الوضع العام العالمي من منظور المذهب الماركسي اللينيني


امال الحسين
2014 / 6 / 25 - 08:06     

إذا كانت الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية فإن المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل الدياليكتيك الماركسي باعتباره نتاج الثورة الإشتراكية/عشية الإمبريالية، ولا يمكن تجاوز المذهب الماركسي اللينيني إلا بتجاوز المرحلة الإنتقالية بين الإمبريالية والشيوعية أي الإشتراكية وبالتالي تجاوز الدولة "نتاج ومظهر استعصاء التناقضات الطبقية"، لهذا أكد لينين على أهمية بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا في علاقتها بالثورة والديمقراطية الثورية والديمقراطية البروليتارية نقيض الديمقراطية البورجوازية.

الوضع العام العالمي من منظور المذهب الماركسي اللينيني

يدعي المناشفة الجدد في "قراءت"هم للوضع العام العالمي انيهار الرأسمالية مع انهيار الإشتراكية في آن واحد وينطلقون لبناء أسس "نظريت"هم "الجديدة" التي تدعي تطوير الماركسية، ويقولون أننا لسنا بحاجة إلى ماركس ولينين وهذا هو الإستنتاج النهائي ل"قراءت"هم، ويدعون أن ذلك ما تسعى إليه الماركسية اللينينية (سقوط الرأسمالية والإشتراكية)، إنه استنتاج تحريفي انتهازي لمقولة "حتمية زوال الرأسمالية" يتم إسقاطه على النظام العالمي الراهن وهو استنتاج مليء بالتناقضات الصارخة، التي لا يمكن الوقوف عليها إلا بفهم الأساس الإقتصادي العالمي ككل وتحليله في ظل وحدة التناقضات بين الإحتكارية والمزاحمة الحرة، في ظل التناقض بين الصناعة والفلاحة، في ظل التناقض بين الدول الإمبريالية الإحتكارية والدول الكومبرادورية التابعة لها، في ظل التناقض بين الثورتين الديمقراطية البورجوازية والديمقراطية البروليتارية.

لقد أكد لينين في تحليله للرأسمالية الحديثة/الإمبريالية أنه لا مجال فيها للمزاحمة الحرة بعد سيطرة الإحتكارية التي انبثقت من حضن المزاحمة الحرة بعد ولادة الإمبريالية، وأن المشاريع الصغرى لصغار البورجوازية ما هي إلا صمام أمان الرأسمالية الإمبريالية في تعايشها مع المزاحمة الحرة من أجل تجديد نفسها للخروج من أزماتها المزمنة، حيث لا يمكن القضاء على المزاحمة الحرة نهائيا في ظل الرأسمالية الإمبريالية لكون وجودها ضروريا لتنمية الرأسمال المالي المسيطر على الأساس الإقتصاد عالميا بسيطرة الإحتكاريين الماليين الإمبرياليين على السوق التجارية العالمية.

وكما لم يتم القضاء على الإقطاع نهائيا في ظل الثورات البورجوازية فإن الإنتاج البضاعي في الفلاحة يبقى مستمرا ما لم يتم القضاء عليه نهائيا في ظل الثورة الإشتراكية، والمزاحة الحرة تعتمد عليها الإحتكارية لبسط سيطرتها على الدول الكومبرادورية التابعة للرأسمالية الإمبريالية لجعلها مجالا للإستثمارات الإحتكارية من أجل تمركز الإنتاج في الفلاحة واستغلال الديمقراطية البورجوازية الصغيرة، والتناقض بين الإحتكارية والمزاحمة الحرة في ظل الوحدة كما هو الشأن في قوانين الحركة بصفة عامة أمر ضروري في استمرار الإمبريالية في التطور عبر سيطرة الرأسمال المالي على الإنتاج البضاعي، ذلك ما يشكل عمق التناقض الأساسي للرأسمالية الإمبريالية مما يعطيها النفس الطويل في مواجهة أزماتها المالية التي تشكل فيها الأزمة الإقتصادية العالمية محطة من محطاتها التي تلازما على طول تطورها إلى حين تحقيق الثورة الإشتراكية العالمية. يقول ستالين في هذا الشأن:"كذلك لا يعتبر جواباً رأي الماركسيين المزعومين الآخرين الذين يظنون أنه ربما يجب الاستيلاء على الحكم واللجوء إلى نزع ملكية المنتجين الصغار والمتوسطين في الريف وجعل وسائل إنتاجهم اجتماعية. فالماركسيون لا يستطيعون أن يسيروا في هذه الطريق الخرقاء والمجرمة لأن هذه الطريق تحرم الثورة البروليتارية كل إمكانية للنصر، ونلقي بجماهير الفلاحين في معسكر أعداء البروليتاريا إلى أمد طويل. وقد أجاب لينين على هذا السؤال في مؤلفاته عن «الضريبة العينية» وفي مؤلفه الشهير «البرنامج التعاوني».

