الشيوعي المجالسي الألماني باول ماتيك يستعرض كتاب الثورة المغدورة لتروتسكي


مازن كم الماز
2014 / 7 / 30 - 10:57     

ترجمة مازن كم الماز
باول ماتيك
"بطل" كرونشتادت يكتب التاريخ
استعراض لكتاب "الثورة المغدورة" لليون تروتسكي
1937
بالنسبة للقراء العارفين من قبل بأفكار تروتسكي و منشورات حركته , فإن كتابه الحالي سيكون مخيبا لآمالهم لأنه يحتوي على القليل فقط من المواد الجديدة . لذلك سأقتصر في استعراض هذا الكتاب على تلك الأقسام التي تشير إلى أن التغييرات تحدث أيضا حتى في عقل مثقف حزبي . لكن يجب القول أن هذه التغييرات كما يراها تروتسكي هي فقط قضية تأكيد على ما سبق – محاولة لكي يكيف "خطه النظري" مع وضع جديد يتناقض بوضوح مع المسلمات السابقة لنظريته .
على أي دارس جدي لروسيا السوفيتية أن يعترف بأن مادة تروتسكي تعطي صورة دقيقة عن الوضع الحقيقي في روسيا . يمكن القول أيضا أنه قدم في العموم تقدير عاليا لمرحلة الصعود الحالية في تاريخ الأممية الثالثة و سياستها الحالية رغم أنه ما يزال يميل إلى نسبة الدور المضاد للثورة لهذه الأممية الثالثة و لصاحبها , أي للدولة السوفيتية , إلى غباء و وحشية ستالين و رفاقه . يبدو أن "الأخطاء" و "الجرائم" الذاتية لهؤلاء القادة , حسب تروتسكي , تلعب دورا أكثر أهمية في التطور العام من الدور الموضوعي للضرورة الاقتصادية الاجتماعية .
تاريخ مشوش
كلما عاد تروتسكي إلى الوراء للبحث في ماضي البلشفية و روسيا , كلما كانت نتائج بحثه أكثر ضعفا ( تافهة ) . من المؤسف أن الفترة التي عمل فيها لينين و تروتسكي معا يجري التعامل معها بطريقة متعجلة كيلا يتيح المجال لأي تقييم نقدي لها . يجب أن يكون واضحا أنه لتفسير انتصار ستالين من الضروري العودة إلى الظروف في روسيا ما قبل ستالين و بالتحديد تلك السنوات المهمة التي سبقت صعود ستالين التي لم يتعرض لها قلم تروتسكي بأي نقد . يمكن تفسير الستالينية فقط من خلال البلشفية . إذا كانت اللينينية هي المرحلة الثورية من البلشفية , فإن الستالينية هي مرحلة تثبيتها لنفسها . إن المرحلتين غير منفصلتين و نقد أحدهما ذا قيمة ضئيلة فقط دون تحليل الأخرى .
يكتب تروتسكي : "لقد استعرضت الاشتراكية حقها في الانتصار , ليس على صفحات رأس المال , بل في المنطقة الصناعية التي تشكل سدس مساحة اليابسة – لا بلغة الديالكتيك , بل بلغة الفولاذ , و الاسمنت و الكهرباء" ( ص 8 ) . هذه الجملة , المقبولة بمعناها الظاهري , تفسد أي نقد للستالينية بكل تأكيد , لقد عرض "حق" "الاشتراكية" هذا بشكل أفضل في فترة ستالين مما سبقها . و فقط مع ستالين استعرض هذا "الحق" على كامل امتداد تلك "المنطقة الصناعية" . لينين نفسه لم يعتقد أنه من الممكن فعل أكثر من إثبات "حق" رأسمالية الدولة بعد استيلاء البلاشفة على السلطة . هل يمكن أن تروتسكي عندما ذكر ببراءة "مصطلح رأسمالية الدولة" كان يعتقد أن أحدا لا يعرف ما يعنيه هذا المصطلح بدقة , هل يعبر هنا عن أمله بأن يكون قرائه غير مطلعين على موقف لينين من هذه المسألة التي سيطرت على أفكار البلاشفة قبل صعود ستالين ؟
عبر لينين في المؤتمر الحادي عشر للحزب عن موقفه بكل وضوح : "إن رأسمالية الدولة هي ذلك الشكل من الرأسمالية التي ستكون مهمتنا وضع حدوده , ستكون هذه الرأسمالية مرتبطة بالدولة – أي بالعمال , بالجزء الأكثر تقدما من العمال , أي الطليعة , أي نحن . و بالتالي ستتوقف طبيعة رأسمالية الدولة هذه علينا نحن" . لكن كان من الضروري إخفاء طبيعة رأسمالية الدولة للاقتصاد الروسي عن الجماهير الروسية . كما عبر عن ذلك بوخارين في مؤتمر حكومي في أواخر عام 1926 : "إذا اعترفنا أن الشركات التي استولت عليها الدولة هي شركات رأسمالية دولة , إذا قلنا ذلك صراحة , كيف يمكن لنا أن ننظم حملة في سبيل إنتاج أعلى ؟ في المعامل التي ليست اشتراكية تماما , لن يزيد العمال إنتاجية عملهم" . هذا يكشف بوضوح أن البلاشفة لم يروا أنه من المناسب إخبار العمال أن روسيا كانت نظام رأسمالية دولة . بالطبع البرجوازية العالمية فهمت أنه يمكنها أن تتعامل بشكل جيد – إن لم يكن أفضل – مع شركة واحدة كبرى هي الرأسمالية السوفيتية مما فعلت سابقا مع عدد كبير من الأفراد الرأسماليين .
