وقوات الأمن فيها من ثمانين ألفا في عام 1934 الى مائة وعشرين ألفا في عام 1963 .
ان بقية الأقطار الاستعمارية وحتى الأقطار الرأسمالية العادية لا تشذ فيما يتعلق بهذا التدعيم الواسع النطاق للقوات المسلحة والشرطة .
ان خروشوف يستخدم بحماس شعار نزع السلاح التام الشامل بغرض تخدير الجماهير . لقد ظل يرتله منذ سنوات خلت حتى الآن . الا أن الحقيقة الواقعية هي أنه لا يوجد حتى ظل لنزع السلاح التام الشامل . وفي كل مكان من المعسكر الاستعماري الذي تترأسه الولايات المتحدة ، يجد المرء اندفاعا تاما وشاملا للتسلح وتوسيعا وتدعيما لأجهزة الكبت العنيف .
فلماذا تدعم البرجوازية بهذا الشكل المسعور من قواتها المسلحة وشرطتها في وقت السلم ؟ وهل يعقل أن يكون غرضها أمرا غير كبت الحركات الجماهيرية للشغيلة في داخل البلاد ، بل هو ايجاد ضمان لهم حتى يستولوا على سلطة الدولة بالطرق السلمية ؟ أولم ترتكب البرجوازية الحاكمة في السنوات التسع عشرة التي خلت منذ الحرب ما يكفي من الأعمال الوحشية باستخدام الجنود ورجال الشرطة لكبت العمال المضربين والجماهير الشعبية المناضلة من أجل حقوقها الديمقراطية ؟
لقد نظم الاستعمار الأميركي خلال السنوات التسع عشرة الماضية كتلا عسكرية وعقد معاهدات عسكرية مع ما يزيد على أربعين قطرا . كما أنشأ أكثر من ألفين ومائتي قاعدة عسكرية ومنشأة عسكرية في جميع أجزاء العالم الرأسمالي . ويزيد عدد قواته المسلحة المقيمة في الخارج على أكثر من مليون جندى . و (( قيادته الهجومية )) تشرف على ادارة قوة متحركة برية وجوية مشتركة هي على استعداد في جميع الأوقات لترسل الى أي مكان لكبت ثورة الشعب .
ولم يقتصر المستعمرون الأميركيون وغيرهم من المستعمرين خلال الأعوام التسعة عشر الماضية على تقديم كل عون الى الرجعيين في مختلف البلدان لمساعدتهم على كبت الحركات الثورية للشعوب في بلدانهم بالذات ، بل دبروا ونفذوا بصورة مباشرة عددا كبيرا من أنواع العدوان والتدخل المسلحين المعاديين للثورة ، أي أنهم صدروا الثورة المعاكسة . لقد ساعد الاستعمار الأميركي تشيانغ كاي شيك ، على سبيل المثال ، على شن الحرب الأهلية في الصين ، وأرسل قواته الى اليونان وقاد الهجوم على مناطق الشعب اليوناني المحررة ، وشن الحرب العدوانية في كوريا ، وأنزل قواته في لبنان لتهديد الثورة في العراق ، وساعد وحث الرجعيين اللاووسيين على مد نطاق الحرب الأهلية ، ونظم ووجه ما يسمى بقوة تابعة للأمم المتحدة لكبت حركة الاستقلال الوطني في الكونغو ، ونظم الغزوات المعادية للثورة على كوبا . ومازال يكبت النضال التحرري لشعب جنوب الفيتنام . واستخدم القوة المسلحة منذ وقت قريب لكبت النضال العادل الذي خاضه شعب باناما للدفاع عن سيادته ، كما ساهم في التدخل المسلح في قبرص.
ان الاستعمار الأميركي لا يدبر باصرار أعماله لكبت جميع ثورات الشعوب وحركات التحرر الوطني والتدخل فيها وحسب ، بل يحاول أيضا التخلص من نظم الحكم البرجوازية التي تبدي بعض مظاهر الوطنية . وخلال السنوات التسع عشرة الماضية ، دبرت الحكومة الأمريكية عددا كبيرا من الانقلابات العسكرية المعادية للثورة في عدد من أقطار آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية ، وحتى أنها استخدمت العنف لازاحة بعض الدمى ممن خلقتهم بنفسها من أمثال نغو دين ديم حالما وجدت أنهم لا يلائمون أغراضها : بالضبط كما يقول المثل (( يقتل الحمار حالما يعجز عن ادارة حجر الرحى )) .
لقد برهنت الحقائق على أنه ، بغرض القيام بالثورة واحراز التحرر ، لا بد لجميع الشعوب والأمم المضطهدة من أن تعرف كيف تقابل الكبت العنيف الذي تلجأ اليه الطبقات الرجعية الحاكمة في بلدانها بالذات ، ليس هذا وحسب ، بل عليها أن تكون على أهبة الاستعداد لمقابلة التدخل المسلح من قبل الاستعمار ولا سيما من الاستعمار الأميركي . وبدون استعداد كهذا وبدون ردع العنف المعادي للثورة ردعا حازما باستخدام العنف الثوري كلما دعت الضرورة الى ذلك ، تصبح الثورة أمرا خارجا عن الموضوع ، ناهيك عن انتصارها .
واذا لم تدعم الأقطار التي كسبت استقلالها قواتها المسلحة ، واذا لم تستعد لمقابلة وردع العدوان والتدخل الاستعماريين المسلحين ، واذا لم تتمسك بسياسة خوض النضالات ضد الاستعمار ، سوف لا تتمكن من صيانة استقلالها الوطني ناهيك عن ضمان تقدم القضية الثورية .
وبودنا أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : طالما كنتم تتحدثون بهذه الطلاقة والسهولة عن القسمات الجديدة لوضع ما بعد الحرب فكيف تناسيتم عن عمد ذكر أهم قسمة وأوضحها الا وهي أن المستعمرين الأميركيين وغيرهم من المستعمرين يباشرون كبت الثورة في كل مكان ؟ انكم لا تكلون أبدا عن الحديث حول الانتقال السلمي ، ولكن لماذا لم تنبسوا مطلقا ولو بكلمة واحدة توضحون بها للناس الأسلوب والطريقة اللذين يجب أن يتخذوهما لمقابلة الأجهزة المتضخمة للقمع العنيف التي كونها المستعمرون والرجعيون ؟ انكم تحجبون بدون خجل حقائق الكبت الوحشي الدموي الذي يمارسه المستعمرون والرجعيون ضد حركات التحرر الوطني وضد الحركات الشعبية الثورية عن الأنظار ، وتنشرون الأوهام بأن الأمم والشعوب المضطهدة يمكنها أن تحرز النصر بالطرق السلمية ، أليس من الواضح انكم تحاولون شل يقظة الشعوب ، وتطييب خاطر الجماهير الحانقة الغاضبة وتهدئتها بالوعود الجوفاء بمستقبل ناصع البياض ، وتعارضون ثورتها ، وهكذا تتصرفون في الواقع كشركاء للاستعمار ورجعيي مختلف البلدان ؟
ومن الصالح ، فيما يتعلق بهذه المسألة ، أن نجعل جون فوستر دالاس الهالك ، الذي كان وزير خارجية الولايات المتحدة في الماضي ، معلما لنا بالأمثلة السلبية .
قال دالاس في خطاب ألقاه في 21 يونيو ( حزيران ) عام 1956 ان كل الأقطار الاشتراكية حتى الآن قد تأسست ب (( استخدام العنف )) . ثم قال (( ان الحكام السوفيت يقولون الآن بانهم سوف ينبذون استخدام العنف )) ، (( اننا نرحب بهذه التطورات وسوف نحث عليها )) . (5)
كان دالاس ، بصفته حاميا أمينا للنظام الرأسمالي ، يدرك كل الادراك بالطبع الدور المهم الذي يلعبه العنف في الصراع الطبقي . وفي الوقت الذي رحب فيه بنبذ خروشوف للثورة العنيفة ، أكد تأكيدا عظيما حاجة البرجوازية لتدعيم عنفها المعادي للثورة حتى تواصل حكمها وتحافظ عليه . وقال في خطاب آخر ((ان الشيء الأساسي من بين جميع مهام الحكومة هو حماية رعاياها ( يجب أن تُقرأ ك (( الطبقات الرجعية الحاكمة )) ) من العنف . . . لهذا السبب ، ففي كل مجموعة انسانية متمدينة ، يساهم الأفراد فيها في الحفاظ على قوة بوليسية كسلاح للقانون والنظام)). (6)
لقد صدق دالاس حين نطق بهذا . اذ أن الأساس السياسي لحكم الاستعمار وكل الرجعية ما هو الا ((قوة بوليسية)). وطالما ظل هذا الأساس قائما بدون مساس ، يصبح كل ما عداه عديم الأهمية ويصبح حكم الاستعمار والرجعية غير متزعزع . وكلما حاول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي حجب حقيقة اعتماد البرجوازية على العنف لمواصلة حكمها وكلما زادوا من نشر خرافة الانتقال السلمي التي رحب بها دالاس ترحيبا حارا ، كشفوا عن قسماتهم الحقيقية ولونهم الحقيقي بصفتهم خّلانا للمستعمرين في معارضتهم للثورة .
________________________________________
(1) (( الحرب والثورة )) ، مجلة (( الشيوعي )) ، العدد 4 عام 1961 .
(2) كوسينين وغيره : (( أسس الماركسية اللينينية )) .
(3) (( نظرية لينين حول الثورة الاشتراكية والوقت الراهن )) ، مجلة (( الشيوعي )) ، العدد 13 عام 1960 .
(4) (( الحرب والثورة )) ، مجلة (( الشيوعي )) ، العدد 4 عام 1961 .
(5) خطاب دالاس في مؤتمر كيوانيس السنوي العالمي الواحد والأربيعين ، يوم 21 يونيو ( حزيران ) 1956 .
(6) خطاب دالاس في مأدبة الغداء التي أقامتها وكالة الاسوشيتد بريس يوم 22 ابريل ( نيسان ) 1975 .
