الطبقة العاملة الفرنسية والانتخابات الرئاسية - ف. إنجلز - ترجمة اليسار الثوري في مصر


فريدريك انجلز
2014 / 3 / 21 - 07:58     

بقلم: ف . إنجلز

كتب إنجلز مقاليّ “الطبقة العاملة الفرنسية والانتخابات الرئاسية” و”برودون” في بواكير شهر ديسمبر 1848 خلال إقامته في سويسرا، واتجهت النية لنشرهما في الجريدة الرينانية الجديدة. على أية حال، لم ينشرا ووصلا إلينا في شكل مخطوطة.

ويتتبع إنجلز في هذا المقال موقف الطبق العاملة الفرنسية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في قلب ثورة 1848.

المصدر: ماركس – إنجلز، الأعمال الكاملة بالانجليزية، المجلد 8، ص 123 – 128، لورنس آند ويشارت، لندن، 1977. أرشيف ماركس وإنجلز على الانترنت (www.marxists.org/archive/marx/works/1848/12/07b.htm).
الترجمة عن الإنجليزية وحدة الترجمة بـ”اليسار الثوري”.

---------------------------------------


باريس. انتخاب راسباي أم ليدرو رولان؟ اشتراكي أم جبلي؟ هذه هي المسألة التي تشق الآن حزب الجمهورية الحمراء إلى معسكرين متعاديين.[1] علام يدور هذا الجدال بالفعل ؟

اسأل جريدتي الجبليين، الإصلاح، والثورة وسوف تقولان لك أنهما لم تستطيعا أن تدركا، أن الاشتراكيين قد نسخوا نفس البرنامج، (*) كلمة كلمة مثل الجبل، (**) برنامج للثورة الدائمة، للضرائب التصاعدية وضريبة الإرث، وتنظيم العمل، وأنه ما من جدال حول المبادئ، وأن كامل الفضيحة التي أتت في غير أوانها قد أثارها بعض الرجال الطموحين الغيورين الذين يخادعون “دين وإيمان” الشعب انطلاقاً من نزعة أنانية فيلقون بظلال الشك على رجال حزب الشعب.

اسأل جريدة الاشتراكيين، الشعب، وسوف يجيبونك بلغو مرير عن جهل وخواء رأس الجبليين، مصحوبة بمقالات لا حصر لها قانونية وأخلاقية واقتصادية، وأخيراً بتلميح خفي بأنه في الأساس فإن كل شيء يتعلق بدواء المواطن برودون الشافي لكل الأمراض، وقد قالوا عنه أنه سوف يبز الجمل الاشتراكية القديمة التي طرحتها مدرسة لوي بلان.

أخيرا اسأل العمال الاشتراكيين، وسوف يجيبونك باختصار: الجبليون، هؤلاء بورجوازيون.

مرة أخرى، فإن الوحيدين الذين يبلغون لب الأمر هم العمال. لن تكون لهم صلة بالجبل لأن الجبل يتشكل من بورجوازيين فقط.

تشكل الحزب الاشتراكي الديموقراطي، حتى قبل فبراير، من فريقين مختلفين، أولاً المتحدثون الرسميون، المندوبون، الكتاب، المحامون ..الخ، مع طابورهم غير التافه من البورجوازيين الصغار الذين شكلوا حزب الإصلاح بمعنى الكلمة الدقيق، ثانياً جمهرة عمال باريس، الذين لم يكونوا مطلقاً أتباعاً مذعنين للأولين، وإنما على النقيض كانوا حلفاء غير موثوقين فإن تبعوهم بشكل أكثر التصاقاً أم اتجهوا بعيداً عنهم، فقد توقف ذلك على ما إذا كانت جماعة الإصلاح قد تصرفت بمزيد من الحزم أم بمزيد من التردد. تصرفت جماعة الإصلاح في الشهور الأخيرة للملكية بعزيمة أشد نتيجة لخلافها مع الحزب القومي وكانت الصلة بينها وبين العمال غاية في الوثوق.

وعلى ذلك فقد دخلت جماعة الإصلاح أيضاً الحكومة الانتقالية بوصفها ممثلة البروليتاريا.

ما من حاجة هنا للدخول في تفاصيل حول كيف كانوا ضمن الأقلية في الحكومة المؤقتة وعلى ذلك، لم يكونوا قادرين على تعزيز مصالح العمال، وإنما خدموا الجمهوريين الخلص[2] لإخماد العمال حتى تمكن الجمهوريون الخلص من إعادة تنظيم السلطة العامة التي أصبحت الآن سلطتهم على وضد العمال، كيف أقنعت ليدرو رولان قائد حزب الإصلاح، كلمات لامارتين حول التضحية بالذات وبغواية السلطة أن يدخل اللجنة التنفيذية، كيف شق بذلك وأضعف الحزب الثوري، واضعاً إياه جزئياً تحت سطوة الحكومة، وهكذا تسبب في إخفاق انتفاضة مايو ويونيو، ناهيك عن أنه حارب ضدهم بنفسه. ومازالت هذه الوقائع حية للغاية في الذاكرة.

قيل ما يكفي، فبعد انتفاضة يونيو، وبعد الإطاحة باللجنة التنفيذية وصعود الجمهوريون الخلص لسدة الهيمنة المنفردة في شخص كافينياك، فإن حزب الإصلاح ممثل البورجوازية الصغيرة الاشتراكية الديموقراطية، فقد كل أوهامه حول تطور الجمهورية. فقد دفع ناحية المعارضة، وبات حراً مرة أخرى، وتصرف ثانية بوصفه معارضة واستعاد روابطه القديمة بالطبقة العاملة.

طالما لم تثر أسئلة كبرى، وطالما اقتصر الأمر فقط على مسألة التعريض بسياسة كافينياك الجبانة الخائنة الرجعية، فقد استطاع العمال أن يتحملوا أن يمثلهم حزب الإصلاح في الصحافة والثورة الديموقراطية والاجتماعية. كانت الجمهورية الحقيقية، وصحف الطبقة العاملة الحقيقية قد قمعت تحت وطأة حالة الحصار (الأحكام العرفية) ، وبالمحاكمات المنحازة والكفالات النقدية. كما استطاعوا أن يتحملوا بنفس القدر أن يمثلهم الجبل في الجمعية الوطنية. كان راسباي، وباربي وألبرت معتقلون، وكان على لوي بلان وكوسيدير أن يهربا. لقد كانت النوادي (الثورية) مغلقة جزئياً، وتحت رقابة صارمة جزئياً، وكانت القوانين القديمة ضد حرية التعبير مستمرة ومازالت فعالة نافذة. وهناك أمثلة وفيرة حول كيفية استخدام هذه القوانين ضد العمال في الصحافة كل يوم. حين واجه العمال واقع استحالة أن يتحدث عنهم ممثلوهم، فقد تعين عليهم أن يرضوا بهؤلاء الذين مثلوهم قبل فبراير من البورجوازية الصغيرة الراديكالية وممثليها.

والآن تثار مسألة الرئاسة. هناك ثلاث مرشحون: كافينياك، لوي نابليون وليدرو رولان. كان كافينياك خارج دائرة الاختيار. لم يكن يمكن للرجل الذي قصفهم بالطلقات العنقودية والصواريخ المحرقة أن يعتمد إلا على كراهيتهم. لوي بونابرت؟ يمكن أن يصوتوا لصالحه بدافع السخرية فحسب، أن يرفعوه اليوم من خلال صناديق الاقتراع ثم يطيحون به مرة أخرى غداً بقوة السلاح، ومعه الجمهورية البورجوازية “الخالصة” المشرفة. وأخيراً. ليدرو رولان، الذي زكى نفسه لدى العمال بوصفه المرشح الاشتراكي الديموقراطي الوحيد.

هل يمكن حقاً، أن نتوقع من العمال بعد خبرات الحكومة المؤقتة، في 15 مايو و24 يونيو أن يعطوا أصواتهم الواثقة مرة أخرى للبورجوازية الصغيرة وليدرو رولان؟ لنفس الناس الذين أطلقوا في 25 فبراير، جملاً متغطرسة مطمئنة بدلاً من القيام بفعل ثوري، وقدموا وعوداً وأماني خاوية بدلاً عن اتخاذ إجراءات سريعة حاسمة، لا شيء سوى الراية، والكلمات الجميلة وأزياء 1793، بدلاً عن طاقة 1793، حين كانت البروليتاريا المسلحة تحكم باريس، وكان بإمكانهم أن يحصلوا على كل شيء؟ لنفس الناس الذين صاحوا مع لامارتين ومارا : أولاً وقبل كل شيء لابد من إعادة طمأنة البورجوازية، والذين نسوا حين فعلوا ذلك أن يواصلوا الثورة؟ لنفس الناس الذين كانوا في 15 مايو مترددين ولكن في 23 يونيو أتوا بالمدفعية من فينسين والكتائب من أورليان وبورج؟