ويمكن إيجاز جواب لينين بما يلي:

أ ـ عدم تفويت الظروف الملائمة للاستيلاء على الحكم؛ فعلى البروليتاريا أن تستولي على الحكم دون أن تنتظر حتى تكون الرأسمالية قد توصلت إلى خراب ملايين المنتجين الفرديين الصغار والمتوسطين.
ب ـ نزع ملكية وسائل الإنتاج في الصناعة وجعلها ملكاً للشعب.
ج ـ أما المنتجون الفرديون الصغار والمتوسطون فيجمعون بصورة تدريجية في تعاونيات إنتاجية، أي في مؤسسات زراعية ضخمة، هي الكولخوزات.
د ـ تطوير الصناعة، بجميع السائل، وإقامة الكولخوزات على أساس تكنيكي حديث، هو الأساس التكنيكي للإنتاج الكبير؛ وعدم نزع ملكية الكولخوزات، بل بالعكس، تزويدها، بشكل وافر، بأعلى طراز من التراكتورات وسائل الآلات.
هـ ـ لأجل تأمين التحالف الاقتصادي بين المدينة والأرياف، بين الصناعة والزراعة، يحافظ، إلى حين، على الإنتاج البضاعي (التبادل عن طريق البيع والشراء)، بوصفه الشكل الوحيد المقبول ـ لدى الفلاحين ـ للعلاقات الاقتصادية مع المدينة، وتطور التجارة السوفييتية على مداها، تجارة الدولة والتجارة التعاونية والكولخوزية على السواء، مع إزالة الرأسماليين، على أنواعهم، من ميدان التجارة.

إن تاريخ بنائنا الاشتراكي يدل على أن طريق التطور هذا، الذي رسمه لينين، قد ثبتت صحته تماماً. ولا يمكن الشك في أن هذا الطريق هو الوحيد الممكن والمعقول لانتصار الاشتراكية في جميع الأقطار الرأسمالية التي فيها طبقة من المنتجين الصغار والمتوسطين، كثيرة العدد إلى حد ما. يقولون أن الإنتاج البضاعي لا بد منه، مع ذلك، من أن يؤدي في جميع الظروف وسيؤدي حتماً إلى الرأسمالية. هذا غير صحيح. لا دائماً ولا في جميع الظروف! ولا يمكن اعتبار الإنتاج البضاعي والإنتاج الرأسمالي متماثلين. فهما شيئان مختلفان. إن الإنتاج الرأسمالي هو الشكل الأعلى للإنتاج البضاعي. ولا يؤدي الإنتاج البضاعي إلى الرأسمالية إلا إذا كانت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج موجودة؛ إلا إذا كانت قوة العمل تظهر في السوق كبضاعة يستطيع الرأسمالي أن يشتريها ويستغلها في عملية الإنتاج؛ إلا، بالتالي، إذا كان في البلاد نظام لاستثمار العمال الأجراء من قبل الرأسماليين. إن الإنتاج الرأسمالي يبدأ حيث تكون وسائل الإنتاج ممركزة بيد أفراد، ويكون العمال المحرومون من وسائل الإنتاج، مضطرين لبيع قوة عملهم كبضاعة. بدون ذلك، لا يوجد إنتاج رأسمالي."(1)