----------------------------------------------------
دحض (( الطريق البرلماني ))

ان فكرة (( الطريق البرلماني )) التي روج لها محرفو الأممية الثانية قد دحضها لينين دحضا تاما وأصبحت معيبة عديمة الاعتبار منذ مدة طويلة . الا أن الطريق البرلماني في نظر خروشوف يبدو كأنما فجأة أصبح ساري المفعول بعد الحرب العالمية الثانية .
فهل يتفق ذلك مع الواقع ؟ كلا بالطبع .
لقد أوضحت الأحداث منذ الحرب العالمية الثانية مرة بعد أخرى أن العنصر الأساسي في جهاز الدولة البرجوازي هو القوة المسلحة لا البرلمان . وما البرلمان سوى حلية وستار للحكم البرجوازي . والخيار بين النظام البرلماني أو عدمه ، واعطاء البرلمان سلطة أعظم أم أقل ، واستخدام قانون انتخابي أو آخر ، دائما ما تمليه حاجيات الحكم البرجوازي ومصالحه . وطالما كانت البرجوازية تسيطر على الجهاز العسكري البيرقراطي ، اما أن يكون احراز البروليتاريا (( أغلبية لا تتزعزع في البرلمان )) عن طريق الانتخابات أمرا مستحيلا واما أن تكون هذه (( الأغلبية التي لا تتزعزع )) أغلبية لا يعتمد عليها . أما تحقيق الاشتراكية بواسطة (( الطريق البرلماني )) فهو أمر مستحيل تماما ولا يعدو أن يكون قولا أكثر خداعا .
ان حوالي نصف الأحزاب الشيوعية في الأقطار الرأسمالية مازالت أحزابا غير شرعية في نظر القانون وطالما كانت هذه الأحزاب تفقد المركز الشرعي فان مسألة كسب أغلبية برلمانية تصبح بالطبع امرا خارجا عن الموضوع .
ان الحزب الشيوعي الاسباني ، على سبيل المثال ، يعيش في ظل الارهاب الأبيض وما من فرصة يخوض فيها الانتخابات . ومن السخافة والأمور المفجعة أن يظلع قادة شيوعيون اسبانيون من أمثال إباروري وراء خروشوف داعين معه الى ممارسة (( الانتقال السلمي )) في اسبانيا .
ومع بقاء كل الحظر الجائر الذي تفرضه القوانين الانتخابية البرجوازية في تلك الاقطار الرأسمالية حيث الأحزاب الشيوعية أحزاب شرعية في نظر القانون ويمكنها أن تساهم في الانتخابات ، يصعب جدا عليها أن تكسب أغلبية الاصوات في ظل الحكم البرجوازي . وحتى اذا حصلت على أغلبية الأصوات ، يمكن للبرجوازية أن تحول بين الشيوعيين وبين الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان وذلك بتعديل القوانين الانتخابية أو بغير ذلك من الطرق .
لقد لجأ الرأسماليون الاحتكاريون الفرنسيون ، على سبيل المثال ، مرتين منذ الحرب العالمية الثانية الى تعديل القانون الانتخابي مما نتج عنه في كلا الحالتين انخفاض شديد في عدد المقاعد البرلمانية التي في يد الحزب الشيوعي الفرنسي . ففي الانتخابات البرلمانية في عام 1946 ، كسب الحزب الشيوعي الفرنسي 182 مقعدا ، ولكن كانت نتيجة تعديل الرأسماليين الاحتكاريين لقانون الانتخابات في الانتخابات البرلمانية عام 1951 هي انخفاض عدد مقاعد الحزب الشيوعي الفرنسي الى 103 مقاعد ، أي أن الخسارة كانت 79 مقعدا . وفي انتخابات عام 1956 ، كسب الحزب الشيوعي الفرنسي 150 مقعدا ، ولكن قبل اجراء الانتخابات البرلمانية في عام 1958 ، عدل الرأسماليون الاحتكاريون قانون الانتخابات مرة أخرى مما نتج عنه انحدار فظيع في عدد مقاعد الحزب الشيوعي الفرنسي الى عشرة مقاعد ، أي بخسارة 140 مقعدا.
وحتى اذا كسب حزب شيوعي ما في ظروف معينة اغلبية المقاعد البرلمانية او اشترك في الحكومة نتيجة انتصار انتخابي ، سوف لا يستطيع تغيير طبيعة البرلمان البرجوازية أو طبيعة الحكومة البرجوازية ، ناهيك عن تحطيم جهاز الدولة القديم وبناء جهاز جديد . من المستحيل تماما احداث تغيير اجتماعي اساسي بالاعتماد على البرلمانات أو الحكومات البرجوازية . وبمقدور البرجوازية الرجعية التي تسيطر على جهاز الدولة ان تعلن بطلان الانتخابات ، وتحل البرلمان ، وتبعد الشيوعيين من الحكومة ، وتعلن عدم شرعية الحزب الشيوعي ، وتلجأ الى القوة الغاشمة لكبت الجماهير والقوى التقدمية .
وفي عام 1946 ، على سبيل المثال ، أيد الحزب الشيوعي في شيلي الحزب الراديكالي البرجوازي فكسب الأخير انتصارا انتخابيا وتشكلت حكومة ائتلافية بمساهمة الشيوعيين . وفي ذلك الوقت ، تمادى قادة الحزب الشيوعي في شيلي الى حد وصف هذه الحكومة التي كانت تسيطر عليها البرجوازية بأنها (( حكومة ديمقراطية شعبية )) . ولكن البرجوازيين أجبروهم في أقل من عام واحد على ترك الحكومة ، واعتقلوا الشيوعيين بالجملة ، وجعلوا الحزب الشيوعي خارجا على القانون في عام 1948 .
عندما ينحط حزب عمالي فيصبح عميلا للبرجوازية ، قد تسمح له البرجوازية باحراز أغلبية في البرلمان وبتكوين الحكومة . وهذا هو الحال مع الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية البرجوازية في أقطار معينة . الا أن هذا لا يخدم الا في صيانة وتدعيم ديكتاتورية البرجوازية ، وليس بمقدوره أبدا ، ولو بأقل درجة كانت ، تبديل مركز البروليتاريا التي هي طبقة مضطَهدة ومستغَلة . ان حقائق مثل هذه تقدم مزيدا من الشواهد على افلاس الطريق البرلماني .
كما اوضحت الحقائق التاريخية أيضا منذ الحرب العالمية الثانية أن القادة الشيوعيين ، اذا آمنوا بالطريق البرلماني ووقعوا فريسة المرض العضال ل (( هوس البرلمانية )) ، سوف لا يصبحون خلاة الوفاض وحسب ، بل سيغرقون حتما في مستنقع التحريفية ويخربون بذلك القضية الثورية للبروليتاريا .
ودائما ما كان راي الماركسيين اللينينيين من جانب والانتهازيين والمحرفين من الجانب الآخر حول الموقف الملائم الذي يجب اتخاذه تجاه البرلمانات البرجوازية .
ودائما ما كان رأي الماركسيين اللينينيين أنه ينبغي للحزب البروليتاري في ظروف معينة أن يساهم في النضال البرلماني وأن يستخدم منبر البرلمان لكشف الطبيعة الرجعية للبرجوازية ولتعليم الجماهير مما يساعده على حشد القوى الثورية . ومن الخطأ رفض الافادة من هذا النوع القانوني من النضال عندما تدعو الحاجة الى ذلك . ولكن لا يجب أبدا على الحزب البروليتاري أن يجعل النضال البرلماني عوضا عن الثورة البروليتارية وبديلا لها ، أو تراوده الأحلام بأن الانتقال الى الاشتراكية يمكن تحقيقه بواسطة الطريق البرلماني . وعليه أن يركز الانتباه طوال الوقت على النضالات الجماهيرية .
قال لينين : ((على حزب البروليتاريا الثورية أن يساهم في الشئون البرلمانية البرجوازية بغرض توعية الجماهير ، هذه التوعية التي يمكن حدوثها أثناء الانتخابات وفي الصراع بين الأحزاب في البرلمان . الا أن قصر الصراع الطبقي على الصراع البرلماني أو اعتبار الصراع البرلماني أرقى أشكال النضال وأحسمها مما يجعل جميع أشكال النضال الأخرى وقفا على الصراع البرلماني ، معناه بالفعل الهروب الى جانب البرجوازية والسير ضد البروليتاريا.)) ( ((انتخابات المجلس التأسيسي وديكتاتورية البروليتاريا))، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 30)
واستنكر لينين محرفي الأممية الثانية لمطاردتهم ظل البرلمانية وتخليهم عن المهمة الثورية مهمة الاستيلاء على سلطة الدولة ، لأنهم حولوا الحزب البروليتاري الى حزب انتخابي ، الى حزب برلماني ، حزب ملحق بالبرجوازية وأداة للحفاظ على ديكتاتورية البرجوازية . ان خروشوف وأتباعه الذين يدعون الآن الى الطريق البرلماني لا ينتظرهم سوى نفس المصير الذي واجهه محرفو الأممية الثانية .
-----------------------------------
دحض (( معارضة الانتهازية اليسارية ))

لقد اختلقت الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي سلسلة من الأكاذيب عندما تطرقت الى مسالة الثورة البروليتارية ، فهي تزعم بأن الحزب الشيوعي الصيني يدعو الى ((وضع شعار شن الثورة البروليتارية فورا)) حتى اذا لم يكن هنالك وضع ثوري ، وأنه يدعو الى نبذ ((النضال من اجل الحقوق الديمقراطية والمصالح الحيوية للجماهير الكادحة في الأقطار الرأسمالية)) ، (1) وأنه يجعل النضال المسلح مسالة ((مطلقة))(2) وهكذا . وكثيرا ما يلصق قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بطاقات تحمل اشياء مثل ((الانتهازية اليسارية)) و ((المغامرة اليسارية)) و ((التروتسكية)) بالحزب الشيوعي الصيني .