ومع ذلك كان يمكن للشعب أن يصوت من أجل ليدرو رولان بدافع عدم تشتيت الأصوات. لكنه أتانا بعد ذلك بحديثه في 25 نوفمبر ضد كافينياك واتخاذه جانب المنتصرين، حين لام كافينياك لأنه لم يتصرف بقوة كافية ضد الثورة، لأنه لم يضع كتائب كافية على أهبة الاستعداد ضد العمال.

جرد هذا الحديث ليدرو رولان تماماً من أي مصداقية مع العمال. وحتى الآن بعد خمسة شهور، بعد أن قدر له أن يعاني كل تبعات معركة يونيو إن جاز لنا أن نقول على جثته، حتى الآن ما يزال يصطف جانب المنتصرين وضد المهزومين، وهو فخور بأنه طلب كتائب ضد المنتفضين بأكثر مما استطاع كافينياك أن يوفره.

والرجل الذي يعتبر أن مقاتلي يونيو لم يهزموا بسرعة كافية يريد أن يكون قائد الحزب الذي يرتكز على تراث شهداء يونيو؟

بعد هذا الحديث فقد تبخر ترشيح ليدرو رولان بالنسبة لعمال باريس. ترشيح راسباي المعارض، الذي طرح قبلاً بالفعل، والذي سبق وأن حظي بتعاطف العمال كان فائزاً في باريس. لو كانت أوراق التصويت في باريس هي التي تقرر، لأصبح راسباي الآن رئيساً لفرنسا.

يعلم العمال جيداً إن ليدرو رولان لم يستنفد بعد، وأنه مازال وبمقدوره أن يقدم خدمات جليلة للحزب الراديكالي. ونظراً لضعفه، ولزهوه التافه ولاعتماده على الجمل عالية الصوت، التي تملكه من خلالها حتى لامارتين، فقد كان عليهم، أي العمال، أن يعانوا. ولا يمكن لأي خدمة يقدمها أن تجعلهم ينسون ذلك. سوف يعرف العمال دائماً أنه حين يصبح ليدرو رولان مفعما بالطاقة مرة أخرى، فإن طاقته لن تتجلى إلا حينما يقف العمال المسلحين خلفه دافعين إياه.

مغزى التصويت بعدم الثقة في ليدرو رولان، هو أن العمال قد صوتوا بعدم الثقة في البورجوازية الصغيرة الراديكالية بأسرها. التردد، الاعتماد على الجمل التقليدية للإخلاص الخ، نسيان الفعل الثوري لحساب الذكريات الثورية، هي كلها خصائص يتقاسمها ليدرو رولان مع الطبقة التي يمثلها.

إن البورجوازية الصغيرة الراديكالية اشتراكية فقط لأنها ترى خرابها بوضوح أمام عينيها، تحولها إلى بروليتاريا. إنهم متحمسون لتنظيم العمل والثورة في علاقة بين رأس المال والعمل ليس كبورجوازية صغيرة، بوصفها مالكة رأسمال صغير، ولكن كبروليتاريين مستقبليين. أعطهم الهيمنة السياسية وسوف ينسون على الفور تنظيم العمل. إن الهيمنة السياسية تعطيهم بالطبع، على الأقل حال نشوتهم في اللحظة الأولى، توقع امتلاك رأس المال، والخلاص من الدمار الذي يهددهم. فقط حينما يقف البروليتاريون المسلحون خلفهم والحراب مشرعة، في هذه اللحظة فحسب سوف يتذكرون حلفاء الأمس. هذه هي الطريقة التي تصرفوا بها في فبراير ومارس، وكان ليدرو رولان بوصفه قائدهم هو أول من تصرف على هذا النحو. إذا كان أملهم قد خاب الآن هل يغير هذا من موقف العمال نحوهم؟ إذا عادوا مرتدين أسمالاً بالية ورماداً، هل يخولهم ذلك أن يطلبوا من العمال، في ظروف جديدة تماماً، أن يقعوا في الفخ ثانية؟

بالتصويت لراسباي وليس لليدرو رولان، يهدف العمال لجعلهم يفهمون أنهم لن يفعلوا ذلك، وإظهار ماهية علاقتهم بالبورجوازية الصغيرة الراديكالية.

