هل تفشل الثورات دائما؟

جون مولينو
2014 / 8 / 15 - 00:35     

الكاتب بقلم جون مولينو المترجم ترجمة وائل جمال
الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

إن حالة العالم، بما فيه من تغير مناخي وفقر وحروب وعنصرية وغير ذلك الكثير، في وضع لا يجعل من السهل على حكامنا أن يقنعوا الناس بأن كل شيء على ما يرام. لكنهم لا يحتاجون لهذا. كل ما يحتاجونه هو أن يقنعوا الناس بأنه لا يمكنهم فعل شيء حيال هذا. هذا هو السبب أنه دائما عندما يتعلق الأمر بتبرير الرأسمالية وعدم المساواة والحرب كانت تعويذة “لكنك لا تستطيع أن تغير الطبيعة البشرية” ذات شعبية عند المتنفذين فيتم التطبيل بها في رؤوس الناس العاديين.

وتتصل فكرة أن الثورات دائما ما تنتهي بالفشل بأطروحة الطبيعة البشرية. فهما مربوطتان بالقناعة التي تقول أنها تفشل، أي الثورات، لأن الناس العاديين غير قادرين على إدارة المجتمع. السلطة الشعبية دائما ما ستكون وهما. وهكذا، فبالرغم من أن جورج أورويل كان اشتراكيا، فإن روايته “مزرعة الحيوانات” كانت دائما رائجة لدى المؤسسة الحاكمة لأنها تقترح أن انحطاط الثورة الروسية إلى ديكتاتورية كان أمرا لا يمكن تجنبه بسبب افتقار الحيوانات التي تمثل الطبقة العاملة للذكاء.

وفي كل مرة تنهزم فيها ثورة، يتقدم تجار الفشل بهذه الحجة. ويناسب الوضع الحالي، بالظروف الصعبة التي تطورت في مصر والطبيعة اليمينية للقوى التي أطاحت بالنظام في أوكرانيا، هذا النوع من التفكير. من ثم يدافع سايمون جنكنز مؤخرا في جريدة الجارديان عن أن “مايدان نزاليزنوسته، أوكرانيا.. التحرير، مصر.. ميادين ترمز للفشل لا الأمل”.

ومن السهل إعداد قائمة بالثورات والانتفاضات التي فشلت: الانتفاضة الفلاحية عام ١٣٨١، الحرب الفلاحية في ألمانيا سنة ١٥٢٥، كوميونة باريس في ١٨٧١، الثورة الإسبانية في ١٩٣٦، وهلم جرا. بالرغم من ذلك، فإن فكرة أن كل الثورات تفشل كتعميم تاريخي فكرة زائفة.

إن معظم الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية الرئيسية اليوم هي نتاج ثورات ناجحة. الأمثلة الأكثر وضوحا لهذا هي الانتفاضة الهولندية ضد الإمبراطورية الإسبانية في القرن السادس عشر، والتي وضعت الأسس لهولندا، والثورة الإنجليزية ١٦٤٢ – ١٦٤٩ التي كسرت سلطة الملكية والأرستقراطية الإقطاعية وفتحت الباب للحكم البرلماني، والثورة الفرنسية ١٧٨٩ – ١٧٩٤ التي أطاحت برأس لويس السادس عشر وحطمت سلطة الأرستقراطية الفرنسية وأنهت الإقطاع في فرنسا، والثورة الأمريكية في ١٧٧٥ والتي مهدت الطريق لتطور الولايات المتحدة كأهم أمة رأسمالية في العالم.

تُصاب البرجوازية المعاصرة، أي الطبقات الرأسمالية التي تسيطر اليوم، بالحرج فيما يخص أصولها الثورية، وتحاول إخفاءها بقدر استطاعتها. فأصبحت الثورة الإنجليزية “الحرب الأهلية الإنجليزية”، وليست ثورة بالمرة. الأكثر من ذلك، فإن البرجوازية الإنجليزية المحافظة تتعاطف، بدرجة أو بأخرى، مع المسلسل التليفزيوني “المَلَكيون المرحون” وهم التابعون للملك المخلوع تشارلز الأول في مواجهة “البيوريتانيين” المتزمتين المتجهمين أنصار أوليفر كرومويل، الذي وضع في الحقيقة أسس حكمها. وبشكل مشابه، فإن ميل المؤرخين كان أن يشوهوا سمعة الثورة الفرنسية راسمين إياها على أنها انحدرت إلى عنف عربيد، بالمقصلة وإرهاب أعوام ١٧٩٣ – ١٧٩٤.