لقد وضع لينين أسس الرأسمالية الإحتكارية نظريا من أجل مواجهتها عمليا عبر الثورة الإشتراكية باعتبار الإمبريالية عصر سيطرة الرأسمال المالي على السوق التجارية العالمية، هذا البعد الجديد في الرأسمالية الحديثة الذي يميز الإقتصاد العالمي في ظل الإمبريالية والذي يتخذ اليوم أشكالا رهيبة بعد سقوط التجربة الإشتراكية النقيض الأساس للإمبريالية، من خلال تفاقم سيطرة الطغمة المالية على العالم بما في ذلك السيطرة على شعوب الدول الإمبريالية نفسها باعتبار الدولة الإحتكارية أداة لحماية مصالح الإحتكاريين الماليين الإمبرياليين.

ويقوم التحريفيون الإنتهازيون بإشاعة مقولة عيش الدول الإمبريالية في أزمات مثلها مثل الدول التابعة لها وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا من خلال:

1 ـ إعتمادها في اقتصادها على القروض والديون من المؤسسات المالية الإمبريالية العالمية وهي مدينة كباقي الدول.

وهذا الأمر يحمل نصف الحقيقة وليس الحقيقة كاملة إذ ليست الدول الإمبريالية التي تتحكم فيها الطغمة المالية الإمبريالية هي التي تؤدي هذه الديون، إنما الشعوب هي التي تؤديها على شكل "جزية على المجتمع ككل" كما قال لينين، والأزمة المالية الحالية التي انطلقت من العقار باعتباره مجالا حيويا للرأسمال المالي الذي يوفير شروط المضاربات المالية والريع وقد تحدث لينين عن ذلك في نقده للإمبريالية، ولم يرحم الإحتكاريون الماليون السكان المثقلون بالديون بأمريكا بعد طردهم من منازلهم التي امتلكوها بأداء أقساط الديون، وأصبحت حياة شعوب الدول الإمبريالية مقيدة بالديون حتى الموت.

والديون ليست إلا قيدا من بين العديد من القيود الإقتصادية التي حولت شعوب الدول الإمبريالية إلى شعوب استهلاكية، عبر سن السياسة التبعية في أوساط شعوبها بنشر سياسة القروض الإستعمارية، واستطاعت الإمبريالية تحويل هذه الشعوب إلى شعوب طيعة لسياساتها الإستعمارية وسكان مدافعين عن هذه السياسات ضد مصالح باقي شعوب العالم.

ولا غرابة أن تتنامى جميع أشكال العنصرية الإثنية والدينية وتتفاقم في أوساط الدول الإمبريالية الإتجاهات النازية والفاشية التي تكن العداء للشعوب الأخرى، ورغم بروز بعض الحركات الديمقراطية البورجوازية ضد الإمبريالية إلا أن أداءها ضعيف بحكم توجهاتها الديمقراطية البورجوازية الصغيرة والتحريفية الإنتهازية. يقول لينين:"إن الرأسمال المالي المتركز في أيد قليلة والذي يمارس الاحتكار فعلا يبتز أرباحا طائلة تتزايد باستمرار من تأسيس الشركات وإصدار الأوراق المالية ومنح القروض للدولة الخ.، موطدا بذلك سيطرة الطغمة المالية وفارضا على المجتمع بأكمله جزية لمصلحة المحتكرين. وهاكم مثلا من أمثلة لا تحصى، ذكره هيلفردينغ عن «تحكم» التروستات الأمريكية: في سنة 1887 أسس هافيميير تروستا للسكر عن طريق دمج 15 شركة صغيرة بلغ مجموع رأسمالها – 6.5 ملايين دولار. أمّا رأسمال التروست فقد تم «تمييعه بالماء» حسب التعبير الأمريكي وقدر بـ 50 مليون دولار. و«مضاعفة الرأسمال» هذه تأخذ بالحسبان الأرباح الاحتكارية المقبلة، كما أن تروست الفولاذ في أمريكا ذاتها يأخذ بالحسبان الأرباح الاحتكارية المقبلة إذ يشتري بصورة متزايدة الأراضي التي تحوي مصادر الحديد. وقد فرض تروست السكر في الواقع أسعاره الاحتكارية وحصل على مداخيل مكنته من أن يدفع لحملة الأسهم 10% ربحا مقابل رأسمال «مميع بالماء» 7 أضعاف، أي نحو 70% مقابل الرأسمال المدفوع فعلا عند تأسيس التروست! وفي 1909 سنة بلغ رأسمال التروست 90 مليون دولار. خلال 22 سنة تضاعف الرأسمال أكثر من 10 أضعاف." (2)

