دراسة: نحو قرن من تجربة الحركة الشيوعية في البلاد النضال الأممي هو الجواب في الصراع القومي الدامي!(حلقة 3)


عصام مخول
2014 / 1 / 6 - 08:08     

•لم يكن صدفة، أن تتعرض الوحدة الاممية العربية - اليهودية للحزب، في أعقاب "انتفاضة آب 1929 " للاهتزاز، ومواقف الحزب للزعزعة، والسقوط في الخطأ في قراءة الطابع الوطني المناهض للامبريالية بالأساس، الذي عبرت عنه الانتفاضة في ظل تحولات بنيوية عميقة شهدتها فلسطين خلال عقد العشرينيات. وبرغم تشويه هذا الطابع الوطني للانتفاضة وحرفها عن مسارها، من قبل القوى الاقطاعية والدينية، التي استغلت حالة الفوران الشعبي وحرفتها عن عناوينها الحقيقية: الامبريالية والصهيونية، وأغرقت هذه الانتفاضة بدلا من ذلك بالدماء، بتشجيع من الامبريالية البريطانية، حتى جرى تصويرها "مذبحة بحق اليهود".

*انحرافات وأزمات وانقسامات في ظل تحولات موضوعية كبرى*


"إن مؤامرات الانتداب البريطاني (والامبريالية عامة، ع.م)، وضغط الصهيونية وتأثير الحركة القومية العربية – أدت في العديد من الحالات الى انحرافات قومية يهودية وعربية في الحزب، وأدت به إلى أزمات وانقسامات. ولكن حزبنا نجح دائما في التغلب على الانحرافات والأزمات، وسجل برغم الأخطاء ونقاط الضعف في أزمنة مختلفة، صفحات مضيئة في النضال ضد الامبريالية ومن أجل الاستقلال الوطني. ضد العداء بين الشعوب ومن أجل أخوة الشعوب اليهودية - العربية ". (ماير فلنر - خمسون عاما على الحزب الشيوعي الفلسطيني ).
لم تكن طريق نشوء وتطور الحركة الشيوعية في البلاد مفروشة بالورد. على العكس من ذلك كانت طريق الحركة الشيوعية مزروعة بصراع قومي دامٍ، ومؤامرة إمبريالية وصهيونية سافرة على وجود الشعب الفلسطيني في وطنه، وتواطؤ من الرجعية العربية مع المتآمرين عليه في لهاثها وراء مصالحها الضيقة التافهة، وعجزها وأدائها المتخلف الذي يندى له الجبين.
في ظل هذه الصورة، كان على النهج الأممي الذي نقشه الحزب الشيوعي على راياته منذ تأسيسه وحتى اليوم، أن يمر في امتحانات عصيبة لا تتوقف. كيف يستطيع هذا الموقف النابع من التحليل الطبقي للصراع القومي في فلسطين، وللصراع عالميا بين قوى الثورة والتحرر الوطني والاشتراكية من جهة، وبين الامبريالية وعكاكيزها الرجعية من الجهة الاخرى، أن يصمد في وجه العواصف المحلية والعالمية، وفي وجه المجازر والعدوان والحرب والاحتلال والعنصرية البغيضة وإغراق البلاد بدماء العرب واليهود؟ لم يكن صمود الموقف الأممي وتجذره في هذه الظروف أمرا مفروغا منه.
وإذا كان الحزب قد ربط تأسيس بديله الأممي بمضامين النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، فإن انحرافات بعض القوى داخل الحزب في مراحل تاريخية مختلفة، وما قادت إليه من انقسامات خطيرة وأزمات كانت تعبيرا عن التخلي عن الخط الأممي للحزب، والاخلال الانتهازي اليميني، بمعادلة معاداة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، والانكفاء في مراحل اشتداد الصراع، نحو القوقعة القومية والشوفينية أحيانا.