كثيرا ما ربط لينين رأسمالية الدولة مع الاشتراكية .. كتب في مقاله نحو الاستيلاء على السلطة : "ليست الاشتراكية إلا رأسمالية الدولة الاحتكارية ( أو احتكار رأسمالية الدولة ) الذي أقيم لفائدة الشعب بأكمله , و بهذه الخاصية تكف عن أن تكون احتكارا رأسماليا" . على الرغم من المعنى الواضح لكلمات لينين كتب تروتسكي أن تحليله لمفهوم رأسمالية الدولة "يكفي ليظهر كم كانت سخيفة محاولات ربط رأسمالية الدولة بالنظام السوفيتي" ( ص 248 ) .
رأسمالية الدولة الروسية
ينكر تروتسكي طابع رأسمالية الدولة عن الاقتصاد الروسي باختزال عبارة رأسمالية الدولة إلى عبارة لا معنى لها . أي أنه لا يرى في هذا المفهوم إلا ما كان يعنيه قبل الثورة الروسية , أو ما نراه اليوم في اتجاهات رأسمالية الدولة في الدول الفاشية .
بما أنه من الواضح أن روسيا اليوم تحت سيطرة اقتصاد مختلف عن ذلك الذي يعنيه تعبير رأسمالية الدولة في مجتمع فاشي أو برجوازي تقليدي , فإن هذا يسمح لتروتسكي بكسب مناظرته بطرح السؤال بالشكل الذي يناسبه . لكن نظام رأسمالية دولة متكامل هو بكل تأكيد شيء مختلف عن النزعات إلى إقامة رأسمالية الدولة , أو عن الشركات المملوكة للدولة , و حتى عن هيمنة الدولة في مجتمع برجوازي ( تقليدي ) . إن رأسمالية الدولة هي نظام اجتماعي يشترط نزع ملكية الرأسماليين الأفراد , أي القيام بثورة في علاقات الملكية .
بينما ينمو نمط الإنتاج الرأسمالي تاريخيا على أساس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج , أظهرت الثورة الروسية أنه يمكن لنمط الإنتاج الرأسمالي أن يستمر في ظل ظروف خاصة حتى عندما يتم التخلص من الملاك الخاصين و يستبدلون بجهاز استغلالي جماعي حيث لا تكون المعامل مملوكة لا للرأسمالي س أو الرأسمالي بل "تخضع لسيطرة" الدولة ( أي تمتلكها الدولة ) ( أي الطبقات المسيطرة ) .
لقد غيرت الثورة الروسية علاقات الملكية , مستبدلة المالك الخاص بالبلشفي و حلفائه , مستبدلة بالعبارات "الثورية" الجديدة الشعارات القديمة و رافعة المطرقة و المنجل فوق الكرملين حيث كان النسر القيصري يقف من قبل , لكن استيلاء البلاشفة على السلطة لم يغير نمط الإنتاج الرأسمالي . يمكن القول أنه تحت حكم البلاشفة بقي النظام كما في السابق : نظام عمل مأجور , و استمر انتزاع الطبقة الحاكمة لفائض القيمة الذي يشكل الربح . و ما جرى فعله بهذا الربح هو بالضبط ما كان يجري في ظل نظام الرأسماليين الأفراد , معطيا بذلك الصفة المميزة لرأسمالية الدولة .
وزعت القيمة الزائدة هذه حسب حاجات رأس المال الكلي و في صالح تراكم رأس المال و لحماية جهاز رأسمالية الدولة عن طريق زيادة قوته و سمعته .