لكن أيا من جهود مراجعة التاريخ لم يمكنه أن يخفي حقيقة أن هذه كانت ثورات حقيقية تتعلق بتعبئة كتل واسعة من الناس العاديين، والإطاحة بالقوة بالنظام القائم، ونقل السلطة بشكل حاسم من طبقة اجتماعية (الأرستقراطية الإقطاعية) إلى أخرى (البرجوازية)، بطريقة من شأنها أن تقود إلى خلق نظام اجتماعي واقتصادي جديد بالكامل.

الأكثر من هذا، فإن كل هذه الثورات كانت ناجحة بشكل مذهل، وفقا لشروطها. فقد جعلت الثورة الهولندية الجمهورية الهولندية أكثر اقتصادات أوروبا نجاحا بين ١٦٠٠ و١٦٦٠. وجعلتها أيضا ديمقراطية وليبرالية وتقدمية بشكل غير مسبوق وفقا لمعايير ذلك العصر – جنة للثائرين، والمفكرين، والفنانين، كالمساواتي جون ليلبورن، والفلاسفة ديكارت وسبينوزا، والرسام ريمبرانت.

في إنجلترا تمت استعادة مَلَكية آل ستيوارت عبر تشارلز الثاني في ١٦٦٠، لكنه عاد بشروط مختلفة كثيرا عن تلك التي حاول أبوه الحفاظ عليها. هزم البرلمان الملك ولم تُحكم بريطانيا بعد ذلك أبدا من قبل مَلَكية مطلقة. ترسخ حكم البرجوازية والبرلمان بسهولة في “الثورة المجيدة” ١٦٨٨ – ١٦٨٩، وأصبحت بريطانيا بلد الثورة الصناعية والقوة الرأسمالية المهيمنة في القرن التاسع عشر.

ولم تقم الثورة الفرنسية فقط بتحويل فرنسا إلى بلد رأسمالي حديث، وجعل باريس عاصمة القرن التاسع عشر السياسية والثقافية، ولكنها، أكثر من أي حدث آخر، دشنت صعود الديمقراطية الحديثة والفلسفة السياسية بمفاهيمها الخاصة بالحرية وحقوق الإنسان، وبعد ذلك الاشتراكية.

ولقد شهد القرن العشرين نطاقا واسعا من الثورات القومية التي حطمت الحكم الاستعماري وأسست الاستقلال الوطني.

تعددت تلك الثورات من الثورة الأيرلندية التي بدأت عام ١٩١٦ ووصلت ذروتها في ١٩٢٠ – ١٩٢١، إلى الثورة المصرية في ١٩١٩، والثورة الصينية في ١٩٤٩، والثورة الكوبية ١٩٥٩، والثورة الجزائرية ضد الفرنسيين بين ١٩٥٤ – ١٩٦٢، إلى الثورات على حكم البرتغاليين في أنجولا وغينيا بيساو وموزمبيق، وأخرى عديدة.

إذن كيف بعد هذه التجربة الوافرة من الثورات الناجحة، يُزعم بأن مآل الثورات إلى الفشل دائما على هذا الصدى؟ الإجابة هي أن أيا منها لم ينتج بعد مجتمع المساواة والحرية كما ادعت كلها أنه سيتحقق.

الثورة البرجوازية
علينا أن نكون واضحين فيما يخص الثورات البرجوازية التي حدثت في الماضي وبين الثورة العمالية التي نتحدث عنها اليوم. كانت الثورات البرجوازية تقدمية وناجحة، لكنها لم تستطع تحقيق المساواة الاقتصادية أو مجتمع بلا طبقات.

فقد تبنت رطان “الحقوق المتساوية” لتعبئة التأييد الشعبي لكن في الحقيقة فإنها كانت تقودها طبقة نقلت لها سلطة الدولة هي طبقة الرأسماليين، التي كانت بطبيعة الحال طبقة مُستَغِلة ليس بمقدورها البقاء دون طبقة عاملة خاضعة لها. لم يمكن لهذه الثورات أن تذهب أبعد من تحقيق ديمقراطية شكلية دستورية، في أحسن الأحوال بحقوق قانونية متساوية للكل (بالطبع في الممارسة لم تحقق حتى هذا بشكل عام).

