حول ضرورة الصراع المشترك للأحزاب الشيوعية عبر استراتيجية ثورية


الحزب الشيوعي اليوناني
2014 / 5 / 16 - 08:41     

مقال كتبه يورغوس مارينوس عضو المكتب السياسي للجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوناني، كان قد نُشر لأول مرة في العدد 4 من المجلة الفكرية للحزب الشيوعي المكسيكي: “El Machete”.

تتسم الظروف التي تكافح ضمنها الحركة الشيوعية بالتعقيد، حيث من الضروري تعزيز عملية تطوير العلاقات بين الأحزاب الشيوعية وتبادل الخبرة والعمل المشترك، لفتح النقاش أكثر حول ضرورة الاستراتيجية الثورية المتجاوبة مع الاحتياجات المتزايدة للصراع الطبقي وإلغاء الاستغلال الرأسمالي و بناء مجتمع اشتراكي شيوعي جديد.
و بالإمكان تعزيز هذه العملية بقدر تقوية النشاط المستقل للأحزاب الشيوعية و جبهتها الإيديولوجية و السياسية في مواجهة ما يسمى بالقوى "التقدمية" و "اليسارية" و "منتدياتها" المماثلة، المتبعة لمسار الإدارة البرجوازية و المنادية بشعارات حول "اشتراكية" ليست ذات أي بعد علمي، بهدف أسر قوى شعبية.

و بالطبع، لا تتعلق هذه المشكلة فقط بقوى" يسارية" اشتراكية ديمقراطية، بل بأحزاب لا زالت تبدو كشيوعية، ولكنها في الممارسة العملية قد تآكلت بفعل الانتهازية و استسلمت لمفهوم "أنسنة" الرأسمالية، و هي تشكِّل دعائم للإشتراكية الديمقراطية المعاصرة وجزءاً منها.

لا تتمثل هذه الأحزاب فقط بالحزب الشيوعي في الولايات المتحدة، بل هناك مثلاً أيضاً: الأحزاب المتواجدة في قيادة حزب اليسار الأوروبي المُنضوي ضمن تصنيف "أحزاب الإتحاد الأوروبي" التي تم إنشاؤها بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي الامبريالي، و هي تدعم استراتيجيته.

إن خوض الصراع الأيديولوجي الحاسم ضد هذه القوى هو المعيار لتقدم الحركة الشيوعية و لتغلبها على الأزمة التي تواجهها.

إن الجمع بين العمل المشترك و النقاش حول مطابقة مبادئ نظرتيتنا الكونية مع الممارسة، و التوجهات البرنامجية والتحالفات السياسية و توجه الصراع ضمن الحركة العمالية الشعبية، هو متعلق بالأحزاب الشيوعية المستندة إلى الماركسية اللينينية و تزعم تحركها على أساس مبادئها.



مسألة حاسمة هي تكييف استراتيجية الأحزاب الشيوعية مع الحقبة التاريخية التي تكافح خلالها


إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن استراتيجية الأحزاب الشيوعية و التوجه الأساسي لكفاحها، يتحددان من حقيقة طابع عصرنا.

و على هذا الأساس لا بد من النظر في التناقض الأساسي (رأس المال - العمل المأجور)، و الطابع ( الاشتراكي) للثورة و قواها المحركة و خط تحشيدها وسياسة التحالفات و اتجاه العمل الأيديولوجي السياسي ضمن صفوف الطبقة العاملة لتجاوز أحادية جانب التوجه الهادف إلى اكتساب ظروف أفضل لبيع قوة العمل من أجل التوجه نحو إسقاط أسباب الاستغلال.

و يسير التطور الاجتماعي نحو مستوى أعلى، ولا يمكنه التقهقر بسبب توسط وقوع الثورة المضادة وإسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي و البلدان الاشتراكية الأخرى.

و هو ما تدل عليه مسيرة التطور الاجتماعي و استبدال نظام الجماعة البدائية بنظام العبودية، ليحل مكانه نظام الإقطاع، الذي استبدل بالرأسمالية والثورة الاشتراكية في روسيا و بناء الاشتراكية و قيام النظام الاشتراكي.

فعلى مدى هذه المسيرة، كانت هناك صدامات اجتماعية كبرى، و انتصارات و هزائم للطبقات الطليعية المماثلة، و سُجِّلت نكسات ولكن الأمر الحاسم كان الحتمية العامة في استبدال النظام الاجتماعي و الاقتصادي القديم من قبل الجديد.

إن قوانين النظام الرأسمالي بعينها تقود نحو تطوره. فعبر تدرجات و معدلات مختلفة من بلد إلى آخر، ولدت بذور علاقات الإنتاج الرأسمالية ضمن نظام الإقطاع. تشكلت و اكتملت رأسمالية ما قبل الاحتكار، و تقدم نحو تركيز و تمركز رأس المال حيث ولدت الاحتكارات و الشركات المساهمة.

لقد سيطرت الرأسمالية الاحتكارية و قادت نحو احتدام غير مسبوق للتناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج الرأسمالية .

وبالتالي، فمن الضروري، توجه نقاش الأحزاب الشيوعية تجاه هذه المسائل الحاسمة، لمعالجة استراتيجية ثورية معاصرة وتكتيك بإمكانه أن يكون عاملاً مرناً على أن لا يجري تحديده بشكل ذاتي بل ليكون نابعاً من الاستراتيجية كجزئية خادمة لها..

فمن الممكن أن يعلن حزب شيوعي أنه يكافح من أجل إسقاط الرأسمالية في سبيل الاشتراكية، و أن يدافع لفظيا عن الماركسية اللينينية و أن يخوض معارك طبقية، مع امتلاكه لاستراتيجية مصاغة وفقا لمتطلبات فترة تاريخية سابقة، و ألا يواجه بموضوعية دور الاحتكارات و المرحلة الحالية لتطور النظام و ألا يضع الأولوية للتناقض الأساسي لرأس المال - العمل والطابع الاشتراكي للثورة، أو حتى في بعض الحالات أن يحدد استراتيجيته على أساس معطيات فترة الاستعمار، في وقت تطورت خلاله الدولة البرجوازية و تغيرت الظروف.
أي أنه قد يكون يبحث عن مرحلة وسيطة بين الرأسمالية والاشتراكية، معتقداً بفعالية هذه الاستراتيجية من أجل حشد القوى، ولكنه عملياً يسعى للتوصل لحل لا يزال فوق أرضية الرأسمالية، حيث تتواجد السلطة ووسائل في أيدي الطبقة البرجوازية مع الحفاظ على الاستغلال والفوضى الرأسماليَّين.

