كارل بوبر – الجزء الثالث - عقم المذهب التاريخي


عبد الحسين سلمان
2014 / 7 / 25 - 13:38     

كارل بوبر – الجزء الثالث - عقم المذهب التاريخي

…. a historical movement going on under our very eyes….Marx-1848

A. كتب كارل بوبر كتابه , عقم المذهب التاريخي, The Poverty of Historicism في العام 1936, وكان على شكل محاضرات هنا و هناك ,ولم يتم طبعه الأ في العام 1957.
يعرّف بوبر, Historicism , بأنها طريقة في معالجة العلوم الإجتماعية, تفترض أن التنبؤ التاريخي هو غايتها الرئيسية. كما تفترض إمكان الوصول الى هذه الغاية بالكشف عن القوانين أو الاتجاهات أو الانماط أو الايقاعات التي يسير التطور التاريخي وفقاً لها.
وعن هدف الكتاب , يقول بوبر:
1. إن الدعوة الأساسية فيه , إن الاعتقاد بالمصير, destiny ,التاريخي , مجرد خرافة, ولا يمكن التنبوء بمجرى التاريخ الإنساني بطريقة من الطرق العلمية او التاريخية ,وذلك لأسباب منطقية بحتة, ولكني لم أبرهن فيه بالفعل على كذب المذهب التاريخي, historicism is a poor method but does not refute .

2. و يقول : ويمكن حصر الدليل في القضايا التالية:
1) يتاثر التاريخ الإنساني في سيره تأثراً قوياً بنمو المعرفة الإنسانية.
2) لا يمكن لنا , بالطرق العلمية او العقلية, ان نتنبأ بكيفية نمو معارفنا العلمية.
3) وإذن فلا يمكنننا التنبؤ بمستقبل سير التاريخ الإنساني.
4) وهذا يعني: نرفض قيام علمِ تاريخي , اجتماعي يقابل علم الطبيعة النظري, ولا يمكن أن تقوم نظرية علمية في التطور التاريخي,تصلح أن تكون اساساً للتنبؤ التاريخي.

3. لكنه يقول بعد ذلك: هذه الادلة لا تدحض بالطبع كل انواع التنبؤ الإجتماعي , فهو يتفق تمام الاتفاق وإمكان اختبار النظريات الاجتماعية, كالنظريات الاقتصادية, عن طريق التنبؤ بان أموراً معينة سوف تحدث , أن تحققت شروط معينة...م-1

B. نظرية عقم المذهب التاريخي و الماركسية.

فيما يتعلق بالماركسية فأن بوبر , استشهد بمقطع صغير من مقدمة الطبعة الألمانية الأولى 1867, لرأس المال.
لكن أجد نفسي مضطراً الى ذكر النص كاملاً ,لكي ابرهن , على خطأ نظرية بوبر, فيما يتعلق بالماركسية.

في مقدمة الطبعة الألمانية الأولى 1867, لرأس المال, يذكر ماركس ما يلي:

إن الفيزيائي , Physicist , إما أن يدرس ظاهرات الطبيعة حيثما تقع في أكثر الأشكال نموذجية , و أكثرها خلوّاً من المؤثرات المشوشة, أو أن يقوم , حيثما أمكن , بإجراء التجارب في شروط تؤمن حدوث الظاهرة بصورة لا تشوبها شائبة. إن موضوع دراستي في هذا الكتاب هو دراسة نمط الإنتاج الرأسمالي وعلاقات الإنتاج والتبادل. و إنكلترا هي الموطن الكلاسيكي لهذا الإنتاج في الوقت الحاضر. لهذا السبب أستخدم إنكلترا نموذج رئيسي لشرح أفكاري النظرية......فالقضية بحد ذاتها لا تنحصر هنا في هذه الدرجة او تلك من تطور التناحرات الاجتماعية الناجمة عن القوانين الطبيعية للإنتاج الرأسمالي, بل تتعلق بهذه القوانين, نفسها, بهذه الميول التي تفعل فعلها وتفرض نفسها بحتمية صارمة..... . eherner Notwendigkeit...( iron necessity) ........................... ....حين يهتدي مجتمع من المجتمعات الى اكتشاف القوانين الطبيعية , natural laws , التي ترسم حركته ,( والهدف النهائي لهذا الكتاب , أن يكشف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث, law of motion of modern society), فإنه يستطيع , لا بقفزة جريئة ولا بمراسيم تشريعية, أن يتخطى أو يلغي مراحل تطوره الطبيعي المتعاقبة, إلاّ , أن بوسعه اختصار زمن المخاض وتخفيف آلآمه......م-2

