الأحزاب .. والتغيير في سوريا


بدر الدين شنن
2005 / 7 / 15 - 05:09     

تشهد الحالة السياسية السورية الراهنة ، حركة حزبية جديدة تتجلى بظهور أحزاب جديدة ، في الداخل والخارج ، تضيف بين وقت وآخر ، إلى نادي الأحزاب السياسية، القائمة بإطار السلطة وخارجها ، أعضاء جدد وزعامات جديدة . بعضها يجئ معارضاً .. نتاجاً موضوعياً لمناخ الرفض للنظام ويصطف مع المعارضة . وبعضها يجئ بينياً ويتموضع بين المعارضة والنظام . وبعضها الآخر يجئ مفخخاً مرتبطاً بخيوط السلطة أو بخيوط خارجية مشبوهة . . ومفاعيل الحالة السورية تشي أننا سنشهد ظهور المزيد من الأحزاب الجديدة . وقد جاءت الأحزاب الجديدة حاملة أطياف متعددة حسب المقاس السوري الراهن وحسب استحقاقات " العولمة " . جميعها أطلقت على نفسها أسماء تنتهي بالديمقراطية . حتى باتت الساحة السورية تعج بحركة الأحزاب والحركات السياسية " الديمقراطية " مترافقة بحركة أمنية تحاول بالاعتقالات الإنتقائية ضبط إيقاعاتها . حيث أضحت اللعبة السياسية ، التي كثر وتعدد فيها اللاعبون القدامى والجدد ، أكثر تشابكاً وتعقيداً

وإذا ما أجلنا الحديث عن جدلية خارج / داخل في الحركة الحزبية السورية ومستجداتها ، فإنه من الملاحظ ، أن الأحزاب تتحرك بإطار نخب سياسية وثقافية وتحاول أن تجد لها حصة في كعكة السلطة ، أو أنها ذات طموحات ، مبررة أيديولوجياً أو ديمقراطياً أوثأرياً ، لاتقبل إلاّ بحصة الأسد ، وتراهن ، لعدم قدرتها على استقطاب القوى الشعبية ، أو لعدم استيعابها لذلك ، على دور الخارج السياسي والدبلوماسي والحقوقي ، و" وبعضها حتى على الدور العسكري " إن لتحسين مستوى أوزانها السياسية أو للوصول بأقصى السرعة إلى غاياتها

ووسط هذا الزخم الحزبي النخبوي " الديمقراطي " أو الليبرالي ينحسر دور الحامل الإجتماعي والبعد الإجتماعي لعملية التغيير الديمقراطي ، ويخسر الحزب دوره كممثل لقوى وطبقات اجتماعية ، ويدور حول ذاته ولذاته ، دافعه في عملية الصراع مع النظام إما شغف سلطوي ثأري وإما طمع مصلحي ، لتحصيل ما يمكن تحصيله في موسم سياسي قل نظيره .. وقل حدوثه منذ العهد الفيصلي حتى الآن

وإذا ألقينا نظرة إلى الخريطة الحزبية السورية الراهنة فإننا نجد أن الأحزاب القائمة بإطار السلطة وخارجها عدا استثناء واحد أو إثنين ، تنقسم ، بغض النظر عن لون العباءة التي ترتديها إلى قسمين . القسم الأول : أحزاب انتقلت من أحزاب شيوعية أو اشتراكية إلى أحزاب ليبرالية ، أو وضعت نفسها تحت قيادة النظام . والقسم الثاني : أحزاب قامت منذ انطلاقتها على أسس " ليبرالية " . والأحزاب في كلا القسمين ، وهي لاتخفي نواياها ورغباتها بل وتتفاخر بها ، تتجه ببرامجها ومساراتها لتعبر عن " الطبقة الوسطى " المؤلفة من بقايا الطبقة الوسطى التقليدية ومن أثرياء السلطة ، ولتتماهى عضوياً في بنيتها ومصالحها