و بقدر إعطاء هذا النوع من المقاربات سمة النظرية، يجري ربطها بقرارات سياسية للمشاركة في حكومات برجوازية و دعمها، مع عواقب سلبية جداً، لأن النظام يكسب الوقت و يتربَّى العامل الذاتي و الحزب و الطبقة العاملة على حلِّ ضمن جدران الرأسمالية.

و ينبغي أن تكون مشاكل طابع الثورة قد حُلَّت منذ سنوات، و غيرها من الأحداث التاريخية و المعالجات التي جرت في فترات سابقة تحت وطأة ضغط الانتهازية و الإشتراكية الديمقراطية، حيث سيطر منطق المرحلة الوسيطة و حكومات "مناهضة الاحتكارات" فوق أرضية النظام.

إننا نضطلع اليوم بالتزام دراسة هذه المسيرة بمسؤولية، آخذين في الاعتبار أن كلاسيكيي الماركسية حددوا جوهر المشكلة وصاغوا بقدر استطاعتهم المحاور الأساسية لتوجه الصراع الطبقي حتى منذ منتصف القرن اﻠ19 أي في خضم الثورات البرجوازية، و هو ما أكمله لينين عبر عمله النظري و مثال ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917.

و كان ماركس في عمله "مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي" قد قدَّم أداة منهجية ثمينة حين شدَّد على أنه:
" تصل قوى المجتمع الإنتاجية المادية في طور معين من تطورها، إلى تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة –و هو ما يشكل فقط التعبير القانوني لها- أو مع علاقات الملكية التي كانت تعمل في ظلها حتى ذلك الوقت. حيث تتحول هذه العلاقات من صيغة لأشكال تطور قوى الإنتاج لتغدو أغلالاً لها. وقتئذٍ، تحضر حقبة الثورة الاجتماعية".

و كان ماركس في المجلد الأول ﻠ"رأس المال" قد طوَّر هذه الفكرة أبعد من ذلك:

" يصل تمركز وسائل الإنتاج والطابع الاجتماعي للعمل إلى نقطة حيث ينتفي توافقهما مع غلافهما الرأسمالي. حيث ينكسر هذا الغلاف، معلنا نهاية الملكية الخاصة الرأسمالية، و حينها تُنتزع ملكية منتزعي الملكية".
و كان لينين في العديد من أعماله قد سجَّل كما و في عمله"الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" خلال دراسته الظروف الجديدة، قد خطى بالفكر الثوري خطوة أبعد من ذلك، بقوله :

" إن علاقات الاقتصاد الخاص والملكية الخاصة تشكل غلافا غير متجاوب لأبعد من ذلك مع المحتوى ومن المحتمل تعفنه لا محالة إذا ما أجلت إزالته بصورة مصطنعة، حيث بإمكانه أن يبقى في حالة التعفن لزمن طويل نسبيا (في أسوأ الحالات – في حالة امتداد زمن علاج البثور الانتهازية)، ولكنه و مع ذلك زائل لا محالة".



بينما، قدَّم في عمله "تحت راية أجنبية" مدداً كبيراً للأحزاب الشيوعية عبر تحديد الفترات التاريخية.

تمتد الفترة الأولى، كما يقول لينين، من الثورة الفرنسية العظيمة حتى الحرب الفرنسية البروسية و كومونة باريس ( 1871)، هي فترة صعود الطبقة البرجوازية و نصرها الكامل. فترة الحركات البرجوازية الديمقراطية بشكل عام، و البرجوازية القومية خصوصاً، فترة الهزيمة السريعة للروابط و المؤسسات الإقطاعية الإستبدادية التي عفا عليها الزمن.

و الفترة الثانية (1871 – 1914)، التي هي فترة إعداد و حشد بطيء تقوم بها الطبقة الجديدة و الديمقراطية المعاصرة (الطبقة العاملة المعاصرة و حركتها).

و الفترة الثالثة، الممتدة من عام 1914، و هي التي جلبت الطبقة البرجوازية "نحو نفس حالة" إقطاعيي الفترة الأولى. و هو عصر الإمبريالية و الإهتزازات الإمبريالية.

إننا نعيش هذه الفترة، فترة الإنتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية و يجب أن نرى على وجه التحديد ماهية الإستراتيجية المتوافقة مع عصرنا.

و تفرض الظروف الموضوعية استراتيجية وتكتيكاً مستهدفين لحل التناقض الأساسي بين رأس المال - العمل عبر إسقاط الرأسمالية ثورياً و بناء الاشتراكية. هي استراتيجية تتطلع نحو الأمام، نحو السلطة العمالية و ديكتاتورية البروليتاريا والتملك الاجتماعي لوسائل الإنتاج و التخطيط المركزي و الرقابة العمالية الاجتماعية .
و في سبيل هذا يناضل الحزب الشيوعي اليوناني، حيث انبثق توجهه هذا عن دراسة علمية لتطور الرأسمالية و لتفاقم التناقض الأساسي للنظام و لغيرها من تناقضاته.

حيث قام المؤتمر اﻠ19 للحزب الشيوعي اليوناني بمعالجة و إثراء أبعد لبرنامج الحزب و طرح مسائل أساسية يرغب في مناقشتها مع الأحزاب الشيوعية الأخرى.

إن الرأسمالية في اليونان هي في مرحلة تطورها الإمبريالية، في موقع وسيط ضمن النظام الإمبريالي الدولي مع تبعيات قوية غير متكافئة تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

و يشدِّد برنامج الحزب الشيوعي على أن الشعب اليوناني سوف يتخلص من أغلال الاستغلال الرأسمالي و الإتحادات الإمبريالية، عندما تقوم الطبقة العاملة و حلفائها بالثورة الاشتراكية و تمضي قدما في بناء الاشتراكية - الشيوعية.

