حول تعقيدات السيرورة الثورية السورية الراهنة


منيف ملحم
2014 / 1 / 7 - 08:00     

س) كانت المرحلة الاولى من الانتفاضة ضد النظام السوري، التي تميزت بسلميتها، تعطي انطباعاً بأنها حركة شعبية شاملة، ينخرط في إطارها الناس من شتى المذاهب والطوائف، والفئات الاجتماعية، والأعمار، والأجناس الخ... ولكن حين بدأت تطغى عليها العسكرة، سرعان ما شرع يغلب عليها، ولا سيما في جانبها العسكري، طابع ديني مذهبي. كيف تنظر إلى هذه الظاهرة، وكيف تعيِّن أسبابها؟

ج) لم تكن العسكرة خياراً للمتظاهرين السلميين من اجل الحرية والكرامة، ولكن العنف الذي واجه به النظام الحراك السلمي، سواء بإطلاق النار على المتظاهرين في الشوارع والساحات، او عبر عمليات الاعتقال والتعذيب حتى الموت، هو ما دفع الثورة الى حمل السلاح. ومع ذلك فإن حمل السلاح في شهوره الاولى خرج من رحم الثورة من خلال انشقاق بعض العسكريين الذين رفضوا قتل اهلهم، او استجابوا لشعورهم بالمسؤولية تجاه شعبهم، الذي يتعرض لعنف لم يعرف له العالم مثيلاً. ومع ان بعض التشكيلات العسكرية التي تشكلت في حينها قد اخذت تسميات دينية1 (كتائب الفاروق)، الا ان ذلك لم يكن في ذاته ليعطي تلك التشكيلات طابعها الديني. ان التحول الذي تم في بنية هذه التشكيلات قد جاء نتيجة لسعي بعض التيارات الدينية الموجودة على الساحة السورية قبل الثورة، او التي تشكلت بعد انطلاقة الثورة، لخلق تشكيلاتها الخاصة والتي تعمل لحسابها ولحساب توجهاتها السياسية، بعد ان عجزت عن احتواء التشكيلات العسكرية التي كان قوامَها الضباطُ والعسكريون المنشقون عن النظام، واعتقاداً منها ان النظام على وشك السقوط كما بدا في نهاية عام ٢٠١١. وبالتالي، فهي عمدت إلى خلق مليشياتها الخاصة كورقة ضغط، مستقبلاً، على مكونات الثورة من اجل الهيمنة على هذه الاخيرة، من خلال هذه المليشيات، مستلهمةً التجربة الليبية بكل تداعياتها، ومستفيدة من تدفق الاموال والسلاح من دول وافراد ومنظمات في الخليج. هكذا هُمِّش الضباط المنشقون وكتائبهم وبرزت الى السطح كتائب لا تخفي ايدولوجيتها الدينية واهدافها، التي اخذت تبتعد عن الاهداف التي قامت الثورة من اجلها. ان تدفق الاموال من الخارج بدون حساب فتَحَ شهية كل مغامر وطامح الى تشكيل كتيبة او لواء باسم الإسلام، او تحت راية تستدر المزيد من الدعم بالمال والسلاح ما دامت تستظل الاسلام. كما ان سعي النظام خلال ٤٠ عاماً الى تمزيق النسيج الاجتماعي في سوريا، ومن ثم إلى تطييف الحراك الشعبي، بعد بدء الثورة على النظام، وبالتالي ممارسة كل اشكال القتل والتنكيل الطائفي، كل ذلك سهَّل لهذه القوى القيام بما قامت به، وبرر لها اتجاهها هذا.

س) في مقابلة سابقة، في الشهر الاول من هذا العام، اجرتها معك نشرة «مراسلون»، قلتَ إنه لا مجال لتحاشي اللجوء للقوة العسكرية، من أجل إطاحة النظام، فيما دعا عديدون في سوريا، في مقدمتهم هيئة التنسيق، إلى نبذ الحل العسكري، والرهان فقط على النضال السلمي لأجل الخلاص من النظام المذكور. كيف تفسر وجهة نظرك؟