C. ويعلق بوبر على هذا المقطع, قائلاً:
.... نحن نجد الآن ان المنهج القائم على المذهب التاريخي يستلزم نظرية إجتماعية مشابهة الى حد غريب مع المنهج القائم على المذهب الطبيعي, وهي النظرية القائلة ,بان المجتمع متغير بالضرورة, ولكنه يسير في طريق مرسوم لايمكن ان يتغير....م-1
ويخرج بوبر بالنتيجة التالية:
هذه الصيغة التي وضعها ماركس , تعبر تعبيراً بارعاً عن موقف التاريخيين, historicist . فالمذهب التاريخي, وان كان لا يقول بالتواكل و القدرية بمعناها الصحيح, إلا انه يقول ببطلان كل محاولة تهدف الى تغيير التطورات الوشيكة الوقوع , أن هذا المذهب نوع فريد من القدرية , وكأنها بإزاء الاتجاهات التاريخية...م-1

D. وصف كارل بوبر الماركسية من خلال المقطع السابق, بالقدرية الاتجاه , Fatalism , وهي مرادفه عنده لمبدأ الحتمية.

E. ان ماركس يرفض بشكل قطعي الرؤية القدرية للتاريخ, و يرفض القول بتاريخ يتبع غاية خاصة مستقلة عن غايات يريدها الناس، فهذه الغاية لن تتحقق الأ بمشاركة واعية وأرادية للناس الذين يستطيعون في الوقت نفسه تحقيق غاياتهم الفردية في ضوء ادراكهم للظروف الموضوعية القائمة.

F. أن الحتمية, هي مقولة Argument , توحد بين عدة عناصر تاريخية مختلفة:
1) فهي تعني الأعتقاد الشعبي في سير العالم الذي لا تراجع فيه والذي لا يمكن التصدي له , وهو غير مكترث بالأرادة الإنسانية, اي الاعتقاد اللاهوتي بالقضاء و القدر.
2) تعميم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكية العلمية, وأعتبار كل ما يحدث هو نتيجة لأسباب محددة.
3) وتعني أخيراً , مقولة فلسفية تمنح صفة أخلاقية للمثل الأعلى في التنبؤ , انطلاقاً من تفكّر حول التجريب العلمي , وتدخل الإرادة الإنسانية الحرة في سير الأحداث.

G. ناقش غرامشي هذه المسألة بعمق, على مستوى مسائل ثلاث:
a. مسألة الغائية: رفض ماركس تحويل علاقات التتابع الى علاقة تحديد مسبق...وبين كيف يوفر رأس المال, في صلب التناقضات , شروطاً للأتجاه إلى حل هذه التناقضات.
b. مسألة الإمكانية: إن نمط الإنتاج الرأسمالي هو وحده الضرورة و الإمكانية من حيث إعادة إنتاج شروطه وتناقضاته تفتح مجالاً لإمكانيات الفعل البشري أن يؤثر ويحقق الإمكانيات بشكل منحنى curve , ,لا بشكل خطي , straight line.
c. في الوقت نفسه: تزول أسطورة إمكانية التنبؤ المطلق, حرر غرامشي معنى الإمكانية بقوله: لا يمكن التنبؤ الإ بالصراع ولا يمكن التنبؤ الإ بقدر ما نفعل و حيثما نسهم عينياً في إحداث النتيجة المرتقبة.

