صلّيت اليوم ماركسية - 2


مريم نجمه
2014 / 3 / 24 - 19:23     

صليت اليوم ماركسية – 2
الأخلاق الإنسانية عامة لا تتجزأ , والأخلاق السياسية جُزء أساسي منها , وإذا خلت السياسة من الأخلاق أصبح العمل السياسي تجارة وبطاقة عبور للإثراء والظهور .
- " إبن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم , بل لِيَخدُم " .


لن تعاد تلك الأجواء والعلاقات والنقد والحوارات المفتوحة الصادقة والجريئة التي سادت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين , بين الأحزاب الإشتراكية والشيوعية والعمالية في الدول الأوربية عامة - وفي كل دولة على حدى - بالرغم من فقر الموارد اّنذاك وضعف وبطء وسائل التواصل والإتصالات السريعة في السفر واللقاءات والمؤتمرات لدى القادة والقاعدة الشعبية إذا قسناها في عالم اليوم نراها من المعجزات والأعمال الخارقة في عالم السياسة والتغيير !
ولا ننسى أن هذه اللقاءات كانت نتيجة احتدام الصراع الطبقي الذي كان سائداً وحّاداً في تلك الحقب وفي أوجه أيضاً ف " الصراع الطبقي محرك التاريخ " .

حقيقة كانت مُناخات العمل لا زالت صافية غير ملوثة والبيئة الإجتماعية والطبقية والشعبية غير ملوثة ومُخرّبة ووسائل القمع بدائية إذا قسناها بعالم اليوم – ولولا بذور تلك الحقبة ونضالاتها المستميتة لما حملت بها أنظمة إشتراكية تحققت فعلياً على أرض الواقع في أكثر من بلد وقطر , رغم تفكيكها وانهيارها لظروف وأسباب ذاتية ومحلية ودولية – لا وقت للدخول في تفصيلاتها في هذا البحث - هذه التجارب الأولية هي التي ما زالت تمدّ شعوب العالم ثماراً وأفكاراً يانعة تتلاءم مع تربة كل حقل وبيئة ومناخ ..


العمل السياسي في مجتمعاتنا اليوم معطل وملغوم ومخترق وممنوع لأكثر من نصف قرن فالطبقة العاملة مهمشة والنظام الإستهلاكي هو السائد الذي شوّه واختصر النضال نتيجة الظروف التي أدت إلى اشتعال الثورات الشعبية التي نراها اليوم في محيطنا كالبركان , مع الأسف في عالمنا اليوم وفي أي بلد عربي يستحيل بناء تنظيم أو لقاء يضم 3 اشخاص دون ضربه أو لغمه يستحيل إطلاقاً , فالساحة مكشوفة ووسائل القمع ألألكترونية الحديثة , والأجواء المسمومة والمخربة مع تمزيق الطبقة العاملة بكل الوسائل الخبيثة " المدروسة " منذ ستينات القرن الماضي –
فالإنقسامات والتشرذم ظاهرة سياسية مخيفة ومُدمّرة في ساحاتنا العربية , في البلد الواحد والحزب الواحد عشرات الأقسام والأحزاب وفاقدة الأجواء الطبيعية والمناهج والبرامج وروح العمل السياسي الأخلاقي الوطني والأممي أولاً وثانياً –
حقيقة نحن أمام أزمة سياسية واجتماعية , لا أعلم كيف ستعود وبأي أسلوب ( أممي ) عصري يتلاءم مع تطور وسائل الإتصالات وثوراته والعالم الإفتراضي ومعطياته الإجتماعية وإفرازاته الطبقية مع تمييع الطبقة العاملة وإضعافها وتشتتها والتغيير الإقتصادي وصراعاته المحلية والدولية والعمل والتاثير على الجماهير الشعبية الكادحة والشغيلة قائدة المعركة التغييرية الجديدة !؟