ج) منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، تحول الصراع بين النظام والقوى الدينية الى صراع مسلح، وقد مثلت تلك القوى، عبر ما عرف في حينه بـ(الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين)، رأس حربة هذا الصراع في مواجهة النظام. ومع التحولات التي كانت تجري على بنية النظام منذ نهاية السبعينيات، وقد اخذت ابعاداً نوعية في هذا الصراع، وتحديداً ما يتعلق منها بالسعي الى خلق اجهزة قمعية في مؤسسة الجيش والأمن ذات طابع طائفي، اصبحت لدينا قناعة، في حزب العمل الشيوعي، الذي كنت انتمي اليه آنذاك، ان الخلاص من هذا النظام لن يكون سلمياً مهما كانت قوة الحركة الجماهيرية التي يمكن ان تسعى للخلاص، من دون اللجوء لعمل عسكري، يتخذ شكل انشقاقات من الجيش تكون العامل الرئيس في مواجهة عنف النظام، ومواجهة تلك الاجهزة ذات البنية الطائفية، التي كانت اقرب الى المليشيا منها الى وحدات عسكرية. لذلك فإنه بعد عدة اشهر من انطلاق الثورة وما رافقها من عنف بلغ حدوداً ليس لها مثيل تجاه الحركة الشعبية السلمية، ومع بدء التشقق في وحدات الجيش، ترسخ لدي ما كنت اعتقده من أن النظام لن يذهب بوسائل سلمية. واصبح التفكير كيف يمكن تقليل الضحايا في هذه المواجهة. ولكن الطريقة التي تمت بها عسكرة الثورة، والتي تحدثت عنها في الجواب الاول، غيرت كل التقديرات. فعوضاً عن تعزيز قوى الثورة العسكرية، وجدنا قوى تحارب النظام وتشكل قوى مضادة للثورة، قبل انتصارها. لذلك لامعنى الآن للحديث ان كان المرء مع او ضد العسكرة؟ فالخلاص من النظام هو الطريق الوحيد للخلاص من الصراع القائم اليوم، والخطوة الاولى للخلاص من القوى المسلحة المضادة للثورة. ان بقاء النظام يعني بقاء الحرب الاهلية مئة عام قادمة.

س) بعض المحللين يعتبرون ان العامل الاهم، الذي حفَّز الحراك الشعبي لديكم، منذ البدء، كان مطلب الحرية والكرامة الإنسانية، في مواجهة نظام دكتاتوري بشع، فيما يَجمع آخرون إليه العامل الاقتصادي- الاجتماعي، لا بل يعتبرون أن هذا الاخير كان العامل الحاسم، في هذه السيرورة. كيف تنظر إلى هذه المسألة؟

ج) لاشك بأن العقد الاخير في سوريا شهد تحولات اجتماعية اقتصادية نوعية بدأت سيرورتها منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وشكلت نهاية الثمانينيات الخطوة الاكبر في تلك التحولات اساسها الانتصار الذي حققه النظام، آنذاك، في المواجهة مع المعارضة السورية. فبعد هزيمة القوى الاسلامية المسلحة، عمل النظام على تحطيم كل اطياف المعارضة من قوى ديمقراطية او يسارية، ونشر حالة من الرعب والخوف في كل ثنايا المجتمع. يمكن القول ان سوريا في نهاية الثمانينيات تحولت الى سجن كبير ومرعب لأبنائها. ان المنتصرين من بيروقراطية السلطة الحاكمة، سواء المدنيين او العسكريين، اعتبروا من حقهم ان يكافَأوا على انتصارهم. فانتشر الفساد بشكل لم يسبق له مثيل وتراكمت ثروات وظهر اغنياء جدد يتفاخرون بالمليارات التي جمعوها، ويمارسون حياة من البذخ تستفز عامة الشعب الذين بدأت حياتهم تتدهور بشكل سريع. اختفت الطبقة الوسطى التي كان العاملون في اجهزة الدولة يشكلون شريحتها الاوسع. كما ان التحولات الليبرالية الجديدة، من خلال فتح الاسواق وتخلي الدولة عن ضمان ايجاد عمل للخريجين من الجامعات والمعاهد، واصدار القوانين التي تؤسس لاقتصاد السوق، كل ذلك حطم الطبقة الوسطى من الحرفيين والصناعيين الصغار. ان تقرير التنمية البشرية في سوريا -٢٠٠٥، الذي صدر بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي بيَّن ان الفقر منتشر الى حد ان حوالى ثلث سكان سوريا يعيشون على خط الفقر، وحوالى ثلاثة ملايين يعيشون تحت هذا الخط. واللافت للانتباه ان معظمهم يتركزون في الارياف وبشكل خاص منها الارياف الشمالية. ان الصورة السابقة عن التحولات الاجتماعية الاقتصادية في سوريا شكلت عاملاً هاماً في انطلاقة الثورة، ولكنها في اعتقادي لم تكن العامل الرئيس في انطلاقة الثورة. ان القمع العاري والمتوحش وانتهاك ابسط اشكال الحريات والكرامة الانسانية الذي بلغ ذروته في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، والخوف الذي دخل فيه المجتمع والتمييز بين المواطنين على اساس طائفي، كلها عوامل كانت الاساس في انطلاقة الثورة. ولقد شكلت الثورات العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين البوابة التي عبر من خلالها الناشطون لكسر جدار الخوف الذي بناه النظام خلال العقود الاربعة من عمره. لذلك فإن شعار الثورة من اجل الحرية والكرامة كان التعبير الاصدق عما يريده الثائرون.

