-نحو أُفق ثوري فلسطيني جديد..-


رشيد قويدر
2014 / 8 / 1 - 20:00     

صدر عن "المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات" (ملف)؛ مع نهاية عام 2013؛ وفي "سلسلة من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر" ثلاثة كتب تباعاً، حملت أرقام (7+8+9) لتشكل ثلاثية متكاملة تحت عناوين: الأول "مخاض التجديد 1988- 1998"، الثاني " في المسألة الفلسطينية 1975-2013"، والثالث "في جماهيرية الحزب 1998-2013"، والمؤلف هو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أي أن المعالجات المدونة هي من منظور وتجربة الجبهة الديمقراطية بعينها، حول المسألة التنظيمية باعتبارها جوهر تطور ورافعة البرنامج والمسألة السياسية، وباروميتر قياس بين النظرية والممارسة، بين برنامج الحزب وأشكال تجليه الملموسة في الواقع الاجتماعي الفلسطيني.
الكتاب الأول: "مخاض التجديد 1988- 1998" يضم بين دفتيّه الوثائق التنظيمية الصادرة عن ثلاث محطات مؤتمرية هي: "الكونفرنس الوطني العام الثاني- 1991" و "المؤتمر الوطني العام الثالث- 1994"، والكونفرنس الوطني العام الثالث- 1998"، ومع مطلع العام 2013 في شباط/ فبراير عقدت الجبهة مؤتمرها الوطني العام السادس، وفي عموم هذه المحطات، يمكن الإطلالة على عموم هذه الوثائق والمراجعات التنظيمية في سياق المسار العام الوطني الفلسطيني؛ والنظام الداخلي وارتباطه بالبرنامج السياسي، وهو ما نحاول الإضاءة عليه في هذه القراءة، وكيف خاضت الجبهة الديمقراطية أسس التجديد البرنامجي الديمقراطي...؟، وما هو المقياس لذلك؟ كيف جرى التحديث البرنامجي والتجديد والإصلاح الديمقراطي؟ وأين هي اتجاهات التجديد؟ وهذا ما يجيب عليه الكتاب "مخاض التجديد 1988- 1998" بالوثائق كذلك عناوين التجديد التي ما زالت تحتفظ براهنيتها، فالواقع والوثائق يمكن أنطقتها مجدداً على الحالة الفلسطينية في أنموذج تجربة الجبهة الديمقراطية.
الكتاب الثاني "في المسألة الفلسطينية.. 1975- 2013"، يتناول تطوراً جوهرياً في الفكر السياسي والتنظيمي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهو يرصد أربعة عقود من عمر الجبهة، والمحطات الرئيسية التي مرت بها، ويشتمل على أربعة محاور تمثلت في محطاتها.
• المحور الأول "المحطة الأولى 1975- 1981" ويضم البرنامج السياسي الذي صدر عن اللجنة المركزية الثانية، والبرنامج السياسي الصادر 1981، بالتعديلات التي أدخلها عليه المؤتمر الوطني العام الثاني.
• المحور الثاني "المحطة الثانية.. 1994- 2006"، ويضم البرنامج السياسي- 1994، والبرنامج السياسي- 2006 بتدقيقات اللجنة المركزية السابعة عليه.
• المحور الثالث "المحطة الثالثة.. 2013"، ويضم البرنامج السياسي- 2013 الذي أقره المؤتمر الوطني العام السادس، مع قراءة في التعديلات الرئيسية عليه.
• المحور الرابع "الحل الديمقراطي الجذري للمسألة الوطنية الفلسطينية، ويضم إلى جانب البرنامج السياسي قراءات في جوانب معينة لهذا الحل، فضلاً لوثائق مبكرة ذات ارتباط في سياق تراث وأدبيات الجبهة الديمقراطية في العامين 1969- 1970.
• المحور الخامس الصهيونية.. في الخلفية التاريخية والحركة السياسية"، وهي دراسة من إعداد "مكتب التثقيف المركزي" في الجبهة، وهي تساعد على استيعاب مفاهيمي أفضل لما ورد بشان الصهيونية ومشروعها الاستيطاني على أرض فلسطين، في سياق "المسالة اليهودية، والصهيونية كتيار سياسي بالتركيز على اتجاهات "الصهيونية العمالية" التي لعبت الدور الرئيسي في تأسيس الكيان الصهيوني، ونحو ما أنتج وأنيط من دور ومؤسسات انبثقت عنها.
• أنوه أَن هذا الكتاب قد استند أيضاً على ما هو أَشمل في ستة كتب، بدأت بالكتاب الأول: "الجبهة الديمقراطية.. النشأة والمسار"، "البرنامج المرحلي... 1973- 1974".
الكتاب الثالث: "المقاومة الفلسطينية.. 1970، الرابع: "حملة أيلول وما بعدها..1970-1971"، والخامس: "النهوض مرةً أخرى.. 1972-1973"، ويمكن الإطلالة على قراءة مكثفة بها، على موقع صفحة الإعلام المركزي "فيس بوك" تحت عنوان كتب البدايات "التاريخ الفلسطيني المعاصر.. وإِثراءً للتنوير والفكر السياسي...
الكتاب الثالث في الثلاثية: "في جماهيرية الحزب 1998-2013"، يعمل على المقارنات والمقاربات والإيضاحات، ليستكمل الثلاثية في الإطلالة على جوانب هامة في الفكر السياسي المعاصر، والكتاب يقوم على خمسة محاور، يمكن الإضاءة السريعة عليها:
• المحور الأول "الكونفرنس الرابع.. محطة على طريق المؤتمر الخامس"، ويحتوي على فصلين "الكونفرنس والتعديلات على النظام الداخلي"، والتعديلات على النظام الداخلي المقرة من اللجنة المركزية السابعة 2006".
• كما يضم هذا المحور دراسة من إعداد "مكتب التثقيف المركزي" في الجبهة، حول "مفهوم الديمقراطية الثورية"، وتكتسي هذه الدراسة أهميتها من زاوية تناولها للأسس النظرية (الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية) التي يقوم عليها المفهوم وتجلياته الملموسة في الأحزاب اليسارية التي نشأت في البلدان الُمستَعمرة وشبه الُمستَعمَرة.
• المحور الثاني يضم الوثائق التنظيمية الصادرة عن المؤتمر الوطني العام الخامس للجبهة (2007)، الموضوعات التنظيمية بعنوان "استخلاصات وتوجهات تنظيمية"، والنظام الداخلي (2007)، وعلى الذي استندت التعديلات التي أدخلت عليه، إلى النقاشات الواسعة التي أدارتها اللجنة المركزية قبل انعقاد المؤتمر الرابع (2005) وتواصلت حتى انعقاد المؤتمر الخامس.
• المحور الثالث؛ يضم التقرير بعنوان "الحالة التنظيمية.. في جماهيرية الحزب ومنظماته الديمقراطية" والصادر عن المؤتمر الوطني العام السادس (2013)، وكذلك النظام الداخلي المعدل والذي للمرة الأولى خصّ المرأة بالذكر كقطاع قائم بذاته، من بين الفئات الاجتماعية الرئيسية التي يتوجه إليها الحزب برنامجياً وكفاحياً تحت شعار المساواة، إلى جانب التوجه إلى الفئات الوسطى.