إن الهدف الاستراتيجي للحزب الشيوعي اليوناني هو امتلاك السلطة العمالية الثورية و ديكتاتورية البروليتاريا، من اجل بناء الاشتراكية باعتبارها طوراً غير ناضج من أطوار المجتمع الشيوعي .

أي أن التغيير الثوري في اليونان سيكون اشتراكياً.

حيث القوى المحركة للثورة الاشتراكية هي الطبقة العاملة كقوة قيادية، و أشباه البروليتاريين والشرائح المضطهدة كصغار الكسبة في المدن و فقراء المزارعين.

و ازداد خلال العقدين المنصرمين تطور الظروف المادية الناضجة سلفاً من أجل الاشتراكية في اليونان. حيث توسعت و تعززت العلاقات الرأسمالية في مجال الإنتاج الزراعي، و التعليم والصحة والثقافة و الرياضة والإعلام. و جرى تمركز أكبر في مجال الصناعات التحويلية و التجارة و البناء و الإنشاء و السياحة. كما و تطورت شركات رأسمالية خاصة في قطاعات الاتصالات والطاقة بعد إلغاء احتكار الدولة لها.

و ازدادت نسبة العمل المأجور بشكل هام ضمن التشغيل العام.

يعمل الحزب الشيوعي اليوناني في توجُّه إعداد العامل الذاتي نحو منظور الثورة الاشتراكية، و ذلك على الرغم من أن زمن تمظهرها يتحدد من قبل حضور ظروف موضوعية تتمثَّل بالحالة الثورية (حيث تعجز الطبقة الحاكمة عن الحكم و لا يريد المُستغَلُّون أن يُحكموا كالسابق).

إن التوجهات الأساسية المجيبة على ضرورة إعداد الحزب و الحركة العمالية الشعبية، هي تعزيز الحزب الشيوعي اليوناني و إعادة تشكيل الحركة العمالية والتحالف الشعبي.

يُعبِّر التحالف الشعبي عن مصالح الطبقة العاملة، و أشباه البروليتاريين، و فقراء العاملين لحسابهم الخاص والمزارعين، كما و مصالح الشباب و النساء من الشرائح العمالية الشعبية في نضالهم ضد الإحتكارات و الملكية الرأسمالية، و ضد اندماج البلاد في التكتلات الإمبريالية. فالتحالف الشعبي هو اجتماعي الطابع و له سمات حركية على خط القطع و الإنقلاب.

حيث يقوم وفقاً للظروف المعينة بالتنظيم والتنسيق ضمن كفاح هادف لحل المشاكل الشعبية و في سبيل تحقيق المقاومة والتضامن والاستمرارية.

ويرتبط النضال من أجل فك الإرتباط عن الاتحاد الأوروبي و الناتو بالنضال ضد سلطة الاحتكارات و بنضال الطبقة العاملة وحلفائها في سبيل السلطة العمالية الشعبية.

و يتبنى التحالف الشعبي طرح التملُّك الاجتماعي للاحتكارات و لكافة وسائل الإنتاج المتمركزة، كما و طرح التخطيط المركزي و الرقابة العمالية الاجتماعية.

حيث تكتسب مفاهيم الديمقراطية والسيادة الشعبية، و الإمبريالية و الحرب الإمبريالية محتوىً طبقياً أعمق بالنسبة للتحالف الشعبي.

و يمتلك التحالف الشعبي اليوم صيغة معينة ذات إطار عمل مشترك في الحركة النقابية العمالية من خلال بامِه" و "باسي" ضمن صفوف فقراء المزارعين في الريف و عبر "باسيفي" ضمن صفوف التجار والحرفيين صغار الكسبة، و عبر "ماس" في صفوف الشباب والشابات و عبر فرق و جمعيات الإتحاد النسائي اليوناني "أوغ". حيث لا يشكل التحالف المذكور ائتلاف أحزاب سياسية.

حيث يشارك الحزب الشيوعي اليوناني في هيئاته و ضمن صفوف التحالف عبر كوادره و أعضائه و أعضاء شبيبيته، الذين يُنتخبون ضمن الهيئات و ينشطون ضمن منظمات الطبقة العاملة و منظمات العاملين لحسابهم الخاص و فقراء المزارعين، و منظمات الطلاب، والتلاميذ والنساء.

حيث من المحتمل في سياق مسار الصراع السياسي ظهور قوى سياسية تعبر عن مواقف شرائح البرجوازية الصغرى، و تتفق بهذا الشكل أو غيره تجاه طابع النضال ضد الاحتكارات و الرأسمالية الاجتماعية والسياسية، و مع ضرورة توجهه نحو السلطة و الإقتصاد العماليين الشعبيين.

و عبر حفاظه على استقلاله الذاتي، سيسعى الحزب الشيوعي اليوناني نحو العمل المشترك في جانب هذه القوى لدعم التحالف الشعبي.

حيث لا يُصاغ هذا التعاون كهيئة تحالف موحد مع أحزابه كأعضاء مكونة، أي عبر صيغة و بنية متشكلة منظمة.

فلو وجدت صيغة مماثلة، موضوعياً فهي ستجلب الهلاك لاستقلالية الحزب الشيوعي اليوناني و لن تُسهم في تطوير الحركة العمالية و حركة حلفائها.

و يجهر الحزب الشيوعي اليوناني علنا ً للشعب أن غرضه الاستراتيجي هو الاشتراكية - الشيوعية و إسقاط السلطة البرجوازية واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة السياسية .

و يُسهم نشاط الحزب الشيوعي اليوناني خارج ظروف الحالة الثورية، في إعداد العامل الذاتي (الحزب، الطبقة العاملة والتحالفات) من أجل الظروف الثورية لتحقيق مهامه الإستراتيجية.

حيث تُشكل الحركة العمالية و حركات صغار الكسبة في المدن و المزارعين صيغة تعبير عن تحالفها (التحالف الشعبي) ذي الأهداف المعادية للإحتكارات و الرأسمالية و مع العمل الطليعي لقوى الحزب الشيوعي اليوناني الجاري في ظروف غير ثورية، مشكِّلة بذلك خميرةً تشكُّل الجبهة العمالية الشعبية الثورية في الظروف الثورية.