ينطبق الشيء نفسه على الثورات العديدة القومية والمناهضة للاستعمار. فلأسباب تاريخية تبنت هذه الثورات عادة لغة أكثر جذرية من الثورات البرجوازية، وسمت نفسها مرارا شيوعية أو ماركسية – وأهم الأمثلة هنا هي الثورتان الكوبية والصينية.

غير أنه بالقدر الذي بقيت به هذه الثورات تحت قيادة الطبقة الوسطى وليس الطبقة العاملة، فإنها لم تستطع أن تقوم بأكثر من تأسيس أنظمة رأسمالية دولة مستقلة، لم تمثل فقط مجتمعات طبقية وإنما أيضا كانت عرضة لكل الضغوط التشويهية من السوق العالمية.

هنا يتوجب قول كلمة عن الفلاحين. من اللحظة التي حدث فيها التطور من الصيد والالتقاط إلى الزراعة قبل خمسة آلاف سنة أو أكثر، دائما كانت الغالبية العظمى من سكان الأرض فلاحون. بالضرورة، كان كثير إن لم يكن معظم من شاركوا في الثورات من الفلاحين. كانت هذه هي الحالة مع جيوش بانشو فيللا وإيمليانو زاباتا في الثورة المكسيكية، ومع جيش ماو الأحمر في الثورة الصينية، وعصبة حرب العصابات بقيادة فيديل كاسترو في كوبا.

لكن هناك صعوبة ضخمة لدى الفلاحين كقوة ثورية: يمكنهم أن يحاربوا بضراوة ضد النظام القديم، ضد أصحاب الأرض والمستعمرين، لكنهم لا يمكنهم التحكم في المجتمع الجديد الذي يظهر إذا نجحت الثورة. هذا شيء لا علاقة له بالمرة بنقص القدرات أو الذكاء، بل له كل العلاقة بظرف حياتهم.

تعتمد السلطة في أي مجتمع في النهاية على التحكم في قوى الإنتاج، وفي المجتمع الحديث توجد قوى الإنتاج الحاسمة في المدن، وقاعدة الفلاحين في الريف. وبعد المشاركة في أي ثورة، يصبح على الفلاحين في نهاية الأمر أن يعودوا أدراجهم إلى الريف تاركين شخصا آخر لإدارة المدن، ومن ثم المجتمع.

أما الطبقة العاملة، أو من يعتاشون على بيع قوة عملهم، فتختلف. على عكس الفلاحين فهي تتركز في أماكن عمل كبيرة، سواء كانت تلك مصانع أم مراكز الاتصال (الكول سنتر)، ترسانات السفن أم مكاتب المجالس الحكومية. كما أنها تتركز في المدن الكبيرة حيث تقع قوة المجتمع الحقيقية.

وكما انتشرت الرأسمالية حول العالم، زاد حجم الطبقة العاملة بشكل درامي لما يجعلها تشكل أغلبية سكان العالم. بدون الطبقة العاملة لن يتم تجميع كمبيوتر أو سيارة، لا يمكن أن تجد المحال وفروع السوبر ماركيت موظفين، لن تُفتح مدرسة ولا مكتب، ولن تتحرك طائرة ولا حافلة ولا قطار.

يعطي ذلك الطبقة العاملة قوة محتملة هائلة، ليس فقط من أجل هزيمة الرأسمالية لكن أيضا لبناء وحكم المجتمع الذي يأتي بعدها، ولكي تقوم بهذا بطريقة ديمقراطية. الطبقة العاملة هي أولى الطبقات المقهورة في التاريخ التي لديها القدرة على إدارة المجتمع دون استغلال أو قمع الآخرين.

لكن هل تستطيع الطبقة العاملة التحكم الديمقراطي في قياداتها هي؟ ألن تصعد بالضرورة مجموعة جديدة مميزة من المُضَطهِدين من بين صفوفها وتسيطر؟ ويثير توجيه هذا السؤال قضية الطبيعة البشرية، ومصير الثورة الروسية وتحولها إلى ديكتاتورية.