• "خط الحزب في التطبيق" وهو عنوان المحور الرابع، والذي يضم – كما يشير العنوان - أوراق تطبيقية لخط العمل التنظيمي، تتناول عناوين راهنة في حياة الحزب ومهامه: "دور الحزب، الكادر، التثقيف، العلاقة بين الهيئات الحزبية والهيئات الديمقراطية، والُنظم الانتخابية والتمثيل النسبي".
• المحور الخامس "الحركة الوطنية الفلسطينية.. من النشوء إلى النكبة"، وهو عنوان المحور الخامس، وهذه الدراسة من إعداد "مكتب التثقيف المركزي" وتشكل مع دراسة "الصهيونية، في الخلفية التاريخية والحركة السياسية" مادة مفاهيمية للفصل الأول من البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية.
في بادرة يسارية ديمقراطية طيبة تتكرر على الدوام، تتمثل بإقامة "ورشات عمل" حول وثائق محددة، والتي تتوافق مع حرص المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على تقديم خلاصات ووثائق التجربة التاريخية الحزبية الداخلية لها، وعلى امتداد عمرها الذي دخل عامه الـ 45 عاماً، لا يسعنا إِلا أن نشيد بالجهد الكبير في المقدم في هذا الميدان، وبما حمل من أمانة ودقة، بما يعني أن إشراك الأصدقاء وعلى نحو واسع بهذه الفعاليات الحزبية هو توجه حقيقي وقد بات تقليداً على مستوى الفعاليات الحزبية والفكرية الكادرية الوطنية الفلسطينية والسياسية والثقافية والاجتماعية، والمساهمة في صياغة حاضر ومستقبل الحزب في الجبهة الديمقراطية، وانطلاقاً نحو تعميم التجربة على مستوى اليسار الفلسطيني بوجهٍ عام.
كما انطلاقاً من فهم ووعي الحقيقة الذاتية (طبعاً في تاريخها وزمانها ومكانها)، على صعيد الواقع الفلسطيني برمته، نركز على المحاور التالية لمن أراد لتحفيز النقاش:
• المنهج والفكر: إِن خلفية التحليل والموقف في الواقع الفلسطيني وفي نظرات ومفاهيم الجبهة الديمقراطية؛ قام على أساس الاسترشاد بالماركسية- اللينينية، ومن مواقع نظراتها ومفاهيمها، بما يصطلح على منهج التحليل "نظام النظرات والمفاهيم" بأدواته المعروفة في قراءة الواقع، "المنهج والفكر"، فهل هي قابلة للانجاز بين حديّ التجديد والتغيير.. وبين الحفاظ على الهوية الفكرية..!، في هذا المسعى وقعت انتقاله، بين "تسترشد بالماركسية..." وبين "تسترشد بالاشتراكية العلمية" بما تعني الجانب الاقتصادي من الماركسية..، علماً أن التحليل برمته وبنظراته ومفاهيمه يسترشد بمنهج الماركسية ومن جميع نواحيها، في سعيه للتطبيق بصورة مبدعة على (ظروف فلسطين)، (الاسترشاد بالمنهج الماركسي وتطبيقه بإبداع في الظروف الذاتية والموضوعية الفلسطينية الملموسة)، فهل ثمة تغيير؟!
• المنهج هو وسيلة أو أَداة لوعي الحقيقة (بزمانها ومكانها)، وهي هنا (الواقع الفلسطيني بكامل تلاوينه وأطيافه وواقعه الطبقي وفي مختلف جوانبه..الخ)، أما الفكر فهو (وعي هذه الحقيقة)،
• وحيث إِننا نتحدث عن المنهج الماركسي، فإن وعي الحقيقة الموصوفة هو الفكر الماركسي ذاته. هذا لا يعني بأي حال أننا نفصل بين المنهج والفكر، على الرغم من أنها مهمة تحمل تناقضاً بين حدّين:- حدّي التجديد والتغيير.. وحدُّ الحفاظ على الهوية، وهذا لا يعني في حالٍ من الأَحوال الفصل بين المنهج والفكر.. فهما في وحدة واحدة، وفي مستويات متباينة متناقضة، ينفي بعضها الآخر، بعلة (الوعي الخاطئ للحقيقة)، ومع تقدم العلوم كافة ثبت عدم وجود (حقيقة خارج الزمان والمكان)، في الدراسة والتحليل والاستنتاج والمقاربة والمقارنة والاستدلال بسبب اختلاف الزمان والمكان، أي سياق المرحلة التاريخية الموصوفة، وبلغة أخرى..
• إن الوعي بقوانين حركة المجتمع الفلسطيني والواقع الفلسطيني في نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصياته تحت الاحتلال العنصري والآبارتهيد يتطلب (إِعمال المنهج الماركسي في هذا الجانب والموقع)، وليس محاولة إرغام الفكر الماركسي بكليته على التكيف مع مفردات تحليلية، أي إرغام الواقع على الاستجابة لاستنتاجات خاطئة، في غير زمانها ومكانها، وهذا ينطبق على "اللاهوت" بشكلٍ عام، ولا ينطبق على الماركسية التي ترفضه ولحسن طالع هذا المنهج، فهو يسير بين مكونين: المادية التاريخية، والمادية الديالكتيكية، وهما الإلزام الوحيد لحزب ماركسي هو توافقه مع المنهج، أي معهما في العلاقة التحليلية للواقع الفلسطيني، أي تحقيقه لشروط المنهج في التحليل والاستنتاج وفي الجانب الملموس والمحدد، وهو الواقع الفلسطيني الذي هو في حركة دائمة..
كما يمكننا أن نقول بأن وسط خزانات التفكير الرأسمالية العتيدة، هناك من اعتمد هذا المنهج (الماركسي) لمكافحته، وفي مواجهة تمظهرات الماركسية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً من موقع محاربتها على أرض واقعها، في تعارض وتناقض المصالح وصراع الطبقات الذي وصفه ماركس بأنه المسرح الفعلي للتاريخ، وفي المعاهد المستقبلية الأميركية أمثال كبير معهد واشنطن روبرت ساتلوف، وآخر كبير استراتيجي في المستقبليات الأميركية الصهيوني المعروف هنري كيسنجر، ووزير الدفاع الأميركي السابق الاستراتيجي جيمس شليسنغر.. وأمثال كونداليزا رايس.. وعديد غيرهم..
• إن الاحتكام للمنهج يحرره من قيود النص "اللاهوتية" بوصفه علماً، ويمكِّن الفكر الماركسي ذاته على وجه العموم من تبني عموم الانجازات العلمية والتطبيقية والاكتشافات الموضوعية غير الماركسية، وتسخيرها كأدوات معرفية للاستخدام الماركسي..
ذهب كثيرون بعد اتساع العلوم إلى "الاشتراكية العلمية"، بعضهم بفعل نتائج الحرب الباردة؛ وما لحق بأذهان أجيال من "ميديا" وحرب إعلامية ضروس، تنفر البيئة المحافظة، وآخرين هروباً من ماضيهم، وعليه تتعدد التعريفات وتتبدل في تعريف الحزب، (حزب الطبقة العاملة وسائر الكادحين..)، (حزب العمال والفلاحين..) المعطوفين على سائر الكادحين، (المدافع الأمين عن مصالحهم..)؛ بينما في النظام الداخلي المعدل في المؤتمر العام السادس (2013)؛ هي "حزب يساري ديمقراطي، اتحاد اختياري لمناضلات ومناضلين من العمال والفلاحين والمثقفين وصغار الكسبة وسائر الكادحين، ومن المرأة والشباب، من أجل التحرر الوطني الناجز لشعب فلسطين ومستقبله الاشتراكي.."