H. لم يتوصل ماركس الى نظريته الثورية لا عن طريق الحدس و لا عن طريق التصوف ولا عن طريق التأمل , ولا يؤمن ماركس بالمسلمات البديهية, Axiom , بل عن طريق دراسة دؤوبة و علمية للرأسمالية و هو القائل: من الضروري أن أؤكد للقارئ الذي يعرف الاقتصاد السياسي أنني وصلت إلى نتائجي عن طريق تحليل تجريبي ,تمامًا يقوم على دراسة نقدية دؤوبة للاقتصاد السياسي..م-3

وماركس لم يتحدث عن حتمية تاريخية, فقد كتب يقول في الايديولوجية الالمانية:
ليست الشيوعية , بالنسبة الينا حالة يجب ان تخلق , ولا مثلاً اعلى يتوجب على الواقع ان يعدل نفسه وفقا له, انما نسمي الشيوعية , الحركة الحقيقية, wirkliche Bewegung ,التي تلغي الحالة الراهنة. وان ظروف هذه الحركة تتولد عن بوادر موجودة حاليا...م-4

I. و كتب إنجلز رسالة الى جوزيف بلوك... J. Bloch في 21—28 – أيلول 1890 يقول فيها: ....إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج الحياة الواقعية , real life , وتجديد إنتاجها. ولم يقل ماركس أبداً ولا أنا, أكثر من ذلك. فإن شوه أحدهم هذا الرأي بأن جعله يدل على أن العامل الاقتصادي هو المحدد الوحيد , فقد حوله الى كلام أجوف , ومجرد , وغير معقول.... م-5

J. أن مقولة الضرورة والحتمية تتضمن القول بالعوامل المتعددة المتفاعلة والتي يلعب الوعي الانساني والممارسة الانسانية دوراً اساسياً بينها، يقول ماركس في البيان الشيوعي أن كل أزمة كبيرة في المجتمع الطبقي قد انتهت "إما بإعادة بناء ثورية للمجتمع ككل، أو بتدمير الطبقات المتصارعة...م-6
بمعنى آخر، فإن الأزمات تطرح بدائل، ولكنها لا تحدد مسبقاً النتائج. فأسلوب رد فعل العمال لحالة من الركود الاقتصادي الهائل لا يعتمد فقط على ظرفهم المادي ولكن أيضًا على قوة تنظيمهم الجماعي، وعلى الأيديولوجيات المختلفة التي تؤثر عليهم، وعلى الأحزاب السياسية التي تتنافس من أجل قيادتهم.



K. أن نظرية بوبر , عقم المذهب التاريخي, تصلح لنقد خرافات الاديان حول المستقبل و المهدي المنتظر , ونهاية التاريخ , لكنها فشلت في نقد المفهوم المادي للتاريخ: لأن التاريخ عند ماركس , التاريخ الحالي... jetzt bestehenden (now in existence ). الشيوعية : الحركة الحقيقية, wirkliche Bewegung ,التي تلغي الحالة الراهنة. وان ظروف هذه الحركة تتولد عن بوادر موجودة حالياً...م-4 .

L. كتب ماركس في (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت, يقول:
إن البشر يصنعون تاريخهم، ولكنهم لا يصنعونه وفق هواهم ولكن تحت ظروف يواجهونها، أو معطاة أو منقولة لهم من الماضي. هكذا كتب ماركس في عبارته الشهيرة وهذا يوضح أن البشر بالتأكيد مقيدون بظروفهم المادية، ولكن هذه القيود لا تحرمهم من الاختيار أو المبادرة...م-7 .

المصادر

1. Karl Popper : The Poverty of Historicism
2. Karl Marx :Capital Volume One…. 1867 Preface to the First German Edition
3. The economic and philosophic manu-script-s of 1844 - Karl Marx
4. Karl Marx. The German Ideology. 1845 Part I: Feuerbach
5. Engels to J. Bloch 21-09-1890
6. Manifesto of the Communist Party
7. Karl Marx :The Eighteenth Brumaire of Louis Bonaparte-1852
8. Labica : Critical Dictionary of Marxism