حيث بإمكان الجبهة العمالية الشعبية الثورية في ظروف الحالة الثورية و عبر جميع أشكال نشاطها أن تغدو مركز الانتفاضة الشعبية ضد السلطة الرأسمالية.

إن هذه المسائل هي أساسية بالنسبة لكل حزب شيوعي.


و بالتأكيد، إن صياغة استراتيجية ثورية تتطلب عملاً نظرياً جاداً و موقفاً حازماً لتجاوز تحليلات سابقة محصورة في منطق المراحل الوسيطة. و هذا أمر له أهمية كبيرة بالنسبة للأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم، و خصيصاً بالنسبة للأحزاب الشيوعية في أمريكا اللاتينية، و أكثر من ذلك بكثير، نظراً لظهور كافة تلاوين البدائل عن الاشتراكية العلمية في السنوات الأخيرة، و هي البدائل التي تقوم بامتصاص الصدمات و احتواء قوى عمالية ضمن أسوار الرأسمالية.

بعض الأفكار حول أمريكا اللاتينية

يرصد الحزب الشيوعي اليوناني، و يدرس تطورات النظام الإمبريالي، و ينظر بعناية في التفاعلات الجارية في هذا البلد أو غيره أو في مجموعة بلدان، و يرصد تطور الحركة العمالية الشعبية معرباً عن تضامنه الأممي. وهذا ما يقوم يعمل عليه في الفترة المقبلة .

و في هذا السياق، فمن واجب حزبنا التموضع على وجه التحديد عبر المشاركة في النقاش المفتوح في الحركة الشيوعية الأممية، و ضمن السجال المتطور حول مسائل ذات أهمية استراتيجية .

ففي أمريكا اللاتينية حيث غضبت جماهير شعبية واسعة من السياسة الضد شعبية المطبقة على مدى أعوام من قبل أحزاب و حكومات ليبرالية و اشتراكية ديمقراطية، و أئتمنت أصواتها لصالح قوى السياسية أشهرت مواقفاً سياسية و برنامجاً انتخابياً بصدد إغاثة قوى عمالية شعبية فقيرة مع استخدامها لشعارات استقلال وسيادة هذه البلدان، و على رأسها مواجهة العلاقات الغير متكافئة مع الولايات المتحدة و التبعيات لها.



حيث تدعم أحزاب شيوعية أو تشارك في العديد من حالات حكومات تشكيلات إئتلافية متمحورة حول قوى برجوازية صغيرة و اشتراكية ديمقراطية.

و قد توسعت هذه العملية، حيث تُغذى تطلعات للشعوب مع الحديث عن ميزان قوى إيجابي من شأنه أن يتعزز و أن يصوغ ظروفاً لصدامات مع قوى رأس المال بهدف تغييرات جذرية .



و هذا يتطور غالباً و مع وجود اختلافات في كل من البرازيل والأرجنتين وتشيلي و الإكوادور وفنزويلا، وبوليفيا، الخ..

وقد أعرب الحزب الشيوعي اليوناني فعلياً عن تضامنه مع الأحزاب الشيوعية في المنطقة المذكورة و مع شعوبها، فهو على سبيل المثال، قد أدان محاولة الإطاحة بالرئيس تشافيز في فنزويلا. و يقوم بدراسات التفاعلات الشعبية، وردود الفعل العدوانية لقطاعات الطبقة البرجوازية و تدخلات الولايات المتحدة التي تهدف إلى ضمان حل سياسي أكثر فعالية لاستمرارية مصالح احتكاراتها في كل بلدان المنطقة.

لا يقوم حزبنا بالحكم على النوايا ولكنه يرى ضرورة لدراسة المعطيات الموضوعية الرئيسية التي من الممكن أن تسهم في تحليل الوضع الذي نشأ...

أولاً، لا تزال السلطة السياسية ووسائل الإنتاج في أيدي الطبقة البرجوازية في بلدان أمريكا اللاتينية التي يتطور فيها موقع "التقدمية"، حيث لا يزال معيار التنمية متمثلاً بالربح مع الحفاظ على نظام تنظم استغلال الإنسان للإنسان .

هذه هي القضية الرئيسية. فحكومات" التقدمية" (و مع وجود اختلافات) تقوم بإدارة النظام الرأسمالي ضمن توجه اشتراكي ديمقراطي عموما، مع اتخاذ بعض التدابير للتخفيف من فقر القوى الشعبية المدقع، و لضمان حد أدنى من الخدمات الاجتماعية من أجل إعادة إنتاج قوة العمل التي لا ما زالت بضاعة. و تقوم هذه الحكومات أيضا بتحويل بعض الشركات الخاصة، لا سيما في مجال الطاقة والموارد المعدنية، لملكية الدولة .

و لا يشكل هذا العنصر تغييراً جذرياً، وذلك لكونه تطوراً يحدث داخل الأطر الأوسع لعلاقات الإنتاج الرأسمالي حيث لا تغير ملكية الدولة (باعتبارها رأسمالياً جماعياً) من الطبيعة الاستغلالية للشركات، حيث يبقى الربح هو المعيار. فعبر تدخل قطاع الدولة تتحد رؤوس الأموال المتفرقة و يدفع بعملية تمركزها و عملية التحديث البرجوازي.

إننا نبدأ من نقطة انطلاق معينة. فالدولة البرجوازية هي دولة الرأسماليين بمعزل عن الشكل الذي تتخذه و "بقدر كثرة القوى المنتجة التي تستحوذ عليها في ملكيتها، بقدر ما تصبح رأسمالياً جامعاً، سيستغل قدراً مماثلاً من المواطنين حيث يبقى العمال عمالاً أُجراء بروليتاريين. حيث لا تلغى العلاقات الرأسمالية، بل على العكس فهي تحتد إلى أقصى درجة ممكنة، و بشكل رأسي ... ".( إنغلز، تطور الاشتراكية من طوباوية إلى علم).