وحقيقة الأمر أن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يطلقون هذه الضوضاء بغرض ستر خطهم التحريفي الذي يعارض الثورة ويلغيها . وما يهاجمونه باعتباره (( انتهازية يسارية )) ما هو الا الخط الماركسي اللينيني الثوري .
ودائما ما كان رأينا أن الثورة لا تحدث فقط لمجرد الرغبة فيها ، بل ويستحيل حدوثها ما لم تكن هنالك ظروف ثورية موضوعية . الا أن نشوب الثورة وانتصارها لا يعتمدان على وجود الوضع الثوري الموضوعي وحسب ، بل يعتمدان ايضا على التحضيرات والجهود التي تبذلها القوى الثورية الذاتية .
وتنشأ المغامرة (( اليسارية )) اذا فشل الحزب البروليتاري في تقدير الظروف الموضوعية والقوى الذاتية للثورة تقديرا صحيحا ، وشن بتهور ثورة قبل نضوج الظروف الثورية . وتنشأ الانتهازية اليمينية أي التحريفية اذا لم يقم الحزب البروليتاري بتحضير نشط للثورة قبل نضوج الظروف الثورية ، أو لم يجرؤ على قيادة الثورة والاستيلاء على سلطة الدولة عندما يكون الوضع الثوري موجودا والظروف الثورية ناضجة لذلك .
ان المهمة الأساسية البالغة الأهمية للحزب البروليتاري ، الى أن يحين وقت الاستيلاء على سلطة الدولة ، هي التركيز على العمل الشاق لتجميع القوى الثورية . و يجب أن يكون الهدف الرئيسي من قيادة النضال اليومي قيادة نشطة هو بناء قوة ثورية بالتدريج والتحضير بغرض انتزاع النصر في الثورة عندما تنضج الظروف . على الحزب البروليتاري أن يستخدم الأشكال المختلفة من النضال اليومي لرفع الوعي السياسي لدى البروليتاريا وجماهير الشعب ، ولتدريب القوى الطبقية الخاصة به ، ولصقل مقدراته الكفاحية ، وللتحضير للثورة من ناحية ايديولوجية وسياسية وتنظيمية وعسكرية . وبهذا وحده ، لا تفوت عليه فرصة الاستيلاء على النصر عندما تكون الظروف قد نظجت للثورة . وان لم يفعل الحزب البروليتاري هذا ، فانه سيفوت فرصة القيام بالثورة حتى ولو كان الوضع الثوري الموضوعي قائما .
الا أن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بينما يؤكدون بلا كلل عدم الامكانية للقيام بالثورة في حالة انعدام الظروف الثورية ، يتجنبون مسألة الكيفية التي يقوم بها الحزب البروليتاري بالنضال اليومي الثوري ويجمع بها القوة الثورية قبل حلول الوضع الثوري . انهم في الحقيقة ينبذون مهمة بناء القوة الثورية بالتدريج والتحضير للثورة بحجة عدم وجود الوضع الثوري . (3)
وصف لينين ذات مرة موقف المرتد كاوتسكي تجاه مسألة الوضع الثوري وصفا ممتازا اذ قال ، اذا حان الوضع الثوري (( يصبح هو أيضا على استعداد ليكون ثوريا ! ولكن علينا أن نقول حينذاك ان كل وغد من الأوغاد . . . سوف يعلن أنه ثوري ! واذا لم يحن الوضع الثوري ، يدير كاوتسكي وجهه عن الثورة ! )) وكما أوضح لينين فان كاوتسكي مثال طبق الأصل للسذج ، والفارق بين ماركسي ثوري وساذج هو أن الماركسي لديه الشجاعة على ((اعداد البروليتاريا وجميع الجماهير الكادحة والمستغلة للثورة )) . ( (( الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 28 ) وبوسع الناس أن يحكموا بانفسهم ما اذا كان خروشوف وأتباعه يضاهون السذج من أمثال كاوتسكي الذين استنكرهم لينين أم لا .
دائما ما كان رأينا أنه يجب على الأحزاب البروليتارية في الاقطار الرأسمالية ان تقود الطبقة العاملة والشغيلة الآخرين بنشاط في النضال ضد رأس المال الاحتكاري ، وللدفاع عن الحقوق الديمقراطية ، ولتحسين ظروف المعيشة ، ولمعارضة المستعمرين لزيادة التسلح والاعداد للحرب ، وللدفاع عن السلم العالمي ، ولمساندة النضالات الثورية التي تخوضها الأمم المضطهدة مساندة قوية .
وعلى الأحزاب البروليتارية في الأقطار الرأسمالية التي تتعرض لعدوان الاستعمار الأمريكي وسيطرته وتدخله وارهابه أن ترفع عاليا الراية الوطنية لمعارضة الاستعمار الأمريكي ، وأن توجه النضال الجماهيري في الأساس نحو الاستعمار الأمريكي من جهة ونحو الكتل الرأسمالية الاحتكارية والقوى الرجعية المحلية الأخرى التي تخون المصالح الوطنية من جهة أخرى . عليها أن توحد جميع القوى التي يمكن توحيدها وتشكل جبهة متحدة ضد الاستعمار الأمريكي وعملائه .
وفي السنوات الأخيرة ، ظلت الطبقة العاملة والشغيلة الآخرون في عدد كبير من الأقطار الرأسمالية يشنون نضالات جماهيرية واسعة لم توجه الضربات الى رأس المال الاحتكاري المحلي والقوى الرجعية الأخرى وحدها بل قدمت أيضا سندا قويا للنضالات الثورية التي خاضتها شعوب آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ولبلدان المعسكر الاشتراكي . ودائما ما قدرنا هذه المساهمة حق قدرها .
على الشيوعيين وهم يقودون النضالات اليومية قيادة نشطة ، أن يربطوا هذه النضالات بالنضال من أجل المصالح العامة والطويلة الأمد ، وأن يعلموا الجماهير في الروح البروليتارية الثورية ، وأن يرفعوا بلا انقطاع وعيها السياسي ويجمعوا القوة الثورية بغرض انتزاع النصر في الثورة عندما يحين الوقت لذلك . ورأينا هذا ينطبق انطباقا تاما على الماركسية اللينينية .
ان قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، على النقيض من آراء الماركسيين اللينينيين ، ينشرون الاعتقاد بأن (( المهام الديمقراطية والاشتراكية في الاقطار الرأسمالية العالية التطور ترتبط ببعضها البعض وتتداخل الى درجة يصعب معها رسم أي خط فاصل بينها )) . (4) ويفعلون هذا بغرض وضع النضالات اليومية محل النضالات الطويلة الأمد ، ولوضع الاصلاحية محل الثورة البروليتارية .
قال لينين : (( ما من اصلاح يدوم أو يصبح حقيقيا وجادا اذا لم تسنده الأساليب الثورية لنضال الجماهير . )) ان الحزب العمالي الذي ((لا يجمع بين هذا النضال من أجل الاصلاحات وبين الأساليب الثورية لحركة العمال ، قد يتحول الى طائفة منعزلة وقد يبتر عن الجماهير ، و . . . هذا أكبر خطر يهدد انتصار الاشتراكية الثورية الحقيقية)). ( (( الى أمين سر ” عصبة الدعاية الاشتراكية “ )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 )
وقال لينين : (( كل مطلب ديمقراطي . . . هو ، بالنسبة للعمال الواعين طبقيا ، ثانوي بالنسبة للمصالح الأعلى للاشتراكية )) . ( ((سخرية بالماركسية و ” الاقتصادية الاستعمارية “)) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 23 ) وبالاضافة لهذا اقتطف لينين ما يلي عن انجلز في مؤلفه (( الدولة والثورة )) : ان نسيان الموقف الأساسي العظيم في غمرة المصالح المؤقتة اليومية ، والنضال والسعي للنجاح الموقت بدون اعتبار للعواقب المستقبلة ، والتضحية بمستقبل الحركة لأجل حاضرها معناه انتهازية وانتهازية خطيرة فيما يتعلق بهذا .
لقد ارتكز لينين بالتحديد الى هذا ، عندما نقد كاوتسكي ب (( مدح الاصلاحية والاستسلام للبرجوازية الاستعمارية ، وبلومه الثورة واقلاعه عنها )) . وقال ((ان البروليتاريا تكافح للاطاحة بالبرجوازية الاستعمارية بطريقة ثورية)) بينما يكافح كاوتسكي (( ل ” تحسين “ الاستعمار عن طريق الاصلاح ، ولملائمته في الوقت الذي يستسلم فيه اليه)). ( (( الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 28 )
ان نقد لينين لكاوتسكي هو تصوير صحيح لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي اليوم .
دائما ما كان راينا أنه لأجل قيادة الطبقة العاملة وجماهير الشعب في الثورة يقتضي أن يقدر حزب البروليتاريا على تملك كل أشكال النضال وعلى الجمع بين أشكال مختلفة من النضال حتى يتمكن بسرعة من احلال شكل محل الآخر تبعا لتغير ظروف النضال . وسوف لا يكون حزب البروليتاريا قاهرا لا يغلب في جميع الأحوال ان لم يتملك تماما جميع أشكال النضال مثل النضال السلمي والمسلح ، العلني والسري ، القانوني وغير الشرعي ، البرلماني والجماهيري ، كما عليه أن يتملك شكلي النضال المحلي والعالمي .
ان انتصار الثورة الصينية يعزى بالتحديد الى تملك الشيوعيين الصينيين تملكا تاما وبمهارة لجميع أشكال النضال ، بما يتماشى مع الخصائص المحددة للثورة الصينية ، بعد أن تعلموا من الخبرة التاريخية للنضال الذي شنته البروليتاريا العالمية . وبالرغم من أن انتصار الثورة الصينية لما كان ممكنا بدون الافادة من أشكال النضال الأخرى.
