الحزب الشيوعي العراقي والوحدة العربية


فلاح أمين الرهيمي
2014 / 1 / 27 - 01:32     

كانت الوحدة العربية وما تزال هدفاً قومياً عزيزاً على الشعوب العربية وقواها الوطنية والتقدمية، إن الهدف الذي عمل من أجله المناضلون من العرب الأوائل قد أصبح فيما بعد مطلباً جماهيرياً يعبر عن إرادة التصميم على النضال ضد الاستعمار والامبريالية وعلى الرغم من قيام دولة عربية موحدة كبيرة تؤمن الحياة الحرة الكريمة لشعبها وتسهم في النضال العام مع القوى الثورية العالمية المعادية للاستعمار والامبريالية بشكل يؤدي إلى بناء مستقبل زاهر وسعيد للشعوب ترفل في ظل السلم والاستقرار والاطمئنان والمستقبل الأفضل، والوقوف بحزم ضد الاعتداءات الاستعمارية والإسرائيلية المستمرة على العالم العربي والشعب الفلسطيني، وتصبح الوحدة العربية أحد الأهداف الكبرى لنضال الأمة العربية في التصدي وكبح جماح ذلك العدوان.
إن مميزات الوحدة العربية تتوفر لدى العرب لكل مقومات الأمة الواحدة من حيث اللغة المشتركة والتاريخ المشترك والأرض المشتركة والتكوين النفسي المشترك الذي يجد تعبيراً له في العادات والتقاليد والثقافة المشتركة، وتوفر إمكانيات التكامل الاقتصادي، كل ذلك يجعل من العرب أمة واحدة تناضل من أجل كيان مستقل موحد ومن أجل تصفية الاستعمار والعدوان الصهيوني والرجعية والنضال للخلاص من التخلف ويناء مجتمع متقدم ومتطور، بدلاً من أن يعيشوا موزعين ومتفرقين في حوالي خمسة عشر بلداً تشغل مساحات واسعة من شمال أفريقيا وغرب آسيا.
إن يقظة الشعوب العربية التي خلقتها وحفزتها انتصارات حركة التحرر العربية قد حطمت ومزقت أطواق العزلة التي كانت تفرضها أنظمة الحكم الرجعية والاستعمارية على الأقطار العربية وإن حالة التجزئة التي لا تزال قائمة هي انعكاس واستمرار للظروف التاريخية المختلفة الموروثة من وقوع الدول العربية تحت نيروكابوس الاستعمار العالمي، وانطلاقاً من مصلحة الامبريالية وسعيها لإطالة أمد سيطرتها واستعمارها سعت إلى تخلفها وتأخرها تحت كابوس الأمية والجهل والفقر والمرض، وحتى تبقى شعوبها جهدها ونضالها ضد أميتها وجهلها وفقرها ومرضها وليس في الوقوف بوجه الاستعمار والصهيونية وبناء دولتها العربية الموحدة. لقد جعلوا تلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة والموروثة عن النظام الإقطاعي والسيطرة العثمانية وعملوا على ترسيخها وتكريسها من خلال إقامة كيانات سياسية رجعية.
إن الامبريالية تعمل في المحافظة على استمرار العلاقات الإقطاعية والعشائرية والرأسمالية والإقليمية وحماية الأنظمة الممثلة لها، وإن السيطرة الاستعمارية على العالم العربي لم تخلق تلك الظروف والمناخ على الدول العربية فقط بل هيّأت المناخ المناسب والملائم لاقتطاع واغتصاب الصهاينة لفلسطين وإقامة دولة عنصرية فيها جعلوها خنجراً في خاصرة الأمة العربية وأداة عدوانية وقاعدة متقدمة للامبريالية العالمية، إن النضال والعمل من أجل الوحدة العربية يجب أن يمتاز بالطابع القومي الديمقراطي المعادي للاستعمار والرجعية لكي يستطيع أن يشعل جذوة النضال بالجماهير العربية وحشدها حتى تستطيع تحقيق أهداف حركة التحرر الوطني العربية وتجعلها تمتاز بطابع اجتماعي تقدمي معادي للرأسمالية الامبريالية الصهيونية وملتصقاً أكثر فأكثر بمصالح أوسع الجماهير العربية، إن الحاجة تصبح أكثر إلحاحاً إلى تحقيقه مع اشتداد النضال الضاري ضد الامبريالية والصهيونية وعدوانهما على الأمة العربية متزامناً مع اشتداد النضال الطبقي من أجل تعميق الاتجاه التقدمي المتصاعد في العالم العربي.
إن فشل الوحدة المصرية السورية لم يضعف تصميم الأمة العربية على النضال من أجل وحدة عربية أكثر رسوخاً وأكثر غنى بسبب ما قدمه هذا الفشل من دروس وعبر وتجربة تخلق الإرادة والتصميم والإصرار لدى الشعوب العربية. وعلى ضوء كل ذلك وبسبب طابع العصر ونسبة القوى على النطاق العالمي وعلى النطاق العربي وبسبب ضرورة المحتوى الاجتماعي التقدمي الذي يجب أن ترتديه أكثر فأكثر حركة التحرر الوطني العربية من خلال تجربة الخطأ والصواب، فإنه يمكن التأكيد على أن الوحدة العربية بين الدول العربية المتحررة لا يمكن أن تكون إلا ذات طابع تقدمي ومعاد للاستعمار والرأسمالية، وإن كل الظروف تشير إلى إمكانية تحقيق وحدة تشمل العديد من الدول العربية المتحدة، وإن سرعة وعمق تحقيق ذلك الهدف مرتبط بصورة أساسية بالنضال من أجل إقامة جبهة وطنية تقدمية في كل بلد عربي وعلى نطاق العالم العربي كله تضم كل القوى الوطنية التقدمية والتي منها الأحزاب الشيوعية العربية، ولذا فإن النضال من أجل الوحدة العربية هو إحدى المهمات الأساسية الكبرى التي تنتصب أمام جميع القوى الوطنية التقدمية أمام الوطنيين والشيوعيين والتقدميين في العالم العربي، ومن أجل تحقيق هذه المهمة ينبغي إيجاد تنسيق وتكامل اقتصادي بين البلدان العربية في شتى الحقول، وتوطيد وتطوير الأنظمة التقدمية العربية ومنجزاتها وإيجاد مناخ مناسب وملائم لاتخاذ خطوات وحدوية بينها في الميادين العسكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية وتمتين هذه الخطوات، وإن الوحدة العربية يمكن أن تبدأ باتحاد أو وحدة بين بلدين أو أكثر. ومهما كان الشكل الذي سيتحقق فيه هذه الوحدة بين البلدان العربية التقدمية، فمحتواها لابد وأن يكون ذات طابع تقدمي معادي للاستعمار والصهيونية والرجعية، ولاشك في أن إطلاق الحريات الديمقراطية على أوسع مدى في دولة الوحدة للعمال والجماهير الفقيرة والكادحة ولمنظماتها السياسية والنقابية سيساهم في توطيدها، ولابد لدولة الوحدة العربية أن تنتفي منها جميع أشكال الاضطهاد القومي والديني، وأن تعترف لجميع القوميات التي تعيش مع العرب بكافة الحقوق القومية بما في ذلك حق تقرير المصير وهذا شيء أساسي ومبدئي وينسجم مع مصالح الجماهير العربية ومصالح تقدمها وتطورها.