وفي المشهد الحزبي السوري يفتقد الحزب السياسي المعبر عن القوى الاجتماعية الكادحة .. حزب الطبقة العاملة ، التي تمثل في القطاع الصناعي العام والخاص وفي مجال العمل الزراعي والإدارة والمرافق والخدمات ، تمثل القسم الأهم في المجتمع من حيث حجمها العددي والسياسي ، ومن حيث أنها الأكثر معاناة من الاستبداد إن على مستوى أجورها ورواتبها وحقوقها المتدنية ودفعها إلى ما دون خط الفقر ، وإن على مستوى حرياتها النقابية والديمقراطية ، وإن على مستوى القمع والتشريد والتهجير ،

والمفارقة المؤلمة في هذا السياق ، أن الأحزاب السورية ، ونقصد هنا الأحزاب " العريقة " قبل غيرها ، بالرغم من تناولها في برامجها مسائل الفقر والغلاء ، فإنها لم تسجل حتى الآن ، أو أنها تتجاهل ذلك لاعتبارات خاصة ، بأن الصراع الجاري في سوريا هو صراع طبقي بامتياز ، وهو يدور بين القوى العاملة التي تعيش من بيع قوة عملها ، سواء كان ذلك في المصنع أو الحرفة أو الزراعة أو الخدمات أو الإدارة أو المرافق وبين أثرياء السلطة وشركائهم من البورجوازية التقليدية . إن قطبي الصراع يتجسدان بوضوح وبفارق بشع مذهل بين أثرياء السلطة الذين يملكون الملايين والمليارات من الليرات والدولارات داخل البلاد وخارجها وبين أكثر من ستين بالمائة من الشعب ، الذين ينحدر مستوى معيشتها إلى ما دون خط الفقر - النظام يعترف حالياً بوجود نحو 6 ملايين فقير في سوريا - يتزامن هذا الصراع مع مطامع دولية جشعة ليكسبه بعداً وطنياً شديد الخطورة ، لكنه لايطمسه ولايلغيه بل يشدد عليه . . وإزاء هذه الحقيقة لأبعاد الصراع ، فإن الأحزاب السورية لتغطية إهمالها المضمون الإجتماعي للصراع تضخم البعد الوطني ، وتحاول جر كل القوى وكل الجهود إلى ساحة الصراع الوطني لصالح خياراتها في حسم صراعها الجزئي أو الجذري مع المظام في ساحة الصراع على السلطة ، الذي لن تكون محصلته بهذه العقلية سوى استبدال بورجوازية النظام ببورجوازية أخرى لاتمارس القمع الأمني العاري لكنها تمارس القمع الإقتصادي الطبقي ، بتبنيها حسب برامجها المطروحة ، اقتصاد السوق ومواكبة العولمة والإنخراط بمنظمة التجارة العالمية ، لتبقى القوى العاملة والشعبية تكابد فقرها وبؤسها وأزماتها

وإزاء تعقد المهام الوطنية والديمقراطية والإجتماعية فإن من مصلة البلاد العليا أن تعبأ كل الجهود ، وأن تأخذ القوى الإجتماعية العريضة دورها الأساس في حماية الآستقلال الوطني وبناء الديمقراطية وبناء مجتمع عادل ، إنما ليس لاستبدال بورجوازية بأخرى أو التزاوج فيم بينهما حتى تتوزع عائدات الناتج الإجمالي الوطني على قاعدة أوسع من من النخب ومن المالكين ، وإنما حتى تتوزع هذه العائدات إزدهاراً وصحة وتعليماً وسكناً ومواصلات وأمناً وعدالة ووفرة لكل أبناء سوريا

والسؤال المشروع الآن : كيف ستأخذ القوى الإجتماعية العريضة دورها الأساس في العملية السياسية المتعددة الأبعاد ، هل ستعدل الأحزاب " العريقة " الجادة من نظرتها إلى هذه القوى ، وتكف عن الركض وراء دبر " الطبقة الوسطى " اللا وطنية ، وتندمج بهذه القوى وتأخذ بقضاياها المعبرة بعدالتها وعمقها عن أبعاد الصراع كافة ، أم أن هذه القوى ستجد نفسها ، بوقت ليس ببعيد ، أمام مهمة إيجاد حزبها الخاص .. وإيجاد تحالفاتها المتجانسة الخاصة .. وتشق طريقها في عملية تغيير جذرية بكل المقاييس ؟