الشيوعية والدعاية المضادة في عصر العولمة


عواد احمد صالح
2014 / 3 / 1 - 22:34     


ان فشل " التجارب الشيوعية " في الاتحاد السوفييتي السابق والدول المسماة الاشتراكية وتحول تجربة الصين " الشيوعية " الى نظام رأسمالي جشع بثوب شيوعي مزعوم ينتج اردئ واسواء البضائع والاجهزة الالكترونية التي تستورد من قبل البلدان غير الصناعية ومنها العراق بما فيها انواع لا تعد ولا تحصى من لعب الاطفال التي تحرض على العنف وتعلم اطفالنا ثقافة القتل والكراهية تلك البضائع التي تتحول الى نفايات وركام بعد استخدامها بوقت قصير جدا تسهم في الحاق افدح الاضرار بالبيئة والصحة العامة للناس بما فيها الصحة النفسية للاطفال . وتكشف الوجه القبيح للرأسمالية الصينية بوصفها رأسمالية قائمة على نشر وتعميم ثقافة الاستهلاك وجني الربح السريع .
ان فشل تلك التجارب وسقوطها وتحول الصين الى دولة رأسمالية كبرى تحت مسمى الشيوعية والانحطاط الذي اصاب الاحزاب الشيوعية التقليدية يلقي بظلال كثيفة قاتمة ومريرة وسوداوية على نضال وعمل الطبقة العاملة ومختلف التيارات والاحزاب الشيوعية الرديكالية التي نشأت في الحقب التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. وما بعدها
ونتيجة للجهل المعمم والامية والفقر المتفشي في صفوف الجماهير في العالم العربي على الاخص وعقليتها المسطحة في عصر الانبعاث الديني والاسلمة والتعصب والحروب والصراعات الرجعية الشرسة لم يعد ثمة متسع لتك الجماهير التي تبحث عن المنافع الانية والتي يصطف جلها وراء افكار الماضي الطائفية والمذهبية لم يعد لها متسع في عصر الضخ الهائل للفضائيات ومختلف وسائل الاتصال التي تعمم التشويش والتعمية ان تفهم شيئا حتى عن احداث الماضي القريب ، تلك الجماهير الموضوعة في اطار دعاية نمطية راسخة خاصة حول الشيوعية وما يتصل بعدائها المفترض للدين وكونها في نظر احط تلك الدعايات "كفر والحاد واباحية "الخ .
ان الاعلام والدعاية المضادة للشيوعية بما فيها الدعاية الدينية او الفكرية في زمن العولمة الرأسمالية وثقافة الاستهلاك تتوصل اليوم شيئا فشيئا الى تأصيل منطق الفشل والهزيمة على مستوى التجربة وتحاول وضع مصد يشبه سور كونكريتي ضخم في عقول الناس يكون عازلا امام تكرار التجربة الاشتراكية في اي مكان عن طريق الدور الهائل الذي يلعبه الاعلام الفضائي بما فية الانترنيت ووسائل الاتصال المرتبطة به اعادة صياغة عقول البشر ونمط التفكير على مستوى الكوكب والتحكم بها . يقول سعد محمد رحيم في كتابه ( العولمة وثقافة الاستهلاك )... (( ان الرأسمالية العالمية تسعى لخلق الانسان الذائب في كلية قطيعية ، يعيش وهم الحرية من دون ان يمتلكها حيث يسهل قياده والتأثير في توجهاته وسلوكه فهو انسان البعد الواحد كما وصفه هربرت ماركوز وهذه المره على الصعيد الكوني .)) انسان مقطوع الجذور بلا ذاكرة سطحي التفكير خاضع للمسلمات الجاهزة ينقاد بلاوعي منه لمختلف اشكال الثقافات والقيم القديمة والجديدة التي يعاد انتاجها يوميا بواسطة هذا النمط العالمي المعمم للإعلام وثقافة الصورة .
في خضم هذا الطوفان الهائل لتدفق المعلومات والاخبار واعادة قولبة الاحداث وفق مشيئة الاعلام الذي غدا قطاعا انتاجيا مضافا لوسائل الانتاج الراسمالية بل القطاع الذي يتحكم بباقي القطاعات ويوجهها وفق مشيئة الشركات والكارتيلات التي يمتلكها كبار الراسماليين صار من الصعب على الافراد تكوين وجهات نظر مستقلة مبنية على رؤية نافذة او اعمال ملكة العقل ، رؤية تقف بالضد من ثقافة النظام الرأسمالي الاستهلاكي المدمرة السائدة، رؤية تعيد الاعتبار للمفاهيم والقيم (( المناوئة للراسمالية والاستعمار ومن امثلتها : الثورة ، التحرر القومي ، الرفض ، الكفاح الاجتماعي ، الصراع الطبقي ، اليسار اليمين )) (سعد محمد رحيم : المصدر السابق ) .
ان الدعاية المضادة للشيوعية تقدم نفسها في صورتين او نمطين الاول فشل التجارب التي كانت تحسب شيوعية وبوجه عام لو حاول احد ان يقول ان تلك التجارب لم تكن شيوعية بل كانت تجارب مشوهة وناقصة او انها استحالت الى شكل من اشكال رأسمالية الدولة نتيجة لسيرورات واليات داخلية وخارجية فانه لن يصدق احد . السبب ان الرأسمالية واعلامها قدمتها للجمهور على مستوى العالم وما زالت تقدمها وتقسم اغلض الايمان بانها هي الشيوعية وهي مرتبطة بالقمع ومصادرة الحرية مقابل وهم الحرية والفردانية وحرية المعتقد والتملك الزائف والنظام الاستهلاكي الذي تقدمة الرأسمالية للانسان في كل مكان .