س) لقد تم إبعاد العناصر الانشقاقية، ضمن الجيش النظامي، ولا سيما الضباط، عن بنية الكتائب والألوية المقاتلة، سواء ضمن ما بات يعرف بالجيش الحر، او على مستوى الكتائب والألوية الأخرى. كيف يمكن فهم هذه الظاهرة، وإلى اي حد يصح ربط ذلك بمسعى إقليمي، بوجه اخص، لتغليب الانقسام المذهبي – الطائفي على طبيعة الصراع؟

ج) كان البارز في الأشهر الاولى للثورة ان الطيف الاوسع بين الناشطين السلميين لم يكن ينتمي الى اي قوى سياسية او احزاب سابقة على الثورة. كما ان معظم العسكريين الذين انشقوا عن الجيش في بداية عسكرة الثورة لم يكونوا ينتمون الى أي تيار سياسي، تنظيمياً او تعاطفاً، باستثناء حزب البعث الذي كان يجبر العسكري المتطوع على الانتماء اليه اذا رغب في البقاء في الجيش والترقي، وهي تجربة جعلتهم ينفرون من الانضواء تحت أي شكل تنظيمي سياسي. لذلك سعت قوى اسلامية مدعومة من قوى اقليمية لخلق تشكيلاتها العسكرية المضمونة، والتي يمكن اعتبارها كأذرع للنفوذ والسيطرة على الثورة. هكذا شهدنا تشكيل مئات الكتائب والالوية ذات الطابع الأديولوجي الاسلامي. كما عمد النظام الى اطلاق سراح المئات من السلفيين المعتقلين في الاشهر الاولى للثورة )الكثير منهم اصبحوا قادة كتائب والوية سلفية(، في الوقت الذي كان يعتقل فيه الآلاف من الشباب الناشطين السلميين. لقد ادعى النظام منذ الاشهر الاولى للثورة أنه يواجه قوى وتنظيمات عسكرية طائفية وتكفيرية، وقد وفرت له تلك القوى الاقليمية والمحلية ما لم يكن موجوداً في الواقع. لقد سعت هذه القوى الاقليمية والمحلية الى تهميش الكتائب والالوية التي شكلها العسكريون المنشقون، بل سعت في بعض الاحيان الى تصفية هؤلاء العسكريين جسدياً، عندما اعلنوا رفضهم لممارسات بعيدة عن اهداف الثورة واخلاقها.

س) كيف تفهم غياب يسار فاعل عن قيادة الحراك، ولا سيما بعد عسكرته؟ وما تأثير ذلك في المنحى العام الذي قد تتخذه السيرورة الحالية للصراع؟

ج) لا يخفى على احد ان فاعلية اليسار في سوريا كانت ضعيفة قبل الثورة، وذلك نتاج عاملين رئيسيين، الاول خاص وهو نتاج القمع الذي تعرض له اليسار خلال العقود الماضية، والثاني عام متعلق بوضع اليسار على الصعيد العالمي، بعد انهيار «المنظومة الاشتراكية»، في عقد التسعينيات من القرن الماضي. ان شدة القمع الذي واجه به النظام الحركة الشعبية، واجباره إياها على التحول من السلمية والكفاح المدني الى العسكرة، اوصد الباب امام ما تبقى من قوى اليسار لحضور فاعل ومؤثر في الثورة. وانا اعتقد ان قيام دور مؤثر وفاعل لقوى اليسار على الساحة في سورية لن يكون قبل اسقاط النظام، والعودة الى ساحات العمل الديمقراطي السلمي. فالمجتمع السوري ومهما بدا من بعيد غارقاً في بحر من القوى اليمينية، يختزن باعتقادي جمهوراً من القوى القادرة على دفع المجتمع خطوات ليست قليلة نحو الامام، باتجاه بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، واعادة تماسك النسيج المجتمعي الذي فتته النظام.