ولا ننسى التغير الجذري في نمط الحياة لسكان منطقتنا , تنوع المافيات سلطة المال سلطة العسكر أجهزة الأمن الحزب الواحد في شراء الناس في هيمنة حقبة النفط وسلبياتها على أوطاننا والمحيط والعالم هذه الطفرة غير المعقولة لإنقاذ النظام الرأسمالي وتغوله ووحشيته ضد تحرر الشعوب الفقيرة المضطهدة بكل وسائل القمع والذل والضياع هذا الوضع الجديد يضعنا أمام تحد كبير وثقيل وغريب شبكات شركات منظمات مخططات إحتلالات وهيمنات من نوع جديد لها أول وليس لها اّخر .
-------

الوضع السياسي والكفاحي الحزبي في أوربا بعد النهوض والثورة الصناعية وتكوّن الطبقة العاملة محور النضال والتغيير - وسرعة التواصل الإنساني في تلك الحقبة رغم عدم وجود لا أنترنيت ولا هواتف ولا القطارات السريعة !؟؟ سؤال يطرح , ما هي هذه الروح الثورية والرغبة العارمة والعبقرية الفكرية وحرارة العمل في تواصل النضال العمالي والسياسي في الدول الأوربية ( ألمانيا روسيا فرنسا إنكلترا إيطاليا إسبانيا وغيرها ... ) وانعدامه اليوم ! صمت مطبق " في ذروة الإتصالات وثوراتها ... لماذا ؟
لماذا نامت شعوب أوربا وفقدت الحس الأممي بعدما حصلت على بعض الإمتيازات , فالحرية لا تتجزأ !؟
قبل البدء في متابعة الموضوع سأنقل بعض التصريحات لها علاقة بالبحث ليدرك القارئ مدى محاربة هذا الفكر وخوفهم من إنتشاره لبقية القارات وشعوبها المُستعبَدة :
( إن حكومة الإتحاد السوفياتي يمكنها أن تضع حداً" للحرب الباردة " إذا ما حررت نفسها من الإتجاه الذي حددته الشيوعية العالمية وسعت أولاً إلى رفاهية الأمة الروسية والشعب الروسي . وكذلك يمكن أن تنهي الحرب الباردة إذا ماتخلت الشيوعية العالمية عن أهدافها العالمية .... ) - - من خطاب دالاس في لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس الأميركي – 28 يانير ( كانون الثاني ) 1959 .
( وقال كندي : إذا أريد تحسين العلاقات الأميركية السوفياتية يجب على الإتحاد السوفياتي أن يتخلى عن برنامجه " لتعميم الشيوعية في العالم بأسره " كما يجب عليه أن يتطلع فقط إلى مصلحته الوطنية وإلى توفير حياة أفضل لشعبه في ظروف سلمية " ) .
- من حديث ( كندي ) مع اّجوبي رئيس تحرير " الإزفستيا " للإتحاد السوفياتي , 25 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1961 .

---------------
__________
حتى هذه الساعة واللحظة مُحارب الإنسان الشيوعي والماركسي والتقدمي واليساري والوطني في أي بلد في العالم خاصة في منطقتنا العربية بحر النفط وقاعدة إسرائيل – حتى لو لم يكن منظماً داخل حزب إنما فقط يتكلم بها علناً أو كتابة !

أكثر من 80 عاماً من عمر الأحزاب الشيوعية والتنظيمات اليسارية والعمالية في منطقتنا العربية وخصوصاً في سوريا لبنان مصر العراق والسودان وتونس والمغرب ووووغيرها – لايتاح لها إمتلاك هذه الحركات محطة فضائية ولا حتى إذاعة محلية علنية ولا جريدة أوصحيفة مرخّصة , بينما الأحزاب الدينية , وأحزاب الإسلام السياسي " الحديثة " نراها هي المسيطرة على ساحة الإعلام العربي في أكثر من محطة وإذاعة وصحيفة ؟!
ألم يحزّ بالنفس هذا الوضع الذي تعانيه أحزابنا وفي كل يوم يسقط شهيد شيوعي مطارد في مساحة وطننا الكبير ؟

وما زال هذا الفكر يهز الرأسمالية والدول الكبرى النهّابة والرجعية رغم ما نحن عليه من انقسامات وضعف !


