ماركس ليس فلسفة فقط ..أنه رغيف مقسوم بالتساوي


نعيم عبد مهلهل
2005 / 7 / 21 - 12:22     

عاش كارل ماركس ومات ورأسه الكبير الذي وصفه مايكوفسكي بغيمة الورد الكبيرة.
ممتلئ برؤى تحسين الوضع البشري وجعل أرباب العمل يمنحون المزيد من المال والعطف والحرية لعمالهم بل ذهبت فلسفته إلى ترسيخ شيئا كبيرا من عاطفة الحرية الحالمة التي أضطرت في أخر الأمر إلى الثورة لأن الحلم لم يعد سوى النوم على وسائد الكتب والتنظير فكانت ثورة أكتوبر 1917 تلك التي قال عنها صاحب ( عشرة أيام هزت العالم ) ، الكاتب الأمريكي جون ريد :أنها طفرة حضارية ينبغي أن يستغلها الفقراء جيدا ً .
غير أن الثورة في تطبيقاتها اختلفت في تطبيقات الرؤية الماركسية وأن ظلت تمثل لها منهجا للتنظير الأيدلوجي وخيارات للتأريخ القادم والسبب أن المتغير التاريخي كان أكبر من حلم التنظير والخطابات مع النمو الهائل لرؤى الاستعمار والرأسمالية والنازية فدخلت التجربة في خضم صراع التعبئة والتسليح والدفاع عن الكرامة الوطنية كما في تجربة الحرب الكونية الثانية وبعدها الحرب الباردة وبعدها المتغير الحضاري الذي لم يكن كارل ماركس يضع له التصور النبؤي وهو عصر العولمة الذي كان سبب مباشرا أو غير مباشر بانهيار دولة الحلم الماركسي ( الأتحاد السوفيتي ) وليقاد العالم من جديد إلى التغيرات بالخيارات :
التغيير بالخيار الديمقراطي الغربي ، أو بالخيار الاقتصادي ، أو الخيار العسكري .
وكان خرتشوف يقول : خيارات الغرب نحن نتحكم بها .
الآن من يتحكم بالخيارات . قطب واحد ، دب واحد ، حاجب واحد . يتحرك تتحرك الأساطيل .؟
مرات تلتهب ذاكرتي بشجن قراءاتنا الأولى وكان للفلسفة الماركسية حصة الأسد . أنها كمن يطوف بك بقارب نجاة . كان الرجل يضع للمجتمعات خيارات وجود تتساوى فيها أحلام الحرية مع أحلام موت الجوع وكان يفسر حركة التأريخ وفق منطق العلم ويضع الأمور أمام أحقية المتغير التاريخي ( الديالكتيك ) . وكنا نستلهم وقائع ذاكرة الكتاب ونرميها في واقعنا الصعب فتحدث المصادمات والنقاشات والتأليف وبعضهم يحصل على متعة الاعتقال ويرمى في السجن . كنا أطفالا حين نصاحب أمهاتنا لنزور معارفنا والجيران ممن أخذتهم تلك المطالعات وتطبيقاته إلى قاوويش سجون الخيالة أو نقرة السلمان أو سجن الحلة وكنا نشاهد سعادتهم مثل سعادة الرغيف المقسوم بالحق على جمع من الجياع الفقراء فأتذكر جملة شاعر من محلتنا في عنوان إحدى قصائده ( أنت لست فلسفة فقط . أنك رغيف مقسوم بالتساوي ) وحين سأله ضابط التحقيق من تقصد ب ( أنت ) قال : جدي شعيوط .
غضب الضابط وقال : هل تستهرزأ . وهل كان جدك مشعول الصفحة فيلسوفا .
قال : نعم . كان فيلسوف العشيرة وفلسفته هي محنة العشيرة كلها . لقد كان صانع حلم كبير .
ـ تعني كان فريضة ؟
ـ وأكثر من ذلك .
وهكذا تخلص جارنا من إحراج عنوان القصيدة وظل الضابط في كل جلسة تحقيق ينادية : أبن الفريضة .
ظل الحالم الألماني الكبير يمثل روحا تضئ ملكات الجياع والحالمين بغد جديد وحين لعب غورباتشيف لعبته كانت النظرية تعيش لحظة حزن ولم تعش لحظة موت .
ففي هكذا مصائر تاريخية ، النظريات الجميلة لا تموت بل تظل مضيئة وفعالة حتى لو بقيت منضودة على رفوف الكتب .

أور السومرية في 20 يوليو 2005