نتساءَل هنا عن تعدد أَحزاب اليسار؟.. وهو سؤال واقعي. كما نتساءل عن مفهوم "الطليعي"، حيث ورد في النظام الداخلي (الحزب: التعريف والأهداف) البند (3) "الجبهة الديمقراطية هي جزء من حركة الطبقة العاملة الفلسطينية، وهي تعمل لتوطيد العلاقة الكفاحية بين فصائلها وسائر مكوناتها"..
حول "مفهوم الطليعية"، أدركت الجبهة الديمقراطية بأن هذا المفهوم "ليس صفة دائمة ومطلقة" بل مرهون بمفهوم "الطليعية" بمكانها وزمانها..، ثم ما المانع بتعدد (فصائل أو أحزاب اليسار..!)، فاليسار كلمة فضفاضة في جوهرها، وإن انتمت إلى ذات المفهوم، بما يشرع وجود أحزاب يسار متعددة.. وتوجهت إلى "تعزيز التحالف بين فصائل اليسار".
فهل هذا "مأزق" للتجديد في اشتراطات الحفاظ على الهوية الطبقية والفكرية للحزب؟
وقد يجنح إلى حزب وطني (فوق الطبقات وعابر لها).. أي مستقل عن الطبقات والشرائح الاجتماعية (!)، وعليه فهو فوق (شبهة.. الانقسام الطبقي والصراع الاجتماعي..)..(!). بينما نمت الجبهة الديمقراطية وطنياً بعد تعريف ذاتها إلى: "إن الجبهة الديمقراطية تسعى إلى تعزيز وحدة طبقات الشعب وقواه الوطنية في مختلف أماكن تواجده داخل الوطن وخارجه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتعزيز الإئتلاف الوطني الشامل في إطارها على قاعدة برنامجها وبما يرسخ مكانتها ودورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني".
• في المبدأ التنظيمي؛ لقد طورت الجبهة الديمقراطية آليات تطبيقاتها للمركزية الديمقراطية، عبر تطوير آليات انعقاد مؤتمراتها. وانتخاب هيئاتها، وتوليد جيل جديد، وقوننة الأساس الجماهيري في عملية الترشيح والانتخاب للمركز بالعلاقة الداخلية، بأن يكون الحزب جماهيري، أي له قواعد جماهيرية كوجه آخر للمركزية الديمقراطية، في تفاعل العلاقة بين الحزب وجمهوره برنامجياً سياسياً وتنظيمياً اجتماعياً، فهل نجحت في بناء الحزب الجماهيري الديمقراطي؟ أم لا؟
إن الصيغ التنظيمية تنطلق من تصوراتها في البرنامج السياسي في سياق التطور الاجتماعي لفئات وسطى ناشئة..
• حول التجديد.. وللدِّقة "الإصلاح": عملت الجبهة لتحقيق النهوض والخروج من أزمتها التنظيمية المعروفة، والتي وقعت أساساً في الهيئة الأولى، على استخلاص أن التجديد والإصلاح لا ينفصلان عن الديمقراطية، و"الثلاثية"، وعموم الوثائق تؤكد الارتباط العضوي على هذا المسار، لأن الديمقراطية عملية تراكمية اضطرادية وتنظمها مؤسساتها عبر مبدأها "المركزية الديمقراطية" عبر آلياتها وثقافتها، تَمَّ تبنيها كحزب ومعه جماهيره في العملية الاجتماعية، كيف تنظرون إِلى هذه التطويرات كما وردت في سياقاتها وآلياتها؟
فضلاً عن آليات العمل والقيادة على الصعيد التنظيمي، تبرز أيضاً في المجال السياسي والانتقال إلى (صناعة السياسة)، كما في المجال الفكري بإشاعة مفاهيم الحوار والتفكير النقدي، لأن الإصلاح عملية دؤوبة باعتبارها حوار مع الحاضر، وربط الفكر بالممارسة وآليات التفكير الذي ينبع من المشاركة والتفاعل مع الناس والجمهور، وهكذا نستخلص بأن التجديد هو عملية متواصلة معقدة متشعبة وذات خطوط متعددة ينبغي أن يساهم بها جمهور الحزب، كما رأينا في الثلاثية (من الماضي إلى الحاضر.. إلى المستقبل..).
• أمام التطويرات والتدقيقات في الكونفرنسات والمؤتمرات الوطنية، تطوَّر مفهوم الحزب في الجبهة الديمقراطية عبر مفهومها للعمل الجماهيري، والمنظمات الجماهيرية (المنظمات الديمقراطية) والذي بدأ تراثياً بكتيب لينين "حول العمل في وسط الجماهير"، ومقالته الشهيرة "هل ينبغي للثوريين العمل في النقابات الرجعية؟"، أي إن العمل الجماهيري قد احتل منذ انطلاقة الجبهة وحتى اليوم موقعاً رئيسياً في برامج مؤتمراتها؛ وخطط العمل الملموسة لمنظماته القيادية والقطاعية والقاعدية، ومعها في تلك البدايات "القوات المسلحة الثورية"، التي كانت تساهم بحكم مواقعها في التماس مع الكيان الصهيوني في خدمة القرى ومساعدة الفلاحين، سواءٌ في مواسمهم أو في خدمات التوعية الصحية وعيادات العلاج والأدوية، فضلاً عن التوعية بحقوقهم المشروعة، وأسهم مفهومها في تطوره إلى بناء خطط وبرامج وآليات تنفيذ، في دفع للحركة الشعبية التي ناضل الحزب ضمنها.
• إن المنظمة الجماهيرية هي شكلٌ من أشكال التنظيم لفئات محددة من الجماهير، لها خاصية محددة؛ مهنية أو اجتماعية أو عمرية، تهدف إلى تعبئتها حول مطالب وأهداف محددة اجتماعية، شبابية، نسائية، ومهنية، وعمال المواسم، المهن الحرة، أو فئوية مثل روابط المعلمين، الفلاحين والزراعيين، كتل الفروع الطلابية (النوادي الروابط واللجان)، وأحياناً ذات طابع سياسي ولجان دعم مثل (المليشيات...الخ، ويحتوي منها على لوائح تنظيم، وآخر وأهداف، وبرامج وآليات عمل مختلفة بحكم خصوصية القطاعات والفئات الاجتماعية، التي تتوجه لها، وتتبنى مصالحها، وترفع شعارات مطالبها، وترعى عملها الداخلي، هذه اللوائح الناظمة تحددها (الجمعيات العمومية) لدى اجتماعها.
تختلف المنظمة الجماهيرية (الديمقراطية) عن الحزب السياسي (الثوري) حيث أنها لها تركيب تنظيمي خاص (مختلف) وأهداف واضحة التمايز، حيث أن دورها يقوم على بلورة المطالب الأساسية للفئات الاجتماعية المعينة، عبر صياغة برامج مطلبية، وخوض نضالاتها لتحقيق مطالبها الآنية، الملموسة ذات الطابع الديمقراطي، بينما الحزب يقوم على جذب التغيير السياسي من خلال العمل الديمقراطي، وكشف التناقضات الطبقية بين مصالح الجماهير من جهة ومصالح الطبقات المسيطرة واستغلالها للجماهير من جهة أخرى، وهي عملية ذات حدين، تبدأ بالعمل على إنضاج وعي هذه الجماهير لمصالحها في التغيير السياسي الجذري، عبر تراكم التناقضات.