ثانيا، لطالما بقيت علاقات الإنتاج الرأسمالية و القيمة الزائدة، والعمل غير مدفوع الأجر، الذي يتحول إلى رأس مال يتراكم، فهناك حفاظ على أساس احتدام التناقض الأساسي للنظام. و حفاظ على فوضى الإنتاج، حيث تتشكل شروط ظهور أزمة الرأسمالية أثناء صعود الاقتصاد الرأسمالي، مع ارتفاع لنسب البطالة و توسع البؤس النسبي والمطلق، و إلغاء حقوق اكتسبت في الفترة السابقة.

حيث تتمظهر حلقة مفرغة، وبالتالي فإن المقارنة مع الفترات السابقة لها متطلباتها، حيث ليس بكافٍ ذلك الموقف القائل ﺑ"أن جزءاً من الشعب يعيش بشكل أفضل الآن". ففي نهاية المطاف فإن التحديث البرجوازي و إعادة إنتاج العمل ضمن حد أدنى يمكنها من إنتاج فائض القيمة، هما من ضمن تطلعات الطبقة البرجوازية وحتى تطلعات أشد مجسدي تعابيرها السياسية محافظة .

و قد قاد العمل الصارم لقوانين الرأسمالية، إلى حدوث أزمة تسعينات القرن الماضي في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية. حيث تتجلى في هذه الفترة تناقضات النظام عبر الارتفاع الشديد في معدلات التضخم في الأرجنتين و فنزويلا، و غيرها. ليصل مستويات مرتفعة جداً مما أنتج تقلص القوة الشرائية للأسر الشعبية، و ذلك على الرغم من حالات اتخاذ تدابير للتحكم بالأسعار.

إننا لا نقلل من قيمة المؤشرات التي تسجل على سبيل المثال، انخفاضاً في معدل الفقر، ولكن هذا لا يمكن أن يتستر على مشكلة انتشار الفقر على نطاق واسع جدا و على الأسباب التي تلده و تعيد إنتاجه و على الأرباح الهائلة المتواجدة في أيدي الرأسماليين في الوقت ذاته .

فليس من الصائب، على سبيل المثال في البرازيل و الأرجنتين، قراءة التحركات التي جرت مؤخراً هناك، وفقاً لرأي قائل حصراً: بمحاولة المعارضة كسب الأرض. فذلك معروف. إن الأمر الأساسي هو وجود مشاكل شعبية متفاقمة، وهناك أرضية موضوعية لتطوير النضالات و للمطالبة بتغطية المطالب الشعبية. إن ذلك هو مهمة الحركة العمالية التي من المفروض أن تساهم في تنظيم الطبقة العاملة وتطوير نضالها في توجه طبقي معاد للاحتكارات و الرأسمالية، و ألا تؤسر ضمن هذا الحل الحكومي الإداري أو سواه.



و هناك أمثلة مفيدة معينة.

فالبرازيل هي دولة رأسمالية حديثة، ذات موقع مرتفع ضمن النظام الإمبريالي، هي سادس أكبر القوى الرأسمالية عالمياً.
و لديها صناعة قوية وإنتاج زراعي و بنية تحتية هامة و ثروة باطنية و موارد طاقة.

و فيها طبقة عاملة عديدة، حيث ناضجة هي الظروف المادية التي تسمح ببناء الاشتراكية.

و يوسع رأسمالها الاحتكاري نشاطه، خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا و في جميع أنحاء العالم، مشاركاً في المنافسات الامبريالية البينية، عبر استغلاله لمشاركة البرازيل في البريكس .

و يعيش في هذه الدولة 53 مليوناً من السكان تحت خط الفقر و 23 مليونا في ظروف بؤس مدقع مطلق.

حيث كان مجموع رأسمال أكبر 100 مجموعة اقتصادية فيها عام 2010 معادلاً لنسبة 56 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و امتلكت أكبر 20 مجموعة اقتصادية فيها ما يعادل 35 ٪ من الثروة التي ينتجها العمال .

و بين عامي 2000 و 2009 نقلت الدولة البرجوازية نحو أيدي رأس المال البنكي موارد يعادل مجموعها 45 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي .

نحن نتحدث هنا عن البرازيل، و نسجل أن حالة الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية في غيرها من بلدان أمريكا اللاتينية المتواجدة في موقع أدنى في هرم الإمبريالية، حيث تحكم هناك أيضا حكومات "يسارية" هي أسوأ مما ذكرناه.
ففي بوليفيا على سبيل المثال، تملك أغنى 100 عائلة أكثر من 80 ٪ من الأراضي الخصبة، بينما يعيش أكثر من 80 ٪ من صغار المزارعين و الهنود تحت خط الفقر. و في جميع البلدان هناك نسبية عالية للبؤس النسبي و المطلق والعمل بلا ضمان اجتماعي وعمالة الأطفال، على غرار ما كان الوضع سابقاً، حيث يبرز علاج هذه المشاكل المزمنة وضمان حق العمل و خدمات صحة وتعليم، مجانية، الذي حققته كوبا ضمن مسارها بعد الثورة، ضرورة الاشتراكية و السلطة العمالية و التملك الاجتماعي لوسائل الإنتاج و التخطيط المركزي .

ثالثاً، تتصف البرامج الانتخابية للأحزاب الإشتراكية الديمقراطية التي صيغت حولها تشكيلات حكومية، بإدارة النظام الاستغلالي، و تتخللها العديد من الشعارات و الوعود للتلاعب بالقوى الشعبية .

فعلى سبيل المثال: إن برنامج السيدة باشيليه في تشيلي المعروف ﺑ"الأغلبية الجديدة"، هو عبارة عن اقتراح تحديث برجوازي يسعى لمعالجة مشاكل التنافسية في الصناعة الاستخراجية و الطاقة و غيرها في ترافق مع رفع إنتاجية العمل، ودائما في ظل "تعاون و حوار بين القطاعين العام والخاص".

حيث هناك سعي لاحتواء الحركة العمالية، من أجل دفع عمليات التحديث البرجوازي. و تساند السيدة باشيليه بأنه "بالإمكان إجراء التغييرات من خلال الصوت الإنتخابي" و تؤكد أنها تريد " إعادة منح الهيبة للسياسة، و تعزيز المؤسسات لكيما يتابع جميع مواطنينا إيمانهم بمؤسسات تشيلي".و هي تتحدث ضمن يشير برنامجها على "تجاوز الخلافات القائمة بين العمال و رجال الأعمال" كما تذكر أنه " من اجل رفع دخول العمال يجب زيادة الإنتاجية" و هو في الواقع ما يؤدي إلى رفع شدة الإستغلال النسبي.