ولم يكن صدفة، أن تتعرض الوحدة الاممية العربية - اليهودية للحزب، في أعقاب "انتفاضة آب 1929 " للاهتزاز، ومواقف الحزب للزعزعة، والسقوط في الخطأ في قراءة الطابع الوطني المناهض للامبريالية بالأساس، الذي عبرت عنه الانتفاضة في ظل تحولات بنيوية عميقة شهدتها فلسطين خلال عقد العشرينيات. وبرغم تشويه هذا الطابع الوطني للانتفاضة وحرفها عن مسارها، من قبل القوى الاقطاعية والدينية، التي استغلت حالة الفوران الشعبي وحرفتها عن عناوينها الحقيقية: الامبريالية والصهيونية، وأغرقت هذه الانتفاضة بدلا من ذلك بالدماء، بتشجيع من الامبريالية البريطانية، حتى جرى تصويرها "مذبحة بحق اليهود". كان هذا الجو مؤهلا لوقوع الاكثرية في قيادة الحزب في خطأ في توصيف الحالة. وتحديد الموقف منها.
ولم يكن عابرا أن يقوم الحزب الشيوعي الفلسطيني في كانون الاول 1929 مع قمع الانتفاضة بالحديد والنار الامبريالية، بمراجعة تقييماته ومواقفه الخاطئة وانتقاد هذه المواقف بشأن انتفاضة آب 1929 والتراجع عنها. متقبلا موقف الكومنتيرن وتحليله لها، فاعتبر أن الانتفاضة كانت المقدمة الضرورية لثورة زراعية ضد الامبريالية، وأنها جاءت تعبيرا عن تناقضات علاقات ملكية الارض، والصراع الطبقي في القرية الفلسطينية. وتراجع الحزب عن تعريفها "مذبحة ضد اليهود "، كما تجنب تسميتها "انتفاضة البراق " مع ما يخلقه ذلك من انطباع مغالط، يوحي بأن هذه الانتفاضة كانت "هبّة دينية"، ومجرد صراع ديني من منطلقات دينية، وما يعنيه ذلك من استبعاد طابعها الوطني التحرري. وانتقد الحزب تصرفه حيال الانتفاضة، وأعاد تقييمه لها على انها انتفاضة شعبية قومية معادية للامبريالية والصهيونية في جوهرها، نابعة عن تضييق الخناق على الفلاحين العرب والريف العربي، مرتبطة باتساع عمليات شراء الارض، وتوسيع الاستثمار الامبريالي والصهيوني في البلاد وهو ما عمّق سياسة احتلال العمل واحتلال الارض، وزاد تهميش الفلاحين والبدو وضيّق الخناق على حياتهم. (سميح سمارة – نفس المصدر، ص 148).
وتبنّى الحزب استنتاج الكومنتيرن الأساسي، بأن "مهمة الحزب الأكثر إلحاحا هي أن يتخذ مسارا واضحا وحاسما لتعريب الحزب من القمة الى القاعدة ". لكن هذا الموقف انعكس على بعض القطاعات في صفوف الحزب التي رفضت موقف الكومنتيرن بالكامل وعلى الاخص اللجنة الحزبية في حيفا. وفي جلسة عامة موسعة للجنة المركزية للحزب صدر قرار الادانة للجنة حيفا والاعضاء الذين استمروا بتمسكهم بمواقف الحزب السابقة عن الانتفاضة، وقرر الاجتماع تطهير الحزب من جميع التحريفيين اليمينيين، كما أقر ضرورة تطبيق توجيهات الكومنتيرن الخاصة بالتعريب، تطبيقا فعليا.