س) أما زلت تعتقد - كما عبَّرْتَ، سابقاً - أن ثمة سيناريوهات تقسيمية تشارك فيها إيران، التي قد تكون تخطط لقيام دويلة علوية ترتهن بها، في حال فقد النظام الراهن كل مقومات بقائه؟ وما هي حظوظ أي تقسيم مماثل في الاستمرار؟

ج) للتدقيق ان ما قلته في المقابلة المذكورة حول هذا الموضوع هو التالي: «ولكن سقوط النظام مخرج إجباري مع أن الوضع مفتوح على كل الاتجاهات، ومن أسوئها التقسيم، الذي بات احتمالا قائما، لأنه يفيد قوى إقليمية بمقدمتها إيران التي ترغب بإقامة دولة علوية حليفة لها. ولكن حظوظ التقسيم ليست كبيرة، لأن جزءاً كبيراً من اسباب تدخل القوى الاقليمية والدولية في الوضع السوري هو لمحاولة اضعاف إيران في سورية وسحبها بشكل نهائي من المنطقة».

واليوم وفي ظل التطورات التي طرأت على الوضع السوري، ولاسيما الدور الذي برز للقوى الجهادية المتشددة والدور الذي تضطلع به القوى الدولية الفاعلة، تصبح حظوظ التقسيم اضعف بكثير مما كان سابقاً. وهذا الاحتمال الضعيف اذا ما تم فإنه لن يعطي دولة علوية وانما كانتونات للقوى المسلحة لن يكون الكانتون العلوي الا واحداً منها.

س) في المقابلة المنوه بها، أعلاه، قلتَ إنك دعمت، في البدء، وإن دعماً نقدياً، المجلس الوطني السوري. فهل هذا هو موقفك الآن حيال ظاهرة «الائتلاف الوطني...»، الذي لا يمتلك، بالمناسبة، وعلى ما يبدو، لا ثقة جزء مؤثر من الشعب السوري، ولا اعتراف قسم هام من الكتائب والألوية المقاتلة، حسبما اعلنَتْ، أخيراً؟ أم ترى حاجة ماسة للسعي الحثيث لبلورة بنية قيادية مختلفة يمكن أن تمثل حقاً مصالح الشعب السوري، وأن تنجح في استقطابه، وتنظيم نضاله، وتوحيد صفوفه، بحيث تتمكن هكذا من قيادته إلى النصر؟ وإذا كان ذلك وارداً، في نظرك، ما هي شروط حصوله؟

ج) للتوضيح انا قلت: (بعد تشكل المجلس الوطني وهيئة التنسيق أعلنتُ في ندوة بأن المجلس الوطني لا يمثلني ولكني أدعمه بقوة). الموقف النقدي مطلوب حتى في تنظيم انتمي اليه وهو شيء مختلف عن دعم طرف سياسي تجبرك الظروف لدعمه في مواجهة طرف آخر ترغب بالتخلص منه. وهو ما يجري الآن، سواء كان المجلس او الائتلاف، في ظل غياب او امكانية تشكيل قيادة بديلة للصراع مع النظام من اجل الخلاص من هذا النظام في الظروف الراهنة. ان ما كنت اعتقده سابقاً بأن نشاطاً سياسياً فاعلاً للقوى الديمقراطية، في ظل الصراع المسلح الجاري، لن يكون ذا قيمة فاعلة، اكدته التطورات التي طرأت بعد مطلع عام ٢٠١٣ على الصراع في سوريا. فقد اصبح النشاط السياسي الديمقراطي السلمي في ما عرف بالمناطق المحررة )المناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين( يعاني نفس الصعوبات التي يعانيها في مناطق سيطرة النظام، ان لم نقل اكثر في بعضها. ما لم يتم التخلص من النظام ومن ثم نزع سلاح المليشيات فان اي عمل ديمقراطي يبقى محدوداً.

س) هل ترى أن ثمة حظوظاً لإنجاح انعقاد جنيف2، التي يضغط الروس حالياً – ولا سيما بعد تطورات مشكلة الكيماوي، التي لجأ إليها النظام، في الصيف الاخير، واضعفت موقعه في الصراع، بصورة واضحة – لدفع القوى المتصارعة للانخراط فيها؟ علماً بأن هذا الضعف، لجهة النظام، يتلازم مع نمو التناقضات المثير، في صفوف أخصام النظام؟ وما رأيك بما يطرحه البعض، في المعارضة السورية، بخصوص الحاجة، في نظرهم، إلى اتفاق طائف سوري؟