و هي تعرض في الاقتصاد(الرأسمالي) الوهم القائل بأن "النمو الاقتصادي هو وسيلة أساسية لمعالجة عدم المساواة والقضاء على الفقر و لرقع ظروف المعيشة"، في حين تعد بممارسة سياسة تعويضات نحو أكثرية الأسر الفقيرة.

و تواجه الزيادة التدريجية في الضرائب المفروضة على الأرباح من 20 إلى 24 ٪، تقديم حوافز و امتيازات جديدة منصوص عليها بذريعة جذب الاستثمارات.

إن الخط الأساسي للحكومة التشيلية هو "مسؤولية مالية لخلق استقرار في الاقتصاد الكلي"، و هي وصفة مُجرَّبة للحفاظ على تدني الأجور والمعاشات و المنح الاجتماعية.

و باستطاعتها الوعد بإقامة نظام تعليم مجاني ولكنها تديم التعليم الخاص مع طرحها لتحويل المؤسسات الخاصة لمنشآت "غير ربحية" سيتم تمويلها من قبل الدولة.

و يقدم "الدستور الجديد " ضماناً ﻠ"حق الملكية" و "استقلالية البنك المركزي" الذي يقود تدخل النظام المصرفي في إدارة الاقتصاد الرأسمالي على أساس معيار مصالح كبرى الشركات.

و تثبت التجربة التاريخية الأشمل أن مشاركة الأحزاب الشيوعية و دعمها لتشكيلات ائتلافية أو لحكومات إدارة برجوازية لا تخدم تطوير النضال الشعبي. بل على العكس تتشكل حينها مشاكل في استقلالية نشاط الأحزاب الشيوعية ذاتها، و تتعزز آراء حول"إجبارية مسار" الرأسمالية و تُؤخر تطور الوعي الطبقي و تُضعف النضال من أجل الاشتراكية حيث تؤسر قوى شعبية في إطار البحث عن حلول داخل أسوار النظام الاستغلالي و تنقاد نحو دعم قطاعات من الطبقة البرجوازية، مع تراجع مطلبية الطبقة العاملة .

إن المزاعم بصدد تغيير ميزان القوى لصالح الشعب وخلق ظروف إيجابية في صراع الأحزاب الشيوعية المشاركة عبر حكومات "تقدمية" للإدارة البرجوازية هو عبارة عن أسطورة تم إسقاطها عدة مرات عبر الممارسة العملية. حيث تصاب التحركات الراديكالية من خلال هذه العملية بالوهن و يتعزز مناخ الإندماج مع تطلعات رأس المال مع تعزيز موقع الإشتراكية الديمقراطية و القوى البرجوازية إجمالاً.

و كانت التجربة المماثلة مؤلمة في أوروبا حين شاركت أحزاب بعنوان شيوعي في فرنسا و إيطاليا، ضمن حكومات "اليسار" و " يسار الوسط". حيث انكفئت الحركة العمالية سنوات نحو الوراء، و طبقت سياسة قاسية ضد شعبية و شاركت هذه الحكومات في تدخلات إمبريالية، حيث أثقلت الحركة الشيوعية بهذه المسؤوليات و بغياب الموثوقية .

و انتخب حزب آكيل رئيساً لجمهورية قبرص و استلم مسؤولية الحكومة، ولكن إدارة الرأسمالية لا تدع مجالاً لتبني حلول صديقة للشعب. حيث كانت عواقب الأزمة الرأسمالية شديدة على الشعب، حين وقوعها.
لقد أفلست هذه "التجارب" و باتت جسراً لعودة حكومات القوى المحافظة والأحزاب اليمينية التي استغلت دحض التطلعات الشعبية، من أجل فرض سياسة صارمة ضد شعبية .

لا مجال للتهاون أمام هذه المعطيات، و ليس باستطاعة أحد تجاوزها عبر القول بأنه بإمكان هذه الحكومات "التقدمية" أن تكون بمثابة أدوات للإنتقال نحو الاشتراكية. فالتجربة التاريخية تعلمنا، و أكثر من ذلك بكثير فإن مثال تشيلي هو درس يعلمنا.

حيث ترافقت النشوة الناتجة عن انتخاب الرئيس الليندي، مع التقليل من قيمة التنظيم والنضال الثوريين و الإنحباس ضمن الطريق البرلماني و الشرعية والمؤسسات (البرجوازية)، كما و مع الإستهانة بالدولة البرجوازية و أجهزتها.

حيث لا تتردد الطبقة والدولة البرجوازيتان، بمساعدة الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الإمبريالية، في اللجوء إلى الانقلابات و اغتيال المناضلين. ففي كولومبيا تستخدم الطبقة البرجوازية مع الجيش و الشرطة و كافة أصناف"الوكالات"، كل الوسائل لضرب اﻠ FARC و لخنق المقاومة و الكفاح الشعبيين.

وهو ما يعني، أنه ما من مجال لتجميل الوضع أو لتزيين الدولة البرجوازية.

ففي الممارسة العملية و على مدى المحافظة على الدولة البرجوازية والملكية الرأسمالية والعلاقات البضاعية، ستبقى و تتفاقم مشاكل الاستغلال والبطالة و الفقر، و ستضمحل أية تدابير للتخفيف من حدة معاناة الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية، و ستبقى الحاجات الشعبية غير ملباة. و على هذا الأساس ستُحبط الآمال الشعبية و سيستنفذ التسامح الشعبي، حيث ستنتقل القوى البرجوازية مرة أخرى نحو الهجوم المضاد من خلال الاستفادة من جهاز الدولة (البرجوازي) .



حول الإتحادات الإقتصادية السياسية.

يحتدم الصراع الأيديولوجي السياسي خلال السنوات الأخيرة حول الإتحادات الإقتصادية السياسية الدولية، التي تتوسع في جميع أنحاء العالم كما في الاتحاد الأوروبي، و بما في ذلك في أمريكا اللاتينية.