--------------------------
أتابع هنا ماكنت قد بدأت به في المقال الأول من الموضوع :
) لقد هاجم الباكونيين نظرية ماركس من أول البداية , واتهموا ماركس بأنه يريد جعل برنامجه الخاص ومذهبه الشخصي سائدين في الأممية " . ولكن في الحقيقة هم الذين حاولوا فرض عقائد طائفتهم على الأممية واستبدال برنامج الأممية ببرنامج باكونين الإنتهازي .
لقد لجأوا إلى حيلة بعد حيلة , حاشدين " أغلبية " بالقسر وباللين ومنغمسين في نشاطات انعزالية وانقسامية .
وبغرض صيانة الوحدة الحقيقية للبروليتاريا العالمية , وقف ماركس وأنجلز موقفاً لا مساومة فيه من حيث المبدأ ضد تحدي الإنقساميين الباكونيين المكشوف للأممية الأولى . وفي عام 1872 فصل الباكونين الذين ثابروا على نشاطاتهم الإنقسامية من الأممية الأولى في مؤتمرها في الهيق ( ) الذي ساهم ماركس بشخصه فيه .
قال أنجلز , إذا اتخذ الماركسيون في الهيق موقفاً غير مبدئي وتصالحياً تجاه النشاطات الإنقسامية التي قام بها الباكونيين لتمخضت عن ذلك نتائج خطيرة على حركة الطبقة العاملة العالمية . وقال : " لتحطمت إذن الأممية تحطيماً كاملاً – نتيجة – " الوحدة " - 1 –
ولقد كافحت الأممية الأولى تحت قيادة ماركس وأنجلز ضد الإنتهازية والإنقسامية ووضعت الأسس في حركة الطبقة العاملة العالمية .
وبإعلان نهاية الأممية الأولى في عام ( 1876 ) , بدأ تأسيس الأحزاب الإشتراكية العمالية الجماهيرية على التوالي في أقطار عديدة . ولقد تتبع ماركس وأنجلز تأسيس وتطور هذه الأحزاب باهتمام دقيق , أملاً منهما أن تؤسس وتتطور على أسس الشيوعية العالمية .
ولقد كافحت الأممية الأولى تحت قيادة ماركس وأنجلز ضد الإنتهازية والإنقسامية , ووضعت الأسس لسيادة الماركسية في حركة الطبقة العاملة العالمية .
وبإعلان نهاية الأممية الأولى في عام ( 1876 ) , بدأ تاسيس الأحزاب الإشتراكية العمالية الجماهيرية على التوالي في أقطار عديدة . ولقد تتبع ماركس وانجلز تأسيس وتطور هذه الأحزاب باهتمام دقيق , أملاً منهما أن تؤسس وتطور على أسس الشيوعية العلمية .
وقد أبدى ماركس وانجلز عناية خاصة واهتماما خاصاً بالحزب الإشتراكي – الديمقراطي الألماني الذي كان يحتل مركزاً هاماً وقتذاك في حركة الطبقة العاملة في أوربا . ووجها النقد المرير في مناسبات كثيرة إلى الحزب الألماني نظراً لروحه المتعفنة روح التساوم مع الإنتهازية سعياً وراء " الوحدة " .
وفي عام ( 1875 ) وجها نقداً الى الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني نظراً لاندماجه باللاساليين على حساب المبدأ وإلى " برنامج غوتا " الذي نتج عن ذلك . وأوضح ماركس أن هذا الإندماج " قد كلف غالياً جداً " و " أن برنامج غوتا كان برنامجا غير مقبول تماماً وأنه يفسد الحزي " . وأوضح أنجلز أنه كان " ركوعاً أمام اللاسالية من قبل البروليتاريا الإشتراكية الألمانية " . وأضاف قائلاً : " أنا على يقين أن الإندماج على هذه الأسس سوف لا يعيش عاماً واحداً " . وفي نقد " برنامج غوتا " قدم ماركس المبدأ المعروف القائل بأنه بالنسبة إلى الماركسيين " ما من مساومة حول المبادئ " . وبعد ذلك وجه ماركس وأنجلز أيضاً أيضاً نقداً لاذعاً إلى قادة الحزب الألماني نظراً لسماحهم بنشطات اإنتهازيين في داخل الحزب وقال ماركس : أن هؤلاء الإنتهازيين " حاولوا استبدال أسس النظرية المادية بالأساطير المعاصرة باّلهتها للعدالة والحرية والمساواة والإخاء . وكان هذا " إلإساد للحزب والنظرية : . وكتب ماركس وأنجلز في خطابهما الدوري إلى قادة الحزب الألماني :
" لقد ركزنا لما يقرب من أربعين عاماً على النضال الطبقي باعتباره القوة المحركة المباشرة للتاريخ , وركزنا بصفة خاصة على النضال الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا باعتباره الرافعة الكبرى للثورة الإجتماعية المعاصرة . فيستحيل علينا أن نتعاون مع أناس يريدون إزالة هذا الصراع الطبقي من الحركة ."
وعندما تاسسّت الأممية الثانية تحت نفوذ أنجلز في عام 1889 كان ذلك في فترة كانت الرأسمالية تتطور فيها تطوراً " سلمياً " . وبينما أصبحت الماركسية واسعة الإنتشار وأصبح " البيان الشيوعي " البرنامج المشترك لعشرات ملايين العمال في كل مكان خلال هذه الفترة , قدست الأحزاب الإشتراكية في أقطار عديدة الشرعية البرجوازية تقديساً أعمى بدلاً من الإفادة منها وأصبحت أحزاباً تدعو إلى الشرعية مما فتح أبواب الفيضان للإنتهازية .
ولذلك ظلت حركة الطبقة العاملة العالمية , طوال فترة الأممية الثانية , منقسمة إلى جماعتين رئيسيتين هما الماركسيون الثوريون والإنتهازيون – الماركسيون المزيفون .
لقد شنّ أنجلز نضالاً لا يعرف المصالحة ضد الإنتهازيين .
وقد فنّد بحدّة خاصة هذرهم حول التطور السلمي للرأسمالية إلى الإشتراكية . وقال عن الإنتهازيين الذين ظهروا بمظهر الماركسيين أن " ماركس ليكرر لهؤلاء السادة ما قاله هايني لمقلديه : لقد زرعت التنانين ولكني جنيت البراغيث " . وبعد وفاة أنجلز في عام 1895 , ظهرت هذه البراغيث " تحرّف الماركسية بصورة علنية ومنتظمة , واستولت بالتدريج على قيادة الأممية الثانية .
وبعد أنجلز حمل لينين العظيم , بصفته الثوري البارز في حركة الطبقة العاملة العالمية , المسؤلية الضخمة للدفاع عن الماركسية ومعارضة تحريفية الأممية الثانية .
وعندما نبح محرفو الأممية الثانية صائحين بأن الماركسية لم تكن كاملة " وقد فات أوانها " , أعلن لينين برزانة " أن موقفنا يقوم تماماً على أساس النظرية الماركسية " , لأن النظرية الثورية توحد كل الإشتراكيين " .
----------

اللاسالية : نسبة إلى الفيلسوف والمفكر فرديناد لاسال الألماني الذي اّمن بالإشتراكية الإصلاحية - وانضم للأممية كتلميذ لماركس وأنجلز لكنه بقي هيغلياً إصلاحياً . وقد ساهم بنشاط في الإتحاد العمالي الألماني العام لكنه أدخل الإنتهازية إليه .

1 – من أنجلز إلى أ . بيل , 20 يونيو حزيران 9( 1873 )
كتاب : مناظرة حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية