(الصداقة), سويولوجياً, سيكولوجياً وأخلاقياً


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2014 / 2 / 1 - 08:20     

شكل للعلاقات الشخصية بين الناس, يقوم على وحدة المصالح والاهتمامات والالفة المتبادلة. في المجتمع البدائي كانت الصداقة تقرن, عادة, بالتاخي الرمزي (صداقة الدم, التاخي, اخوة السلاح), وغالباً ما كانت قوية لا تنفصم عراها, وكانت حقوق الأصدقاء وواجباتهم تنظمها صرامة التقالد. ومع تفسخ الروابط المشاعية- القبلية راح مفهوم الصداقة ينفصم تدريجياً عن القرابة وصار يقترب من مفهوم الرفاقية القائمة على وحدة المصالح. وفي البداية كان يرتكز على المنفعة العملية للصداقة (عند السفسطائيين, مثلاً). ولكن تعقد علاقات الشخصية والمجتمع زاد في حدة الحاجة الى التواصل العاطفي والقرب النفسي, مما ادى الى اسباغ لون من الفردية على الصداقة, لتقترب من (المحبة), وقاد اخيراً التصور عن الصديق بوصفه Ego (الأنا الاخر) كما كان ارسطو يعتبر. ان القرب النفسي, الذي تفترضه الصداقة, يتكون على اساس اشكال ابسط من القرب الرفاقي, تعود الى الاحتكاك الشخصي والنشاط المشترك والانتماء الى جماعة واحدة, وغير ذلك. ولكن الصداقة اكثر فردية وانتقائية من الرفاقية. فهي لا تفترض وحدة المصالح والاهتمامات فحسب, بل والميل المتبادل والتعلق العاطفي ايضاً.
وبتقدم السن يتغير مضمون الصداقة النفسي ووظائفها. فصداقة الطفولة صداقة طبيعية, غير متكلفة, ترتبط بصورة رئيسة بالنشاط المشترك. ومع نمو وعي الذات في سن المراهقة والشباب تظهر الحاجة الى الصداقة الحميمة, الى صديق, يمكن السر اليه بالمعاناة الشخصية وبحثها واياه. ان صداقة الشباب, بوصفها أول تعلق انتقائي اختياري, تكون عاطفية بصورة غير مألوفة, حتى وتتقدم الكثير منها, على الحب. والحاجة الى الصداقة الحميمة عند الفتيات تظهر قبل ظهورها عند الفتيان, وتكون اقوى منها عندهم, فالفتيان اميل الى الاجتماع الرفاقي في اطار جماعة معينة. وفي مرحلة النضج يحدث تمايز في علاقات الانسان بالاخرين, وتظهر اشكال جديدة هامة من الالفة (الحب, المشاعر الزوجية والأبوية). وفي هذه المرحلة تفقد علاقات الصداقة هيمنتها, لتندمج بالعلاقات الاخرى (اسروية واجتماعية وانتاجية). ومع ذلك يبقى دور الصديق هاماً للغاية, مما يتجلى واضحاً في فترة الأزمات, التي يمر بها الانسان. والصداقة كقوة تجمع بين الناس, كانت تناط بها دوماً اهمية اجتماعية وأخلاقية كبيرة. ولذا لم يكن من قبيل الصدفة أن مفهوم الصداقة بالمعنى الواسع له, لا يدل على العلاقات الشخصية فقط, بل وعلى العلاقات الاجتماعية ايضاً (الصداقة بين الشعوب, معاهدات الصداقة بين الدول, الخ). ومضى الفلاسفة اليونان الى حد رفع الصداقة (المحبة) الى قوة كونية, تجمع بين الأشياء (خلافاً للكراهية). ان القيمة الأخلاقية لصداقة معينة تتحد بوجهتها الاجتماعية, بالمبادئ القائمة في صلبها. ومنذ اقدم عهود تاريخ الفكر الفلسفي كانت نزاهة (الصداقة الحقة) ونكران الذات فيها يطرحان في مجابهة (العلاقات الكاذبة) القائمة على الحسابات النفعية الأنانية. وتذهب الأطيقا الماركسية الى انه في صلب التقييم الأخلاقي للصداقة تقوم اخلاقية اهدافها المشتركة (هل تخدم الصداقة قضية تحقيق هدف سامي اجتماعي, ام تنطلق من مصالح خاصة فئوية). ومن الأمثلة الساطعة على الصداقة الأخلاقية الرفيعة تأتي صداقة الثوريين هرتسين واوغاريف, تشيرنيشيفسكي ودوبرولوبوف, ماركس وانجلز.

المصادر:
1- علم الأخلاق, ايغور كون, فيلسوف سوفييتي
2- النفسية والسلوك الطبقي, فاسيلي ديميتريف... فيلسوف بلغاري
3- اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني ©