التشابه بين الشعبوية الاسلاموية والشعبوية الماركسوية


وليد يوسف عطو
2014 / 1 / 23 - 14:02     

(1 ):
الشعبوية :على وزن الفعلوية , اسلاموية , ماركسوية , علمانوية , عقلانوية ...الخ .
الشعبوية تكون ذات مضمون سلبي ,بينما الشعبية تكون ذات مضمون ايجابي باتجاه التحرر والتقدم .ان الظاهرة الشعبوية تدل على التعصب والانغلاق على الذات وكره الاخرين . وتنتشر في اوقات الازمات , وتستخدم الشعبوية لغة وسلوكا متطرفين في السياسة وهي معادية للحداثة .
(2) :
انتشار الظاهرة الشعبوية :
يقول المفكر والباحث والمؤرخ د.محمدآركون في كتابه:
(من فيصل التفرقة الى فصل المقال – اين هو الفكر الاسلامي المعاصر ؟) - ترجمةوتعليق هاشم صالح –ط 4 – 2010 –دار الساقي –بيروت .ان ثقافة النخبة والذين يستخدمون اللغة العربية الفصحى في المدن والثقافة الشعبية في المجتمعات الاسلامية قد وجدتا نفسيهما في دوامة التفكك والتفسخ والضمور الثقافي والفكري بسبب التاثير المزدوج لكل من ظاهرتي (الدولة – الوطن – الحزب ) والظاهرة الشعبوية .لقد حافظت الثقافات الشعبية عبر قرون على انماط شديدة الفعالية من حيث التعبير وتماسك الفئات الاجتماعية .فكلمة ثقافة تنطبق على فلاحة الارض وعلى تقنيات التاقلم مع الوسط البيئي البدوي او الجبلي , كما تنطبق على الابداع الفني .
ان الثقافات الشعبية في البلدان الاسلامية قد بدات بالتفكك بعد ظهور قوتان جديدتان هما بحسب تعبير آركون ( الدولة – الوطن – الحزب ) ,ثم النمو السكاني ( الديمغرافي )الهائل بعد الستينات .وبسبب تحسن الاوضاع الطبية والصحية وارتفاع المستوى المعاشي انخفضت نسبة الوفيات وازدادت نسبة الولادات بصورة كبيرة جدا .فقد تضاعف سكان عدد من البلدان الاسلامية ثلاث مرات خلال ثلاثين سنة فقط .
يلاحظ آركون ان الفكر الرسمي يغذي خطابا تقليديا يتغنى بالتراث القومي وعظمة الاسلام ,دون ان يفعل شيئا لتجديد ذلك التراث .هكذا نجد ان الظاهرة الشعبوية ناتجة عن عوامل متعددة ومعقدة تمثل (القطيعة التاريخية ).فقد تم اقتلاع الفلاحين من جذورهم الريفية ثم تبعثرهم وضياعهم الثقافي . ثم تفكك الذاكرة الجماعية الفئوية قبل التوصل الى وعي تاريخي قومي , ثم تحويل الراسمال الر وحي للدين الى وظيفة رسمية تابعة للدولة.
لقد تم اهدار القيمة الروحية للدين وارتبط ذلك بافقار المدن ,فظهرت الحركات المهدوية والابطال المحررين , وتم تعليق الامال على ثورات تكرس في الواقع انهيار سمعة (الدولة – الوطن – الحزب )عن طريق القوى الشعبوية التي لم يعد ممكنا كبح جماحها . وقد ساهم الاقتصاد الضعيف والهش وسوء التنمية الى المزيد من التبعية الى الغرب . وهكذا تراجعت الثقافة وحصل التزايد السكاني غير المنضبط والفشل الاقتصادي والتصلب الايديولوجي لنظام (الدولة – الوطن – الحزب ), وساهمت هذه العوامل في انسداد اوضاع مجتمعاتنا وبروز التعصب الديني تبعا لذلك .
(3 ) :
الماركسية والمهدي المنتظر
يؤكدآركون ان المخلص ليس فقط بطل تاريخ النجاة والخلاص في اليهودية والمسيحية , وانما هو القوة المؤسسة للوعي الطائفي او القومي او العرقي – الثقافي .
ان النزعة التبشيرية او المهدي او المسيح المخلص او البطل المنقذ هي قوة قادرة على تحويل كل تاريخ العالم بواسطة الانتظار الذي لايقاوم ( هل هو انتظار سلبي, ام ايجابي ؟ -الكاتب ), والذي يتضمن احتجاجا جذريا على النظام الجائر الحالي من اجل استبداله بنظام عادل .والذي يقوم بعملية ترسيخ العدالة هو المسيح المخلص او البطل المنقذ او المهدي , او الامام في الاسلام .
