الطبقية بين الثابت والمتحول


محمد الحاج ابراهيم
2005 / 7 / 15 - 08:54     

الصراع الاجتماعي في البلدان ما قبل الصناعية(المستهلكة) أنتج حالة متوازية مع الصراع الطبقي الماركسي بذهنية فلاحية مع ماأردفها من شرائح أخرى فقيرة اقتصاديا ومعرفيا جعلها تخلط بين الصراعات وتسمي الأشياء بغير أسمائها،إذ أن الصراع الطبقي الذي تحدثت عنه الأدبيات الاشتراكية قام على محددات طبقية سياسية اقتصادية وليس عائلية بالمعنى التاريخي فالقوة الاقتصادية لها اصطفافها الفوقي والضعف الاقتصادي له اصطفافه التحتي فإبن القيصر أو حفيده لا يحدده نسبه بقدر ما يحدده موقعه الاقتصادي إن كان فقيرا ناضل مع الفقراء المُستَغَلّين من أجل مصلحتهم جميعا وإن كان قويا اقتصاديا دافع عن المُستَغِلّين من موقع مصلحته أيضا لكن في المجتمعات المتخلفة الما قبل صناعية تأخذ الصفة التاريخية المعيار الأساسي للتعامل مع الحالة وهذا ما حدث مع كل الأنظمة التي ادعت الاشتراكية إذ أفرزت إقطاعيات وبرجوازيات وقوى اقتصادية من رحم النظام الاشتراكي الحاكم وبقي بتقييم البروليتاريا في هذه المجتمعات ابن الطبقة الفقيرة المناضلة رغم حيازته مكون اقتصادي جديد من سرقته للمال العام الذي تديره هذه الدولة الاشتراكية، وبقي حفيد العراقة العائلية والاقتصادية// رغم تدميره من قبل هذا النظام عبر قوانين التأميم وغيرها من قوانين كان غايتها القضاء عليه// إقطاعيا أو برجوازيا بالعقل الثقافي البروليتاري المغيب والمُتخلف ويُعامل على هذا الأساس من حرب تصل أحيانا لقمة العيش وما مرد ذلك إلاّ إلى أزمة اجتماعية من مفرزات الخواء النفسي الذي يحدد درجة الدونية عند بروليتاريا المجتمعات المتخلفة.
قمت مع صديق لي سليل عائلة اقتصادية ووطنية عريقة يعمل بحانوت بأجر شهري بزيارة مشفى في مدينته فوجئت بتعامل الطبيب صاحب المشفى معه وبصدق أقول: أنني خلال تلك الجلسة مع الطبيب ظننت أن هناك مستمسكا كبيرا عليه من قبل صديقي إلى درجة طلبت منه المضي لعطفي على ذاك الطبيب لكثرة الحرج وبعد انصرافنا سألته ملاحظتي فأجاب أن الطبيب ينتمي إلى عائلة فقيرة لم يستطع أن يحرر نفسه من دونيته ولازال يعتبر نفسه الفقير الذي يستقبل أولاد الأغنياء ولا تستطيع إقناعه أنني أعمل بأجر شهري أي عامل يُدافع عن الكادحين في بلادي، إنه مكون وعي بروليتاريا بلادنا وهذا يمكن سحبه على الأحزاب الاشتراكية إن صح هذا التعبير على أحد، فالكل يعتمد الحقد التاريخي العائلي وليس الموقع الطبقي الذي تُحدده القوة الاقتصادية من ضعفها وعلى ذلك يتم اعتماد الثوابت الطبقية وليس تحولاتها فعند بعض المتخلفين من الشيوعيين يبقى الفقير فقيرا والغني غنيا إلى الأبد وعلى ذلك يثبت التاريخ عند هؤلاء ولا يتطور وهذا بحد ذاته يعود للمكون النفسي وليس للثقافة الطبقية المكتسبة والقائمة على التحليل والتشريح والنقد الموضوعي إنما على الكتلة كما تبدو وليس على مكونها أو بنيتها الداخلية المسبورة بالعلم والمعرفة،ولايُدرك هؤلاء أن رفيقهم عندما يُصبح في الشريحة الفوقية يعني ذلك أنه أصبح في دائرة الأهداف للطبقة العاملة وعندما يتحول أحد أبناء الشريحة الفوقية إلى القاع يُصبح رفيقا في النضال، لكن فوات السياسة وثقافتها تجعله يُمارس الحقد الذي ينسف قاع المُتّحد الوطني بحجة نسف الفروق كالذي ينسف سريره في غرفته بعبوة ناسفة فلا يُبقي أحدا.