*تعثر ثورة 1936 – 1939 تطورات كبيرة وانقسام كبير عام 1943*

لم تكن التطورات في نهاية عقد الثلاثينيات من القرن الماضي أقل تعقيدا للحزب الشيوعي الفلسطيني، منها في نهاية عشرينيات القرن. فقد كانت الثورة الشعبية التي أطلقها القسام، وأيدها الحزب الشيوعي (وانتقدها حين جرى حرفها عن مسارها الوطني)، قد انتهت الى الفشل. كانت تجري هناك وتكتمل عوامل تفعل فعلها على الحزب باتجاهات متعاكسة. فمن جهة كان موقف الحزب الشيوعي من دعم ومساندة الجماهير العربية. وكانت عملية تعريب الحزب تعريبا فعليا تمارس على أرض الواقع، بناء على ما قرره المؤتمر السابع للحزب عام 1932 في ظل ثورة شعبية عارمة. وساد الشعور لدى بعض القيادات اليهودية أنها أُخرجت خارج الحلبة. وفي المقابل، جاء الاضراب السياسي العام، الذي خاضه العرب الفلسطينيون ليعزز الاستقلال الذاتي الاقتصادي للتجمع اليهودي في فلسطين، وبرز تشكل قطاع يهودي مستقل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ومتعارض تماما مع القطاع العربي. وجاءت ظروف السرية التامة التي كان يعمل في ظلها الشيوعيون، والقمع الشديد الذي تعرضوا له خلال أحداث الثورة، وانقطاع الاتصال بين الشيوعيين العرب واليهود في ظروف احتدام المعركة الثورية في البلاد، جاءت هذه الظروف لتدفع اللجنة المركزية للحزب، لاول مرة في تاريخه، لإقامة "قسم يهودي" في الحزب، بشكل مؤقت، هدفه نقل قرارات وتوجيهات الحزب الى الناحية اليهودية. ومع الوقت وفي ظل استمرار حملات القمع واعتقال الامين العام للحزب، رضوان الحلو، بدأت العلاقات تضعف بين قيادة الحزب والهيئات القيادية في القسم اليهودي. وبدأ القسم في انتهاج سياسة مغايرة للسياسة العامة التي كانت أقرتها اللجنة المركزية. وكان من أهم نقاط الصدام قرار الشيوعيين اليهود الانخراط في صفوف المنظمات والاحزاب الصهيونية، والعمل داخلها، بهدف "سلخ العناصر الثورية" عنها ودفعهم للانضمام الى صفوف الحزب الشيوعي، وذلك من خلال الاقتناع بأن التجمع اليهودي لا يمثل تجمعا متجانسا، وأنه من الممكن تشجيع عملية التمايز داخله. وكان ذلك يتعارض مع توجه الحزب العام. الذي كان يرى أن انسلاخ العمال اليهود عن الحركة الصهيونية، لا يمكن ان يتحقق إلا بانخراطهم النشيط في النضال الوطني التحرري، المعادي للامبريالية والصهيونية، الذي تخوضه الجماهير العربية.(إميل توما - يوميات شعب، ثلاثون عاما على الاتحاد، ص 35).
قام "القسم اليهودي " في الحزب بإعطاء تفسير مستقل ومغاير لموقف الحزب من شعار "الجبهة الشعبية" الذي كان قد تبناه الحزب.. ففي حين كان الحزب يؤكد أن الجبهة الشعبية في ظروف فلسطين الخصوصية، هي في الاساس جبهة تجمع الشيوعيين وأحزاب الحركة الوطنية العربية في النضال ضد الامبريالية والصهيونية، فسر أعضاء "القسم اليهودي"، شعار الجبهة الشعبية، بأنه يعني دعم "المعتدلين" ضد "المتطرفين " (منظمة الارغون )، داخل التجمع الاستيطاني اليهودي.
قامت اللجنة المركزية للحزب في عام 1939 بانتقاد الأسس السياسية التي انتهجها القسم اليهودي داخل التجمع السكاني اليهودي وشجبت محاولته تشكيل جبهة مع بعض المجموعات داخل الحركة الصهيونية. وأكدت أن دور الكادر اليهودي داخل الييشوف، كان يجب أن يقتصر على توضيح، أن مسؤولية اندلاع الثورة العربية، تتحملها الامبريالية والحركة الصهيونية، وأن أعمال الإرهاب داخل الثورة كانت "ظاهرة جانبية". pp 109).(Musa Budeiri: The Palestine Communist Party. (يتبع)