وهكذا، يكتسب النضال الجماهيري (الديمقراطي) بعداً سياسياً مُضمراً، في صيرورة التغيير الديمقراطي نحو السياسي، من خلال كشف التناقضات؛ فضلاً عن إنضاج وعي هذه الجماهير لمصالحها في التغيير، ينبغي تعريفها بأنها رافداً من روافد العمل السياسي والتكامل معه...
كما تختلف أساليب عمل المنظمات الجماهيرية وصولاً إلى الثقافة والإبداع والفنون، باختلافات خاصِّية كل قطاع، والبرامج المطروحة، ومستوى الاستعداد النضالي في ظل الظروف الملموسة للصراع السياسي والمطلبي الديمقراطي، وهذا المفهوم هو الذي يحدد نمط العلاقة بينها الحزب (الجبهة الديمقراطية) وجماهيره، حيث على أعضاء الحزب بناء منظمات ديمقراطية يناضلون من خلالها، دون أن يقعوا في إرباك الخلط، بالإِحلال مكان المنظمة الجماهيرية، وهذا يتطلب تخصصاً لكادر الحزب في العمل الجماهيري، وفي اتخاذ برامجها (المنظمة) وآليات تطبيقها دون تعثر، أو إحلال الذات الحزبية بديلاً عنها وبإسمها.
إن تنظيم الجبهة الديمقراطية يمتلك إِرثاً نضالياً عظيماً في هذا الجانب، وتدلنا التجارب التاريخية الغنية؛ أن هذه التجارب الغنية لا تتعلق بالأعداد الحزبية التي تعمل بهذا الجانب، في حين أن الأنوية الحزبية كانت تستطيع أن تحشد حولها قطاعات كبيرة، ونحو التمثيل في الهيئات الطلابية والاتحادات النسوية، والقطاعية كالمعلمين والمحامين والأطباء؛ والنقابية المختلفة...الخ، أَساسها عدم الخلط بين قواعد العمل الحزبي وبين لوائح المنظمات الجماهيرية (الديمقراطية)، نرى هذا دون رؤية إغفال الظروف الموضوعية العديدة المعيقة، ودون إغفال الأسباب الذاتية الراهنة، ووجود الكادر المتخصص، وأهمية الحوار والنقاش مع القطاعات الديمقراطية؛ للمزيد من تفعيل دورها ومنطق استهداف هذه المنظمات لتوجهاتها، وعبر أي فئة أو فئات اجتماعية، ووضع الأنظمة الملائمة للأهداف (اللجان الوطنية، وإطارات حق العودة..الخ) في الشتات ومخيمات الداخل في الوطن وتحت الاحتلال.. وتعريف هذه المنظمات الديمقراطية والدور المطلوب منها، على الرغم من الظروف الموضوعية الضاغطة الكثيرة عبر تطبيق الرؤية الحزبية ومراجعتها في كل محطة ودراسة أوضاعها.

• ورد في تعديلات المؤتمر الوطني العام السادس (2013)، في البرنامج السياسي، تحت عنوان "الثورة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العربية"؛ في توصيف مأزق وعجز القيادات البرجوازية الوطنية العربية التي تبدي عجزاً متزايداً...
(..) ويتزايد لديها الميل للتكيف مع واقع الهيمنة الامبريالية.. باستبدال النص "رهناً بنهوض الطبقة العاملة وحلفائها من الكادحين، بالدور الطليعي الذي يلقيه على عاتقها التاريخ، كقيادة جديدة لحركة التحرر الوطني العربية، قادرة على انتشالها من أزمتها واستنهاض الطاقات الزاخرة لجماهيرها، وزجِّها في نضال مثابر ضد الحلف الامبريالي- الصهيوني والأنظمة الرجعية المتواطئة معه".
بالصيغة التالية: "إن الخروج من هذا المأزق أصبح أكثر من أي وقتٍ مضى، رهناً بنهوض تحالف عريض، يضع أوسع القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية والعلمانية وفي القلب منها قوى الطبقة العاملة، كقيادة جديدة د.جـ.ت.و.ع.، قادرة على انتشالها من أزمتها، واستنهاض الطاقات الزاخرة لجماهيرها وزجِّها في نضال مثابر ضد الحلف الامبريالي- الصهيوني، والأنظمة السياسية المتواطئة معه، ومن أجل التقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء أنظمتها السياسية على الأُسس التي تكفل التعددية السياسية والحزبية، وحرّية الرأي والمعتقد، والحريات العامة، والديمقراطية وحقوق المواطنة والمساواة بين المرأة والرجل، ومن اجل حماية وتعزيز سيادتها على ثرواتها الطبيعية واقتصادها الوطني وصونها من الهدر وسطو مراكز القوى الفاسدة على المال العام، ومن أجل التحرر من القواعد والتسهيلات العسكرية للقوى الامبريالية، فضلاً عن حماية وتطوير الثقافة الوطنية التقدمية"
بعد معاينة التعديل يمكننا القياس على ما يسمونه "ثورات الربيع العربي"، ثورات تفتقد إِلى فلسفة وفلاسفة وهامات وقامات فكرية، ومغايرة للمفاهيم الثورية الكبرى فهي تفتقد إِلى مرجعيات؛ لا تعرف سوى الدم واللهب وما بين واشنطن وقطر ودهماء وغوغاء ومجانين، ثورات أوقدها النفط والبترودولار مجهزَّة بأدوات التكفير والانتحار والتفجير وفتاوي "فقهاء" الثورة العربية تنظم حفلات الجنس مع الحواري، أما مفكرها الفعلي، هو هنري ليفي وآخرون في الغرب، التي وصفها بالتدمير الذاتي، وبعد تدمير ليبيا حين أعلن أنه فعلها "من اجل يهوديتي، ومن اجل إسرائيل، ومن أجل صهيونيتي"، أما مفتي "الثورة" القرضاوي، فهو يخضع لفكر وسلطات الإقطاع وهبات "مال الله من البترودولار" دون منّة لأن حكام المال ذاته، هم خلفاء عليه، أما المال فهو لله"(!)، إقطاع هو أسوأ ما جاء في الإقطاع ممثلاً بـِ "البترودولار" الذي هو أول ما يحتاج إلى تغيير مدعاةً لنهوض العرب، ومدعاةً لكل ما هو نقدي ذاتي، فهو يطرح مبدأ العنف وفتاوى الدم باسم "الشرع والشريعة"، بغطاء فكر الإقطاع ولا يقدم مضموناً اجتماعياً لهذه الثورة، وبعيداً عن معنى العقد الاجتماعي الحداثي والعصري، بقدر استهدافه ما يرضي المشاريع الامبريالية المرسومة.
على أرض الواقع، إذا راجعنا ما جرى، وتمت معاينة ما يدور في الواقع، يمكننا استثناء مصر التي بلغت مع بداية عام 2014 ووصلت بتعدادها إلى 95 مليون مواطن، والتي تمكنت بثورتها من الإطاحة بنظام الفساد، أي ثورة يناير بملايينها، ثم أطاحت بالرئيس الإخواني مرسي لتصحيح التوجهات الوطنية تحت شعارات ثورة يناير، حين خرج الشعب إلى الساحات والميادين بعشرات الملايين، وجوبهت بالحديد والنار "الإخواني" وواصلت حتى الإطاحة به..
هنا ومن موقع مسؤولية الجيش الوطني المصري ، تدخل لصالح استفتاء الشعب بملاينيه، وصولاً إِلى إقرار الدستور الجديد، بعد أن استبق الجيش المصري، ما تُدْفع له مصر من حرب أهلية لا تبقِِ ولا تذر، إذن ما وقع ليس انقلاباً بل ثورة شعبية عارمة على ما وصلت له مصر في مكونها الاجتماعي.
إن انقلاب 23 يوليو ضد الملكية عام 1952، بدأ انقلاباً عسكرياً وانتهى إِلى ثورة، بعد أن حمل مجلس قيادة الثورة من الحركة الوطنية المصرية، كامل برنامجها الوطني..
في مصر اليوم جيلاً كاملاً من المتعلمين والأكاديميين، لا يجدون مكاناً في سوق العمل، بعد عقود من تحرير السوق والخصخصة إرضاءً للبنك والنقد الدولي، وأمام المؤشرات الاقتصادية 26 مليون مصري تحت خط الفقر، بما يحمل من دلالة خطيرة، 40 بالمئة يعانون من الأميّة بما تحمل من كوارث، وباروميتر قياساتها وانعكاساتها الخطيرة على الوعي الاجتماعي، بما يسمح بغزو "الأسطرة" والأفكار السوداء والمتطرفة، كما توجد شرائح أخرى في المنتجعات والعزب والقصور الباذخة لا علاقة لهم بكل هذا، فهم شعب آخر.. لا بالفقر ولا بالطبقات المتوسطة، وشرائح معدومة من كل شيء يتصل بالحياة، بالعشوائيات وما ينتج عنها من مخاطر ايكولوجية وصحية، فهم خارج أدنى أبسط الخدمات الإنسانية البدائية.
هذا كله، نتاج الليبرالية المتوحشة والفساد، والارتهان للسياسات الرأسمالية والبنك الدولي، الليبرالية المتوحشة والانصياع لتوجهاتها، التي ترفع الشعار الدارويني "البقاء للأقوى"، وصولاً إِلى "معضلات لا حل لها"، في وحشية حرية السوق والاقتصاد، "لا حل إِلا بالتغيير".. شاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى"... عبر حلول في صالح مصر أولاً ودرءها عن المخاطر، عبر تدخل الدولة بالاقتصاد والتوازن الذي جهدت البشرية طويلاً في محاولة لقوتنتها، باعتبارها صنواً لعملية الاستقرار، وأي استقرار هو نابع من التوازن بالذات، ويحتاج هذا في مصر إلى البدء بالعلاج مع برنامج مديد أبعد من الخطط الُخمسية والإصلاح الاقتصادي، ثم أناطه الإغريق برأس الدولة باعتبارها في حينه نمطاً من العقد الاجتماعي..، هذا الطريق وخارطته هو الوحيد لدرء المخاطر والكوارث المحيطة بمصر، بدءاً من ضبط الناتج العرضي في عموم مناحي الحياة، البطالة والعمل وتدخل الدولة في الاقتصاد، ونحو القطاع العام، نحو التغيير في كل شيْ للخروج من حدود الخراب..

"قسطٌ من العلم.. والنظرية.."
في المحيط الموضوعي.. قراءة خاصة خارج النص..
• إن معظم بنود "الثلاثية" وأسلوب بنائها وما ضمت بين أَسطرها من أهداف ومطالبات نابعة أَصلاً من إدراك "العقل الجمعي" للجبهة الديمقراطية؛ بأن الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة؛ قد حولت العلم إِلى قوة مباشرة للوعي والمعرفة؛ أي فضلاً عن القوة الإنتاجية، فهي تعمل نحو تمركز وتعميم الوعي، وطالما أن الثورة العلمية التكنولوجية قد زودت الثورة المعلوماتية بالمواد التي يمكن الحصول عليها، بل مهدت السبيل لإِحلال عصر الإِختيار غير المحدود، عبر المعلوماتية الحديثة، لأنها وفرت إمكانيات الدراسة والتجريب والتحقق والاستبيان المسبق والاستفتاء، وجعلت منها الحليف الأكبر لِبث المعرفة والتوصيل والتواصل الاجتماعي، معززةً فهم جدل التغيير للمهتمين به، وجدل المكتسبات الاجتماعية عبر العلم والمعلوماتية والاتصال والتوصيل.. وكما نشاهد اليوم، ثمة تأثير متبادل بين العلوم والتكنولوجيا، كلاهما يشحذ الآخر، فالاكتشافات العلمية تقوم بدورها في استحداث التطورات التكنولوجية، وكلاهما أيضاً مادة وقوة ثورتين تفعلان في تغيير المجتمعات، وتعملان على القضاء على المفاهيم البالية القديمة، الخيالية المؤسطرة والوهمية حول الطبيعة واستبدالها بأفكار أخرى..
إن دافع الإنتاج الذي يرى أنه ليس من واجبه أن يفلسف أحداثه، في اندفاعاته الكبيرة النهمة، وهو محكوم بآليات مراكمة رأس المال، الأمر الذي يدفع إِلى "غروب الفلسفة" واختزالها للمعطيات الأخرى وتهميش مكانتها الحديثة، فليس من واجبها وصلاحيتها أن تفكر في ذلك، أو أن تدفعه نحو التعقل ونحو العقلانية، فالاندفاعات العلمية اضطرادية في تحولات الرياضيات والمنطق والفيزياء النسبية..، وليس غريباً أن يكون شاب يافع في بداية العقد الثاني وبثقافة متواضعة طابعها سلفي هو "وائل غنيم" مرجعية الثورة المصرية(!!)، وذلك عبر "المرجعية" القَطَرِية في الدوحة، وقد ضخمت "الميديا" دوره فوهجت دوره بانفعال مكرس واشتعال فوسفوري.. فتوهج وانطفأ.. ولم يعد يذكره أحد..
• يعيش عالمنا المعاصر ثورة لا متناهية في التواصل وطرق نقل المعلومات، عبر التقنيات الحديثة التي تنقل المعلومات بومضات ضوئية، ونستطيع القول بأن زمن حجب المعلومات قد ولى نهائياً، ولم يعد بالإمكان وضع الأسوار والأسلاك الشائكة أمام حركة الفكر والثقافة والسياسة، وبتنا أمام نمط جديد، ينبني معه واقع جديد بأدواته الفائقة، ونغماته المتسارعة، ومعطياته المتحولة، بكامل منتجات الأثير ومعلوماته السيالة والعابرة للمجتمعات والدول، لكن من الواضح أن هذا الواقع ازداد تعقيداً والتباساً وانفلاتاً وتحولاً على المستوى العربي العام، فيما نشاهد تحولات و(تغيير) نكوصي إِلى مراحل ما قبل الدولة الوطنية عربياً (ليبيا، اليمن، وإلى حدٍ ما العراق بعد الاحتلال)، ويمكن إحالة ذلك إِلى متطلبات العولمة وأسواقها..الخ.
بل ويمكن أيضاً ربطها بالتحولات الحداثوية، في حين أن العالم المتقدم دخل مرحلة ما بعد الحداثة، لأن الحداثة بوصفها خطاباً فلسفياً محطماً لـِ "الأصنام"، بإزالة الصبغة "السحرية" عن العالم، أجج العقل الإقطاعي المديد عربياً في انقطاعه المتواصل وخروجه من الزمن والتاريخ، جاء هكذا لدينا – نحن العرب- تأتي هذه الموجة بين منعطف ثقافي.. ولما قبل الحداثة ذاتها، أي العصر الذي يؤدي إلى الحداثة، وليس كما وصفها ماكس فيبر "الشرخ الكبير بين عالمين: عالم الأسطورة.. وعالم إزاحة الأسطورة"، أَي المرحلة ذاتها التي ينتعش بها التفكير والمفكرين، والثقافة والمثقفين، أي أولئك الذين يولدون في مراحل التغّير والتغيير، ويبرزون في المراحل والعصور الموجودة بها قطيعة تاريخية بين مرحلة وأخرى في المجتمع البشري، بالانتقال من العقل "التراثي" إلى العقل والحقل الحداثوي، هنا يظهر المثقفون، كما وقع في الغرب أَمثال جان جاك روسو و"العقد الاجتماعي" و فولتير وبيدرو ومونتيسكو..الخ، وتحولوا بالتغيير إلى علماء وفلاسفة بعد مراحل الانجاز، يعمقونه ويفلسفونه ولم يقفزوا على الكراسي؛ بل نأى الكثير منهم بنفسه عنها.
وفي العالم الثالث برز ِمثْل هذا في جنوب إفريقيا وفي تشابه بينها وبين فلسطين (آبارتهيد)؛ ممثلاً بمناقبية الحكيم مانديلا وثُلّةً كبيرة لديه في قيادة حزبه، لعل أبرزها القس ديزموند توتو بحسب الاحتكاك الفلسطيني المباشر-، الذي زار فلسطين لفك الحصار عن الرئيس الشهيد أبو عمار، وليشاهد الآبارتهيد في فلسطين. برزت هنا جماليات العقل العملي لمناديلا في تماهي نظري بالتطبيق، فـَ (الأنا) نؤكد حضورها وتتماهى مع (نحن- الشعب الأفريقي)، من أجل حضور أقوى بجمالية تتمتع بها المثالية، تُعين الموقف من الجدوى والانبعاث والموقف الفلسفي من التغيير والتحرير، وهي قد عينت موقفه الفلسفي الأساس من الوجود والوعي، إلى أن وصلت إلى الانتقال والتغيير العملي دون أن تحرفه، أو تفرض ظلالاً على الرؤية الواقعية التي تربك العقل العملي فتخلخله، وهو (العقل) يقرُّ بنفسه بتحولات الفكر إِلى ما يخالفه، وفي مرحلة عقلية متكاملة في صناعة أفكار المستقبل، فيا لها من معرفة مستقبلية تدعو إلى الإعجاب لدى مانديلا، إنها المعرفة بوصفها علماً أو نسقاً، بل بات علماً جرى تطويره، وبهذه النظرة- الانتقالية، التغيير- لامس مستقبل الحياة بقوة في مضمونها الفكري والأخلاقي، فلا يتحقق الهدف إِلا إذا اكتمل التطبيق، فوجدت مكان تحقيقها بتدخل المعرفة وتوجيهها بالعقل العلمي- العملي معاً، وبكامل جوهره الإنساني، وبقي الفكر حياً ومحترماً، فالمصلحة في خلق الحياة والحفاظ عليها تتلازم تاريخياً مع خلق حياة منظمة من خلال المعرفة وتطبيقاتها، لأن أي نظرية لا إمكانية لها للتطبيق أو الامتثال له تتوقف أو توقف إعمال الفعل بها ومعها، فالحياة تحتاج للنظرية الحيّة التي تتفاعل وتتطور بالمستجدات، لأن العقل العملي يحتاج إلى نظرية تؤازره يدخل معها في التجربة ومن ثم ممارسة التطبيق، لأن افتقاد هذا الشرط يبقي العقل معزولاً.
بالخروج من الماضي، بل والخروج من المعرفة التأملية – كانت رصيد مانديلا في سجنه المديد - المعرفة التأملية والانطباعية وعلى ما يصله من رسائل العمل السري المقتضبة في معزل زنزانته، نحو معرفة قائمة على إِعمال العقل بالمعنى الرياضي والحسابي وصولاً إلى الاستقلال الناجز، والدولة الحداثية، وإنصاف شعب من العبيد مغرق بالاسترقاق المتخلف والاغتراب، حين جاء فعل التغيير فكانت ثورة سياسية دستورية سياسية وقانونية اجتماعية تبادلت المواقع بمحددات مفهومية وقيِّمية، عبر مساراً حداثياً دستورياً متشابكاً أنهى الاستبداد السياسي والقانوني والاجتماعي- العنصري، مُتخذاً منهجاً برهانياً استدلالياً، لدرجة أنه بعد الانجاز سَلَبَ "القداسة" عن ذاته... فعندما سؤل في الأسابيع الأخيرة من حياته عما هو نادم عليه، أجاب بأن ظروفه لم تمكنه من احتراف كامل لرياضة الملاكمة التي يحبها ويتمنى لو أحرز بها الجوائز العالمية..
هكذا مقيماً سلطة حداثية راسخة تشكل رمزاً للتقدم والتحضر والكفاءة والعلم والعدالة والمساواة، وللفلسفة العقلانية، لمعرفته أن الحداثة قد اصطدمت في القرون الثلاثة الأخيرة في الغرب مع الكنيسة والمؤسسة الدينية معرفياً وإيديولوجياً، ولإدراكه العميق بأن فعل التغيير الحداثوي هو منجز خلقته المدينة بالأساس، بما تملك من نزوع نحو إنهاء اَلتَّصُنْم الثابت، وتتطلب الانسجام مع الآخر؛ وتبادل المواقع لإنتاج خطاب يقف في الضد من الأحادية المنغلقة على نفسها، ولأن أبرز سماتها الدعوة للمساواة، والنظر إلى جميع أبناء البشر بعين واحدة.
بينما العرب وأحزاب اليمين من الإسلام السياسي يقفون عند منعطف تاريخي يحمل انقطاعاً تاريخياً خاصاً هو بحد ذاته معضلة تاريخية..، وفي موقع جغرافي هام وخاص وثري جداً في ثرواته من الطاقة.. وظروف وأوضاع "حضارية" انقطاعية ماضوية خاصة، ومن يدعي غير ذلك فليأتِ بالدليل عليه.. كما ترى وتطالب الحداثة ذاتها..
هنا يتعين التنبه إلى أن الحداثة في الغرب ارتبطت أولاً بالإصلاح الديني، وإنهاء تحالف المؤسسة- الكنيسة- الدولة، بمرجعية الإدارة الذاتية الحرة والتعاقد المدني المُحدَدْ والمُحدِدْ لشرعية السلطة ونظام الحكم، وعليه يؤكد ماكس فيبر مفكر الحداثة "إن الأخلاق والعقيدة (البروتستانتية المسيحية) - أي الإصلاح الديني- ، هي التي خلقت المجتمع الرأسمالي المتطور، الذي يرتكز على العقلانية ويتقاطع مع السلطة" ، ونقول لعمل هذا التحول –الرأسمالي الليبرالي- ينبغي المرور بفصل الدين عن السياسة، الذي سيشكل مقدمات الأساس الديمقراطي، وليس الارتداد كما هو مرئي للعيان- عربياً إلى ما قبل الدولة، نحو الانفعالات والعادات والتقاليد العشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية الدينية، لأن الأحكام الميتافيزيقية والقوانين الشمولية القديمة لما وراء الطبيعة، هي التي تجعل من النص صالحاً للتفسير في كل زمان ومكان، هي إجابات جاهزة لعالم الوجود في الأديان، لا إعطائها مكانها الخاص الزماني– المكاني، أي – التاريخي- كما فعل ابن سينا، وابن رشد وهيغل وماركس وفيورباخ وسبينوزا...
• رأيكم في "الحل الديمقراطي الجذري" و "البرنامج السياسي والحل الديمقراطي الجذري" في سياقات الصهيونية وتعبيراتها.. في الخلفية والحركة، وفي "المسألة اليهودية" ونشوء الصهيونية والآليات النضالية المجتمعة لتفكيكها، من خلال تفكيك وظيفتها وتعبيراتها وأسباب نشوئها.. وأهمية تعزيز التفكير ورهان المثقف النقدي..
• إن الإعلام العربي- الميديا- يعمل بعقلية الإقطاع... أما الإعلام الصهيوني فهو رأسمالي عاملاً بنيوياً في الرأسمالية، ولهذا السبب يجري تضخيم جماعات الضغط الصهيوني في الغرب/ لا النظر إِلى عضويتهم في البنيوية الرأسمالية ذاتها..
"قسط من الفلسفة.. وجدل التاريخ.."
إن معظم بنود الكتب "الثلاثية" وأسلوبية منهجها وبنائها ومنحى رؤيتها الموضوعي والذاتي، جاء بأسلوب علمي رياضي ومقارن لما احتوت من "فكر تاريخاني"؛ بمعنى التاريخ الممتحن بالتجربة وبواسطة مجريات التجربة الذي لا يفصل "القول" عن الفكر، وهي تراهن على "الفلسفة" النهائية والتفكير في شروطها، وتحقيق الأهداف الوطنية المرتبطة بقضيتها، والأدق أيضاً في وضعياتها، ومن هذا الموقع نحو صيرورة تشكيل الوعي الحديث، في تقاطع مفاهيم "الحقيقة" والذات؛ فالفلسفة لم توجد عبر جميع مراحل التاريخ، وقامت على الانقطاع في الزمان والمكان حينها كانت تشتعل وتتوهج لأن لها وضعيتها الخاصة، الأمر الذي دفع ماركس ليعلن نهايتها عبر تحقيقها للتاريخ...
ومن خلال الفواصل التاريخية، قامت كما يُرى بين المدن الإِغريقية القديمة، ومن خلال "التكوين الاجتماعي" والملكيات المطلقة، ومن خلال الخطابات الايديولوجية والدينية الأسطورية، والكلاسيكية البرلمانية لكلمة "ديمقراطية" وتفسيراتها المختلفة.
إن بداهة هذا العرض هو الاحتفاظ بالبناء المفاهيمي للممارسة الواعية في سياق البرامج والنُظم، فهي –الفلسفة- لا تدخل في هذا الجدل، بل تتركه لأصحابه، بقدر ما تفتح على "إستراتيجية الحقيقة" ومنها فكر الاختلاف والتعدد، ومنطق الحوار كتنوع "منسجم" يبرز وجود الذات التي تُعطى مبررها من الآخر، وتفتح على الجدل المنطقي والحوار، وعلى تتريخ مقولة "الحقيقة" بزمانها ومكانها، والوضوح الدائب في حصاد التجربة التاريخية، واستقرار صورتها في تاريخها، وبمزيدٍ من الوضوح وفقاً لحسابات بيدر صيرورتها في غماراتها الراهنة وتجلياتها وتدفقها، هنا لا يوجد شك أو يقين بل خلاصات تطورية تاريخية لتجربتها وبوعي ناضج، وبإشراف ناضج يدفع للتصريح بمكنوناتها، وهذا مدعاة للتأمل والاعتبار..
في "غروب الفلسفة" التي كانت تُعرَّف بـِ "الحكمة" و "أم العلوم"؛ في عالم اليوم تبرز الرياضيات، وعالم اليوم يقوم على الاستبيان والإحصاءات، وتبرز كلمة "هندسة"، ولا عجب أن تندرج في كل مناحي العلوم الحديثة وكأنها بديلاً لأم العلوم الفلسفة، "هندسة المدن الحديثة، هندسة البيئة والايكولوجيا، هندسة الجينات، الهندسة الالكترونية، هندسة إدارة العالم، هندسة المستقبل، هندسة المعقولات، انتروبولوجيا- علم الإنسان، هندسة الأدمغة، هندسة التربية والتعليم، هندسة العلم، هندسة الطبيعة، هندسة إدارة مستقبلنا..الخ"...
في هندسة الدماغ العربي، نستطيع القول من على أرض الواقع الراهن فقدانه لعلم المنطق الإغريقي القديم منذ أفلاطون، وهو الذي كان وما زال يدخل أَساسياً في عموم العلوم الغربية القديمة، كلمة "لوجيا- ولوغوس" باللاتينية (logos)، والانكليزية (logic) كمقطع لفظي- جيولوجيا، بيولوجيا، انطولوجيا، سيكولوجيا...الخ، ليطبع البحث المنظم في قوانينه ومبادئه العامة التي يتوصل لها العلم وفق التجربة والمعايير العقلية.. فماذا كانت ترجمه العرب له.. منذ القرن الثاني الهجري والسابع الميلادي ..!
جرت ترجمته بـ "الكلام أَو النُطق"، وليس التأكيد على بناء العقل أو الفكر والتفكير، ثم لدينا نحن العرب "النطق الظاهري.. والباطني" وقد أُدرج بالتفسير، بدلاً من إدخال "علم المعقولات والكم والكيف، والمنطق لدى الإغريق ومفاهيمهم، والاستدلال والاستنتاج التي تبدأ بمعادلة "إذا... فإن..." في القاعدة والمعادلة الاستنتاجية كإجراء منطقي "مقدمة صادقة تعطي نتائج صادقة، فهي لا تسمح بإعطاء نتائج كاذبة"..
وعليه جاءَت قوانين الفكر والمبادئ العليا المنطقية، بعيداً عن "الميتافيزيقيا" بل وناقدة لمفاهيمها وناقدة لتفاصيلها، بينما العرب "طوروا" كلمة "منطق" بالكلام والنطق، ثم بالسجالات والبلاغة والخطابة وتبارز "المنطق" في سحر "السجع والبديع والكناية والطباق، ونرى كيف أن شاعراً مبدعاً وعظيماً مثل "المتنبي"، ماذا فعل بحاكم مصر النوبي "كافور الأخشيدي" وعندما لم ينل إِلا "الدنانير".. وفقط، وكان يرغب في ولاية يحكمها وليس فقط دنانير الاخشيدي، كيف انقلب عليه.. حتى بعيداً عن الدين الإسلامي ومفاهيمه، فالعبد في التاريخ، لم يكن أسود اللون والبشرة مثل كافور، فالمتنبي انتقل من المبطن من "أبا المسك.. إلى":
لا تشترِ العبد إٍلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد..
واحتقروا كلمة فلسفة.. "يتفلسف..!"، ففقدوا "منطق الحوار"، بسفسطائية سجالية وبالتركيز على "الآخر" وبعقلٍ أُحادي الجانب، مشتغلين على حدوده دون اجتهاد.. حدود حافة الوعي في اختراق بؤرة التأمل والخيال.. وليس بؤرة المنطق..
على هذا المنحى لهذه "الهندسة" نبحث عن وجودنا وصورتنا المحدّثة المعاصرة...
