تواريخ لها دلالات


جورج حزبون
2014 / 2 / 13 - 22:57     


يحتفل حزب الشعب الفلسطيني بيوم العاشر من شباط كل عام ، وهي المناسبة التي اعلن عنها عربي عواد في بيروت في العاشر من شباط 82،عن قيام حزب شيوعي فلسطيني مستقل ، بعد استعصاء امتد خمس سنوات في جدال فكري وسياسي مع الحزب الشيوعي الاردني ، والذي كان يضم شيوعي الاردن بضفتيه منذ الخمسينات ،امام الامر الواقع الذي تحقق بضم الضفة الغربية ،وان استمرار العمل تحت مسمى الحزب الشيوعي الفلسطيني ليس واقعيا ، حيث للجماهير خاصة اللاجئين الفلسطينين مطالب اجتماعية وانسانية لا يجوز انكارها ، وان الشيوعيون الاردنيون وهم رفاق كفاح لا يستطيعون العمل خارج حزبهم ، وان للجماهير الاردنية مطالب نقابية وسياسية يجب الاهتمام بها ، الى جانب ضرورة مواجهة المشاريع الاستعمارية ، مثل مشروع جونستون لتوطين اللاجئين ومشروع النقطة الرابعة ومشروع ايزنهاور وغيرهأ ، وبهذا تم انضمام الحزبين تحت مسمى الحزب الشيوعي الاردني ، توافقا مع مسمى الدولة السياسي ودون تخلي عن اية برانج سياسية ووطنية ، واستمرار النضال المشترك تحت شعار ( اردن ديمقراطي ) .
وقدم الحزب بطولات لا زالت تحكى ، وتعرض الى قمع غير مسبوق ، واجهها الشيوعيون ببسالة نادرة ، وامضى اغلب قيادات الحزب سنوات طويلة في المعتقلات الصحراوية ، ورغم الافراج عنهم عام 64 ، الا انهم اعيدوا للسجون بمكر اوسع عام 66 ، وتلقى الحزب ضربة موجعة ، لعلها كانت سبب وراء عدد من الافكار والاختلافات التي تعرض لها الحزب لاحقا ، وهذا يحتاج الى بحث خاص ،ولعل ابرزها الانشقاق الذي حدث في السبعينيات ، حين اعلن عن الكادر اللينيني بقيادة فهمي عواد السلفيتي .
وبعد حرب حزيران عام 67 ، استمر الحزب يعمل تحت اسم الحزب الشيوعي الاردني ، وحيث لم يكن ذلك طبيعيا في ظل برامج مختلفة وظروف متغيرة ، فقط تقرر ان يعمل فرع الضفة الغربية تحت مسمى ( جبهة النضال من اجل تصفية العدوان ) ، ثم مع تنامي دور منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بها ممثلا شرعيا وحيدا ، ودور الشيوعين في ترسيخ هذا الشعار ، كان لا بد من مسمى اخرى لعمل الشيوعين ، فكان تحت مسمى ( التنظيم الشيوي في الضفة الغربية ).
لقد فتح هذا الامر نقاشا في الحزب ،حيث ان الشيوعيون كانوا اقاموا مع مستقلين الجبهة الوطنية الفلسطينية، والمناداة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا ،ثم تعرضوا الى حملةا اعتقال اسرائيلية واسعة ،ورغم ذلك فاز جميع المرشحين الشيوعين في انتخابات البلديات عام 76 ، وفي مرحلة المد الثوري والتفاف الجماهير الواسع خلف الحزب ، ورغم وجود عدد من القيادات داخل السجن ، عقد كونفرنس حزبي اعلن قيام الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1975 ، واصدر جريدة الوطن بهذا المسمى ، وقد احدث هذا جدال وخلافا مع قيادة الحزب في الاردن ، لدرجة المقاطعة من كافة النواحي ، التي استدعت صدور بيان تحت عنوان ( رسالة ايار ) والتي فجرت الاوضاع مع الحزب في عمان ومع بعض الرفاق الشيوعين الاسرائيلين مثلا اميل حبيي .