2 ـ إستيراد الدول الإمبريالية للمواد الإستهلاكية ويضربون المثل بأمريكا قائدة الإمبريالية العالمية.

وهذا القول نصف صحيح، لأنه لا يمكن أن ننسى أن الدول الإمبريالية حولت أغلبية شعوبها إلى شعوب استهلاكية وأن الرأسمال المالي غايته المثلى هي الربح السريع أينما تواجد ولا يستثني ولم يستثن أبدا أي شعب من الإستغلال، والطغمة المالية هي التي تستورد المواد الإستهلاكية الأقل نفقة لتعيد بيعها بأغلى الأثمان، حيث الأسعار مرتفعة بالدول الإمبريالية ونفقة انتاجها مرتفعة وتحدث لينين عن ذلك في نقده للإمبريالية.

وهؤلاء التحريفيون الإنتهازيون الذين يدعون هذه الإدعاءات نصف الصحيحة لم يقولوا لنا ماذا تصدر هذه الدول الإحتكارية الإمبريالية؟ وهل سبق لها يوما أن استوردت الطاقة النووية أو الأسلحة المتطورة أو الطائرات أو السفن أو حتى السيارات والحافلات من الدول الكومبرادورية التابعة لها؟

إن الدول الإمبريالية دول احتكارية صناعية بفضل تطور الكارتيلات والتروستات والسنديكات التي يتحكم فيها الإحتكاريون الماليون الإمبرياليون الذين يتحكمون في تصدير الأموال للدول التابعة، عبر الشركات الإمبريالية العابرة للقارات التي حطمت الحدود الجغرافية بين الدول من أجل بسط أشكال استعمارية جديدة، وأصبحت تتحكم في الإنتاج الصناعي بجميع أشكاله، من صناعة ثقيلة إلى صناعات خفيفة استهلاكية في كل مكان من بقاع العالم وفي ظروف استغلال أقسى للطبقة العاملة لم تعرفها البروليتاريا من قبل، ظروف أشبه بالعبودية والإقطاع في ظل ضعف الحركة العمالية الثورية العالمية والتراجع عن المكتسبات التاريخية للبروليتاريا في ظل التجربة الإشتراكية. يقول لينين:"إن جسامة عائدات إصدار الأوراق المالية، بوصفه إحدى عمليات الرأسمال المالي الرئيسية، تلعب دورا هاما للغاية في تطوير وتوطيد الطغمة المالية. وتقول المجلة الألمانية «البنك»: «لا يوجد في داخل البلاد مشروع يعطي، ولو على وجه التقريب، مثل هذه الأرباح العالية التي تعطيها الوساطة في إصدار القروض الأجنبية»" (3)

ولا غرابة أن نرى اليوم العاملات والعمال الوافدين من دول شرق أوربا يتم استغلالهم بالمعامل والمزارع الأوربية بأبخس الأثمان من أجل امتصاص غضب الحركة العمالية الثورية بهذه الدول بعد سقوط التجربة الإشتراكية.
ولا غرابة أن تنتشر السوق السوداء في أسواق الشغل الأوربية باستغلال جحافل العاملات والعمال بدون حقوق واستغلال العاطلين عن العمل من الأوربيين بتعويضات البطالة كل ستة أشهر في السنة.

