الموقف السياسي انعكاس للنظري الفكري (2)


محمد نفاع
2014 / 4 / 26 - 08:02     

البعض يطرح ان هذه النظم، مثل ليبيا والعراق وغيرها تعطي مبررًا للتدخل الخارجي. وكأن الاستعمار بحاجة إلى مبررات! أي مبرّر في كوبا وحصارها الطويل، أي مبرر لفيتنام، لتشيلي وايندي، لغرينادا، لفنزويلا، لفلسطين.. المبرر الوحيد هو الهيمنة، هو تفتيت الدول، هو الاستيلاء على مصادر البترول، هو الاستغلال، هو الاستعمار الاقتصادي والسياسي والعسكري


ليس القصد الآن استعراض مبادئ الماركسية اللينينية ولو بخطوط عامة جدًا، قد نتطرق إلى ذلك مستقبلا.
في كل اجتماع محلي، منطقي، مركزي وفي كل مؤتمر يجري التأكيد في النقاش والبيانات إلى أهمية التثقيف الايديولوجي، حتى صار ذلك مبتذلا وضريبة كلامية ممجوجة.
أنا ادعي انه ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي لا نجرؤ بما فيه الكفاية للخوض في هذا الجانب المحوري، الأساسي والجوهري مع انه على أساس الانتماء الايديولوجي يكون الموقف السياسي الثابت والواضح إلى حدٍ بعيد. بعد الانهيار حدث تراجع في التنظيم الحزبي، لكن التراجع الأخطر حدث في الجانب الفكري، ظلّ الأمر شعارًا وإعلانا وتعريفًا، هذا مهم وليس الأهم.
شعار "يا عمال العالم اتحدوا" يشمل الناحيتين الأممية والطبقية، وجاء بديلا لشعار: "الناس كلهم اخوة" النضال ضد الرأسمالية والاستغلال، من هنا جاء مصنف لينين: الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية وآخرها.
ونذكر مقولة لينين: الباشا المصري الذي يناضل من اجل استقلال بلاده ضد الاحتلال والاستعمار أفضل من العامل الانكليزي الذي يصنع السلاح بهدف القضاء على الدولة الاشتراكية، على روسيا السوفييتية. كان هذا زمن التدخل الاستعماري بالاعتماد على الرجعية المحلية في روسيا السوفييتية والحرب الأهلية، حيث قال ونستون تشرتشل: يجب القضاء على الدجاجة الشيوعية الحمراء قبل ان تفرخ.
اعفي نفسي في هذا الاستعراض من سيلٍ في الاقتباسات والتواريخ والمناسبات وأقدم بعض الأمثلة.
رأت المنظومة الاشتراكية في حركة عدم الانحياز ومؤتمر باندونغ حركة هامة من حيث كونها وبالأساس ضد الاستعمار وخاصة قادة هذه الحركة في مصر والهند ويوغسلافيا واندونيسيا والجزائر وعشرات الدول الأخرى رغم التفاوت الكبير بينها، ونعيد إلى الأذهان مختلف التسميات التي سادت في تلك الفترة الهامة مثل العالم الثالث، والحياد الايجابي، والدول التي تسير في طريق التطور اللارأسمالي، ولمعت أسماء عبد الناصر وتيتو ونهرو. وعدم الانحياز يعني تلك الدول التي ليست أعضاء في حلف وارسو وحلف شمال الأطلسي، وكم تشدق الاستعمار يومها: إذا تفكك حلف وارسو سنفكك حلف الأطلسي. تفكك حلف وارسو وتفكك صانعوه، وها هو حلف الأطلسي العدواني باق ويتمدّد.
لم تكن هنالك "تفلية" لكل نظام وسلبياته العديدة وهي موجودة. جرى التعامل مع الحركة ككل، حركة هامة جدًا، يكفي انها ليست آلة طيعة في يد الولايات المتحدة في قضايا مثل نزح السلاح والتعايش السلمي التي تبناها الاتحاد السوفييتي، وكذلك في قضية الشعب العربي الفلسطيني ضد إسرائيل وأميركا، يومها كانت الرجعية العربية تخجل إلى حدٍ ما، مع ان جوهرها معروف، الأمر الذي جعل إسرائيل تعلن ان الأمم المتحدة أصبحت إسرائيل ولذلك لن تأبه لقراراتها، يومها جاء سيل من "الفيتو" الأمريكي والتي أصبحت معزولة. هذا مع العلم ان العديد من هذه النظم هي نظم رأسمالية ونظم بعيدة عن الديمقراطية.
إذًا كانت القضية المحورية هي الموقف من الاستعمار، ولا تزال كذلك حتى اليوم، أو بالأساس اليوم. قبل الانهيار كان أسهل بكثير الوقوف ضد الاستعمار، والإنذار السوفييتي ضد العدوان الثلاثي على مصر سنة 56 كما جاء على لسان بولغانين اكبر مثل على ذلك.