اما الصورة الثانية من الدعاية المضادة للشيوعية فهي ما يتعلق بموقفها من الدين فلقد عملت المؤسسات الدينية بمختلف اشكالها بدعم مالي واعلامي من الرأسمالية على اشاعة قضية (الكفر والحاد ) الملصقة بالشيوعية ، وعلى مر العصور كان هناك تعاضد وثيق بين المؤسسات الدينية والطبقات المالكة حيث استخدمت سلطة رجال الدين في تدعيم النظام الاستغلالي القائم وتبرير الطاعة والخضوع للحاكم المستبد واعتبارها فرضا دينيا بهدف تكريس استعباد وخضوع الجماهير للظلم والاستغلال والقهر الطبقي . واليوم في عالمنا المعاصر يعاد انتاج الظاهرة الدينية على اوسع نظاق في كل العالم الذي يشهد بعثا معمما للاديان الكبرى المسيحية ، الاسلام ، اليهودية وطوائفها وغيرها في سياق مشروع العولمة والهيمنة الراسمالية وسياسة التفتيت والبلقنة واعادة فتح الاسواق وتقسيم مناطق النفوذ بين الدول الراسمالية الكبرى الولايات المتحدة ، روسيا ، الصين ، دول الاتحاد الاوربي .
ان صراع الحضارات المزعوم هو البديل للصراع بين الافكار الاشتراكية والافكار الرأسمالية والصراع الديني وتجلياته الطائفية والمذهبية هو البديل للصراع الطبقي ، اما ثقافة الاستهلاك والاستلاب التي تهدد الشخصية الانسانية واللغة والعقل والحس السليم فهي السبيل لمحو التفكير الحر والذائقة السليمة والنزوع الثوري على المستوى الفردي او الجماعي . كما ان الحروب الطائفية الدينية الرجعية ( ما يسمى حرب الارهاب او الحرب على الارهاب ) التي تجتاح دول مثل العراق وسوريا وافغانستان وليبيا والمغرب العربي وافريقيا واليمن وما يرتبط بها من دمار وخراب وفوضى عارمة وترحيل جماعي وهجرات للملايين من البشر وقتل وامتهان للانسان وقدسيته . هي البديل للحروب الثورية والكفاح الثوري المسلح التي كانت تخاض في حقب سابقة ضد الرأسمالية وشرورها .
والاشد غرابة ما هو قائم في واقعنا اليوم نتيجة لما حصل على الصعيد العالمي والمحلي وشيوع الاسلمة والتعصب الطائفي وردود الافعال ازاء نتائج ثورة الاعلام والاتصال العولمية واعادة الهيمنة الراسمالية تحت زعم نشر الديمقراطية ..ان حصل نكوص وانطواء لدى الافراد والجماعات ازاء الحداثة والافكار الرديكالية انكماش عصابي ينسحب الى الماضي بحثا عن معايير ومقاييس لم تعد تتوافق مع منطق عصرنا ليتخذ منها بوصلة واحكام قطعية تزيد الواقع المرتبك ارباكا وتشويشا وغالبا ما تؤدي الى خلق نزعة عدائية سادية ازاء المجتمع مما يفسر تفشي ثقافة العنف والقتل والدمار واليأس والتعصب والجهل القائمة اليوم في مجتمعنا .
ان الماركسية بوصفها مشروع ثوري للتغيير ولخلاص الجماهير المقهورة تستحيل عند بعض مريديها الى محض سلوك اخلاقي مدجن ومداهن خاصة امام تضخم فقاعة الطقوس والممارسات الطائفية والدينية للجماهير التي تقوم بتسويقها وتقديسها المؤسسات والاحزاب الدينية تحت رعاية واستحسان الاوساط الامبريالية التي تستثمرها بهذا القدر او ذاك لمصالحها الإستراتيجية . اذ لم تعد الدعاية الرجعية المضادة وحدها تروج لفكرة ان ( الاشتراكية فشلت ) بل ان سلوك وممارسات بعض الاحزاب المسماة شيوعية التي انحطت الى محض ممارسة سياسية يومية مهادنة للطبقات المالكة حيث اصبحت تكرس منطق الفشل والهزيمة بابتعادها وتماهيها عن الهدف النهائي وفقدانها لروح المواجهة الثورية لتعقيدات الواقع القائم .
لن تتقدم الشيوعية مرة اخرى وتعود الى واجهة المشهد السياسي محليا وعالميا اذا لم تسترجع روحها الثورية وزمام المبادرة وتمد جذورها في صفوف الطبقة العاملة والشباب الثوري والنساء وتنفض عن كاهلها شتى الممارسات الإصلاحية والشعوبية وسياسة المهادنة مع البرجوازية ، ان تقدم الشيوعية مرهون ايضا بتسخين الصراع الطبقي وخلق الكوادر والقيادة الثورية الصلبة في معمعان الاحداث الكبرى .ورغم شدة وعظمة التحديات القائمة فان الثوريين الحقيقيين لن يفقدوا التفاؤل الثوري والامل بامكانية النجاح وتحقيق هدف التغيير، القضاء على النظام الراسمالي وشروره وبناء مجتمع انساني خال من الاستغلال والتمايز الطبقي .