تقييم سوسيولوجي للاهوت التحرير


وليد يوسف عطو
2014 / 4 / 18 - 18:45     


لقد قام بعض المختصين بتحليل حركة لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية ( ل. ت .ا.ل ) كحركة دينية متنامية من زاوية سوسيولوجية الديانات امثال ( مادلين ادريانس ) و ( توماس برونو ) و ( مارجريت كراهان )وآخرون . الا ان ( اوطو اكسيل مدير ولانج )قدم ورقة مختلفة حول الموضوع ,فهو يحاول التقيد بوقائع تاريخ امريكا اللاتينية الحديث , وعلى العلاقة بين لاهوت التحرير والماركسية وبفرضية نزع القدسية عن الماركسية داخل لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية desacralization .

ان وسائل الاعلام تركزعلى نقاط الالتقاء اكثر من نقاط الخلاف مع الفكر الماركسي .هناك داخل (ل. ت .ا .ل )تركيزا على تنامي عملية النقد ورفض المسلمات الماركسية التي تعتبر مركزية في غالبية النصوص ولدى غالبية النقاد والاحزاب الماركسية في امريكا اللاتينية .
ان لاهوت التحرير يساهم في ميلاد اخلاقيات جديدة ( بالمعنى الذي نجده عند ماكس فيبر ) اعطت دفعة لبعض التطورات الثقافية والسياسية والاقتصادية في امريكا اللاتينية .
يشدد اوطو اكسيل بان هذه الاخلاقيات تذهب عكس ماتذهب اليه الادعاءات المقدسة في التقاليد الماركسية في امريكا اللاتينية .
ان لاهوت التحرير ينزع القدسية عن الماركسية .

الماركسية مجرد اداة ,لا كحل شامل ومتكامل

ان العلاقة بين الماركسية ولاهوت التحرير (ل.ت .ا.ل )بلغة السوسيولوجيا ليست مصادفة ولا هي هشة ,بل يمكن فهمها كعملية للانتقاء من الماركسية , مفرداتها ,رموزها ...الخ , مايبدو لبعض الكنائس التي تتواجد داخل علاقات اجتماعية متميزة وفي خضم تحولات وتوترات ملائمة لها ولاستراتيجياتها الاجتماعية .بهذا المعنى السوسيولوجي المحض اصبحت الماركسية اداة داخل
(ل . ت . ا .ل ): بعض الافراد والمجموعات الكنسية من دون اية تبعية او ولاء او طاعة لاي جهاز ماركسي تقليدي , يلجاون الى الترسانة الرمزية الماركسية .
ان التفاعل داخل طائفة الكنيسة لا مع المحيط الماركسي هو الذي يقيم المنطق ويقيم الحدود لامتلاك بعض العناصر الماركسية من طرف ( ل . ت .ا . ل ) والناطقين باسمه . كما ان الديناميكية المعقدة للارثوذكسية الكنسية , (لا الارثوذكمسية الماركسية ) هي التي تحكم هذه العملية المعقدة للامتلاك الرمزي symbolic appropriation . ان نجاح هذه العملية يؤدي الى نزع صفة الشيطانية عن الماركسية ونزع القدسية عنها ايضا . اي ان الماركسية يتم تجريبها من طرف مستعمليها الجدد دون حاجة الى طاعة تامة او ارتباط ضروري باي حزب او سياسة . ويتم التعامل مع الماركسية لا بصفتها ( وحدة مطلقة ) بل ككتلة منحلة ومتناثرة من الادوات والوسائل . جزء منها يجب امتلاكه وجزء منها يجب رفضه .
صيرورة لاهوت التحرير يتم تقييمها من داخل الكنيسة وليس بالانشقاق عنها كما حصل سابقا .
وجهة نظر (ل .ت .ا.ل )لاتتمثل في الخروج من البنيات الدينية القديمة وانما تتمثل في الكفاح من اجل تغييرها من الداخل . انها وجهة نظر غريبة كليا عن الارثوذكسية الماركسية التقليدية التي ترى انها وحدها منظور (علمي ) ( اي مادي غير ديني ) باستطاعته خدمة مصالح المضطهدين في المجتمع الراسمالي .

نفي التعددية والتنوع وسيلة اخرى للاضطهاد

ان جزء من التوترات التي عاشها (ل.ت.ا.ل )تتعلق بالتنوع الغني للواقع الامريكي اللاتيني , فالاختلافات العرقية والبنيات الاقتصادية واللغوية والخلفيات الدينية والجغرافيةكل هذا ممزوج بتجارب الاجيال المتعاقبة يجعل من شعوب امريكا اللاتينية مركبا متنوع الاشكال . ولم يعي الماركسيون الا نادرا للابعاد الخطيرة لهذا التنوع , سواء فيما يتعلق بصياغة الماركسية في امريكا اللاتينية , او فيما يتعلق بالتاويل او الاستيعاب الماركسي لواقع امريكا اللاتينية .
من بين المفكرين القلائل البارزين الذين قاموا بهذا الامر : خوسي كارلوس ماريا تيكي , هذا القائد البيروني والكاتب يستحق اشادة خاصة. ان ماساداوساط الماركسيين كان بمثابة لوي عنق الواقع المعاصر لامريكا اللاتينية في محاولة لتفصيله على مقاس النماذج المفاهيمية والتنظيمية التي تبلورت في الواقع الاوربي الغربي للقرن 18 م :
( الفدراليةوالراسمالية والبرجوازية , المركزية والديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا ) .
لقد اقر ( ل . ت .ا .ل ) بواقع التنوع والتعدد وبمشروعيته وذلك في المجالات الاكثر تعقيدا : المجال الديني واللاهوتي و كما اعطى دفعة قوية لتعدد اللاهوتات (الثيولوجيا )وانبعاث التقاليد الدينية التي كانت محاصرة طيلة قرون متحديا بذلك التماثل المطلق الذي يسود الكنائس المسيحية , وبحق المؤمنين في التعبير عن انفسهم لاهوتيا او بطرق اخرى حسب طريقها الخاص .

الحتمية التاريخية كمفهوم عرقي لجوهر الانسان

من الخصائص الاخرى للمار كسية التقليدية مفهومها للتاريخ الذي تجاوزه ماركس في بعض نصوصه المتاخرة التي كتبها قبل وفاته والتي لااثر لها في تلاوين الماركسية السائدة . فحسب هذا التاريخ الماركسي التقليدي فان التاريخ يتطور حتميا في اتجاه واحد ( هيجل ) ووحيد نحو الشيوعية .اي مجتمع حر مساواتي حيث تنتفي فيه الملكية الخاصة والطبقات الاجتماعية والحروب وكل اشكال الاضطهاد . وان التطور يمر بالضرورة وعبر ( الحتمية التاريخية ) من خلال الراسمالية . وقد كان لهذه المقولات ( الحتمية التاريخية ) عواقب خطيرة على النظرية والممارسة الماركسية في امريكا اللاتينية .
يعتمد (ل . ت .ا . ل ) منظورا اخر للتاريخ , فهو يعتبر هذه الحتمية التاريخية شكلا من اشكال النفي القمعي والعرقي للتعددية وللتنوع وللابداع لدى شعوب العالم الثالث , وعلينا ان نبلور ردنا التاريخي على هذه الدعوى استنادا الى تقاليدنا وخصوصيتنا . وبالتالي فليس ثمة مجرى ( متماثل ) و ( حتمي ) للتاريخ الانساني مع دسلفا . فكل شعب يبني مستقبله بطريقته الخاصة .
ان جزءا من اللاهوت تبنى عليه مجهودات ( ل . ت .ا . ل ) يتمثل في اعتبار ان الوسيلة غير معزولة عن الغاية .وبعبارة اخرى ان ( حكم الله – ملكوت الله ) ينظر اليه باعتباره موجودا وان لم يكن كذلك بعد . بهذا الفهم اللاهوتي يكون المجهود الهادف الى اقامة ( حكم الله) غير متاسس على ان الحاضر ليس سوى وسيلة تؤدي الى ذلك العالم . كما ان حكم الله هذا لاينظر اليه كشيء لاوجود له الا في المستقبل . فالحاضر في منظور(ل . ت . ا.ل ) هو الفضاء الذي يوجد فيه( حكم الله ) , ومنه وحده يتطور ويرقى .
من هنا يقوم ( ل .ت .ا .ل ) بنقد العلاقات الهرمية والتراتبية حيث الاوامر والقوانين والنظريات .. يتم انزالها الى القاعدة . هذه العلاقات تشكل محور النقد الذي يتم تداوله داخل (ل . ت .ا. ل ( ان هذا الامر وليس التاثير المزعوم للماركسية هو مايشكل نقطة الخلاف بين الفاتيكان و ( ل . ت .ا . ل ).
ان احدى الخلافات الرئيسية بين الماركسية و( ل . ت . ا .ل ) مصدرها الخصائص الاوتوقراطية للمنظمات والحكومات المسماة ( ماركسية ) ,وللعلاقات والاساليب التي من خلالها يتم بلورة النظريات وصنع القرارات لهذه المنظمات والحكومات الماركسية .

الخاتمة :

ان الماركسية شبكة معقدة من الافكار والتنظيم والممارسات . وهي تتميز بكونها :
اولا : ادعاء الماركسية بانها النظرية ( العلمية ) الوحيدة في التاريخ الانساني , حيث يفضي هذا التاريخ وبشكل حتمي وعبر الراسمالية الى الشيوعية واخيرا انتاج اوتوقراطية احادية .اما لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية فيعتبر الماركيسية مجر د اداة للتحليل الاجتماعي والصراع السياسي .
يعتبر ( ل . ت . ا .ل ) الحتمية التاريخية عقبة ضد تحرر المضطهدين . ان هذا الاختلاف مع الماركسية هوخلاف حقيقي ومتنامي , انما ينمو نحو نزع ( القدسية ) عن الماركسية , اي تقديم الماركسية ككتلة غيرمتجانسة من العناصر المتفرقة والقابلة للنقاش .

المصدر :

مقالة بعنوان( نزع القدسية عن الماركسية في لاهوت التحرير من داخل لاهوت تحرير امريكا اللا تينية ) .
بقلم : اوطو اكسيل مدير لانج
عن Social Compass
المؤلف O TTO AXEL MADURO LANG
التمرجم : ديلالي عبد الحق
من كتاب ( الماركسية والدين : من لاهوت التحرير المسيحي الى لاهوت التحرير الاسلامي ) – اعداد وتقديم: حسن الصعيب – 2009 – دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع – بيرت – لبنان .
مقالات ذات صلة :
( الاتجاهات الماركسية في لاهوت التحرير ) : وعلى الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=410769