ومع خروج بشير البرغوثي من السجن ، حيث كان يحاكم بتهمة التجسس ، استنادا الى رسالة كانت ضبطت على الجسر كان مرسلها مع احد الاشخاص للرفيق يعقوب زيادين يشرح فيها الاوضاع بالضفة ، وقد اطلق سراحه من المحكمة بعد خمسة اشهر ، فتم عقد كونفرنس جديد لمناقشة الازمة واقر بان يفوض بشير البرغوثي بمناقشة الامر مع عمان ، التي عاد منها بعد اسبوعين ليعلن انه تم الاتفاق على البقاء تحت مسمى التنظيم الشيوعي لحين استكمال الاجراءات ، من ابلاغ السوفيت والاحزاب العربية وترتيب الوضع الداخلي وبرنامج الحزب ، على ان لا يتعدى الامر بضعة اشهر ، وبموجب ذلك عقد كونفرنس حزبي اصدر بيان توضيحيا منها الغاء رسالة ايار العتيدة والاعتذار عن الاساءات ، وترتيب الوضع الداخلي وتسمية عضوية المناطق واعودة الحزب الى نشاطه ، وانتخب بشير البرغوثي بالاجماع امينا عاما .
امتد هذا الوضع طويلا وكانت قيادة التنظيم تضم احدى عشر رفيقا ، وتوسعت عضوية الحزب ومكانته السياسية والجماهيرية واستمر ينادي بالدولة الفلسطينية ويحمل مسمى التنظيم الشيوعي ، وهو امر متناقض وغير منسجم مع مضمون نشاط الحزب ، وبعد كل تلك السنوات والحوارات استمر المكتب السياسي في عمان على مواقفه ،وهنا قررت قيادة التنظيم الاتصال بالاحزاب العربية والعالمية وتوضيح موقفها ومن ثم الاعلان عن قيام الحزب الشيوعي الفلسطيني ، وقد انضم الى هذا القرار كل من عربي عواد، وسليمان النجاب ، وتكلف عربي بفعل وجوده في بيروت وقيادته لفرع بمسمى التنظيم الشيوعي الفلسطيني ، ان يعقد مؤتمرا صحافيا ويعلن قيام الحزب المستقل ، وهكذا تم وتحدد العاشر من شباط موعدا لذلك مع فسحة وقت قاربت الشهر لاختيار الاسلوب الامثل والحشد الاوفر في بيروت .
وقاد الحزب بهمة عالية جماهير شعبنا عبر العضوية الحزبية والنقابية والاطر الشعبية ، وبرع الحزب في انجازات شعبية غير مسبوقة مثل لجان العمل التطوعي ، ولجان الاغاثة الطبية ، ولجان الاغاثة الزراعية ، ولجان المراءة العاملة ، واستحق بجدارة لقب الحزب الجماهيري ،ومع الانتفاضة الاولى قدم الحزب طلائعية فذة ، واعتقل مئات الرفاق ، واستشهد عدد كبير في ساحات المواجهة ، ويجب ان نسجل ان الحزب كان في قيادة الانتفاضة منذ اطلاقتها حتى اوسلو ، وان اول هيئة قيادية كانت لجنة التنسيق النقابية التي ضمت في حينه اربعة اطر سياسية رئيسية الشيوعيون وفتح والشعبية والديمقراطية .
بعد ان طال انتظار مؤتمر الحزب ، تقرر البدء بالتحضيرات اللازمة ، ودعيت المناطق لعقد مؤتمراتها وانتخاب مندوبيها الى المؤتمر العام ، وانخرط الرفاق في العمل ومناقشة اوراق قدمها الحزب ومطالعات للمواقع والمناطق ، ولقد حضر الامين العام شخصيا مؤتمر القدس وقدم فيه مداخلة طويلة وهامة ، والامر ذاته جرى في كافة المواقع ، وطال انتظار عقد المؤتمر ، وبداءت اجتماعات اللجنة المركزية تظهر عدم ارتياح من نتائج انتخاب المندوبين ، ثم دعي الى تقليص العدد للنصف بحيث يفوض الرفاق نصف المندوبين ، وتم هذا ولكن المؤتمر لم يعقد ، وهنا بداءت تظهر التكتلات في الحزب وتباين في الاراء والافكار والمستقبل وكنا على ابواب متغيرات حاسمة واضحة في الساحة الفلسطينية ، والساحة الشيوعية مع اعلان السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي عن ( البروسترويكا ) .