فقط التغيير في نمط الإنتاج يمكن أن يأتي بالاشتراكية , و إلا , فيما يخص العمال , فإنهم قد استبدلوا فقط جماعة من المستغلين بجماعة أخرى . في ظل ظروف رأسمالية الدولة فإن عملية التراكم , و تطور القوى المنتجة مرتبطة كما في الرأسمالية "التقليدية" بانتزاع أكبر للقيمة الزائدة , بالمزيد من الاستغلال , و بالتالي بظهور طبقات جديدة , ذات مصالح راسخة جديدة لكي تواصل هذه العملية بما أنه لا يمكن للطبقة العاملة أن تستغل نفسها .
تخدم هذه الضرورة الرأسمالية في شرح التطور الروسي , لا يمكن "لخط" آخر و لا "لسياسة" أخرى , أن تغير هذا التطور . بفشل إدراك طبيعة رأسمالية الدولة لروسيا , و باعتبار اقتصادها الحالي خطوة انتقالية نحو الاشتراكية , يشير تروتسكي فقط إلى استعداده لإطلاق ثورة رأسمالية دولة جديدة ستقود بالضرورة إلى ستالينية جديدة – أي إلى خيانة أخرى للثورة .
مدافعا عن آلة جديدة
يصف تروتسكي تناقضات الوضع الاقتصادي الروسي كما يلي : "إلى الحد الذي يطور القوى المنتجة , على العكس من الرأسمالية المتراجعة ( المصابة بالانحطاط ) , فإنه يحضر الأساس الاقتصادي للاشتراكية . و إلى الحد الذي يدفع القواعد البرجوازية للتوزيع إلى حدها الأقصى لصالح فئة اجتماعية عليا * , فإنه يحضر لاستعادة الرأسمالية . هذا التناقض بين أشكال الملكية و معايير التوزيع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية . إما أن تنتقل المعايير البرجوازية بشكل أو بآخر إلى وسائل الإنتاج , أو أن يفرض على معايير التوزيع أن تصبح متوافقة مع نظام الملكية الاشتراكي" ( ص 244 ) .
الحل , وفقا لتروتسكي , يكمن في استبدال البيروقراطية الطفيلية الحالية بجهاز غير طفيلي . لا حاجة في رأيه لتغيير أي شيء آخر بما أن النظام الاقتصادي السوفيتي مؤهل بالكامل للتقدم نحو الاشتراكية ؟ إلى جانب صعود ثوري عالمي جديد . هذه البيروقراطية الجديدة , الضرورية في الفترة الانتقالية عند تروتسكي , ستدخل كما يقول مساواة أكبر في الدخل . لكن لا بد أن تروتسكي يتذكر أن البيروقراطية الحالية قد بدأت بنفس الفكرة أيضا , محددة في البداية رواتب الشيوعيين , الخ . كانت الظروف التي تحيط بالاقتصاد هي التي , ليس فقط سمحت بل أجبرت البيروقراطية الحالية على تبني برنامج انعدام مساواة اقتصادي في صالحها . كان هذا متناغما مع الحاجة إلى تراكم أسرع لتأمين النظام ككل . و لا توجد ضمانة أن البيروقراطية التروتسكية المفترضة ستكون مختلفة في هذا المجال عن ماكينة ستالين .
في ظل نمط الإنتاج السائد في روسيا لا يمكن تطوير القوى المنتجة أعلى مما باستطاعة النمط السابق المعروف من الرأسمالية في العالم الغربي أن يفعله . لأنه لا يمكنها فعل هذا فإن نظامها للتوزيع لا يمكن أن يتجاوز معايير التوزيع الرأسمالي . مثل هذا التناقض بين أشكال الملكية و معايير التوزيع كما يتصور تروتسكي غير موجود . إن الطريقة الروسية للتوزيع هي في تناغم كامل مع نمط رأسمالية الدولة الإنتاجي .
من الضروري فقط أن نتحدث عن الدور الأساسي الذي لعبه تروتسكي في السنوات الأولى العاصفة من عمر روسيا البلشفية لفهم لماذا لا يمكنه أن يعترف بأن الثورة البلشفية كانت قادرة فقط على تغيير نمط الرأسمالية لكنها لم تكن قادرة على أن تتخلص من الشكل الرأسمالي للاستغلال . إن شبح تلك الفترة يقف في طريق فهمه لهذا .
* في النص الانكليزي stratum و ليس class
نقلا عن
http://www.marxists.org/archive/mattick-paul/1937/11/revolution-betrayed.htm