ج) باعتقادي ان جنيف سيعقد عاجلاً ام آجلاً، ولكن مفهوم نجاح او فشل ما يمكن ان يعطيه جنيف متعلق بمنظور الاطراف المشاركة في جنيف. ففي الوقت التي تسعى فيه قوى الثورة الى ان يكون جنيف مدخلاً لتفكيك النظام القائم واقامة نظام ديمقراطي تعددي، وبناء دولة مدنية حديثة لجميع مواطنيها من دون تمييز او اقصاء، تسعى القوى الدولية الفاعلة (الروس والامريكان) بشكل اساسي كخطوة اولى للتخلص من السلاح الكيميائي، كعامل تهديد «لدولة» اسرائيل، بغض النظر عن النظام القائم في سوريا اليوم او مستقبلاً، ولمواجهة القوى الاسلامية المتطرفة. وهو ما يتطلب بقاء الاسد بالنسبة لهم مرحلياً، على أن يعقب ذلك التخلص من الاسد مع بقاء نظامه.

أما الحديث عن، او المقارنة بين جنيف والطائف، لإنهاء الصراع في سوريا، فطرحٌ غير موفق. «فالمارونية السياسية» في لبنان رغم كل نقائصها تبقى اقل سوءاً من النظام القائم في سوريا منذ عقود. فالنظام الذي حكم اللبنانيين بعد الاستقلال شهد اوسع مجال للحريات السياسية، اذا ما قورن بكل انظمة المنطقة العربية، كما ان «المارونية السياسية» كانت تقوم على الهيمنة على بعض مفاصل الدولة، باعتبار أن هناك دولة يتم تقاسم مؤسساتها طائفياً. الامر في سوريا مختلف، حيث أن مؤسسات الدولة هياكل كرتونية. ماذا يعني رئيس الوزراء او رئيس مجلس الشعب؟ الثورة جاءت ليس لإعادة تقاسم السلطة بل جاءت لاجتثاث نظام ديكتاتوري كان من اسوأ ما فعله انه فتت النسيج المجتمعي. و«طائف سوري» لن يعيد تماسك ما فتته النظام بل يكرسه بإشكال مختلفة، وهو شيء اسوأ من التقسيم على ما اعتقد.

س) على الرغم مما تعرضت له انتفاضة الشعب السوري من تشويهات تم التطرق، أعلاه، للعديد من اشكالها وتجلياتها، وللمسؤولين عنها، سواء على صعيد ممارسات النظام القائم، او ممارسات الجماعات التي تواجهه، على الارض، تتكرر في أجوبتك تعابير مثل «الثورة» و «قوى الثورة» . هل يمكن أن توضح ، مع بعض التفصيل، مَن هي «قوى الثورة»، بالضبط، التي تقصدها؟فضلاً عن ذلك، كيف تنظر إلى الأشكال، مهما تكن جنينية ومعوَّقة، للتنظيم الذاتي للناس، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؟ وهل ثمة إمكانات ، في رأيك، لتطويرها، بما يخدم السيرورة الثورية في سوريا؟

ج) اعتقد ان النقطة الرئيسية، التي اتفق عليها السوريون، منذ انطلاق حراكهم في آذار 2011 وحتى نهاية ذلك العام (قبل ان تتشكل الكتائب والالوية الاسلامية المتنوعة)، هي ان كل من خرج يطالب بإسقاط النظام وبناء دولة الحرية والكرامة، دولةٍ لا تمييز فيها بين المواطنين، هو من قوى الثورة. وقد شملت هذه القوى شتى اطياف المجتمع وطبقاته وشرائحه الطبقية وقواه السياسية، بنسب متفاوتة.

اما عن امكانية بناء تنظيم ذاتي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فقد ذكرتُ، في ندوة شاركت فيها في ايار من العام الحالي، ان استخدام تعبير المناطق المحررة، بخصوص تلك التي امكن اخراج قوات النظام منها، بيَّنَ خلال الفترة الماضية حتى الآن انه تعبير لا يصف الحالة الواقعية لتلك المناطق. لذا فإن الاكثر دقة استخدام تعبير «المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة المسلحة». وباعتقادي ان سيطرة السلاح على منطقة، والى جانبه الهيئات الشرعية، يجعل من احترام حقوق الانسان قضية صعبة التحقيق. فاذا كان احترام حقوق الانسان قضية صعبة التحقيق، هناك، فكيف بإمكانية تنظيم ذاتي لقوى الثورة. وقد أظهرت التجارب على الارض، التي قام بها بعض الناشطين في الرقة وريف حلب وادلب وغوطة دمشق، أن تحقيق هكذا مشروع شبه مستحيل في ظل سيطرة القوى المسلحة، في واقعها الراهن.