من المعتاد أن ُيقال أن الطبيعة البشرية، بكونها جشعة ولا تهتم إلا بمصلحتها الخاصة، تجعل المساواة الحقيقية مستحيلة. لكن هذا زيف، لأن الطبيعة البشرية ليست ثابتة. إنها تتغير وتتطور مع تغير الظروف. نحن نعلم من حقيقة أن الصيادين، ومن عاشوا على الالتقاط، عاشوا في مجتمعات ديمقراطية ومساواتية لعشرات الآلاف من السنين قبل ظهور الطبقات، أنه لا يوجد شيء كعائق جوَّاني ما للمساواة مقيم في الطبيعة البشرية.

الثورة الروسية
علينا أن نقر أن انحطاط الثورة الروسية إلى الاستبداد هو أحد الأسباب الرئيسية في أن العديد من الناس يعتقدون أن الثورات مقدّر لها الفشل. فقد كانت، برغم كل شيء، أعظم ثورات القرن العشرين، والوحيدة التي نجحت فيها الطبقة العاملة في الاستيلاء علي السلطة. ومن المحتوم أن يُنظر إليها كحالة اختبارية. على ذلك، فإن الظروف المادية التي وجدت الثورة نفسها فيها في الأعوام التي أعقبت ١٩١٧، كانت قاسية لدرجة أن انحطاطها كاد يكون لا مفر منه.

قبل الثورة، كانت روسيا أكثر قوى أوروبا تخلفا من الناحية الاقتصادية – فقد كانت الأغلبية الكاسحة من سكانها فلاحين، ولم تشكل الطبقة العاملة سوى أقل من ١٠٪ منهم. انتكب اقتصادها بسبب الحرب العالمية الأولى، ثم تعرض للتدمير تماما بعدها في الحرب الأهلية. بحلول ١٩٢١، تراجع الإنتاج الصناعي إلى ٣١٪ من مستواه في ١٩١٣، وسقط الانتاج الكبير إلى ٢١٪ من مستواه في نفس العام. فاقم من هذا الانهيار الاقتصادي تفشي الجوع والتيفود والكوليرا.

كان من أثر ذلك اجتماعيا تحطيم الطبقة العاملة المدينية التي صنعت الثورة وأرست سلطة العمال في ١٩١٧. صارت الطبقة العاملة، كما قال لينين وقتها، “في وضعية أدنى طبقيا.. وانتُزعت من أخدودها الطبقي، وتوقفت عن الوجود كبروليتاريا”. بالإنهاك المادي والسياسي الذي صارت فيه، فقدت الطبقة العاملة قدرتها على التحكم في حكومتها وفي مسئولي دولتها هي.

في هذه الظروف كان لا يمكن تجنب أن يتحول مسئولو الدولة والحزب، سواء أكانوا شيوعيين مخلصين أم لا، إلى بيروقراطية تتمتع بالمزايا ولا تخضع للحساب، وأن يتغير وعيهم وفقا لهذا. فصار من الممكن، وقد حدث فعلا، أن تتحول ديكتاتورية البروليتاريا التي تصورها لينين إلى ديكتاتورية على البروليتاريا.

هل كان هناك أي سبيل للخروج من هذا الطريق المسدود؟ نعم، لكن فقط لو كانت الثورة انتشرت إلى الدول الأخرى الأكثر تقدما من الناحية الاقتصادية، التي كانت لتمكن من إرسال العون إلى العمال الروس المستنفدين. كاد هذا أن يحدث: فقد انتقلت الثورة فعلا لألمانيا وإيطاليا (بالإضافة إلى أماكن أخرى)، واقتربت جدا من الانتصار. لكن هزيمتها، بالأساس بسبب نقص القيادة الثورية، ترك الثورة الروسية معزولة وختم مصيرها.

بمجرد أن نفهم الظروف المادية التي سببت فشل الثورة الروسية يتضح أنها ترسل رسالة أمل وليس رسالة يأس للثورة اليوم. ليس هناك اليوم دولة كبرى إلا وقواها الإنتاجية أكثر تطورا وطبقتها العاملة أقوى بكثير مما كانت عليه روسيا في ١٩١٧. العالم أكثر تكاملا واندماجا بكثير مما كان عليه وقتها، لذا فبمجرد حدوث تطور نوعي في بلد ما فإن نشر الثورة عالميا سيكون أسهل بكثير مما كان الأمر عليه بين ١٩١٧ و١٩٢٣.