بعد الانهيار واجهنا العديد من القضايا كانت مثارًا للنقاش والتأتأة والتحفظ والصمت والمعارضة، وهذه بعضها:
عند غزو العراق وتدميره من قبل الاستعمار وأعوانه ومنهم العرب وحتى الذين يعادون الولايات المتحدة، جرى عندنا نقاش حاد، تركّز حول طبيعة النظام العراقي، وكأن الغزو جاء لإنقاذ الشعب العراقي من حكم صدام حسين الدكتاتوري، ورأينا أي إنقاذ كان.
ولا أزال اذكر الموقف المبدئي البطولي لتوفيق زياد في جنازة الشهيد في طمرة في مجزرة الأقصى وأمام 30 ألفا من الجمهور: إذا كانت أمريكا وراء خروج العراق من الكويت فنحن من اجل بقاء العراق في الكويت. هذا الموقف الجريء هو اصدق تعبير عن الفكر الشيوعي، المهم ألا تكون مع أمريكا رأس الحية. جاء الغزو ضمن مخطط الهيمنة والقضاء على كل قوة سياسية وعسكرية في المنطقة لتظل إسرائيل هي المسيطرة.
واذكر نقاشًا لي مع رفيق من "كردستان العراق" عندما قال لي: صدّام حسين يقدم لنا الصواريخ وأمريكا تقدم لنا الخبز، فنحن مع أمريكا، إذًا جرى تخريب وتدمير وتقسيم العراق.
لقد وقف الشيوعيون مع ثورة الخميني ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي عميل أميركا، مع ان نظام الخميني انقلب على الشيوعيين وهي نقاط ضعف أساسية للعديد من "الثورات" المعادية للاستعمار، ومع ذلك فقد افتتحت سفارة فلسطين في إيران على أنقاض سفارة إسرائيل، وحدث ان التقى رفيق من حزبنا ورفيق من حزب "توده" الإيراني في البرتغال وقال الإيراني كم نعاني من "السافاك" – المخابرات الإيرانية زمن الشاه – وعلى نفس الوزن قال رفيقنا: ونحن عندنا "الشاباك".
واليوم يجري تهديد إيران من قبل الاستعمار وإسرائيل بحجة السلاح الذري، مع العلم ان إيران بعيدة جدًا عن إسرائيل، فهل يجب ان يكون الرئيس السابق محمود احمدي نجاد في سلم أولويات نقاشنا معه ومعارضتنا إياه!
ومن البِدَع الجديدة لقادة الحركة الإسلامية اليوم: الخطر اليوم من "التفريس" أي المدّ الفارسي! وليس طبعا من أمريكا ولا الأطلسي، ولا إسرائيل، ولا الرجعية العربية في السعودية وقطر وبقية الأشباه، والسبب واضح ومعروف.
مثل آخر هو الموقف من المقاومة اللبنانية التي لعبت وتلعب دورًا نضاليًا عادلا ومرموقًا ضد إسرائيل والاستعمار والرجعية، ولها كل الحق في ذلك، هنالك تحفظ وهنالك صمت وبُخل في التعبير، وهنالك رجعية لبنانية موالية جدًا لإسرائيل هدفها الأول والأخير سلاح المقاومة، مع ان إسرائيل لا تزال تحتل بقعة من الأرض اللبنانية وتخرق السيادة اللبنانية جوًا وبرًا وبحرًا، وتدعم الرجعية اللبنانية بالأمس واليوم، وحاولت اغتيال القائد الوطني اللبناني كمال جنبلاط – كما جاء في الكتاب الرائع لعثمان أبو غربية "الطريق إلى الجنوب" ومن تجربته الخاصة.
في مخطط تقسيم السودان قال احد منا: نحترم قرار الشعب السوداني! والمقصود جنوب السودان. ونذكر ما قاله الرئيس الأمريكي الحالي يومها: "سُلّم اولولياتنا السودان" وطبعا ليس فلسطين. ومنذ اليوم الأول لانفصال جنوب السودان خرجت إسرائيل تقول: ما كان سرًا بالأمس أصبح علنًا اليوم، وذلك عن دورها في هذا الانشقاق، ويأتيك من يقول: كفاكم ثرثرة عن المؤامرات والمخططات الأمريكية!
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بسبب الأخطاء الداخلية، وفرض سباق التسلح وحرب النجوم وخيانة القيادة، عملت أمريكا ولا تزال على تفتيت الدول إلى دويلات مثل يوغسلافيا والسودان وروسيا والعراق والحبل على الجرار... والأمثلة كثيرة.