في مجرى الثورة الصينية كافح الحزب الشيوعي في جبهتين ، فقد كافح ضد الانحراف اليميني نحو القانونية وكافح ضد الانحراف (( اليساري )) نحو عدم القانونية ، وربط بين النضال القانوني وغير القانوني ربطا صحيحا . وجمع على نطاق البلاد بأسرها وبصورة صحيحة بين النضال في مناطق القواعد الثورية وبين النضال في المناطق التي كانت تحت سيطرة الكومينتانغ ، بينما جمع بصورة صحيحة في المناطق التي كانت تحت سيطرة الكومينتانغ بين العمل العلني والسري ، وأفاد افادة تامة من الفرص القانونية والتزم بدقة بقوانين الحزب الخاصة بالعمل السري. لقد أنجبت الثورة الصينية أساليب معقدة ومتنوعة من النضال كانت تلائم ظروفها المحددة.
يدرك الحزب الشيوعي الصيني ادراكا تاما من خبرته العملية الطويلة بأنه من الخطأ رفض النضال القانوني وحصر عمل الحزب في حدود ضيقة مما يؤدي الى عزله عن الجماهير . الا أنه لا يجب على المرء أبدا أن يصبر على القانونية التي يروج لها المحرفون أو يتحملها . اذ أن المحرفين يرفضون النضال المسلح وكل أنواع النضالات غير القانونية الأخرى ، وينغمسون فقط في النضال القانوني والنشاط القانوني ، ويحصرون عمل الحزب والنضال الجماهيري في النطاق الذي تسمح به الطبقات الحاكمة . انهم يحطون برنامج الحزب الأساسي وحتى أنهم ينبذونه وينبذون الثورة ويكيفون أنفسهم حتى يلائموا نظم القانون الرجعية ملاءمة تامة .
ان القانونية البرجوازية ، كما أوضح لينين في نقده بصورة صحيحة ، قد حطت من مركز المحرفين من أمثال كاوتسكي وجعلتهم متعفنين منذهلين . وقال (( هكذا يبيعون حق البروليتاريا في الثورة نظير فتات لا يسمن ولا يغني من جوع قدم الى المنظمات التي يعترف بها قانون البوليس الراهن )) . ( (( افلاس الأممية الثانية )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 )
وبينما يتحدث قادة الحزب الشيوعي السوفياتي وأتباعهم عن استخدام جميع أشكال النضال يقفون في الحقيقة الى جانب القانونية ، وينبذون هدف الثورة البروليتارية متذرعين بأشكال النضال المتغيرة . وهذا معناه ، مرة أخرى ، استبدال اللينينية بالكاوتسكية .
دائما ما يستغل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مؤلف لينين العظيم (( مرض ” اليسارية “ الطفولي في الحركة الشيوعية )) بغرض تبرير خطهم الخاطىء حتى جعلوه (( حجة )) يشنون بها هجومهم على الحزب الشيوعي الصيني .
ولا جدوى من هذا بالطبع . ومؤلف لينين هذا ، كغيره من مؤلفاته ، يخدم فقط كسلاح في يد الماركسيين اللينينيين لمقاومة مختلف أنواع الانتهازية ولا يمكن أبدا أن يخدم كأداة تبرير للمحرفين .
وعندما نقد لينين مرض (( اليسارية )) الطفولي وطالب حزب البروليتاريا بأن يكون ماهرا في تطبيق التاكتيكات الثورية وأن يحضر بصورة أحسن للثورات ، كان قد انفصل في ذلك الوقت عن محرفي الأممية الثانية وأسس الأممية الثالثة .
وفي الحقيقة أن لينين كتب في هذا المؤلف أن العدو الأساسي في الحركة العمالية العالمية في ذلك الوقت كان هو الفصيلة الكاوتسكية من الانتهازية . وقد أكد مرارا أنه ما لم يتم الانفصال عن التحريفية سوف يصبح الحديث عن اجادة التاكتيكات الثورية أمرا لا محل له .
ان أولئك الرفاق الذين نقدهم لينين (( ليساريتهم )) الطفولية ، كانوا كلهم راغبين في الثورة ، بينما خروشوف محرف اليوم يقف ضدها ، ويجب درجه في نفس الفصيلة التي انتمى اليها كاوتسكي وليس لديه أي حق في الحديث عن مسألة مكافحة مرض (( اليسارية )) الطفولي .
ان أبطل الأشياء هي أن تلصق قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي طابع (( التروتسكية )) بالحزب الشيوعي الصيني . وفي الحقيقة أن خروشوف نفسه هو الذي ورث مخلفات التروتسكية وأصبح يقف مع تروتسكيي الوقت الحاضر .
ان التروتسكية تعبر عن نفسها بطرق مختلفة فيما يتعلق بمختلف المسائل ، ودائما ما ترتدي قناع (( اليسارية المتطرفة الى أقصى الحدود )) ، الا أن جوهرها هو معارضة الثورة والغاء الثورة .
وفيما يتعلق بالحقيقة الأساسية – حقيقة معارضة الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا فان التروتسكية وتحريفية الأممية الثانية هما نفس الشيء في الأصل (5) . وهذا هو السبب الذي دعى ستالين لتكرار القول بأن التروتسكية هي فصيلة من المنشفيكية ، هي الكاوتسكية والاشتراكية الديمقراطية وهي الفصيلة الهجومية للبرجوازية المعادية للثورة .
ان تحريفية خروشوف الراهنة هي في جوهرها أيضا تعارض الثورة وتلغيها . ولهذا فالنتيجة المنطقية الوحيدة هي أن تحريفية خروشوف ليست مصنوعة من نفس مادة الكاوتسكية وحسب بل تلتقي بالتروتسكية في مجرى واحد لمعارضة الثورة (6) . ومن الأجدر لخروشوف أن يلصق طابع التروتسكية بنفسه .

________________________________________
(1) الرسالة المفتوحة التي وجهتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بتاريخ 14 يوليو ( تموز ) 1963 الى المنظمات الحزبية وجميع الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي .
(2) (( الماركسية اللينينية – أساس وحدة الحركة الشيوعية )) ، مقال بقلم هيئة تحرير (( الشيوعي )) ، العدد 15 عام 1963 .
(3) لطالما لجأ القادة التحريفيون للحزب الشيوعي العراقي ولا يزالون الى استعمال هذا الاسلوب لتضليل الجماهير الشيوعية في العراق بغية ثنيها عن القيام بالثورة الاشتراكية المسلحة والاستلام المباشر للسلطة وتشييد دكتاتورية البروليتاريا واقامة نظام الحزب الواحد المجيد على انقاض براثن الاقطاع والرأسمالية العراقية – ملاحظة الصوت الشيوعي .
(4) (( نظرية لينين حول الثورة الاشتراكية والوقت الراهن )) ، مجلة (( الشيوعي )) ، العدد 13 عام 1960 .
(5) هذا الكلام مجاف للحقيقة : فبالنسبة للثورة البروليتارية فإن تروتسكي هو الوحيد الذي وقف الى جانب لينين في الدعوة لها في وقت كان فيه قادة الحزب البلشفي يعارضون القيام بها وهو من أسس الحرس الأحمر العمالي الفلاحي وقاده في الهجوم على قصر الشتاء بأمر من لينين وهو من فضح وثائق المعاهدات السرية التي وقعها الحلفاء لاقتسام الدول واستعباد الشعوب وقام بافشاء اسرارها الى العالم بصوته عبر اذاعة لينينغراد ، واما فيما يختص بديكتاتورية البروليتاريا فقد كان تروتسكي هو من أسس الديمقراطية العمالية وهو من ابدع النظام المخالسي ((سلطة السوفيتات)) وكان من اشد المدافعين عن دكتاتورية البروليتاريا بوجه الانحراف البيرقراطي لخط ستالين الذي كان يسعى لتجريدها عن الديمقراطية العمالية والقضاء على هذه الاخيرة ودفع تروتسكي حياته في نهاية المطاف ثمنا لدفاعه عن العمال السوفيت وتهميشهم واقصائهم من السلطة من قبل ستالين الذي حل السوفياتات وألغى النظام المجالسي – ملاحظة الصوت الشيوعي .
(6) يرى الصوت الشيوعي ان هذا صحيح من حيث وقوف التروتسكية ضد التحويل الاشتراكي بسبب من فكرة تروتسكي الخاطئة عن استحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد ولكن ليس بسبب رفضه للثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا !! راجع الهامش السابق – ملاحظة الصوت الشيوعي .
----------------------------------------------------------
خطان مختلفان ونتيجتان مختلفتان

ان التاريخ أعظم شاهد . ان خبرة غنية قد أحرزت في الحركة الشيوعية العالمية وفي النضالات الثورية التي خاضتها الشعوب منذ الحرب العالمية الثانية . وكانت هذه الخبرة نوعين–نوعا ناجحا والأخر فاشلا . ويلزم الشيوعيين والشعوب الثورية في كل الأقطار استخلاص النتائج الصحيحة من هذه الخبرة التاريخية.
ان الأقطار التي نجحت في القيام بثورات اشتراكية في أوربا الشرقية وآسيا وأمريكا اللاتينية ، منذ الحرب ، يعزى سبب نجاحها في تلك الثورات الى أنها اتبعت الخط الماركسي اللينيني الثوري وطريق ثورة أكتوبر . وبالاضافة الى خبرة ثورة أكتوبر ، أصبحت الآن هناك خبرة ثورات الصين ، والأقطار الاشتراكية في أوربا الشرقية ، وكوريا ، والفيتنام ، وكوبا . لقد أغنت الثورات الظافرة في هذه الأقطار الماركسية اللينينية وطورتها كما أغنت خبرة ثورة أكتوبر وطورتها .
ان جميع هذه الثورات ، بلا استثناء ، من الصين الى كوبا قد كسبت عن طريق النضال المسلح وبالكفاح ضد العدوان والتدخل الاستعماريين المسلحين .
لقد انتصر الشعب الصيني في ثورته بعد أن شن الحروب الثورية لمدة اثنتين وعشرين سنة بما فيها ثلاثة أعوام من حرب التحرر الشعبية ، ألحق فيها هزيمة تامة شاملة بطغمة تشيانغ كاي شيك الرجعية التي ساندها الاستعمار الأميركي بكل ما هو ممكن لديه .