ولا غرابة أن نجد المشاريع الصناعية التي تهدد البيئة بالتلوث تنتشر بدول شرق أوربية وهي في ملكية الإحتكاريين الماليين الإمبرياليين، الذين يستغلون قوة عمل الطبقة العاملة بأجور أقل من مراكز الشركات الإمبريالية العابرة للقارات لإنتاج بضائع إستهلاكية رخيصة تباع في أسواق الدول الإمبريالية بأغلى الأسعار.

3 ـ الطبقة العاملة في تقلص متزايد خاصة في بريطانيا.

وهذا الإدعاء يشكل نصف الحقيق، في أعرق الدول الإمبريالية التي قال عنها إنجلس في أعز سيطرتها في دراسة له للطبقات وعن البروليتاريا التي تبرجزت "أمر منطقي من أمة تستثمر العالم كله".

نعم هذا الإدعاء نصف صحيح، إن البروليتاريا في تناقص شديد في الدول الإمبريالية الكبرى التي تسيطر على العالم بتصدير الرأسمال المالي على شكل قروض للدول الكومبرادورية التابعة لها، من أجل دعم سياساتها التبعية التي تهدف جعل هذه الدول دولا استهلاكية ومجالا حيويا لاستغلال الطبقة العاملة الرخيصة والخامات والمنتوجات الفلاحية.

هذا الإدعاء الذي يتم الترويج له في صفوف الحركة العمالية الثورية العالمية من طرف التحريفية الإنتهازية لضرب أسس النضال العمالي الثوري، بالترويج بأن عدد البروليتاريين في انحدار متزايد في الدول الإمبريالية ولا وجود لهم أصلا في الدول التابعة، وهم في ادعاءاتهم يريدون الوصول إلى أن دور البروليتاريا التاريخي الذي أكد عليه لينين في أسس الثورة الإشتراكية قد تم تجاوزه ولا محل له في التاريخ اليوم.

وهم يتجاهلون أن العالم اليوم يعيش عصر أقصى الإحتكارات الكبرى نقيض المزاحمة الحرة، مما حول الدول الإمبريالية إلى مراكز للإحتكارية التي تعتمد على سيطرة الرأسمال المالي عبر المضاربات والريع وتقليص دور المزاحمة الحرة التي تعتمد على الإنتاج البضاعي.

ففي الوقت الذي بلغ فيه البناء الإشتراكي بالإتحاد السوفييتي أوجه في 1929 حلت أزمة اقتصادية عالمية لم تستطع ضرب الإقتصاد الإشتراكي، وفي ظل هذه الأزمة الرأسمالية نادى الإقتصاديون البورجوازيون بما يسمى بسياسة "التكافل الإجتماعي" من أجل تجاوز ما لحق الإقتصاد الإمبريالي من دمار نتيجة بروز الإقتصاد الإشتراكي، والنظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا سعى إلى تخطي أزماته على حساب استغلال الطبقة العاملة بإثقال كاهلها بعبء "تكافل العمال لإنقاذ الإمبرياليين من الإفلاس".
ولم تخرج الإمبريالية من أزماتها على حساب البروليتاريا إلا ودخلت في صراع حول إعادة تقسيم العمل الذي أدى إلى الحرب الإمبريالية الثانية.