وقد بداءت القيادة المتنفذة في الحزب بالتحضير لمتغير يخرجها من ازمة المؤتمر الذي قال عنه ... قد نجد بجوارنا شاب في عمر الثامنة عشر بفوز بعضوية اللجنة المركزية !!وكان زار البلاد امين عام الحزب الشيوعي الايطالي ، وهو صاحب نظرية الانفتاح ومعرضا لقواعد اساسية في بناء الحزب الماركس ، فتمت دعوته الى عشاء سمع منه موقفه الذي رحبت به تلك القيادة ، ثم كانت زيارة موسكو واللقاء مع القيادة السوفيتية والتي شكا فيها الرفاق من ازمتهم الاقتصادية ، ونتائج وضعهم في افغانستان ، وضرورة اعادة النظر في منهج عمل الحزب والغاء المركزية الديمقراطية والاممية البروليتارية وهكذا .. حتى قال بشير البرغوثي بعد اللقاء ان هذه قد تكون اخر زيارة وان الحزب في طريق الانهيار وعلينا ايضا دراسة تجربتنا ووضعنا .
وفي هذا المناخ تم وضع برنامج جديد والغيت نتائج مؤتمرات المناطق وانتداب عدد من الرفاق المحددين ليتم عقد المؤتمر في عدة ساعات ويعلن عن حزب بمسمى جديد وبرنامج لا يعلن عن تبني الماركسية ّ وكانه خلق جديد لا يمت لمسيرة تاريخية طويلة عانقها الشعب بمحبة لاكثر من ثمانون عاما ! مع ان المؤتمر الثاني عاد يدعو بحياء للماركسية كمنهج ، حيث لا يمكن ان ينجح نضال بافكار عامة وكانه يحاول مغازلة المرحلة دون ان يسعى لقيادتها ، وكان يمكن ان يكون له دور هام في هذا الاتجاه ،وللتاريخ فان التجربة الايطالية فشلت وانقسم الحزب وضعف وتشتت وهناك اليوم محاولة لاعادة بنائه على اسس جديدة واضحة ، والامر ذاته في روسيا حيث اتضح فشل تجربة جورباتشوف والامر مفتوح امام العالم لقراءة التجربة ، قد يكون فعلا احتاج السوفيت لاعادة بناء ، لكن النهج الذي اتبع والطريقة الانفتاحية الغير منضبطة ، سمحت لكل القوى المعادية والكامنة بالظهور الى السطح .
ان الشيوعيون العرب بشكل عام قدموا من الفكر التقدمي والثقافة والفن والادب ، ما لم يقدمه اي حزب اواطار سياسي ، ولعل موقفهم من المراءة والنظرة لها بشكل متساوي احث اثرا لا زال يعتد به في هذا الزمن العربي الارتدادي بقيادة المجموعات الاسلاموية تجاه المراءة ، وان الاعتداد بتاريخهم المجيد يستوجب الحفاظ على ذكرهم وعدم ادارة الظهر لنضال باسل طويل ، وليس من الوفاء انكارهم ، واعتبار تجربتهم حالة مرور مرحلي ، هذا الانكار الذي لا يوازيه الاعتداد بالافراد ، وان التراث هو لاولئك الذين صانوا قيم شعبهم واعطوا المثال لغيرهم رافعين عاليا وبهمة واثقة : شيوعيون ازاهر باريجها هذه الدنا تتعطر .
وهذا لا يعني الانتقاص من مكانة احد ، او تنظيم ، لكنها حالة حنين لمجد من الاحق ان يتجدد بكل المعني والعبر والتوصل والكفاح ، فلتبقى ذكرى الشيوعين الفلسطينين مؤبدة بالفخار .