فشل الميادين؟
أما وقد أجبنا على الحجة التاريخية العامة ضد الثورة، يمكننا العودة الآن للفكرة الخاصة بفشل الميادين (تيان آن مين، التحرير، بويرتو ديل سول، تقسيم، مايدان.. إلخ) في أن تقدم مجتمعات جديدة أفضل، وهي الفكرة التي يدافع عنها سايمون جنكنز وآخرون.

يقول جنكنز أن الحشود في الميادين أصبحت “أيقونة السياسة الثورية المعاصرة”، ويعترف بقوتها الإلهامية. لكنه يدعي أن “الحشود تدمر ونادرا ما تبني”. ويكتب قائلا: “يمكن لحشد أن يطيح بوصلات كهرباء نظام ضعيف ويغرق الدولة في الظلمة. لكنه نادرا ما يدير مفتاح الإضاءة الديمقراطية. أي هبة قد تقدم الأمل في أزمنة أفضل، لكن التاريخ دائما شكاك”.

غير أن جنكنز يقترف خطأين أساسيين. الأول، هو أنه يعامل كل الحشود في الميادين على أنها نفس الظاهرة، عوضا عن أنه ينظر في التركيب الطبقي الخاص، والأهداف السياسية، والأفكار والأيديولوجيات السائدة عند كل واحد منها. لا يحاول جنكنز أن يميز بين حشد ينتمي للطبقة الوسطى وحشد ينتمي للطبقة العاملة، وحشد رجعي، وحشد جذري، وهكذا.

ثانيا، أن الحشود في ميادين بعينها صارت ترمز للحركات الثورية، يساوي جنكنز بين الميدان وبين الثورة ككل، فيخفق في أن ينظر بعين الاعتبار لعناصرها الأخرى، أو القوى الاجتماعية الأوسع المشتركة فيها. يشبه الأمر تقليص الثورة الفرنسية إلى مجرد اقتحام الباستيل، أو الثورة الروسية إلى المسيرة إلى قصر الشتاء.

هذا خطأ بالعلاقة بكل الهبَّات الأخيرة، لكن خطأ بالذات في حالة الثورة المصرية؛ لأنه بالرغم من أن الإعلام قد ركز تقريبا بشكل حصري على التحرير، كانت هناك نضالات كبرى وتعبئة عبر البلاد، خاصة في الإسكندرية والسويس، ولأن الجمع بين الجموع في الشوارع مع الإضرابات المنتشرة بسرعة واحتلال أماكن العمل كان هو الشيء الحاسم في فرض إسقاط الديكتاتور حسني مبارك.

بالتالي فإن جنكنز، والآخرين الذين قد يكتبون عن الثورات محتومة الفشل، يخرجون بالاستنتاج الخاطئ من النضالات. فبينما حقيقي أنه من غير المحتمل أن تنجح الحركة التي لا تذهب لأبعد من مجرد احتلال المساحات العامة، من غير الصحيح بالمرة أن نتخيل أن حالات التعبئة هذه لا يمكنها أن تتجاوز مثل تلك الحدود.

في الواقع، الاستنتاج الصحيح هو أن التعبئة الجماهيرية في الشوارع خطوة ضرورية تماما في أي عملية ثورية، لكننا سنحتاج أيضا الإضرابات العامة واحتلال أماكن العمل، لأن نقطة الإنتاج هي التي يكون رأس المال عندها في أضعف أوضاعه وتتركز فيها قوة الطبقة.

بالإضافة لهذا، نحن نحتاج القيادة الالاشتراكية الثورية، لأنه بدون السياسة الثورية يمكن إساءة قيادة وتوجيه أي حركة جماهيرية وخيانتها.

لو أمكن الجمع بين هذه العناصر معا، فإن إمكانات الطبقة العاملة العالمية المحتملة على هزيمة الرأسمالية وبناء مجتمع اشتراكي أممي هي أعظم الآن مما كانت عليه في أي وقت في التاريخ.

* المقال باللغة الإنجليزية منشور بمجلة “الاشتراكي” الشهرية البريطانية – عدد أبريل 2014