لقد عاش الإقتصاد الرأسمالي أزمات هيكلية منذ بروز الإقتصاد الإشتراكي مما حدا بالإمبرياليين إلى محاولة تخطي أزماتهم ما بعد الحرب الإمبريالية الثانية بمزيد من استغلال الطبقة العاملة، وكان للسيطرة الإمبريالية على السوق التجارية العالمية والتقدم التكنولوجي والحروب اللصوصية في آسيا وأفريقيا واشتغال الإتحاد السوفييتي بإعادة بناء ما دمرته الحرب و إدماج دول شرق أوربا في الإقتصاد الإشتراكي دور هام في تخطي الإمبريالية مرحليا لأزمتها، إلا أنها واجهت مشكل السوق التجارية العالمية التي انقسمت إلى رأسمالية واشتراكية. يقول ستالين:"إن أهم نتيجة اقتصادية للحرب العالمية الثانية، ولعواقبها على الاقتصاد، كانت تفكك السوق العالمية الوحيدة الشاملة. وهذا ما أدى إلى تفاقم جديد في أزمة النظام الرأسمالي العالمي العامة. ولقد تولدت الحرب العالمية الثانية نفسها من هذه الأزمة ـ وكانت كل من الكتلتين الرأسماليتين اللتين ينهش بعضهما بعضاً أثناء الحرب تأمل في أن تتمكن من قهر خصمها وبسط سيطرتها على العالم. وبهذه الوسيلة، كانتا تسعيان إلى إيجاد مخرج من الأزمة. فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تأمل أن تتغلب على أخطر مزاحميها، ألمانيا واليابان، وأن تستولي على الأسواق الأجنبية، وعلى المصادر العالمية للمواد الأولية، وأن تبسط سيطرتها على العالم. على أن الحرب لم تحقق آمال الولايات المتحدة. صحيح أن ألمانيا واليابان قد وضعتا خارج المعركة، بوصفهما مزاحمتين للدول الرأسمالية الرئيسية الثلاث: الولايات المتحدة وانكلترا وفرنسا. ولكن شهدنا، من جهة أخرى، إن الصين وبلدان الديمقراطية الشعبية في أوروبا قد انفصلت عن النظام الرأسمالي، وشكلت مع الاتحاد السوفييتي معسكراً اشتراكياً واحداً جباراً، مجابهاً لمعسكر الرأسمالية. وكانت النتيجة الاقتصادية لوجود المعسكرين المتجابهين أن السوق الوحيدة، العالمية، قد تفككت، الأمر الذي أدى الآن إلى وجود سوقين عالميتين متقابلتين، تجابه إحداهما الأخرى أيضاَ." كتاب : المسائل الإقتصادية الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي.

ولم يستطع الإقتصاد الرأسمالي الإمبريالي الخروج من نفق الأزمة إلا بعدما تأكدت الإمبريالية من أن سقوط المنتظم الإشتراكي مسألة وقت فقط، والتأكد من أن الثورة الصينية لا يمكن تجاوزها لمرحلة البناء البورجوازي التي مرت بسلاسة من المزاحة إلى الإحتكارية في ظل الإشتراكية الإمبريالية بعد سيطرة التحريفية الإنتهازية على السلطة في 1976.

وبرز اقتصاد ما يسمى ب "الليبرالية المحدثة" كشكل من أشكال الإقتصاد الرأسمالي من أجل تجاوز أزمة الرأسمالية الإمبريالية عبر:

ـ مزيد من استغلال الطبقة العاملة بإثقال كاهلها بتكاليف التأمين الصحي والإجتماعي والضرائب على الدخول الذي يتحمله أجر العمال.
ـ مزيد من حرية الإنتاج الرأسمالي الإمبريالي بتخفيض الضرائب عن دخول أصحاب المشاريع الرأسمالية وذوي الثروات من الإمبرياليين. ونتج عن ربع قرن من هذه السياسة الإمبريالية التي يهدف وراءها الإمبرياليون إلى الخروج من الأزمة الإقتصادية الرأسمالية للسيطرة على السوق التجارة العالمية ما يلي:
ـ تدمير دخول الطبقة العاملة نتيجة ارتفاع مستوى العبء الضريبي على حساب أجر العمال.
ـ تضاعف دخول أصحاب المشاريع والثروات نتيجة انخفاض العبء الضريبي على حساب خزائن الدول.

فمنذ 1975 تم سن سياسة ما يسمى ب"الليبرالية المحدثة" المعتمدة على انخفاض نسبة الضرائب عن دخول أرباب الشركات وأصحاب الثروات إلى النصف تقريبا في حين أن الضرائب عن الأجور قد تضاعفت أربع مرات، وساهم تحرر التجارة العالمية في هروب الشركات من أداء الضرائب بالهروب إلى الخارج بحثا عن دول توفر لها إمكانيات التخفيض الممكن من الضرائب التي بلغت حد إلغائها بفعل المنافسة بين الدول خاصة بعد تفكيك المنتظم الإشتراكي.
ـــــــــــــــــ
(1) أسس اللينينية
(2) كتاب : الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.
(3) نفس المرجع.