ولقد خاض الشعب الكوري النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار الياباني لمدة خمسة عشر عاما منذ ثلاثينات القرن العشرين ، وأسس خلال هذا النضال قواته الثورية المسلحة ووسعها ، وأحرز النصر أخيرا بمساعدة الجيش السوفياتي . ولم يتوطد انتصار الثورة في جمهورية كوريا الديمقراطية بعد تأسيسها الا بعد ثلاثة أعوام من الحرب ضد عدوان الاستعمار الأميركي المسلح .
لقد استولى الشعب الفيتنامي على سلطة الدولة عن طريق انتفاضة أغسطس ( آب ) المسلحة في عام 1945 ، ولم يكد يستولي على سلطة الدولة حتى خاض حربا للتحرر الوطني ضد الاستعمار الفرنسي استمرت لثمانية أعوام وسحق التدخل العسكري الذي قام به الاستعمار الأميركي ، وبعد ذلك فقط انتصر في شمال الفيتنام . ومازال شعب جنوب الفيتنام يشن الآن نضالا بطوليا ضد عدوان الاستعمار الأميركي المسلح (1) .
وبدأ الشعب الكوبي انتفاضته المسلحة في عام 1953 وخاض حربا ثورية شعبية لأكثر من عامين ، وتمكن بعد ذلك من الاطاحة بحكم الاستعمار الأميركي في كوبا وحكم باتستا عميله الكوبي . وحطم الشعب الكوبي بعد انتصار ثورته الغزوات المسلحة التي قام بها المرتزقة للمستعمرين الأميركيين ، وصان بذلك ثمار ثورته .
هذا وقد تم تأسيس الأقطار الاشتراكية الأخرى أيضا عن طريق النضال المسلح .
فما هي الخبرة الرئيسية التي تمتد من الصين الى كوبا بعد الحرب العالمية الثانية ؟
أولا : ان الثورة العنيفة هي قاعدة عامة للثورة البروليتارية . وعلى البروليتاريا أن تخوض النضال المسلح وتحطم جهاز الدولة القديم وتؤسس ديكتاتورية البروليتاريا حتى تحقق الانتقال الى الاشتراكية .
ثانيا : ان الفلاحين هم الحلفاء الذين تعتمد عليهم البروليتاريا أعظم الاعتماد . وعلى البروليتاريا أن تتكل على الفلاحين كل الأتكال ، وأن تؤسس جبهة موحدة واسعة قائمة على أساس التحالف بين العمال والفلاحين ، وأن تصر على قيادة البروليتاريا في الثورة .
ثالثا : ان الاستعمار الأميركي هو العدو الرئيسي لثورة الشعوب في جميع الأقطار . وعلى البروليتاريا أن ترفع عاليا الراية الوطنية لمعارضة الاستعمار الأميركي وعليها أن تتذرع بالشجاعة لكي تكافح بعزيمة راسخة ضد المستعمرين الأميركيين وعملائهم في بلادها .
رابعا : ان ثورة الأمم المضطهَدة هي حليف لا غنى عنه للثورة البروليتارية . وعلى عمال كل الأقطار أن يتحدوا ، كما عليهم أن يتحدوا مع جميع الأمم المضطهَدة وجميع القوى المعارضة للاستعمار وعملائه ليشكلوا جبهة موحدة عالمية واسعة .
خامسا : لا بد من وجود حزب ثوري للقيام بالثورة . وانتصار الثورة البروليتارية وانتصار ديكتاتورية البروليتاريا مستحيلان بدون حزب ثوري بروليتاري يؤَسَس وفقا للنظرية والأسلوب الثوريَين اللينينيَين ، وهذا الحزب لا يقبل المصالحة مع التحريفية والانتهازية كما يتخذ الموقف الثوري تجاه الطبقات الرجعية الحاكمة وسلطة دولتها .
والاصرار على النضال الثوري المسلح في الدرجة الأولى من الأهمية لا للثورة البروليتارية وحسب ، بل للثورة الوطنية الديمقراطية التي تقوم بها الأمم المضطهدة أيضا . ولقد ضرب انتصار حرب التحرر الوطني التي خاضها الشعب الجزائري مثلا حسنا في هذا الصدد .
لقد دل تاريخ الأحزاب البروليتارية قاطبة منذ الحرب على أن الاحزاب التي اتبعت الخط الثوري واتخذت الاستراتيجية الصحيحة والتكتيكات الصحيحة وقادت الجماهير بحيوية ونشاط لخوض النضالات الثورية ، لا بد أن تتمكن من دفع القضية الثورية الى الأمام خطوة فخطوة نحو النصر ، ولا بد من أن كل الأحزاب التي اتبعت خطا انتهازيا غير ثوري وقبلت خط خروشوف – خط (( الانتقال السلمي )) ، لا بد أن تلحق ضررا بالغا خطيرا بالقضية الثورية ، وتحول نفسها الى أحزاب اصلاحية عديمة الحيوية ، أو تتحلل تماما وتنحط حتى تصبح أدوات تستخدمها البرجوازية ضد البروليتاريا . والأدلة على هذا ليست قليلة .
لقد كان رفاق الحزب الشيوعي العراقي في الماضي مليئين بالحماس الثوري . الا أنه فُرِضَ عليهم قبول خط خروشوف التحريفي بواسطة الضغط الخارجي وفقدوا يقظتهم تجاه الثورة المضادة . وضحى أثناء الانقلاب المسلح المعادي للثورة رفاق قياديون بأرواحهم ببطولة ، وقتل آلاف من الشيوعيين والثوريين العراقيين بصورة وحشية ، وتشتت شمل الحزب الشيوعي العراقي الذي كان منيعا وقويا ، وأصيبت القضية الثورية العراقية بنكسة خطيرة . ان هذا درس مفجع في تاريخ الثورة البروليتارية (2) ، انه لدرس كتب بالدماء . (3)
أما قادة الحزب الشيوعي الجزائري فقد استجابوا كل الاستجابة لعصا ارشاد خروشوف وقادة الحزب الشيوعي الفرنسي وقبلوا الخط التحريفي المعارض للنضال المسلح قبولا تاما . الا أن الشعب الجزائري رفض الاصغاء الى هذه الترهات الممجوجة وكافح بشجاعة ضد الاستعمار من أجل الاستقلال الوطني وشن حربا تحررية وطنية لأكثر من سبعة أعوام وأجبر الحكومة الفرنسية أخيرا على الاعتراف باستقلال الجزائر . الا أن الحزب الشيوعي الجزائري قد فقد ثقة الشعب الجزائري كما فقد مركزه في الحياة السياسية الجزائرية .
وخلال الثورة الكوبية ، رفض قادة الحزب الشعبي الاشتراكي (4) اتباع الخط الماركسي اللينيني الثوري ، خط النضال المسلح الثوري الصحيح واتبعوا على النقيض من ذلك خط خروشوف التحريفي فدعوا الى (( الانتقال السلمي )) وعارضوا الثورة العنيفة . وفي هذا الظروف ، حق للماركسيين اللينينيين في خارج الحزب الكوبي وفي داخله ، الذين يمثلهم الرفيق كاسترو (5) ، أن يتجاهلا أولئك القادة الذين عارضوا الثورة العنيفة فاتحدوا مع الشعب الكوبي الثوري وقاموا بالثورة وكسبوا اخيرا انتصارا ذا مغزى تاريخي عظيم .
ان قادة معينين من قادة الحزب الشيوعي الفرنسي يمثلهم توريز ، قد ظلوا يسيرون على خط تحريفي منذ مدة بعيدة ، وروجوا (( للطريق البرلماني )) مستجيبين لعصا ارشاد خروشوف ، وأنزلوا الحزب الشيوعي بالفعل بالفعل الى مستوى حزب اشتراكي ديمقراطي . انهم امتنعوا عن تأييد المطامح الثورية لدى الجماهير الشعبية تأييدا نشطا وطووا الراية الوطنية لمعارضة الاستعمار الأميركي . وكانت نتيجة اتباعهم لهذا الخط التحريفي هي أن الحزب الشيوعي الذي كان في يوم من الأيام يتمتع بنفوذ عظيم بين الشعب ، أصبح معزولا بصورة متزايدة عن الجماهير ويتدهور أكثر وأكثر .
ان قادة معينين من قادة الحزب الشيوعي الهندي يمثلهم دانجي ، قد ساروا منذ وقت بعيد على خط تحريفي ، ونكسوا راية الثورة وامتنعوا عن قيادة الجماهير في نضالاتها الوطنية الديمقراطية الثورية . وانزلقت طغمة دانجي أكثر وأكثر في طريق التحريفية المنحدر وانحطت فأصبحت شرذمة من المتعصبيين القوميين وأداة يستخدمها كبار ملاك الأراضي والبرجوازيين الهنود لتنفيذ سياساتهم الرجعية ، وأصبحت مرتدة عن البروليتاريا .
ويبرهن هذا السجل على أن الخطين المختلفين اختلافا أساسيا يقودان الى نتيجتين تختلفان اختلافا أساسيا . ان كل هذه الدروس جديرة بفحص دقيق .

________________________________________
(1) لاحظ ان تاريخ صدور هذا الكتيب في عام 1964 أي قبل احراز الشعب الفيتنامي البطل والفيتنام الشمالية للانتصار النهائي على الأمبريالية الاميركية وطرد الأخيرة من جنوب الفيتنام وتأسيس جمهورية الفيتنام الاشتراكية الموحدة – ملاحظة الصوت الشيوعي .
(2) للأمانة التاريخية فان الحزب الشيوعي العراقي لم يكن في يوم من الايام حزبا بروليتاريا فقد كان حزبا للمثقفين والطلاب والجناح اليساري في البرجوازية الصغيرة العراقية ، وقد بنى تنظيماته على أسس عائلية ليس لها أي علاقة بالصراع الطبقي وغير قائمة على التوفيق بين الطبيعة القبلية للمجتمع العراقي من جهة وصراع الطبقات في هذا المجتمع من جهة اخرى كما فعل الحزب الشيوعي الصيني بصورة مبدعة والذي واجه مشكلة مشابهة في الصين – ملاحظة الصوت الشيوعي .