فما هو إذن ما سمي ﺑ "اتحاد دول أمريكا الجنوبية" أو "سوق الجنوب" أو "مجتمع دول أمريكا اللاتينية و بلدان منطقة البحر الكاريبي أو باقي الإتحادات؟

إن أساسها ذاته، يُثبت أننا بصدد اتحادات دول رأسمالية، تتواجد أسسها في كبرى المجموعات الإقتصادية و مصالحها، و ذلك بمعزل عما إذا كانت حكومة كل دولة: ليبرالية أو اشتراكية ديمقراطية، و بمعزل عما إذا كانت حكومات الدول المشاركة تصرح بأنها "يسارية" و بمعزل عن شكل الإدارة، فقاعدة هذه الإتحادات هي كبرى المجموعات الاقتصادية و مصالحها. وهذا هو منطلق التعاملات التجارية و الاقتصادية الأخرى و المخططات المروج لها لتطوير العلاقات الدولية و العلاقات مع الدول الرأسمالية الأخرى و الإتحادات الإمبريالية.

حيث تتشكل ضمن هذا السياق قنوات تفاهم بين الدول من أجل العمل المنسق ضد الحركة الشعبية .

و في سياق التطور و العلاقات الثنائية الغير متكافئين، يتميز الدور المهيمن للبرازيل و الأرجنتين اللتين تستخدمان هذه الإتحادات للمزيد من دفع و تعزيز مصالحهن الاحتكارية .

إن المنافسة بين إتحادات أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي تعبر عن علاقات تنافسية من أجل السيطرة على الأسواق، في حين كونها علاقات تعاون اقتصادي وسياسي. فعلى سبيل المثال: أعطى الاتحاد الأوروبي لكونه اتحاداً إمبريالياً دولياً، أهمية كبيرة ﻠ"الاستراتيجية أمريكا اللاتينية الإقليمية 2007-2013 " بهدف تحقيق الربط بين المنطقتين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما يبدو من التوجهات ذات الصلة.

حيث ليس بإمكانية إتحادات أمريكا اللاتينية المذكورة، كما و "التحالف البوليفاري للأمريكتين: ALBA " الذي تشارك فيه كوبا، أن تُوظف موضوعياً في صالح الشعوب، لأن عنصرها الحاسم هو معيار الربح للمؤسسات الرأسمالية على الرغم من تعزُّز العلاقات الاقتصادية و تبادل السلع والخدمات، وهو ما لا يتغير بمشاركة كوبا.

وعلاوة على ذلك ، فهناك استنتاج أشمل قد استخلص و هو يؤكد على استخدام الطبقة البرجوازية لوسائل جديدة لتقويض الصراع الطبقي عبر العلاقات الدولية و تدخل الإتحادات الاقتصادية والسياسية. فعلى سبيل المثال: يطرح التدخل الأوروبي في شؤون كوبا الداخلية مؤخراً، مسألة استخدام أية علاقات اقتصادية قائمة لتعزيز تلك القوى والمصالح الساعية لإعادة تنصيب الرأسمالية .

و تنطبق الملاحظات المذكورة أعلاه تجاه الإتحادات الدولية في أمريكا اللاتينية، وفق أبعاد أخرى و خصائص أخرى أشمل على بلدان البريكس (تعاون البرازيل وروسيا و الهند والصين وجنوب أفريقيا).

ففي يومنا هذا، ليست هذه الاقتصادات ﺑ"صاعدة" بل هي اقتصادات بلدان رأسمالية ذات قاعدة احتكارية قوية، و هي حلقات قوية في النظام الإمبريالي، تشكِّل رُبع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و 40 ٪ من سكان العالم و 26 ٪ من مساحته .

حيث تبقى العلاقات الغير متكافئة و عدم التكافؤ قائمين نظراً لوجود القاعدة الرأسمالية المذكورة. و على سبيل المثال يترافق تنافس بلدان بريكس مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع التنافس البيني الدول البريكس، نظراً لاختلاف القدرات كما و التطلعات السياسية والاقتصادية و العسكرية للصين، عن مثيلاتها للبلدان الأخرى.

ففي أفريقيا، على سبيل المثال، كما و أيضا في أمريكا اللاتينية، تحتدم المنافسة بين الاحتكارات الصينية والبرازيلية للسيطرة على مصادر الثروة والأسواق. و هو عينه ما يحدث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين الصين وروسيا.

و تعبر القوى المشيدة بالبريكس و بمعدلات النمو الرأسمالي العالية لها، عن القلق إزاء التباطؤ المُسجَّل في اقتصادات هذه البلدان، و هذا هو فقط أحد جوانب التطورات. و ذلك لأن الأزمة تتحيَّن لحظة وقوعها ضمن هذا المسار، لكونها عنصراً مكوناً للحمض النووي للرأسمالية .

و لذلك، فمن المطلوب شحذ المعيار الطبقي، نظراً لوجود مخاطر أكبر تجاه انحباس أشد للطبقة العاملة ضمن آمال زائفة و انتظار حلول صديقة للشعب من قبل الطبقة البرجوازية، إن كان على المستوى الوطني، أو على الإتحادات الإمبريالية الدولية .

و تنضوي الرؤية "التقدمية" مع التحليل القائل بتجميل الطابع الإمبريالي للإتحادات الدولية، ضمن منطق ما يسمى ﺑ" اشتراكية القرن اﻠ 21" الذي جرت عبره محاولات تحقيق تضليل جماهيري للشعوب (و خاصة) في أمريكا اللاتينية بعد إسقاط الاشتراكية عبر الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي و البلدان الاشتراكية الأخرى.

فمنذ اللحظة الأولى لظهور هذا البديل عن الاشتراكية، سعى نحو التشهير بالاشتراكية العلمية و ببناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي و البلدان الاشتراكية الأخرى.

و في جوهر الأمر، إننا بصدد مداخلة مخططة لتعزيز موقف انتهازي خطير قائل ﺑ"أنسنة" الرأسمالية و بحصر الصراع الطبقي ضمن حدود البرلمانية البرجوازية و رفض الكفاح الثوري .

