كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 1


حسين علوان حسين
2014 / 1 / 22 - 23:46     

حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ *** فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَ خُصومُ
كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها *** حَسداً وَ بَغياً إِنَّهُ لَدَميمُ
وَ الوَجهُ يُشرُقُ في الظَلامِ كَأَنَّهُ *** بَدرٌ مُنيرٌ وَ النِساءُ نُجومُ
وَ تَرى اللَبيبَ مُحسَّداً لَم يَجتَرِم *** شَتمَ الرِجالِ وَ عَرضُهُ مَشتومُ

تمهيد
معلوم أنه عندما يعبر الإنسان عن أي رأي نقدي بصدد أي نظرية ، فإن هذا الرأي مسؤول ، لكونه خاضعاً للتدقيق و للتمحيص و للمراجعة على مر الزمان . فإذا كان صاحب هذا الرأي يتحسّب لحكم التاريخ و يحرص على سمعته العلمية و نزاهته الفكرية فلا بد له من الالتزام بالمعايير الحاكمة على كل تفكير نقدي قبل إصدار أحكامه . و مثلما يمتلك كل مفكر الحق في انتقاد الآخرين ، فإن للمنقودين – أحياء كانوا أم أمواتاً – الحق عليه في أن يكون نقده لهم صحيحاً و دقيقاً و عميقاً و منطقياً و عادلاً . أما إذا كان المفكر لا يحترم نزاهته الفكرية ، فيغلب مصالحه الشخصية و أغراضه الأنانية على نقوده ، و يضرب عرض الحائط سلطة الحق و الحقيقة و شرف الكلمة ، فإن التاريخ لن يرحمه أبداً .
و يمكن للمفكر أن يغير قناعاته بصدد هذه النظرية أو تلك ، بشرط توخي الحقائق في كل هذه القناعات . فإذا ما تبرع المفكر الذي يحترم نزاهته العلمية بالإعلان على رؤوس الملأ أنه يؤمن بالشيوعية الماركسية عام 1921 لكونها قادرة على أن تجلب للبشرية درجة أكبر من السعادة و الرفاه و تطوراً أرفع للفنون و العلوم مما قد تحقق لحد الآن في العالم ، و لكونه يؤمن أيضاً بما علَمه كارل ماركس بأن هناك قوانين علمية تنظم تطور المجتمعات ؛ فإن احترامه لنزاهته الفكرية سيمنعه حتماً من التحول إلى بوق للحرب الباردة عام 1956 ليتبرع بالإعلان عن رفضه للشيوعية الماركسية لاكتشافه المبكر بأن ماركس كان طائش العقل ؛ و لأن جُلَّ تفكير ماركس كان بوحي من الكراهية . لماذا ؟ لسبب بسيط : لكون هذا المفكر يتحدث هنا عن ماركس بالذات و ليس عن أي شخص آخر ؛ و المسكين ماركس قد توفي عام 1883 ، و بالتالي فهو لم يغير شيئاً من نظريته بعد وفاته ، فكيف تستوجب أفكاره القبول عام 1921 ، و تستوجب الرفض عام 1956 من طرف نفس المفكر ؟ ما عدا مما بدا ؟
قارنوا هذين النصين لبيرتراند رَسْل :

النص الأول :

" خمس محاضرات في علم البنية الإجتماعية
1921 ، مورننـگ بوست ، بكين
علم البنية الإجتماعية
قبل أن أخوض في تفاصيل هذه البرنامج من المحاضرات ، بودي أن أعلن بكلمات قليلة موقفي الخاص حيال المسائل التي نهتم بها .
إنني شيوعي . إنا أؤمن بأن الشيوعية ، المتحدة بالصناعة المتطورة ، قادرة على أن تجلب للبشرية درجة أكبر من السعادة و الرفاه ، و تطوراً أرفع للفنون و العلوم مما قد تحقق لحد الآن في العالم . لذا ، فأنا أتوق لرؤية العالم أجمع و قد أصبح شيوعياً في بنيته الإقتصادية .
أنا أؤمن أيضاً بما علَمه كارل ماركس بأن هناك قوانين علمية تنظم تطور المجتمعات ، و أن أي محاولة لتجاهل هذه القوانين مكتوب عليها أن تنتهي بالفشل . لقد علًم ماركس ما قد نسيه مريدوه بالإسم ، بأن الشيوعية يجب أن تكون التتويج للتصنيع المتطور ، و هو لم يكن يعتقد أنها ممكنة بغير ذلك . لقد كان هذا التوكيد على قوانين التطور هو الذي ميزه عما سبقه من الشيوعيين المتدينين و الطوباويين ."

النص الثاني :

"لماذا أنا لست شيوعياً (1956)
إن المبادئ النظرية للشيوعية مشتقة أكثرها من ماركس . و اعتراضاتي على ماركس هي من نوعين : أولاً ، أنه كان طائش العقل ؛ و ثانياً أن جُلَّ تفكيره تقريباُ كان بوحي من الكراهية . فمبدأ فائض القيمة ، الذي يفترض أنه يُثبت إستغلال الأُجَراء في ظل الرأسمالية ، قد توصل إليه ( ماركس ) : أ. بالقبول الخفي لمذهب مالثوس في السكان ، و الذي يشجبه ماركس مع كل مؤيديه علانية ، و : ب. بتطبيق نظرية ريكاردو للقيمة على الأجور ، و لكن ليس على أسعار الأشياء المُنتجة . و هو راضٍ تماماً عن هذه النتيجة ، ليس لأنها مطابقة للحقائق و لا بسبب تماسكها المنطقي ، و إنما لكونها محسوبة لإثارة غضب الأجَراء . إن مبدأ ماركس بأن كل الحوادث التاريخية تحرّكها الصراعات الطبقية هو توسيع طائش و غير صحيح على تاريخ العالم لمميزات معينة برزت في إنجلترا و فرنسا قبل مائة عام . إن إيمانه بوجود قوة كونية تدعى المادية الديالكتيكية التي تحكم تاريخ البشر على نحو مستقل عن إرادة البشر هو مجرد أساطير .
بيرتراند رَسْل : صور من الذاكرة ، 1956 ."

يتبع ، لطفاً .