(3) التوكيد بالأحمر مع الخط العريض من الصوت الشيوعي .
(4) الحزب الشيوعي الكوبي الأصلي قبل أن ينضم اليه فيدل كاسترو وحركته حركة 26 يوليو تموز – ملاحظة الصوت الشيوعي .
(5) للأمانة التاريخية فان هذا المثال خاطىء بالمرة للأسباب الآتية : أ) لم يكن فيديل كاسترو او الحركة التي اسسها ” حركة 26 يوليو تموز “ التي قمت بالثورة الكوبية وقادتها ، لم يكن أي منهما قد تبنى الشيوعية ولا الماركسية بل كانوا قوميين غير شيوعيين ولم يعتنق فيدل كاسترو وحركته الفكر الشيوعي والماركسي الا في مطلع سنة 1961 حيث انظم فيدل كاسترو وحركة 26 يوليو تموز الى الحزب الشعبي الاشتراكي ( الحزب الشيوعي الكوبي ) ليؤلفا الحزب الموحد للثورة الاشتراكية في كوبا والذي تغير اسمه فيما بعد الى الحزب الشيوعي الكوبي الحالي . وقد جاء هذا التحول الايديولوجي والاندماج كرد فعل من القوميين الكوبيين على عدوان الامبريالية الاميركية ضد كوبا في بلايا جيرون سنة 1961 ؛ ب) بدئت الثورة الكوبية المسلحة سنة 1953 قبل ان يظهر الخائن خروشوف على المسرح سنة 1954 وقبل ان ينعقد المؤتمر العشرين الخياني للحزب الشيوعي السوفياتي سنة 1956 والذي كرس نظرية الطريق السلمي للاشتراكية . ففي 26 يوليو تموز من عام 1953 شن القومييون الكوبيون بقيادة كاسترو الهجوم البطولي على ثكنة مونكادا ومن هنا جائت تسمية ” حركة 26 يوليو تموز “ ؛ ج) لم يكن أي من الثوار الكوبيين الذين ركبوا يخت الغرانما وقاموا بالثورة الكوبية ، لم يكن أيا منهم شيوعيا ولا ماركسيا سوى راؤول كاسترو والذي كان شيوعيا بالفكر دون التنظيم فلم يكن عضوا رسميا في الحزب الشيوعي الكوبي؛ د) كان عدم انخراط الحزب الشعبي الاشتراكي الكوبي في الثورة الكوبية والنضال المسلح ليس بسبب قبوله لافكار خروشوف الذي لم يكن اصلا قد ظهر بعد على المسرح بل كان بفعل ذيلية هذا الحزب وتبعيته للاتحاد السوفياتي فقد كان يتذرع ب ” عدم صدور الاوامر من الكريملين للقيام بالثورة الاشتراكية المسلحة في كوبا “ . راجع كتاب : ”تاريخ الثورة الكوبية لسافيريو تيتينو“ الطبعة العربية الاولى ، ترجمة فؤاد أيوب ، 1971 وكتاب : ”ثورة كوبا كما يرويها بطلها وقائدها“ من منشورات دار الآداب – بيروت ، الطبعة الاولى ، 1965 . – ملاحظة الصوت الشيوعي .
----------------------------------------------
من براودر وتيتو الى خروشوف
ان لتحريفية خروشوف أسبابا تاريخية واجتماعية عميقة وتحمل طابع العصر . وكما قال لينين ، فان ((الانتهازية ليست أمرا عرضيا ، وليست اثما أو هفوة أو خيانة يرتكبها أفراد ، بل هي النتاج الاجتماعي لحقبة تاريخية بأكملها)). ( (( افلاس الأممية الثانية )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 )
لقد أنتجت الحركة الشيوعية العالمية أثناء تقدمها العظيم منذ الحرب العالمية الثانية ، نقيضها من بين صفوفها ، وهذا النقيض هو تيار التحريفية المضاد الذي يعارض الاشتراكية والماركسية اللينينية والثورة البروليتارية . وقد مثل هذا التيار بصورة رئيسية براودر ، وأعقبه تيتو ، ثم أعقبه الآن خروشوف . وما تحريفية خروشوف سوى مواصلة وتطوير للبراودرية والتيتوية .
بدأ براودر يكشف عن تحريفيته حوالي عام 1935 . فقد بجل الديمقراطية البرجوازية وألّهها ، وتخلى عن كل نقد ضروري للحكومة البرجوازية واعتبر ديكتاتورية البرجوازية أمرا جميلا للشيوعيين وأصبح للشيوعيين واصبح شعاره (( الشيوعية هي جعل القرن العشرين متأمركا )) . (1)
وأصبح براودر ، بعد تأسيس الجبهات الموحدة ضد الفاشستية على الصعيدين العالمي والمحلي خلال الحرب العالمية ، مهووسا ب (( الديمقراطية )) و (( التقدم )) و (( الحكمة )) البرجوازية ، وذلل نفسه أمام البرجوازية وانحط فأصبح استسلاميا قلبا وقالبا .
لقد روج براودر لطقم كامل من وجهات النظر التحريفية التي تجمل البرجوازية وتعارض الثورة وتلغيها .
لقد أعلن أن (( تصريح طهران )) الذي وقعه الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا فتح عهدا (( للثقة والتعاون الطويلي الأمد )) بين الرأسمالية والاشتراكية ومن شأنه أن يضمن (( سلما مستقرا جيلا بعد جيل )) . (2)
ونشر الاعتقاد بأن الاتفاقيات الدولية التي وقعها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا تمثل (( أعظم المصالح الحيوية لكل أمة وكل شعب في العالم بلا استثناء )) ، (3) وأن أي فوضى داخلية بعد ذلك سوف (( تجافي مستقبل النظام في العالم )) ولهذا كان رأيه هو أنه من الضروري معارضة (( الانفجارات التي تحدث نتيجة النزاع الطبقي )) في داخل البلاد و (( التقليل الى أبعد الحدود )) من الصراع الطبقي الداخلي و (( وضع حد معين لا يتخطاه )) هذا الصراع . (4)
ونشر الرأي القائل بأن حربا جديدة ستكون (( كارثة حقيقية تحطم جزءا كبيرا من العالم )) ، وقد (( ترمي . . . بمعظم العالم الى الوحشية لخمسين أو مائة سنة )) ، وأنه من ضروري (( التركيز على وجود اتفاقيات تتعدى حدود كل الفوارق الطبقية )) حتى تمكن ازالة كوارث الحرب . (5)
وقد دعا الى تحقيق الاشتراكية ب ((الاعتماد كليا على الاقناع الديمقراطي والايمان)) (6) وأعلن أن أقطار معينة بعد الحرب العالمية الثانية ((كسبت الظروف الملائمة التي يمكن أن يحدث فيها انتقال سلمي الى الاشتراكية)). (7)
وأنكر الدور المستقل للأحزاب البروليتارية وأعلن أن (( الأهداف السياسة العملية )) للشيوعيين (( سوف تكون ، في جميع النقاط الأساسية ولوقت طويل ، على اتفاق مع أهداف عدد من اللاشيوعيين يفوق عدد الشيوعيين بحدود عظيمة )) . (8)
ومسترشدا بهذه الأفكار حل الحزب الشيوعي الأميركي .
ولقد قادت تحريفية براودر لحين من الوقت القضية الثورية الأميركية الى حافة الهاوية ، وسممت الأحزاب البروليتارية في بعض الأقطار الأخرى بسم التصفية .
لقد عارض عدد كبير من الشيوعيين الأمريكيين ، وعلى رأسهم الرفيق ويليام فوستر ، خط براودر التحريفي كما رفضته ودحضته أحزاب شقيقة كبيرة . الا أن الحركة الشيوعية العالمية ككل لم تنقد الاتجاه التحريفي الذي كانت تمثله البراودرية نقدا شاملا ولم تحاسبه حسابا عسيرا . وتطور الاتجاه التحريفي في الظروف الجديدة بعد الحرب مرة ثانية بين صفوف الشيوعيين في أقطار معينة .
لقد ظهر أولا نمو الاتجاه التحريفي في الأقطار الرأسمالية في حقيقة أن قادة أحزاب شيوعية معينة قد تخلوا عن الخط الماركسي اللينيني الثوري واحتضنوا خط (( الانتقال السلمي )) . ونظرية تولياتي ، نظرية (( الاصلاح في التركيب )) ، التي تدعو الى احراز البروليتاريا لقيادة الدولة بالأساليب القانونية التي تهيئها الديمقراطية البرجوازية والى تحقيق التحول الاشتراكي للاقتصاد الوطني عن طريق (( التأميم)) و (( التخطيط )) اللذين يخدمان مصالح رأس المال الاحتكاري هي مثال طبق الأصل لهذا الخط . ومن الممكن تبعا لهذا الخط ، اقامة علاقات اشتراكية جديدة للانتاج وتحقيق الانتقال الى الاشتراكية بدون تحطيم جهاز الدولة البرجوازي . وهذا يعني في الحقيقة جعل الشيوعية تنحط حتى تصبح اشتراكية – ديمقراطية .
ولقد ظهر الاتجاه التحريفي في الأقطار الاشتراكية أول الأمر في يوغسلافيا . ان الاستسلام للاستعمار الأميركي هو ميزة هامة لتحريفية تيتو . فلقد باعت طغمة تيتو نفسها جسما وروحا للاستعمار الأميركي ، وهي لم تعد الرأسمالية وحسب الى يوغسلافيا بل اصبحت أداة استعمارية لتحطيم المعسكر الاشتراكي والحركة الشيوعية العالمية ، وهي تلعب دور فصيلة خاصة للاستعمار الأميركي لنسف الثورة العالمية .
