مهدي عامل والوعي بالتاريخ


عبدالله خليفة
2014 / 5 / 6 - 07:57     

في مناقشته لندوة بالكويت عن الحضارة العربية تحت اسم كتابه (أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية) يتطرق مهدي عامل إلى حاضر الأمة العربية وماضيها ويطرح بعض الأطروحات محللا التاريخ عبر مناقشة الكتاب والمفكرين الذين ساهموا في الندوة.
ثمة مقولة رئيسية يعتمد عليها المفكر الراحل مهدي عامل وهي أن الأنظمة العربية أنظمة رأسمالية تسود فيها البرجوازية (الكولونيالية) هذه البرجوازية السائدة تؤكد التخلف والتبعية وهي تتويج لـ (التطور) العربي خلال قرون.
(إن الحاضر العربي هو الصورة الحاضرة التي تظهر فيها بنيته السابقة. لأن عناصر البنية ظلت فيها لم تتغير) ص45، (أما أن يكون هذا التاريخ الذي تكونت فيه البنية الاجتماعية للواقع العربي الحاضر يرجع إلى ما قبل عشرة قرون خلت، أي إلى العصر العباسي أو أواخر العصر الأموي فهذا مالا نختلف فيه جذرياً مع الدكتور مصطفى شاكر)، ص45.
يتصور مهدي عامل التاريخ العربي الإسلامي كحقبة سابقة مختلفة عن التاريخ الإمبريالي الراهن حيث التبعية للاستعمار، فتكون البنية مختلفة عن ذلك العصر، فغدت جزءًا من النظام الرأسمالي العالمي وغدت (البرجوازيات العربية هي الحاكمة) ولا ينقضها سوى الطبقات الشعبية العاملة التي تقدر على القطع مع العصر الإمبريالي عبر الاشتراكية.
هذه اللغة الهيجلية المخلوطة بماركسية مشوشة تجرد التاريخ إلى حقبتين وتطرح مقولات مجردة تنسفه.
إن أزمة التخلف تتكشف عن حقيقتها الفعلية كأزمة هذه البنية من علاقات الانتاج الكولونيالية التي هي العائق البنيوي لتطور القوى المنتجة)، ص 51
وفيما الأستاذة الباحثون المنتَقدون في الندوة يطرحون كون المجتمع العربي متخلفاً وأن النموذج المعقول والممكن هو النموذج الغربي الرأسمالي الحديث، يقول مهدي عامل إن هذا الانتقال والتحقق غير ممكن.
مسار وعي مهدي عامل يتوجه نحو اختراع تشكيلات حيث يرى ظهور التشكيلة الكولونيالية حيث يتوحد التخلف العربي برأسمالية تابعة، تنقضها ثوراتٌ اشتراكية.
هذا الاختراع تسببه أفكار الماركسية اللينينية حيث يمكن عبرها اصطناع التشكيلات والقفز عليها.
وبالتالي فإن السياق العربي الإسلامي الإقطاعي يتم القفز عليه وعدم درسه. فما دامت تحولت الأوضاع العربية في مختلف السيطرة البرجوازيات الكولونيالية فلا بد من القطع معها عبر الثورات الاشتراكية وسيطرة العمال.
ومن هنا فهناك عدم قراءة للجذور العربية الدينية الاجتماعية، فلماذا تحدث تحولاتٌ في بعض فترات التاريخ العربي كالفترة النبوية المكية والفترة الأموية الأولى ثم الفترة العباسية؟ ولماذا تظهر حقبٌ أخرى تنقطع فيها النهضات؟
سياق فكر مهدي لا يتابع ذلك، وهذا في سبيل اختراع التشكيلة عنده. ولهذا لا يعر مسار التاريخ العربي الإسلامي، وكيف تظهر فترات التحول العربية الثلاث السابقات الذكر لكون المجتمع يظهر فيه إقطاعٌ مؤسس تحديثي مع فئات برجوازية ذات مصادر مالية، والفترة النبوية الراشدية هي سيطرة سياسية عليا متناغمة مع توسع فئات تجارية وعاملة تخلق النمو التجاري السياسي العريض، وهذا ما حدث في الفترتين التاليتين الأموية والعباسية ولكن من خلال سيطرة إقطاع أسري عائلي، وهذا الإقطاع حين يتوسع ويلتهم فوائض الحرف والزراعة تتقلص عملياتُ عودة الفوائض للانتاج فتحدث الأزمات والتخلف.
والقانون غير المكتشف هنا هو دراسة العلاقة بين هذه التحالفات التاريخية، ومستوى ظهور الفائض الاقتصادي، ومدى عودته أو عودة أجزاء منه للإنتاج، وكم هي عمليات إعادة الإنتاج، وعلاقاتها بالتقنيات والعلوم، وبتحول الطبقات المنتجة في مختلف التشكيلات.
وهذا له علاقة بالعصر الحديث العربي الإسلامي الذي لم يقم بعمليات تغييرات واسعة لهذا الأساس الاجتماعي الديني، وحين تظهر ملامح رأسمالية حديثة من الداخل البنيوي أو من التأثيرات الخارجية فإنها لا تستطيع القيام بتغيير جذري لهذه البنى، وبهذا فإن أساس الأنظمة العربية هو أساس إقطاعي مع ملامح رأسمالية ضئيلة، والصراع بينهما يتحدد خلال طبيعة كل بنية، ومدى سيطرة الكل الإقطاعي أو التوسع الرأسمالي الهادم للإقطاع.
لهذا فإن القول بوجود بنية كولونيالية أمرٌ يفتقد إلى التحليل المادي التاريخي.
إن درس تناقضات البنية الاجتماعية يحتاج إلى الجمع بين قراءة التاريخ الماضوي، والتحولات المعاصرة معاً
ولهذا فإن وجود برجوازية تابعة تمنع القطع مع التبعية الاستعمارية هو أمر غير صحيح، وبهذا فإن التحالفات البرجوازية العمالية ضرورية لهذا القطع ومن أجل التحرر لتشكيل بُنى مستقلة يظل فيها العنصران البرجوازي والعمالي مختلفين متعاونين مشكلين لبنية تتحدد بإنتاجها هي البنية الرأسمالية الديمقراطية الحديثة.
ولهذا لا يمنع من تعدد رؤى الطبقتين وهو أمر يتشكل في سياق النظام الوطني الرأسمالي، وتتشكل قدرته على القطع مع التبعية الرأسمالية بمدى تطور الانتاج وإعادة تشكيل مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية المستقلة.
(يقولون: التخلف يكمن في علاقات الانتاج التقليدية القبلية الإقطاعية الدينية السابقة على عصر الرأسمالية ولا تزال هي العلاقات السائدة في الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية العربية. إذن يبقى العصر هو الحل أمامنا ومستقبلنا)، ص 56
هذا ما يقوله مثقفو البرجوازيات العربية في الندوة ولكنه أوهام بحسب وعي مهدي عامل.
ويؤكد مهدي أن أساس التخلف والعلة هو في هذه الأفكار البرجوازية ونقضها بالمنطق الثوري العمالي هو الطريق الحقيقي للتحول.
هذا المنطق يقطع السياق الموضوعي للتحالف البرجوازي العمالي العربي، ويقطعه لسياقات أخرى مغامرة.
إن التحولات التحديثية الجنينية تُرفض من قبل مهدي عامل، وهذا ما يتيح للقوى الدينية الطائفية والمحافظة سياق العمل والتغلغل والتصدي للحداثة، وكسر التحالف التحديثي، لإنشاء التحالف المتخلف الظلامي فقوى الحداثة تتزعزع، والبرجوازيات حسب قول مهدي عامل تابعات إذن التحالفات الدينية والفوضوية والمغامرة هي التي يتاح لها الظهور والنمو بحسب هذا المنطق.