ان النزعة التبشيرية تربط بين الايمان والعدل بشكل لاينفصم .يؤكد آركون اننا لانستطيع تجاهل ذلك الاستخدام الذي اجرته الماركسية على الامل التبشيري المهدوي بالخلاص .فالماركسية اعتقدت بانه على البر وليتاريا ان تناضل من اجل زوال الدولة والراسمالية المستغلة وكل البنى الفوقية التي تعرقل حريات الانسان .وهكذا استخدمت الماركسية في نظريتها(العلمية )نموذجا معياريا دينيا من اجل اقتناص السلطة السياسية . وهذا المثال يوضح ان البشر هم الذين ينتخبون وينتجون النماذج المعيارية التي تقود فكرهم وسلوكهم . وهم الذين يقررون طريقة استخدامها او الحفاظ عليها او الغائها .
في استعراضنا الى الظاهرة الشعبوية في مجتمعاتنا تبين لنا التاثير القوي للظاهرة الاسلاموية - الشعبوية وللافكار المهدوية , والتي قامت بعملية انزياح للثقافة الشعبية ولثقافة النخبة المدينية ومن ثم تفكيكها .. وحولتهما الى ثقافة منغلقة ونرجسية وعدوانية , ثقافة تقوم على الكره والتعصب وكره ورفض الاخر المختلف , مسلم – مسيحي , سني –شيعي , كر دي – عربي ...
وقد نمت هذه الظاهرة الشعبوية في اوساط المثقفين والاحزاب الماركسوية – الشيوعية السائدة اليوم , والتي تتشابه مع الاحزاب الاسلاموية والفكر الديني المؤدلج بالمميزات التالية :
1 – سعة المخيال الشعبوي بانتظار الخلاص والمخلص , ومجيء البطل المنقذ,المسيح , المهدي , الامام , او الثائر المحرر .
2 –ثقافة الانعزال والانغلاق والكراهية للاخر المختلف .
3 – سيادة الدوغما في نمط تفكير الماركسيين التقليديين (الماركسويين ) وفي اوساط الاسلامويين .
4-الايمان بالحتمية التاريخية واليقين الثابت الذي لايحتوي على نسبة للخطا ولا على مبدا الاحتمال , او الشك , او ( اللايقين )لدى الماركسويين ولدى الاسلامويين .
5- الايمان بالعنف والقوة والقتل واستخدام السلاح ووضع العقل في صندوق مغلق الاحكام .
6- استخدام الشتائم والسباب ولغة التكفير والتخوين والعمالة للاجنبي وتلويث السمعة لدى الطرفين .
7 – يؤمن الاسلاموي بجنة سماوية لم ينزل منها احد ليخبرنا عنها ,ويؤمن الماركسويون بجنة ويوتوبيا شيوعية غير موجودة على ارض الواقع ولا يمكن تحقيقهاعمليا .
8 – تشابه الانساق العقائدية لدى الماركسويين والمتدينيين .
9 – ايمان الماركسويون والمتدينون بمفهوم الفرقة الناجية والديانة الصحيحة والحزب الثوري الواحد والوحيد والممثل للطبقة العاملة , والباقين هم خونة وعملاء او كفرة .
10 – العيش في الماضي وعلى التراث الماركسي والاسلاموي .يكتب آركون في كتابه الانف الذكر :
( ان القاريء ( كل قاريء) يتصف بما يسميه علماء النفس والالسنيون ب ( استراتيجية الرفض ), وذلك لان كل قاريء او مستمع لخطاب ما هو ذات مشكلة بواسطة عقائد ومباديء يقينية ومقدمات ايديولوجية ومقاييس موروثة , وكلها راسخة في العقل والمخيال ومكونة للوجدان ومكيفة للادراك . وهذه العوامل المركبة تكون نسق الذات , وعندما يطرا على هذا النسق المجهز القوي مفهوم غير مالوف او نظرة للعقل غير متلائمة مع الموروث والمعتاد يلتجيء القاريء او المستمع الى وسيلة من وسائل الرفض لحماية نسق ذاته حتى لاينحل ويتفتت ,فتنحل بذلك ( الشخصية ).. وهكذا تبطل عندئذ شروط المناظرة وتستحيل المواصلة بين العقول والضمائر , وتبقى البنيات الفردية على ماهي عليه ويستمر المجتمع مكررا لتقاليده ومولدا للانساق الذاتية نفسها ) .
الخاتمة :
هكذانجد ان الماركسويون الشعبويون لايمكن اصلاحهم البتة بسبب انغلاق انساقهم الذاتية والفكرية على دوغما ونظام عقائد ولا عقائد , وعلى مفاهيم لايمكن زحزحتها او تغييرها ,وبالتالي لاجدوى من الحوار مع هؤلاء .