الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 3/3


طلال الربيعي
2014 / 8 / 18 - 17:05     

اما المؤرخ البريطاني إريك هوبسباوم ( Eric Hobsbawm 1917–2012)، الذي كان عضوا مخلصا في الحزب الشيوعي البريطاني لأكثر من نصف قرن، فقد اقترض وعدل حجج كل من فوكوياما وماليا من خلال اقتراحه صيغة نظرية لتاريخ القرن العشرين التي ضربت على وتر حساس بين فئة واسعة من الأكاديميين من اليسار المعتدل واليسار الاكاديمي سابقا. كان هوبسباوم مؤرخا ذا دراية واسعة وخبرة كبيرة في منهجية البحث الوضعية حالت دون تقبله لتكهنات فوكوياما الميتافيزيقية. قام هوبسباوم بتقليص تصورات فوكوياما الميتافيزيقية إلى أبعاد أكثر قابلية للتعامل معها, وتفكك الاتحاد السوفيتي، إن لم يكن يعني نهاية التاريخ، فانه حسب هوبسباوم يعني نهاية القرن العشرين (حسب هوبسباوم, السنوات ما بين اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914 وتفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 تشكل " القرن العشرين القصير الامد"). اعتقد هوبسباوم بفشل المشروع الاشتراكي الثوري للينين وتروتسكي الذي كان بتصوره خدعة منذ البداية, وكان استيلاء البلاشفة على السلطة, برأيه, خطأ مأساويا حتى لو كانت ظروف عام 1917 مبررا سياسيا لقرارات قادة البلشفية، أصر هوبسباوم ان ثورة أكتوبر كانت فريدة من نوعها تماما وان الحدث لن يتكرر نتيجة الظروف الخاصة الحالية ولذلك لن تكون لها أي صلة بالسياسة المعاصرة.

وتفكك الاتحاد السوفيتي يعني لهوبسباوم ان الرأسمالية اصبحت مرة أخرى، كما كانت قبل عام 1917، "اللعبة الوحيدة في المدينة", وعلى الرغم من انه ليس من المستبعد أن المجتمع سيشهد اضطرابات عنيفة في مرحلة ما في المستقبل، فان هوبسباوم يرى انه ليس هنالك من احتمال لظهور حركة اشتراكية ثورية جماهيرية مستقبلا, ف هوبسباوم يعتقد ان البشرية قد وصلت إلى طريق مسدود وتجد نفسها في وضع ميؤوس منه: "نحن لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون"، لم ير هوبسباوم شيئا في تجربة الماضي مما يمكن ان يشكل دليلا إيجابيا للمستقبل. انه متأكد من شيء واحد فقط: الثورة الاشتراكية في أكتوبر 1917 لم تكن ولن تكن بمثابة مثال أو دليل لنضالات المستقبل "إذا حاولنا بناء الألفية الثالثة على هذه القاعدة"، كما كتب، "فإننا سوف تفشل" و "ثمن الفشل" كما يرد في الجملة الأخيرة من كتابه الطويل The Age of Extremes هو "الظلام" (1).

بينما لم يهتم التنظير المجرد لفوكوياما بمسائل السببية التاريخية، فان هوبسباوم تقبل وجهة النظر التقليدية والسطحية بإن الثورة الاشتراكية في روسيا لم تكن لتحدث بدون كارثة الحرب العالمية الأولى "بدون انهيار المجتمع البرجوازي في القرن التاسع عشر والدخول في عصر النكبة" (عصر النكبة يمتد من بداية الحرب العالمية الاولى لغاية نهاية الحرب العالمية الثانية- لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة مطالعة ادوارد سعيد بهذا الخصوص. ط. ا) (2).

ان هذا هراء و ليس من تفسير. ان هوبسباوم يتهرب من التحدي الفكري الحقيقي لتحديد التناقضات العميقة الجذور، ذات الطابع العالمي، التي ساهمت في اندلاع الحرب العالمية الاولى والثورة الاشتراكية. بعد كل شيء، لقد سبق الحرب العالمية الأولى بسنوات تكثف صراعات القوى العظمى, وفي العقود اللاحقة لثورة أكتوبر الاشتراكية تنامت حركة جماهيرية دولية للطبقة العاملة. كان الاشتراكيون يتوقعون قبل 1914 ليس فقط انهيار المجتمع البرجوازي، ولكنهم حذروا ايضا من ان الانهيار سيكون مدمرا على النطاق الأوروبي وحتى العالمي. ولكن لم يرحب الماركسيون الكبار بالحرب ولم يعتبرونها شرطا أساسيا من أجل الثورة الاشتراكية، حيث انهم وضعوا النضال ضد النزعة العسكرية الإمبريالية في مركز العمل السياسي.

ان مفهوم "القرن العشرين غير المكتمل" يرفض التشاؤم غير التاريخي لمثقفي البرجوازية الصغيرة ويضع الإنسانية في خضم صراع مستمر لم يحسم لحد الآن. حددت روزا لوكسمبورغ البدائل التاريخية التي تواجه الجنس البشري في خضم الحرب العالمية الأولى قبل ما يقرب من قرن من الزمان: "إما انتصار الإمبريالية و تدمير كل ثقافة، كما هو الحال في روما القديمة، هجرة السكان، خراب، انحطاط ، مقبرة واسعة. أو انتصار الاشتراكية" (3)، اما بالسبة الى ماركس، فانه لم يمنح مكانا لليأس كتصنيف في التقييم العلمي للاحتمالات التاريخية, حيث ينبغي فهم الظروف القائمة، في كل تعقيداتها، اضافة الى المظاهر الانتقالية من التناقضات التي يمكن (ويجب) فهمها واتخاذ إجراءات بشأنها. ان كتاب "الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين" يولي أهمية كبيرة لدراسة التاريخ, حيث تصبح الاضطرابات والصراعات في الماضي خبرات استراتيجية حيوية يجب استيعاب دروسها بشكل دقيق من قبل الحركة الاشتراكية الدولية.

فقط عندما أصبح واضحا بشكل متزايد أن الحرب الإمبريالية الكبرى كانت وشيكة, بدأ الاشتراكيون في النظر في الآثار الاستراتيجية المترتبة, من وجهة نظر النضال الثوري، من مثل هذا الحدث. النقطة المهمة, هي أنه حتى قبل عام 1914، كان الاشتراكيون الماركسيون قد حددوا بان الأصل المشترك للحرب والثورة هي الأزمة التاريخية للنظام الرأسمالي. ان تجاهل هوبسباوم مناقشات ما قبل 1914 ضمن الحركة الاشتراكية يجعل معالجته معالجة سطحية للمشكلة السببية التاريخية, حيث انه صور, خطأ, ثورة أكتوبر كنتيجة طارئة وعرضية من نتائج الحرب.

المصادر
1- Eric Hobsbawm, The Age of Extremes (New York: Pantheon Books, 1994
p. 544
2- - http://www.lrb.co.uk/v17/n05/edward-said/contra-mundum
3- Rosa Luxemburg, The Junius Pamphlet (Colombo: Young Socialist Pamphlet, undated), p. 17