ولخدمة الاستعمار الأميركي ولمعارضة الثورة البروليتارية والغائها ، زعمت طغمة تيتو علنا أن الثورة العنيفة قد (( ازداد عدم جدواها كوسيلة لحل التناقضات الاجتماعية )) ، (9) و ((ان عملية التطور التدريجي نحو الاشتراكية)) عن طريق البرلمان البرجوازي (( لم تعد ممكنة وحسب ، بل أصبحت حقيقة واقعية )) . (10) وهي تضع الرأسمالية بالفعل على قدم المساواة مع الاشتراكية ، زاعمة أن عالم اليوم (( ككل قد ” انغمس “ بعمق في الاشتراكية وأصبح اشتراكيا )) (11) كما تقول ((ان المسألة – مسألة الاشتراكية أم الرأسمالية – هي مسألة قد حلت على نطاق عالمي)).(12)
ان تحريفية براودر ونظرية الاصلاح في التركيب وتحريفية تيتو قد أصبحت كلها مظاهر رئيسية للاتجاه التحريفي منذ الحرب العالمية الثانية .
وقد أصبح خط خروشوف التحريفي خط (( الانتقال السلمي )) و (( التعايش السلمي )) و (( المباراة السلمية )) ، منتظما مكتملا بين المؤتمر العشرين والمؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . وقد ظل يروج لهذه البضاعة المغشوشة في كل مكان مناديا بأنها (( خلق جديد )) . الا أنها ليست شيئا جديدا ، وما هي الا خليط أعيد خلقه ومبهرج من التحريفية البراودرية ونظرية الاصلاح في التركيب والتحريفية التيتوية . وتمارس تحريفية خروشوف الاستسلام للاستعمار الأميركي في العلاقات الدولية ، كما تمارس الاستسلام للطبقات الرجعية الحاكمة في الأقطار الاستعمارية والرأسمالية ، بينما تحث على تطوير القوى الرأسمالية في الأقطار الاشتراكية .
واذا ما نظرنا الى برنشتاين وكاوتسكي وغيرهما من محرفي الأممية الثانية حوالي فترة الحرب الأولى باعتبارهم ينتمون الى عائلة واحدة وسلالة واحدة لأدركنا أن نفس النظرة تنطبق على براودر وتيتو وخروشوف بعد الحرب العالمية الثانية .
لقد أوضح براودر هذه النقطة جيدا عندما كتب في عام 1960 ، ((لقد اعتنق خروشوف الآن ”البدعة“ التي طردت أنا بسببها من الحزب الشيوعي في عام 1945)). وأضاف قائلا ان سياسة خروشوف الجديدة (( هي تقريبا باللفظ نفس الخط الذي دعوت له قبل خمسة عشر عاما . وهكذا أصبحت جريرتي – على الأقل في الوقت الحاضر – هي المذهب الصحيح الجديد )) . (13)
لقد اعترف خروشوف بنفسه بأنه هو وطغمة تيتو (( ينتمون الى نفس الفكرة وترشدهم نفس النظرية )) . (14)
وجوهر المسألة هو أن تحريفية خروشوف هي أكثر سما من تحريفية برنشتاين وكاوتسكي وبراودر وتيتو . والسبب في ذلك هو أن الاتحاد السوفياتي أول دولة اشتراكية وقطر كبير في المعسكر الاشتراكي وهو مسقط رأس اللينينية ، وأن الحزب الشيوعي السوفياتي حزب كبير خلقه لينين وهو يتمتع في الحركة الشيوعية العالمية بمركز محترم كونه التاريخ . ويستغل خروشوف مركزه بصفته قائد الحزب الشيوعي السوفياتي والاتحاد السوفياتي لكي يدفع خطه التحريفي باصرار .
لقد وصف خطه التحريفي بأنه خط (( لينيني )) ، ويستغل هيبة لينين العظيم وهيبة الحزب البلشفي العظيم بغرض خلق الفوضى في عقول الناس وخداعهم .
وظل خروشوف وهو يستغل هذه الهيبة الموروثة للحزب الشيوعي السوفياتي ومركز حزب كبير وقطر كبير ، يلوح بعصا ارشاده ويستخدم كل أنواع الاجراءات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لكي يجبر الآخرين على قبول خطه التحريفي .
وبالتمشي مع سياسة المستعمرين لشراء الارستقراطية العمالية الى جانبهم ، ظل هو أيضا يشتري شيوعيين مبرجزين معينين خانوا الماركسية اللينينية في الحركة الشيوعية العالمية الى جانبه وظل يحثهم ويدفعهم للتصفيق للخط المعادي للثورة الذي انتجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ولخدمة هذا الخط .
وهذا هو السبب في أن خروشوف قد فاق جميع المحرفين القدامى والمعاصرين .
ان المصدر الاجتماعي للتحريفية المعاصرة ، كما جاء في تصريح عام 1957 ، هو التسليم للضغط الاستعماري الخارجي وقبول التأثير البرجوازي الداخلي .
والمحرفون المعاصرون ، شأنهم شأن المحرفين القدامى ، تنطبق أوصافهم على الأوصاف التي ذكرها لينين حين قال (( . . . هم من ناحية موضوعية فصيلة سياسية تابعة للبرجوازية . . . اذ أنهم يوصلون نفوذها للآخرين ، وهم عملاؤها في حركة العمال )) . ( (( افلاس الأممية الثانية )) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 )).
ان الأسس الاقتصادية لظهور التحريفية المعاصرة ، شأنها شأن التحريفية القديمة ، كما قال لينين هي (( جزء بسيط من ”القسم الأعلى“ من الحركة العمالية )) . ((( الانتهازية وافلاس الأممية الثانية)) ، مجموعة المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 )
ان التحريفية المعاصرة هي نتاج سياسات الاستعمار ورأس المال الاحتكاري العالمي وتقف الولايات المتحدة على رأس كل منهما . والمحرفون المعاصرون الذين أفزعتهم سياسة الابتزاز النووي وأفسدتهم سياسة الرشوة والشراء يخدمون الآن كمخالب وأدوات للاستعمار الأميركي وعملائه في معارضتهم للثورة .
وخروشوف المحرف أيضا أطارت صرخات الحرب الهستيرية التي يطلقها المستعمرون الأميركيون ، لبه هلعا ، فهو يعتقد أن الأرض ، (( سفينة نوح )) ، مهددة بالدمار في أي لحظة ، وفقد تماما كل الثقة في مستقبل البشرية . وانطلاقا من أنانيته القومية يخشى أن تخلق ثورات الطبقات والأمم المضطَدة له المتاعب وتورطه . ولهذا يحاول معارضة كل ثورة بجميع السبل ، وكما فعل في الكونغو ، لا يتردد في المساهمة مع الاستعمار الأميركي في القضاء على أي ثورة شعبية (15) . ويعتقد أنه بتصرفه هذا يمكنه أن يتفادى الأخطار ، ويتآمر في نفس الوقت مع الاستعمار الأميركي على تقسيم العالم الى مناطق نفوذ ، وهكذا يصيب عصفورين بحجر واحد . الا أن الحقيقة هي أن كل هذا يبرهن على أن خروشوف هو أكبر الاستسلاميين في التاريخ . ولا شك أن تطبيق سياسة خروشوف السامة ستكون نتيجة الحاق ضرر لا يحصى بالاتحاد السوفياتي العظيم نفسه .
لماذا ظهرت تحريفية خروشوف في الاتحاد السوفياتي الذي هو دولة اشتراكية يرجع تاريخها الى عشرات السنين؟ ان هذا ليس غريبا في الحقيقة ، لأن مسألة من يتغلب على الآخر ، هل الاشتراكية أم الرأسمالية ، في كل قطر اشتراكي ، لا يمكن تسويتها الا بالتدريج بعد فترة تاريخية طويلة جدا . وطالما كانت هنالك قوى رأسمالية وطبقات في المجتمع ، تكون هناك تربة لنمو التحريفية .
ويزعم خروشوف أن الطبقات قد قضي عليها في الاتحاد السوفياتي ، وأن خطر اعادة الرأسمالية خارج عن الموضوع ، وأن بناء الشيوعية يسير قدما . وما كل هذه المزاعم سوى أكاذيب .
وفي الحقيقة أنه نتيجة لحكم خروشوف التحريفي ، واعلانه الصريح بأن الدولة السوفياتية غيرت طبيعتها ولم تعد ديكتاتورية للبروليتاريا ، ولتطبيقه لسلسلة كاملة من السياسات الداخلية والخارجية الخاطئة ، أصبحت القوى الرأسمالية في المجتمع السوفياتي فيضانا يتدفق الى جميع ميادين الحياة في الاتحاد السوفياتي بما في ذلك الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والايديولوجية . ان المصدر الاجتماعي لتحريفية خروشوف يكمن بوجه التحديد في القوى الرأسمالية التي تنتشر بلا انقطاع في الاتحاد السوفياتي .
ان تحريفية خروشوف تمثل مصالح هذه القوى الرأسمالية وتخدمها . ولهذا لا يمكن لتحريفية خروشوف أن تأتي الشعب السوفياتي بالشيوعية ، وهي على النقيض من ذلك تتسبب بصورة خطيرة في فقدان ثمار الاشتراكية ، وتفتح الباب على مصراعيه لاعادة الرأسمالية . وهذا بعينه هو طريق (( التحويل السلمي )) الذي يتوق له الاستعمار الأميركي .
ان تاريخ ديكتاتورية البروليتاريا قاطبة يخبرنا أن الانتقال السلمي من الرأسمالية الى الاشتراكية أمر مستحيل . وعلى النقيض من ذلك هناك سابقة يوغسلافيا التي ((تحولت سلميا)) من الاشتراكية الى الرأسمالية . وتقود تحريفية خروشوف الاتحاد السوفياتي الآن في هذا الطريق .
ان هذا أعظم درس مؤلم في تاريخ ديكتاتورية البروليتاريا . وعلى جميع الماركسيين اللينينيين وجميع الثوريين والأجيال القادمة ألا ينسوا بأي حال من الأحوال هذا الدرس العظيم .
________________________________________
(1) أنظر (( تاريخ الحزب الشيوعي الأمريكي )) الذي كتبه ويليام فوستر .
(2) براودر : (( طهران – طريقنا في الحرب والسلم )) .
(3) نفس المصدر السابق .
(4) براودر : (( طهران و أميركا )) .
(5) براودر : (( الشيوعيون و الوحدة الوطنية )) .
(6) براودر : (( طريق النصر )) .
(7) براودر : (( الشيوعية العالمية وسياسة الولايات المتحدة الخارجية )) .
(8) براودر : (( طهران – طريقنا في الحرب والسلم )) .
(9) ي . كوسانوفيتش : (( المادية التاريخية )) .
(10) أدفارد كاردل : (( الديمقراطية الاشتراكية في التطبيق في يوغسلافيا )) .
(11) م . تودوروفيتش : (( حول تصريح خاص بالعلاقات بين رابطة الشيوعيين اليوغوسلاف والحزب الشيوعي السوفياتي )) .
(12) م . بيروفيتش : (( الاقتصاد السياسي )) .
(13) براودر : (( كيف دمر ستالين الحزب الشيوعي الأميركي )) .
(14) مقابلة صحفية لخروشوف مع المراسلين الأجانب في بريوني بيوغسلافيا يوم 28 أغسطس ( آب ) 1963 .
(15) لقد كان هذا بالضبط موقف خروشوف تجاه المد الثوري الشيوعي الكاسح في العراق – ملاحظة الصوت الشيوعي .
------------------------------------------------------
الملحق
عرض عام للآراء حول مسألة الانتقال السلمي
10 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1957

1 – من المرونة أكثر ، فيما يتعلق بمسألة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، الاشارة الى الاحتمالين – الانتقال السلمي والانتقال غير السلمي ، بدلا من الاشارة فقط الى أحدهما ، وهكذا نصبح في موضع يجعلنا قادرين على المبادرة سياسيا في أي وقت كان .
( أ ) ان الاشارة الى احتمال الانتقال السلمي تدل على أن استخدام العنف بالنسبة الينا هو في الدرجة الأولى مسألة دفاع عن النفس . وهذا يمكن الأحزاب الشيوعية في الاقطار الرأسمالية من تجنب الهجمات التي توجه اليها حول هذه المسالة ، ولهذا فائدة سياسية هي المساعدة على كسب الجماهير ، وحرمان البرجوازية أيضا من ذريعتها في الهجوم ، وعلى عزلها .
( ب ) واذا نشأ الاحتمال الفعلي للانتقال السلمي في بعض الأقطار في المستقبل عندما يتغير الوضع العالمي أو المحلي تغيرا جذريا ، فبوسعنا حين ذاك أن نغتنم الفرصة في حينها لكسب تأييد الجماهير وحل مسالة سلطة الدولة بالطرق السلمية .
( ج ) ومع ذلك ، لا يجب أن نقيد أيادينا بأنفسنا نظرا لهذه الرغبة . فالبرجوازية سوف لا تنزل عن مسرح التاريخ طائعة مختارة . هذا قانون عام للنضال الطبقي . وعلى البروليتاريا والحزب الشيوعي في أي قطر من الأقطار ألا يتراخيا بتاتا في استعداداتهما للثورة . عليهما أن يستعدا في كل وقت من الأوقات لردع الهجمات المعادية للثورة ؛ وعليهما في مفترق الثورة الحرج عندما تقوم الطبقة العاملة فعلا بالاستيلاء على سلطة الدولة ، أن يطيحا بالبرجوازية بالقوة المسلحة اذا استخدمت البرجوازية القوة المسلحة لكبت ثورة الشعب ( ويتحتم عموما أن تلجأ البرجوازية لهذا ) .
2 – في الوضع الحاضر للحركة الشيوعية العالمية ، يكون من المفيد تاكتيكيا الاشارة الى الرغبة في الانتقال السلمي ولكن من غير الملائم الافراط في التركيز على امكانية الانتقال السلمي ، والأسباب في ذلك هي :
( أ ) ان الاحتمال والواقع ، الرغبة وما اذا كانت ستحقق أم لا ، هما أمران مختلفان . علينا أن نشير الى الرغبة في الانتقال السلمي . ولكن علينا ألا نعلق آمالنا أساسا على ذلك ، ولهذا يجب ألا نفرط في التركيز على هذا الاحتمال.
( ب ) اذا ركزنا تركيزا أكثر من اللازم على امكانية الانتقال السلمي ، ولا سيما على امكانية الاستيلاء على سلطة الدولة بكسب الأغلبية في البرلمان ، فقد يؤدي هذا الى اضعاف العزيمة الثورية لدى البروليتاريا والشغيلة والحزب الشيوعي مما ينزع سلاحهم الايديولوجي .
( ج ) مبلغ علمنا حتى الآن أنه لا يوجد قطر واحد قد أصبحت لهذه الامكانية فيه أدنى أهمية عملية . وحتى اذا كانت هذه الامكانية أوضح قليلا في قطر معين ، فان الافراط في التركيز عليها أمر غير ملائم ، نظرا لأن هذا لا يطابق الواقع في الأغلبية الساحقة من الأقطار . واذا طرأت فعلا مثل هذه الامكانية في قطر ما ، على الحزب الشيوعي في ذلك القطر أن يسعى من جانب لتحقيقها ، وعليه من الجانب الآخر أن يكون مستعدا دائما لردع الهجمات المسلحة التي يشنها البرجوازيون .
( د ) ان التركيز على هذا الاحتمال سوف لا يضعف سواء الطبيعة الرجعية لدى البرجوازية أو يقظتها .
( ه ) كما سوف لا يجعل مثل هذا التركيز الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية أكثر ثورية عما هي .
( و ) كما سوف لا يجعل مثل هذا التركيز الأحزاب الشيوعية أقوى مما هي عليه . وعلى النقيض من ذلك ، اذا لجأت بعض الأحزاب الشيوعية نتيجة هذا ، الى اخفاء قسماتها الثورية وأصبح يخلط فيما بينها وبين الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية في نظر الشعب ، فهذا سيؤدي الى اضعافها لا الى أي شيء آخر.
( ز ) من العسير جدا تجميع القوى والتحضير للثورة ، والنضال البرلماني رغم كل شيء أمر سهل بالنسبة لذلك . علينا أن نفيد فائدة كاملة من النضال البرلماني كشكل من أشكال النضال ، الا أن دوره محدود . والمهم للغاية هو السير بالعمل الشاق ، عمل تجميع القوى الثورية .
3 – ان الحصول على أغلبية في البرلمان أمر يختلف عن تحطيم جهاز الدولة القديم ( وأساسا القوات المسلحة ) وتأسيس جهاز دولة جديد (وأساسا القوات المسلحة). وما لم يتم تحطيم جهاز الدولة العسكري البيروقراطي لدى البرجوازية ، إما أن يكون حصول البروليتاريا وحلفائها المعتمد عليهم على أغلبية برلمانية أمرا مستحيلا (لأن البرجوازية سوف تعدل الدستور كلما كان ذلك ضروريا حتى يسهل عليها تدعيم ديكتاتوريتها) أو أن يكون أمرا لا يعتمد عليه ( فقد تعلن أن الانتخابات ، على سبيل المثال ، باطلة غير مقبولة ، وقد تحرم الحزب الشيوعي من شرعيته ، وقد تحل البرلمان الخ ) .
4 – يجب ألا يفسر الانتقال السلمي الى الاشتراكية بصورة تجعله يعني فقط الانتقال عن طريق أغلبية برلمانية . فالمسألة الأساسية هي مسألة جهاز الدولة . لقد كان رأي ماركس في سبعينات القرن التاسع عشر أنه كانت في بريطانيا امكانية لاحراز الاشتراكية بالطرق السلمية نظرا لأنه (( في ذلك الوقت كانت العسكرية والبيروقراطية أقل نفوذا في بريطانيا بالمقارنة بأي قطر آخر )) . ولفترة من الزمن بعد ثورة فبراير ( شباط ) أمل لينين بأنه عن طريق شعار ((كل السلطة للسوفيت)) قد تتطور الثورة سلميا وتنتصر نظرا لأنه في ذلك الوقت (( كانت الأسلحة في أيادي الشعب )) . ولم يقصد ماركس أو لينين تحقيق الانتقال السلمي باستخدام جهاز الدولة القديم . لقد أوضح لينين مرارا مثل ماركس وانجلز الشهير القائل (( ان الطبقة العاملة لا يمكنها أن تستولي ببساطة على جهاز الدولة الجاهز وأن تسخره لأغراضها الخاصة . ))
5 – ان الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية ليست احزابا اشتراكية . وفيما عدا أجنحة يسارية معينة فانها أحزاب تخدم البرجوازية والرأسمالية ، انها أحزاب برجوازية سياسية في قناع جديد . وموقفنا فيما يتعلق بقضية الثورة الاشتراكية يختلف اختلافا أساسيا عن موقف الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية . وهذا الاختلاف لا يجب تغطيته بأي حال من الأحوال . وتغطية هذا الاختلاف يساعد قادة الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية على خداع الجماهير ويعوقنا عن كسب الجماهير وابعادها عن نفوذ الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية . ومع ذلك فانه في أقصى درجات الأهمية دون ريب أن ندعم عملنا فيما يختص بالأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية وأن نسعى لتأسيس جبهة متحدة مع جماعاتها اليسارية والمتوسطة .
6 – هذا هو فهمنا لهذه المسألة . وآراؤنا مختلفة حول هذه المسألة فعلا ، ولكن نظرا لاعتبارات مختلفة ، لم نقدم آراءنا بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . وطالما كان اصدار تصريح مشترك على الأبواب ، لا بد أن نوضح آراءنا . الا أن هذا لا يمنعنا من الوصول الى لغة مشتركة في مشروع التصريح . وبغرض اظهار صلة بين عبارة هذه المسألة في مشروع التصريح وبين عبارة المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، فاننا نوافق على قبول المشروع المقدم اليوم من جانب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي كأساس بينما نقترح ادخال تعديلات معينة عليه .