إن المنطق الطوباوي لدمقرطة الدولة البرجوازية و لسلطة الاحتكارات و الترويج لاقتصاد رأسمالي "مختلط" باعتباره "نموذجا" جديداً للاشتراكية .

ففي موقع الطبقة العاملة، أي الطبقة الطليعية ذات مهمة إسقاط الاستغلال الرأسمالي، التاريخية، يظهر باعتباره "عوامل ثورية" خليط من الحركات ذات مواقف إدارة للنظام، إشتراكية ديمقراطية و كينزية. و بدلا من التحالفات السياسية الضرورية للأحزاب الشيوعية التي من شأنها أن تسهم في إعداد القوى العمالية و الشعبية في توجه مناهض للرأسمالية و الاحتكارات، يظهر التعاون مع الإشتراكية الديمقراطية باعتباره حلاً.

و تستخدم مجمل مواقف ما يسمى باشتراكية القرن اﻠ21، لتحقيق تآكل أيديولوجي ضمن الأحزاب الشيوعية، وهو ما يستدعي مواجهة حازمة مبنية على حتميات للصراع الطبقي والثورة والبناء الاشتراكيين.

و قد قاد الإنحراف الانتهازي إلى انتهاك حتميات الاشتراكية، و إلى تشويهها و الاستعاضة عنها بقوانين اقتصادية سياسية مطابقة للنظام الرأسمالي خلال فترة البناء الاشتراكي، و هو ما كلَّف غاليا و جلب إسقاط السلطة العمالية و إعادة تنصيب النظام الاستغلالي.

و تحذِّر كُلٌّ من ولادة ونمو الاحتكارات في الصين وغلبة علاقات الإنتاج الرأسمالية، كما و رؤية و ممارسة ما يسمى ﺑ" اشتراكية السوق" على أن الثورة المضادة مستمرة و هذا موضوعُ قلقٍ جادٍ بالنسبة للأحزاب الشيوعية القائمة فوق أرضية الماركسية اللينينية .



حتميات أساسية لبناء الاشتراكية

عبر دراسته خلال سنوات طويلة حلل الحزب الشيوعي اليوناني انقلاب الثورة المضادة، وأكد على المبادئ التي تميز بناء الاشتراكية.

إن الإشتراكية باعتبارها الطور الأول في التشكيل الاجتماعي - الاقتصادي الشيوعي، ليست بتشكيل مستقل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فهي باكورة الشيوعية أي شيوعية غير ناضجة. حيث سارٍ هو مفعول القانون الأساسي لأسلوب الإنتاج الشيوعي: إنتاج مخطط من اجل تحقيق تغطية موسعة للحاجات الاجتماعية.

إن بناء الاشتراكية هو عملية موحدة، تبدأ باستيلاء الطبقة العاملة على السلطة، حيث يتشكَّل أولياً أسلوب إنتاج جديد، يسود في أعقاب إلغاء كامل العلاقات الرأسمالية و علاقة رأس المال - العمل المأجور.



● حيث يُفرض التملك الإجتماعي على وسائل الإنتاج في الصناعة و الطاقة و المياه و في مجال الإتصالات و البناء و الإنشاءات و الترميم و وسائط النقل العام و في تجارة الجملة و المفرق و في الإستيراد و التصدير و في البنى التحتية المتمركزة في مجال السياحة و الإطعام.

● يفرض التملُّك الاجتماعي على الأراضي و على المزارع الرأسمالية.

● تلغى الملكية الخاصة والأنشطة الاقتصادية في مجالات التعليم والصحة والرعاية و الثقافة والرياضة، و وسائل الإعلام. و تُنظَّم بجملتها وحصراً باعتبارها خدمات اجتماعية.

● و يجري تحقيق القسم الكبر من الإنتاج الصناعي والزراعي عبر علاقات ملكية اجتماعية، و تخطيط مركزي و تفتيش عمالي على مجمل مستويات التوجيه و الإدارة.

● تتوقف قوة العمل عن كونها سلعة، و يحظر استخدام عمل الغير.

● و يدمج التخطيط المركزي ضمنه كلاً من وسائل الإنتاج والمواد الأولية و غيرها من المواد الصناعية والموارد، وقوة العمل في العملية الإنتاجية، و في تنظيم الخدمات الاجتماعية والإدارية.

و تُشكل وحدات إنتاجية زراعية مملوكة للدولة من أجل إنتاج و معالجة المنتجات الزراعية كمواد أولية أو كمنتوجات استهلاكية. حيث سيعمل المزارعون غير الملاكين في وحدات الإنتاج الإشتراكي الزراعية و الحيوانية. حيث يَمنع إجراء التملك الإجتماعي للأرض إمكانية تركيز ملكيتها أو تغيير استعمالها و تسليعها.

و تُدعم و ُتدفع التعاونيات الإنتاجية الزراعية التي لها الحق في استخدام الأرض المملوكة اجتماعيا كوسيلة إنتاج. و في بيع إنتاجها الزراعي عبر تركيزه عبر تجارة الدولة. كما و تسويق الإنتاج الزراعي عبر تجميعه و تخزينه و نقله بواسطة جهاز مركزي للدولة.

يعبر التخطيط المركزي عن توصيف واعٍ للنسب الموضوعية للإنتاج و التوزيع، كما و عن المحاولة الجارية من اجل التنمية الكاملة الجوانب للقوى المنتجة. و هو عبارة عن علاقة إنتاج و توزيع شيوعية.

كنتيجة لحضور الأزمة الرأسمالية المتزامنة و احتمال وقوع أزمة في البلدان المتواجد اقتصادها اليوم في دائرة صعود، كما و احتدام التنافسات الإمبريالية البينية و خطر وقوع حروب امبريالية جديدة، و نظراً للوضع الذي تعيشه الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية، تُطرح مسألة مُلحَّة على تحقيق أفضل إعداد ممكن للأحزاب الشيوعية للتجاوب مع مهام الصراع الطبقي المعقدة. و هو ما يمكن تحقيقه حصراً عبر استراتيجية و تكتيك ثوريين، و ضمن هذا التوجه سيسهم الحزب الشيوعي اليوناني بكافة قواه.

. .