ولكن راسباي؛ ما هي الخدمات التي قدمها راسباي للعمال؟ كيف يمكن لنا أن نضعه في مواجهة ليدرو رولان بوصفه اشتراكياً بامتياز؟

يعلم الشعب تماماً أن راسباي ليس اشتراكياً رسمياً، وليس صانع أنظمة (نظرية) بالمهنة. لا يريد الشعب أحداً من الاشتراكيين الرسميين وصناع الأنظمة، لقد ملوا منهم. وإلا لكان المواطن برودون مرشحهم، وليس حار الدم راسباي.

ولكن للشعب ذاكرة جيدة وعلى الأغلب ليس ناكراً للجميل كما يسر بعض المشهورين الرجعيين غير المقدرين، في تواضعهم، أن يعتقدوا. ما يزال الشعب يتذكر جيداً أن راسباي كان أول من خاطب الحكومة المؤقتة لعدم فاعليتها، لانشغالها المسبق ببعض الأمور الجمهورية وببعض الهراء. لم ينس الشعب بعد “صديق الشعب“ التي دبجها المواطن راسباي، ومادام راسباي كان أول من واتته الشجاعة – وقد تطلب ذلك شجاعة – أن يفضى بما راوده بطريقة ثورية ضد الحكومة المؤقتة، ومادام راسباي لا يمثل أي لون اشتراكي، عدا الثورة الاجتماعية، فقد صوت شعب باريس لراسباي.

إنها ليست على الإطلاق مسألة بعض الإجراءات القليلة التي أُعلنت بوقار في بيان الجبل بوصفها خلاص العالم. إنها مسألة الثورة الاجتماعية التي سوف تقدم للشعب الفرنسي شيئاً مختلفاً تماماً عن هذه الجمل التافهة غير المتماسكة. إنها مسألة القدرة على السير بهذه الثورة. إنها مسألة ما إذا كان سيكون لدى هذه البورجوازية الصغيرة تلك القدرة، بعد أن أثبتت ذات مرة انه لا قوة لديها. وحين تصوت البروليتاريا في باريس لراسباي فإنها تجيب: “لا” !

من هنا دهشة جريدتي الإصلاح والثورة من أننا يمكن أن نقبل جملهم ومع ذلك لا نصوت لليدرو رولان، رغم إعلانه لمثل هذه الجمل. هذه الصحف ذات القيمة، التي تعتقد أنها صحف الطبقة العاملة، ومع ذلك فهي الآن أكثر من أي وقت مضى صحف البورجوازية الصغيرة، لا يمكن أن تدرك أن نفس المطلب الذي يكون ثوريا على شفاه الطبقة العاملة، يكون على شفاههم مجرد جملة. وإلا لما كانت لديهم أوهامهم الخاصة. والمواطن برودون وشعبه؟ سوف يكون لدينا منه الكثير غداً.

------------------------

[1] بالنظر للانتخابات الرئاسية في فرنسا التي كان مقرراً أن تجرى في 10 ديسمبر 1848، فإن حزب الديموقراطيين البورجوازيين الصغار الذي شكل تكتلاً لبعض الوقت مع الاشتراكيين البورجوازيين الصغار (لوي بلان وآخرون) وتجمعوا حول جريدة الإصلاح (كان ممثلوها في الجمعية التأسيسية وفيما بعد في الجمعية التشريعية يسمون أنفسهم الجبليون أو الجبل تشبها بجبليي الجمعية (الوطنية) لأعوام 92 – 1794) عين قائده ليدرو رولان مرشحاً للرئاسة. على أية حال فقد فضل الاشتراكيون البروليتاريون مرشحهم، راسباي، وهو عالم معروف، وثوري ذو نظرات شيوعية. تجمع أنصار برودون حول جريدته الشعب وقد ساندوا راسباي أيضاً.

(*) الإشارة إلى “البيان الانتخابي للشعب“، جريدة الشعب، نوفمبر 8 – 15 نوفمبر، 1848.

(**) الإشارة إلى “إعلان إلى الشعب“، جريدة الإصلاح 9 نوفمبر، 1848.

[2] نعنى بالجمهوريين “الخلص” (أو مثلثي الألوان) أعضاء الحزب القومي.