البعض منا وجّه أسهمه ضد القافي، ومشاركتنا في زيارة ليبيا ضمن وفد المتابعة. صحيح انه بالإمكان قول الكثير عن التصرفات الساذجة والسخيفة لمعمر القذافي وتصريحاته وبهلوانياته والكتاب الأخضر، ولي شخصيًا تجارب مريرة مع الوفد الليبي في مهرجانات اتحاد الشباب الديمقراطي في موسكو وكوريا لن أخوض فيها لئلا نقع في الذاتية. لكن جرى قصف ليبيا من قِبل حلف الأطلسي، وجرى الاستيلاء على بترولها ذي النوعية الممتازة وطرق استخراجه الرخيصة، وراح ضحية هذا الغزو عدد كبير من الضحايا، فهل يظل حكم القذافي وعلى علّاته هو السبب لهذا الاحتلال! حبذا لو نعود ونقرأ ما كتبه الرفيق البروفيسور كالمان آلتمان بهذا الخصوص.
البعض يطرح ان هذه النظم، مثل ليبيا والعراق وغيرها تعطي مبررًا للتدخل الخارجي. وكأن الاستعمار بحاجة إلى مبررات! أي مبرّر في كوبا وحصارها الطويل، أي مبرر لفيتنام، لتشيلي وايندي، لغرينادا، لفنزويلا، لفلسطين.. المبرر الوحيد هو الهيمنة، هو تفتيت الدول، هو الاستيلاء على مصادر البترول، هو الاستغلال، هو الاستعمار الاقتصادي والسياسي والعسكري ونشر القواعد العسكرية، أحيانا تحت يافطة محاربة الإرهاب أو إنقاذ الشعوب من ظُلم حكامها.
جاء الذئب للنعجة الأم وقال: ليس في قلبك رحمة أبدًا، كيف تتركين ولدك ملطخًا في الوحل! فقالت له: وأين هو الآن؟ قال: نشلته من الوحل واكلته.
هل في قلب الاستعمار رحمة وشفقة على الشعوب!
فلسطين بالأمس واليوم أوضح مثل. لا يوجد اصدق وأوضح من حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وحق اللاجئين في العودة، وكل هذا معطّى بقرارات الأمم المتحدة، وممهور بتضحيات هائلة، ومع ذلك الاحتلال الإجرامي مستمر، وتفاصيل هذا الاحتلال وممارساته تقشعر لها الأبدان، قتل الفلسطينيين من قبل الجيش والمستوطنين أصبح عاديًا جدًا، الجدار أصبح أمرًا واقعًا، السجن، الاعتقال، التعذيب، الاهانة، المجازر، المصادرة، قلع الأشجار وكل الأعمال والممارسات الوحشية والفاشية أصبحت أمرًا معروفًا وعاديًا، لماذا لم يحرك ذلك قلوب ومهجة وعاطفة وإنسانية العالم الحر، عالم الديمقراطية وحقوق الإنسان والنضال ضد الإرهاب!
هنالك عقبات في طريق الهيمنة الأمريكية الاستعمارية، الشعب الفلسطيني عقبة يجب إزالتها، ولذلك كان أيلول الأسود، ولذلك كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وكان قتل العديد من الرموز الفلسطينية، جرى ذلك في لبنان بواسطة براك بلباس امرأة، جرى ذلك في تونس، في رام الله، في غزة وايطاليا وأمكنة كثيرة أخرى، هذا لا يعدّ إرهابا في مفهوم العالم الحر وفي طليعته الولايات المتحدة، ومع ذلك تضغط على الجانب الفلسطيني للاستمرار في مفاوضات لتمضية الوقت واستلاب المزيد من التنازلات الفلسطينية، وطرح يهودية الدولة، والتبادل السكاني وسياسة الترحيل، وقد يدخل كل ذلك في دائرة واسعة مرتبطة بالتساؤل الكبير حول حرب أكتوبر سنة 73 ونتائجها ودور أنور السادات، وحتى استعداد الرجعية العربية اليوم لوقف دعم الفلسطينيين ماليًا، ورضوخ مؤتمر قمة الكويت للسيد الأمريكي بعدم اتخاذ قرار ضد يهودية الدولة والاكتفاء بإعلان غير ملزم، وكأن قرارات هذه النظم هي ملزمة.
وقد يُسأل السؤال: لماذا سرد كل هذه الأمور المعروفة والمكررة! والقصد هو ضرورة إبراز موقفنا الايديولوجي كجزء من الحركة الشيوعية العالمية، والوصول إلى الموقف مما يجري في سوريا اليوم، هذا الموضوع الذي كان الأبرز في إخفاء خصوصيتنا وعدم المجاهرة به كفاية في معركتي الانتخابات للكنيست والسلطات المحلية والذي كان احد أسباب تراجعنا. وهذا ما نركّز عليه في حلقة قادمة.