لاهوت التحرير :الجمع بين المسيحية والماركسية


وليد يوسف عطو
2014 / 4 / 3 - 18:16     

( فنحن اذن عند اتحادنا بالمسيح نتوجه باعيننا الضارعة الى الله , ونحس بعظيم اعترافنا الحار تجاهه ,وننحني بجلال راكعين امامه )

كارل ماركس


كتب ماركس هذه السطور وهو لايزال بعد في السابعة عشرة من عمره , وكانت تشكل نقطة انطلاق في تحديد العلاقة بين المسيحية والتقليد الثوري .لكن مع الوقت ومنذ كتابه ل (نقد نظرية هيجل في الحق ) , سيتعرف ماركس على المحتوى الايديولوجي للدين وبدوره في الصراع الطبقي , الا انه اعترف ايضا بمحتواه الثوري التحرري , حيث وصفه بانه ( روح لعالم بلا روح).
تمثل المسيحية بالنسبة لماركس نتاجا وهميا لعالم معذب . انها اسقاط ذهني للوعي المستلب , لذلك يتعين اخضاعها للنقد لا الى التهجم .اما بالنسبة الى لينين فاعتبر الكنيسة مؤسسة معادية . ان العداء بين الشيوعية والمسيحية كان عداء بين قضيتين مختلفتين .
لقد كان الطابع الايديولوجي الذي تمحور حوله ذلك الصراع هو المادية الالحادية اللينينية ثم الستالينية في مرحلة لاحقة . هذه المواجهة بين نظامين دوغمائيين شموليين قائمين على المطالبة بالولاء المطلق لعقائدهما , جعلت الصراع وكانه يبدو غير قابل للتصالح .

لاهوت التحرير ( التحرر ) في كنائس اميركا اللاتينية

لقد ظهر لاهوت التحرير في اميركا اللاتينية حيث تقمص شكلا لاهوتيا تحرريا , ربما هو الاهم من نوعه منذ عصر الاصلاح الديني في اوربا.فكما ان الاصلاح الاول كان يعكس اللقاءالحاصل بين الكنيسة الكاثوليكية والثورة البرجوازية , كذلك فان الثاني يعكس اللقاء بين الكنيسة وقوى الثورة في قارة اغلب جماهيرها المسحوقة تنتمي الى الكنيسة الكاثوليكية . ان ملاحظة ماركس المتعلقة بكون الدين يمثل ( روحا لعالم بلا روح ) تتضمن طابعا تحرريا للعقيدة المسيحية . ان الخضوع لتقاليد المراقبة للكنيسة يخدم مصالح الطبقات السائدة .هكذا يظهر ان وظيفة الكنيسة متناقضة من حيث الجوهر اذ انها تحتوي على عناصر التحرر والاضطهاد معا .
ادى الفشل السياسي للنظام الكاثوليكي الى فتح طريق جديد امام كنيسة تحررية ,ادى الانهيار الاقتصادي الى قطيعة مع الاطروحات الاقتصادية الراسمالية وجردها من كل مصداقية .النتيجة ان القيادات المسيحية المتشبعة بلاهوت التحرير قد دفعته نحو الماركسية التي اعتبرتها المذهب الوحيد الذي يملك مصداقية تخليص القارة من البؤس . اما اللاهوتيون الاكثر راديكالية عملوا على تقوية العلاقة مع الماركسية واصبحوا يتبعون العديد من اطروحاتها النظرية والسياسية ,بحيث صاروا يرون المهمة الحقيقية للكنيسة تكمن في التعبير عن الجماهير المناضلة , وفي التاكيد على ان اسباب البؤس الاجتماعي تر جع في اصولها الى التبعية الاقتصادية للمركز الامبريالي .
ان هذه البذرة التحررية في اصوات رجال الكنيسة قد ظهرت اولا في مؤتمرات مديلينا وكولومبيا سنة 1968 . ثم مؤتمرات بويبلا ومكسيكو سنة 1979.ولما كانت احدى النتائج البارزة لفشل النظام الراسمالي في اميركا اللاتينية ,هو تعميق الطابع الفاشي لذلك النظام , فقد انعكس ذلك في تفجير تناقضات الكنيسة الداخلية وفي تجذر الصراع بين كنائس لاهوت التحرير والسلطات السياسية والذي اتخذ طابع العنف وسقوط عدد هائل ضد الفاشية . وهكذا يكون لاهوت التحرير قد تجاوز حدودالحركة المذهبية ليكسب روح التضحية التي اعادت ربط حاضره بعصره البطولي السالف .
تذهب بعض القيادات المسيحية الى القول بان المسيح نفسه هو الذي بعث برسالته التحررية الى العالم .ان الماركسية ليست سوى اضافة عرضية للمشروع الراديكالي الاصلي ,التي ان كانت تستطيع اعطاء تفسير للمجتمع الراسمالي , الا انها غير قادرة على المساعدة على بناء البديل المجتمعي المنشود .
يؤكدالاب ماك جافن ان التزام الماركسية بالالحاد وبالنظام الشيوعي لايمثل خاصية جوهرية في الماركسية , وانهما مجرد نتاج تاريخي لظروف خاصة بحيث يمكن استبدالها باستر اتيجيات ماركسية جديدة دون ان يكون ذلك بالضرورة على حساب روح الماركسية الفعلية . وهذا يتطلب القطيعة مع التقليد السوفياتي السائد في فهم الماركسية التي يعتبر ها غير قابلة للتوافق مع المسيحية بسبب نظرتها الالحادية . ان النقطة الجوهرية التي يصل اليها الاب ماك جافن هو محاولة اثبات ان المادية التاريخية ليست بالضرورة الحادية .هذا الاستنتاج سيصدم الماركسيين والمسيحيين على السواء .
ان كلمة ( مادية )تتضمن العلاقة الرابطة بين مجالات التاريخ والطبيعة والفكر وهذا يفترض استعمالا واحدا لتلك الكلمة . لكن في الواقع,فان كلمة ( مادية ) يتغير معناها من مجال الى اخر . ففي المادية التاريخية ,ان الذي يحكم النظرية الماركسية هي القوى الاقتصادية والمادية , او نمط الانتاج , وفي مجال الطبيعة تحكمها ( المادة )التي توجد في حالة حركة , بوصفها تمثل قاعدة الوجود , وفي مجال المعرفة تستند الى الواقعية الابستيمولوجية ( المعرفية ).
ان النظرية المادية للمعرفة عند انجلز ولينين تقوم على ثلاث طروحات مختلفة جدا :
1 – ان العالم له وجود واقعي موضوعيا وليس نتاجا للفكر .
2- العالم قابل للادر اك.
3 –ان الافكار هي (نسخة ) للواقع.
ان اتباع توما الاكويني من الكاثوليك الذين لايعارضون النقطتين الاوليتين ,يمكن اعتبارهم على هذا الاساس ( ماديين ).
ان الاب ماك جافن يخلص الى ان العائق الجوهري الوحيد لتاسيس تقارب فلسفي , يكمن في المعنى الممنوح للمادية التي اختزلت الوعي الى مجرد نتاج للمادة . اذن ليس هناك اي تعارض من قبل الدين او من قبل المسيحية مع المادية التاريخية الماركسية .
هناك جانب آخر في المادية التاريخية يجعلها صعبة القبول من الطرف المسيحي , انه يتعلق بفكرة ( قابلية الطبيعة البشرية للكمال ) , لان تلك الطبيعة مرتبطة بالتطور التاريخي تتطور باستمرار وفق ذلك التطور نفسه ولذلك هي اذن موجودة بدون خطيئة اصلية .ان الاب ماك جافن كقسيس كاثوليكي لايمكن له ان يقبل هذا الكلام . ان فكرة قابلية الطبيعة البشرية للكمال هي مجرد وهم و ومن المفيد للماركسية ان تتخلص منه .
ختاما يمكن القول بان التقارب بين المسيحية والماركسية هو مشروع قابل للتحقق في حالة اذا ما تخلت المسيحية عن ولائها وخضوعها للطبقات السائدة وتخلت الماركسية عن ادعاءاتها الدغمائية اللاهوتية .
ان انفتاح المسيحية على المار كسية , الاساقفة التحرريين ,المنهج النقدي , وان انفتاح الماركسية على المسيحية يتطلب بدوره تذكير الاشتراكيين بانه لاماركس ولا اي احد من اتباعه في مقدوره معرفة الصورة الدقيقة التي سيكون عليها المجتمع في مرحلة مابعد السيطرة الراسمالية .
المصدر
مقال بعنوان ( الماركسية والمسيحية والثورة في امريكا اللاتينية ) بقلم جوول كوفيل – من كتاب ( الماركسية والدين : من لاهوت التحرير المسيحي الى لاهوت التحرير الاسلامي ) – اعداد وتقديم حسن الصعيب – 2009 – الناشر دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان .
مقالات ذات صلة بالموضوع :
مقالتنا (التكامل بين لاهوت التحرير والشيوعية )وعلى الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330418
مقالتنا (قراءة في لاهوت التحرير )وعلى ابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=385979