ديالكتيك: الجدل والديالكتيك والالتباسات الفكرية(1)


مالوم ابو رغيف
2014 / 5 / 7 - 23:34     

ا
ان استخدام مفردة (جدل) كرديف لمفرة الديالكيتك احدث التباسا فكريا اذ فهم منه بان (الجدل) تعريب دقيق لمفردة للديالكتيك، حتى وصفت المادية الديالكتيكية بالمادية الجدلية.
المشكلة هي في القراءات السطحية تلك التي تسارع وتتسابق على اعطاء الاراء، فتصف الديالكتيك مرة بـ الخرافة ومرة اخرى تنعته بـ السطحية وتنظر الى قوانينه نظرة مثالية مبتذلة دون اعطاء اي تفسير اخر للتطور الذي يشهده الكون ولا لماهية الحركة. ان هذه الاراء تقود ايضا، وبدون رغبة اصحاباها الى معسكر المؤمنين الذين يقولون ان اصل الاشياء كلها من الله.
هناك من لا تتضح له الصورة فيخلط بين الـ Dialectic وبين الـdialogou فيظن ان لا فرق بينهما، بل حتى ان البعض اعتقد ان لا فرق بين المنطق وبين الديالكتيك.
لم يبق ( الجدل) ضمن حدود نشوء الاول يدور حول تناقضات المفاهيم بل تطور وتغير واصبح علما اخر غير ذلك الذي وجد في الاسلوب السقراطي.
صحيح ان الجدل كان احد الاشكال او الطرق التي ساهمت في وضع تجليات الديالكتيك المظهرية، لكن جوهر قوانين الديالكتيك قد قطعت حبل هذا الارتباط. فاذا كان الجدل فعل انساني ارادي يعتمد على الفهم الذاتي لتفسير القيم والمعرفة بغرض الوصول الى حقيقتها من خلال الـ( (debate فان الديالكيتك لا يناقض ولا يجادل بل هو حالة التناقض بين الاضداد في دواخل الاشياء، هو تطور الفكرة الموضوعي عند هيجل وتطور العالم المادي الموضوعي والمجتمعات الانسانية عند ماركس.
ان اي مفهوم اذا ما تطور وتعدى تعريفات نشوءه الى ما هو مختلف عن ما تعنيه مفردته اللغوية الدالة عليه، وجب صياغة مفردة لغوية اخرى تعكس هذا التغير الجديد الذي افرزه التطور، فان تعذرت الصياغة لمحدوديات اللغة او لعدم مرونتها، فان الابقاء على المفردة الاجنبية التي تكون قد فقدت معناها الاول واصبحت تدل على المعنى الجديد فقط، هو افضل من استخدام المفردة المعربة وان كانت ترجمة دقيقة للمعنى القديم.
هي ذات المسألة التي اشار اليها يوما المفكر الماركسي مهدي عامل في احد كتبه بان اللغة العربية لم تعد قادرة على التعبير عن مدلولات الفكر والسياسة الحديثة.
فالبرولتاريا لا يوجد مقابل لها في العربية مثلها مثل البرجوازية والديمقراطية والرومانسية وغيرها من المصطلحات، بما فيها مصطلح الاشتراكية التي فقدت في شكلها العربي جانبها الاجتماعي وطغى فيها الجانب الاداري فضعفت فيها ان لم تفقد معانيها وارتباطاتها الاجتماعية الناسيَة، (التشديد على الياء) 1
نحن نعتقد ايضا بانها، اي اللغة العربية، لم تعد قادرة على اللحاق بالتطور المتسارع في مجال التكنلوجيا والاتصالات والعلوم، ذلك ان اللغة تعبير عن النشاط والنتاج الانساني، ولان العرب قد تحولوا الى مستهلكين فان لغتهم قد توقفت عن الانتاج، اي صياغة مفردات جديدة واصبحت بدورها لغة تستهلك مفرداتها القديمة وتسعى لتحل هذه المفردات القديمة محل المفردات الاجنبية للانتاج الألي والمعرفي والتكنلوجي المتسارع، ان ذلك يسبب ارباكا ولخبطة فكرية غير قليلة تساهم في تدني المعرفة واستيعاب وادراك المفاهيم.
المسألة الثانية التي ينبغي الاشارة اليها، هي ان القاريء غير الخبير سيفهم المفردة او المصطلح( الذي يعني ما اصطلح عليه الناس او اتفقوا على تعريفه) بحسب الفهم المستوحى من معطيات اللغة المرتبطة بالبيئة الاجتماعية ودرجة الوعي لها، وليس بمدلولاته النظرية والفكرية المتخصصة.
فمفردة الجدل مثلا قد يفهم منها الجدال الكلامي في حلقات المناقشة او النزاع، ولا يفهم منها المحاورات التساؤلية التي تشبه الاستجواب للوصول الى الحقيقة الذي ابتدعه افلاطون في محاوراته. اي ان النزاع ليس بين الاشخاص كما توحي اليه كلمة الجدل العربية، انما النزاع والتناقض في الفكرة نفسها.
ان هذا التشابك بين مفهومي الجدل والديالكتيك لم ينتبه البعض الى انفصاله في مرحلة تطوره مثلما لم يُنتبه للفرق بين الديالكتيك المثالي المنسوب لـ Hegel والديالكتيك عند ماركس.
ان هناك تصورا عند البعض بان كلا الاثنين، الديالكتيك المادي والمثالي لا فرق بينهما. والسبب في هذه النظرة السطحية هو الانخداع بالتوافق اللغوي الشكلي واهمال تفاصيل الاختلافات الجوهري. فقدور الطعام وان تشابهت بمظاهرها ، لكنها تختلف بتخصصها وبمحتوياتها.
يمكن ان نرى اللمحات الاولى للجدل عند افلاطون في محاوراته التساؤلية طريقة للوصول الى حقيقة المفاهيم مثل ما جاء في حيرة يوثفرو Euthyphro delimma
في محاورة يوثيفرو Euthyphro يسأل سقراط صديقه المتدين يوثفرو، الذي، وبدافع الفضيلة والصلاح، وجه اتهاما لابيه بالقتل العمد، ذلك ان احد عبيده قد قتل عبدا اخر، فما كان من اب يوثفرو الا ان يحبس العبد القاتل ويرسل الى اثينا مستفسرا عن ماذا يجب ان يتخذه ضد هذا العبد المارق، لكنه، وبعمد، اهمل العبد في محبسه وتركه دون طعام ولا شراب حتى هلك.
يوثفرو كان متدينا ومطيعا للالهة، لقد كان pious اي رجلا صالحا.
لكن ما هو الصلاح يسأله سقراط.
ان الصلاح هو ما تحبه الالهة، يجيب يوثفرو.
يبادره سقراط بسؤال هل انه صلاح لان الالهة تحبه... ام انه صلاح (بذاته) لذلك احبته الالهة!!
Is the pious loved by the gods because it is pious,´-or-is it pious because it is loved by the gods?
واذا تتبعنا المحاورة نجد ان كلمة الـ pious تتكرر في جميع الاسئلة وفي كل مرة تتناقض مع افتراض آخر يضعف من التصديق بصحة الاجابة وتبقى الغاية هي معرفة ماهية الصلاح.
نستطيع ان نقول ان الـ (جدل) هو البحث عن اصالة المفهوم من خلال سلسلة التساؤل عن تناقضات الفكرة بمحاججة فرضياتها، الجدل عند افلاطون طريق يقود الى معرفة حقيقة الافكار.
ومن هنا اعتقد البعض بان الديالكتيك ليس الا منهجا او اسلوبا او طريقة للبحث والتحليل لفهم الافكار.
لكن هذا الاعتقاد سيكون غير صحيح وسيفقد مصداقيته عندما يتعلق الامر بالديالكتيك الهيغلي، الذي وان استند على نفس فكرة التناقضات، لكن التناقضات عنده ليست تناقضات المفاهيم المعرَفة( التشديد على حرف الراء) انما تناقضات (الاستحالة) او ‚Werden للمجردات المحضة، اي صيرورتها الى محض بـالـ Aufheben او نفي شوائب ما كان في كيونة الـ Abstract ، الـ Sein و الـ Nichts اي الشيء وعدمه في لحظة صيرورة الـ Werden ليصبح Dasein وهذا ما وصفه ماركس بـان هيجل قد جعله غامضا واعطاه طابعا صوفيا mystified ـ
اذ لا يمكن وجود لـ ((وجود وعدم وجود) لنفس الشي) في اية لحظة زمنية او مكانية الا في الذهن فقط. ان الشيء المتغير دوما ينتهي ان يكون هو ذاته في تغيراته المستمرة، ان حالات العدم والوجود هي الصيروة المستمرة لما يحدث Werden. ان العدم هو حالة الاستحالة aufhebenفي لحظة اللاشعور من صورة ذهنية الى اخرى،. ان لحظة تغير الشيء الى مفهوم هو وجود لصورة المادة بانتهاء لحظة عدمها concrete.