الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 1


طلال الربيعي
2014 / 8 / 13 - 16:07     

اصدر ديفيد نورث الآن كتابا بعنوان
الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين
David North
The Russian Revolution and the Unfinished Twentieth Century (416 pages--;-- ISBN 978-1-893638-40-2), Mehring Books

ان المنهج الجدلي في هذا الكتاب مناسب لكل من الموضوع والعصر الذي نعيش فيه. لقد أصبح التاريخ ساحة معارك. فكما كتب ماركس "إن تقاليد جميع الأجيال الميتة تجثم مثل الكابوس على ادمغة الاحياء". لا السياسيون ولا المؤرخون في الخمس عشرة سنة في القرن الجديد استطاعوا تحرير أنفسهم من كوابيس الماضي, حيث تتشابك الصراعات والأزمات المتصاعدة باستمرار في القرن الحادي والعشرين بالتزامن مع الخلافات حول تاريخ القرن العشرين, والصراعات السياسية المعاصرة تثير اشكاليات القضايا التاريخية، في حين ان معالجة هذه القضايا تحددها أكثر وأكثر الاشكالات السياسية. فلقد تم, بعرف نورث, تزوير الماضي من اجل مصالح سياسية, مما ادى, على الأقل, الى البعض من التشويه الصارخ لتاريخ القرن العشرين، وأمل المؤلف أن هذا الكتاب قد "يمكن أن يشكل سلاحا في النضالات الثورية للمستقبل".

بعد مائة عام من اندلاع الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية، فإن أيا من مشاكل القرن العشرين المدمرة، كالأزمات الاقتصادية، وعدم المساواة الاجتماعية، وتهديد الدكتاتورية, لم يتم حلها في الواقع، وهي مطروحة بأكثر حدة اليوم.

يجادل نورث بالضد من المؤرخين المعاصرين الذين تكلموا, عقب انهيار الاتحاد السوفييتي, عن "نهاية التاريخ" (فوكوياما)، أو عن "القرن العشرين قصير الامد" (هوبسباوم), وهي اشارة الى انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة اوربا الشرقية في اقل من قرن.

على العكس من معتنقي افكار ما بعد الحداثة الذين يعتبرون التاريخ مجرد "سرد ذاتي للاحداث"، يصر نورث على اهمية المعرفة المادية الوافية للتاريخ, باعتبارها أمر حيوي للحفاظ على البشرية في القرن الحادي والعشرين.

ديفيد نورث هو رئيس هيئة التحرير العالمية ل World Socialist Web Site ورئيس حزب Socialist Equality في الولايات المتحدة, ولربما يكون نورث افضل المؤهلين لاستعراض كتابه (1) الذي اقوم بترجمة بعض نصوصه هنا.
-----------------
هناك اتفاق واسع بين المؤرخين باعتبار القرن العشرين حقبة متميزة في السياسة والثقافة، وبدأ في أغسطس 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى, ولكن السؤال متى انتهى هذا القرن أو ما إذا كان قد انتهى فعلا؟ موضوع الجدل لا يتعلق بالطبع بالتاريخ الرسمي للقرن العشرين الذي ودعناه لنعيش الآن في القرن الحادي والعشرين, وحتى الآن، على الرغم من كوننا في منتصف العقد الثاني من القرن الجديد، فان عالمنا لا يزال قابعا في مجال جاذبية القرن العشرين. فالمؤرخون ينظرون بغضب الى القرن الماضي لأن البشرية لا تزال تقاتل في مجالات السياسة والاقتصاد والفلسفة, وحتى في الفن, في معارك لم يتقرر مصيرها بعد.

حتى وقت قريب، شعر المؤرخون بالثقة إلى حد ما في أن القرن العشرين قد انتهى بنجاح بانهيار الأنظمة الستالينية في أوروبا الشرقية في عام 1989 وتفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991, مما ادى الى حدوث موجة عارمة من الشعور بالانتصار الرأسمالي, التي ابتلعت, مع مقاومة لا تكاد تذكر، المؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم. وشرعت المؤسسات الاكاديمية بالمضي قدما بسرعة لجعل نظرياتها في التاريخ متماشية مع أحدث عناوين الصحف والافتتاحيات.

قبل أحداث 1991-1989، فإن الغالبية العظمى من الأكاديميين المتخصصين افترض ان الاتحاد السوفياتي، الذي ساووه مع الاشتراكية بشكل او بآخر، سيستمر إلى الأبد. حتى أولئك الذين كانوا على دراية بنقد ليون تروتسكي للستالينية وتوقعاته بان بيروقراطية الكرملين ستؤدي، اذا لم تطح بها الطبقة العاملة السوفيتية، إلى حل الدولة العمالية واستعادة الرأسمالية، قد اعتبروا توقعاته غير واقعية وكونها تبريرات ذات بالية لعدو قهره ستالين.

بانهيار النظام الستاليني، فإن الأساتذة والمحللين للابحاث سارعوا للإعلان ليس فقط بان الولايات المتحدة حققت نصرا لا رجعة فيه على عدوتها في الحرب الباردة، ولكنهم ايضا شطبوا الاشتراكية من عالم الاحتمالات التاريخية. وقد وجد هذا الاعلان تعبيرا بارعا عنه في مقالة كتبها فرانسيس فوكوياما بعنوان "نهاية التاريخ؟" نشرت في مجلة The National Interest:
"ما الذي نشهده ليس فقط نهاية الحرب الباردة، أو مرورا في فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، وانما نهاية التاريخ بحد ذاته. انها نهاية التطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم للديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية" (2).

يتبع

المصادر
1- http://www.wsws.org/en/articles/2014/08/01/unfi-a01.html

2- The National Interest 19 (Summer 1989), p. 3