الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 2


طلال الربيعي
2014 / 8 / 15 - 04:41     

لكي نكون منصفين لفوكوياما، يؤكد مؤلف الكتاب نورث (1), بان فوكوياما لم يجادل بان المستقبل سيكون هادئا وخاليا من المتاعب, ومع ذلك ادعى فوكوياما انه لم يعد يمكن أن يكون أي شك بان الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية، مع انها تمارس بشكل ناقص في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ترقى، من حيث التطور السياسي والاقتصادي للبشرية، إلى مثالية لا يمكن تجاوزها, والتاريخ "انتهى", بمعنى انه لا بديل فكري وسياسي لمصداقية الديمقراطية الليبرالية على أساس اقتصاديات السوق الرأسمالية.

في كتاب صدر في 1992 كتب فوكوياما (2):
"في زمن أجدادنا، كان معقولا تنبؤ الكثير من الناس بمستقبل اشتراكي يلغي الملكية الخاصة والرأسمالية... وعلى النقيض من ذلك، لدينا صعوبة الآن في تخيل عالم أفضل جذريا أو تصور مستقبل ديمقراطي غير رأسمالي أساسا. بالطبع، يمكن أن تتحسن أشياء كثيرة: يمكن إيواء المشردين، وضمان الفرصة للأقليات والنساء، وتحسين زيادة القدرة التنافسية، وخلق فرص عمل جديدة. ولكن يمكننا ايضا أن نتصور عوالم مستقبلية هي أسوأ بكثير مما نعرفه الآن، عوالم من التعصب القومي او العرقي أو الديني أو الانهيار الاقتصادي. ولكن لا يمكننا تصور عالما افضل يختلف عن الحالي. لقد استنفذت كل البدائل, ووصلنا إلى نتيجة عدم وجود عالم أفضل من الديمقراطية الليبرالية."

يجمع تحليل فوكوياما بين التفوق السياسي البرجوازي و التشاؤم الفلسفي المدقع. فكان مناسبا للناشر إدراج في كل نسخة من كتاب فوكوياما وصفة لعقار بروزاك (عقار لمعالجة الكآبة. ط. ا). إذا كان، رغم جميع النوايا والمقاصد, الواقع الرأسمالي هو افضل واقع ممكن, فهذا يعني ان مستقبل البشرية قاتم لا محالة. ولكن ما مدى واقعية فرضية فوكوياما؟

على الرغم من أن فوكوياما ادعى أنه استلهم هيغل، كان فهم فوكوياما للديالكتيك محدود للغاية (فالرأسمالية اخفقت في ازالة التناقضات والصراعات وبالتالي فشلت في تحقيق الفكرة او الروح المطلقة حسب هيغل. ط . ا). كما ان فوكوياما يفهم التاريخ بشكل سخيف (التعبير موجود في النص وليس من عندي. ط . ا). يمكن بالفعل الاعتقاد أن تكون نهاية التاريخ ذات معنى إذا كان من الممكن اثبات ان الرأسمالية حلت وتغلبت على التناقضات الداخلية والهيكلية وتوقفت عن توليد الصراعات والأزمات. ولكن حتى فوكوياما نفسه تجنب اي استنتاج قاطع واعترف بان الرأسمالية سوف تعاني من عدم المساواة الاجتماعية والسخط اللذين تنتجهما هي بنفسها. كما ان فوكوياما ذهب بعيدا إلى حد الاعتراف بان عدم المساواة الاجتماعية سيشكل مصدر محاولات مستقبلية لإيجاد بديل للديمقراطية الليبرالية وللرأسمالية من قبل "اليسار". اذن ما تبقى من إعلان فوكوياما بنهاية التاريخ؟

اعتقد المؤرخ الأمريكي مارتن ماليا (Martin Malia 1924–2004) بان نظرية فوكوياما لا يمكن الدفاع عنها وحذر من الحديث عن "الاتتصار التاريخي بعد التغلب على أوهام كل من الفاشية والشيوعية، والوصول أخيرا الى ملاذ آمن من ديمقراطية السوق و شكك بجدوى "رؤية ما بعد الماركسية في نهاية التاريخ" (3). يؤكد ماليا ان الرأسمالية لن تحرر نفسها من شبح النقيض التاريخي وان "الافكار الاشتراكية ستكون بالتأكيد معنا طالما وجد عدم المساواة، وهذا سيكون لوقت طويل جدا في الواقع" (4). وهكذا، جادل ماليا، فإن الطريقة الوحيدة لمكافحة استمرار التطلعات الاشتراكية هو الإصرار, بناء على معطيات التجربة السوفيتية، بان الاشتراكية لم تنجح, وكانت هذه الرسالة هي محتوى المأساة السوفيتية وتفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 التي كانت النتيجة الحتمية, حسب ماليا, لثورة أكتوبر 1917 ومحاولة الحزب البلشفي فعل المستحيل: إنشاء نظام غير رأسمالي, وكان هذا خطأ فادحا من قبل لينين وتروتسكي.

يعتقد ماليا ان فشل الاشتراكية ينبع من حد ذاتها وليس لكونها حاولت الخروج في المكان الخطأ، روسيا، اي ان الخطأ يكمن في فكرة الاشتراكية في حد ذاتها, وسبب هذا الفشل هو محاولة الاشتراكية خلق مجتمع لارأسمالي بالكامل وهو أمر مستحيل في جوهره (5).

ولكن ماليا يناقض نفسه في نهاية الامر عندما يعترف بشكل غريب ومضطرب انه يتوقع إمكانية تصاعد وتحديث حركة ثورية جماهيرية من أجل الاشتراكية, ويضيف ان الظاهرة اللينينية هي ظاهرة فريدة حيث يكمن سببها في الأزمة العالمية غير المسبوقة 1918 - 1914, أي ان أزمة عالمية مشابهة يمكن أن تدفع برامج الاشتراكية "النائمة " مرة أخرى نحو القصووية، وبالتالي نحو إغراء السلطة المطلقة التي تسعى لتحقيق غاياتها المطلقة (6).

بينما يزعم فوكوياما بان "نهاية التاريخ" تدلل على نهاية الاشتراكية، يعترف ماليا, بحزن, بان الاشتراكية ستواصل جذب أتباع، على الرغم من استحالة تحقيق مجتمع لارأسمالي باعتقاده.

يتبع

المصادر

1- http://www.wsws.org/en/articles/2014/08/01/unfi-a01.html
2. Francis Fukuyama, The End of History and the Last Man (New York: The Free Press, 1992), p. 46
3- Martin Malia, The Soviet Tragedy (New York: The Free Press, 1994), p. 514
4- المصدر اعلاه
5- - المصدر اعلاه, p. 225
6- المصدر اعلاه, p. 520