الماركسية ليست إيمانا، بل فكر قابل للمناقشة والتعديل .!


قحطان جاسم
2014 / 3 / 31 - 16:41     

قامت الماركسية على نقد كل ما قبلها من أفكار وايديولوجيات. وبسبب جوهرها النقدي بالذات، تبناها ملايين البشر على أمتداد الأرض. وقد حذر ماركس تحويل نظريته الى عقيدة جامدة ، وقال أنها ليست الا" مرشدة للعمل" ..الا أنه وبرغم مرور أكثر من مئتي عام على طرح الأفكار الماركسية النظرية، وحدوث هذا الكم الهائل من التحولات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية والفكرية، مايزال البعض يصرّ على إعتبار الماركسية عقيدة لا يمكن المساس بها وانها صالحة لكلّ شيء. وأكثر من يتبنى هذه النظرة المتعصبة والإيمانية في آفاقها هم أولئك الذين يعيشون في ظل أنظمة شمولية أو أن لديهم ميولا سلوكية شمولية. وقام المئات من المفكرين الماركسيين في العالم الغربي، الذين يعيشون في بلدان تحترم حرية الأنسان، بمناقشة الماركسية بحرية وبوعي نظري عاليين، منطلقين من وجهة نظر ماركسية، لبعث الحياة فيها وتجديدها لكي تتلائم مع العصر وتستجيب الى متطلباته. وصدرت بهذا الشأن مئات الكتب والبحوث والدراسات وعشرات المجلات والدوريات الفكرية والفلسفية المتخصصة بالماركسية وقضاياها واقيمت عشرات الندوات والمؤتمرات لمناقشة أخطاء ونواقص او قوة وحيوية الماركسية، الا أن أولئك المفكرين جُوبهوا بمعارضة شديدة وتم أتهامهم بشتى الأتهامات بسبب ذلك، بعضها فيه شئ من الحقيقة، أما البعض الآخر فينطلق من إيمان عقائدي أعمى. ومن بين أولئك المفكرين، المفكر الايطالي الماركسي العبقري أنتونيو غرامشي ، والذي تدّرس افكاره في كل جامعات العالم الغربي، وطبقت مفاهيمه على الكثير من الوقائع والاحداث التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وساعدت في فهم العديد من القضايا المستعصية في السياسية والتاريخ وعلم الأجتماع، ومنها االثورة الايرانية بقيادة آيات الله، الحركات الاجتماعية في اوروبا الغربية ، التحالفات التاريخية في بلدان الشرق ، قضايا المجتمع المدني، قضايا الهوية الثقافية، واخيرا وليس آخرا ، الحركات الاسلاموية وغيرها . كما دخلت مفاهيم وآراء غرامشي كجزء من مناهج التدريس في الجامعات الغربية قاطبة ،وكتبت عشرات أطروحات الماجستير والدكتوراه حو ل قضايا مختلفة، وتم في سبعينات وثمانيات القرن الماضي الاعتراف بفكر غرامشي باعتباره نظرية ذات ملامح واضحة وغنية يصلح على ضوئها تحليل العلاقات الدولية ، وكان من بين اكثر ممثلي هذا الاتجاه البروفيسور الامريكي ستيفن جيل والكندي روبرت كوكس . وفيما يخص كوكس فقد قام بتطبيق افكاره الغرامشية على نظرية ابن خلدون في العلاقات الدولية. والمعروف ان العديد من الباحثين من بلدان العالم الثالث كالباحث الفلسطيني الاصل أدوارد سعيد ، و المصري سمير أمين قد اعتمدا في العديد من البحوث التي قدماها على أطروحات وافكار غرامشي اضافة الى الباحث المغربي الراحل محمد عابد الجابري. ويمكن القول ان العديد من أفكار غرامشي تصلح لفهم ما يجري حاليا من تحولات سياسية واقتصادية وثقافية واصطفافات اجتماعية في البلدان العربية ، بل في كافة بلدان العالم الثالث، وكذلك في فهم العلاقات الدولية الغير متوازنة . فمتى يفهم البعض أن الماركسية ليست دينا أو رؤية أيمانية عقائدية، بل هي فكر انساني قابل للتبدل والتغيير والتعديل وينبغي مناقشتها ونقدها باعتبارها كذلك ..ومن يدعو الى غير ذلك فأنما يطالب بموتها.