كما في وجودنا المدني وشكلنا الثقافي في شمال الجزيرة العربية وشرق المتوسط، منذ أن بدأت قوافل "الأعراب" قادمة من أطراف الجزيرة العربية ومابين الربع الخالي والنفوذ، تجد لها مستقراً في بادية الشام، وفي صحراء الأنبار.. وإِلى امتدادها.. وعبر رحلة الشتاء والصيف، نحو اليمن أيضاً ووجودها المدني..
تنتج الصحراء الفرسان والمقاتلين والقوافل التي أخذت متواليات زمنية وحقب متلاحقة، وفي ثبات الصورة اللاعضوية مع المدن وتواصلها في الثقافة والفكر السائد في هذه البلاد، واستمرت منذ القرن السابع الميلادي حتى العصر الحديث، صورة البدوي الصحراوي القادم من الصحراء، المرتحل ليستقر بالقرب من واحات البوادي وقريباً من الحواضر المدنية.
وقد بلغ التناقض أشده القتالي في الكوفة وحواضرها وعلمها في صفين وكربلاء، ثم جرت محاولات صحراوية متعددة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، محاولات لوضع اليد على بلاد الشام، فشلت وهزمت..، ومن قبل السكان والفلاحين على وجه الخصوص، وقبل وصول حملاتهم إلى المدن.
ومع اكتشاف النفط العربي دخل عامل آخر، يتمثل أشده القتالي المرتبط بالنفط، وكأنه "ثيمة" لعنة تحمل "تجذراً" ما بالنظرة إلى الطبيعة المدنية المذكورة، ووفقاً لما ورد في مقدمة ابن خلدون حول مابين الربع الخالي وصحراء النفوذ، ثم مذكرات جون فيليبي وجيمفري ودورهما، وكلوب باشا في كتابه (اللواء الصحراوي... وتجربته في بادية الشام) بعد أن فشل في صحرائها الممتدة في العراق، فالبدوي يأنف الانضباط والروتين الضبط والربط وطوابيرها بما فيها تحية العلم، لكنه محارب القبيلة وعلى طريقتها بالكرّ والفرّ..الخ وكذلك سداسية عبد الرحمن منيف حول مدن الملح .. وغيره ..، فاللهيب الدموي الذي نراه اليوم لم يوقده فلاسفة ومفكرين ولا هامات وقامات فكرية.. بل النفط والجهل والانقطاع والتدّين السياسي.. ثم التكلم بلسانين.. لسان "الشريعة" ولسان "القانون".. وحيثما تكون ضرورة، ثم كيف لا يضيع العدل.. إذا كان لكل شيءٍ لسانين..! والأهم التبعية الامبريالية... ثم أَليست هذه إحدى التجليات "القومية" الخفيّة لشرق المتوسط في بلادها ومجتمعاتها وخارج "حدود السواد" بمكنوناتها..(!)، ومازالت تتمرأى في جميع مظاهرها العامة، في استشراف تلك العوالم الموغلة بالذات، صبغة اللاعضوية في الثقافة والمعرفة والاقتصاد والسياسة، في متوالياتها الزمنية، وأشكالها المختلفة، حين كانت تأتي القوافل بهداية النجم القطبي ليلاً.. وباتت اليوم بهداية القمر الاصطناعي وعربات الدفع الرباعي..، وكل شيءٍ يحمل نقيضه ..، وولادُ أسئلته.. فالعلم ذاته يستفاد منه ويسَّخر في إحلال الظلام والظلمات..
• لقد امتازت "الثلاثية" بأسلوب اللغة الرياضية والتوثيق التاريخي، ويمكن تناولها بمقالات مقارنة، عبر تناول أفكارها الحيوية العلمية بمقالات وبأسلوب محلق، بعيداً عن الاستشهادات المفرطة وهي ضرورة في مهمة التوثيق.. و كنمطٌ متقدم من الكتابة التوثيقية المقارنة، ونحو نمط من الكتابات السياسية ـ الفكرية التي تنتمي إلى تاريخ الأفكار، أن يجري التناول بمقالات برؤى حيوية شفافة متضافرة.. تفتح على بهجة وعاطفة جمالية، وعلى رأس اهتماماتها ميادين العقل، وباعتبارها موضوعاً مركزياً فلسطينياً راهناً، بما يحيق حول هذه القضية.. في أهمية معنى الرياضيات التاريخية.. طالما أن قضيتنا الراهنة تمُّر بمرحلة معقدة تصل إلى لحظات تواصل وانقطاع في الفكر ذاته.. لا تسمح لنا أن نعبر برواية واحدة فقط.. ونحو ما يتطلب منا ثقافة إستراتيجية..

• على ما سبق لم تسقط فكرة تطوير البرنامج السياسي في الجبهة الديمقراطية من السماء، بل تطور في قراءة الواقع الذاتي والموضوعي.. ثمة من يتكلم بـ (حل الدولتين..) ربطاً بالبرنامج المرحلي.. آخرون يدعون بأن البرنامج المرحلي هو ذاته.. (ما نتج عن أوسلو)، بيد أن الحل المرحلي ذاته هو الذي يفتح على البرنامج الاستراتيجي والحل النهائي.. فهو غير حل الدولتين؛ بيد أن حل الدولتين هو حل تكريس حق "إسرائيل" بالوجود، بينما الحل الوطني هو حل تفكيك للمشروع الصهيوني.. رأيكم..
في الختام؛ لقد خرجت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من رحم الجماهير الفلسطينية كضرورة تاريخية، معبرةً عن مصالح هذه الجماهير بالعمل على تحقيق التحرير والديمقراطية والاشتراكية.. والأهداف الإنسانية النبيلة والساميّة في بناء فلسطين الديمقراطية الاشتراكية، تتحقق فيها الحرية والمساواة، وعليه فهي أمام مهام جسيمة نحو الاستراتيجي التاريخي..
لنحقق معاً متطلبات المرحلة المعاشة بأخطارها الراصدة.. لنصحح أخطاءها وخطاياها وطنياً.. ونحو حزب من الطراز الجديد.. يتماشى ومتطلبات المرحلة الراهنة، ويجسد في كيانه وبنيته رؤية واضحة ومعروفة متطورة في ساحة الصراع ومتطلباته.. في إيجاد وسائل فتح أُفق ثوري فلسطيني على أرض الواقع..
نقدم هذا متحلين بروح الشفافية ومنطق الحوار.. وجميعنا نندرج في العامل الذاتي.. نحو تحقيق الموضوعي وباعتبار هذا التطابق هو الحقيقة ..أي فلسطين.. كما نريد حزباً نشيطاً وحيوياً يعتمد على الحوار والسجالات الهادفة.. والنقاش البناء والمدروس، مساهماً نشطاً مع الجماهير ونبضها ومعاناتها.. منفتحاً على التجديد والإصلاح..
إن الموقع الطبقي بارز في "مبادراتها الإصلاحية والوطنية في فلسطين، ومع الواقع الفلسطيني في تجمعاته المختلفة.. تبرز مواقفها محافظةً على هويتها الطبقية عبر تجلياتها بوضوح شديد في الخطاب السياسي، والبيان الاقتصادي- الاجتماعي، يجنح بقوة نحو إبراز هويتها وموقعها.. كما فكرها وبرنامجها السياسي وسياساتها اليومية وأهدافها.. و"الثلاثية" بين أياديكم تجيب على ذلك..