النضال الأممي هو الجواب في الصراع القومي الدامي! (الحلقة 2)


عصام مخول
2014 / 1 / 5 - 10:41     


دراسة: نحو قرن من تجربة الحركة الشيوعية في البلاد
النضال الأممي هو الجواب في الصراع القومي الدامي! (الحلقة 2)

•ثورة القسام 1936، لاقت الدعم السياسي والعسكري من الحزب الشيوعي الفلسطيني ورفاقه اليهود والعرب.. واعتبرها الحزب الشيوعي الفلسطيني ثورة شعبية، ثورة فلاحين وعمال ومثقفين وطنيين، ركزت نارها جوهريا على مواقع الامبريالية البريطانية، وهي ثورة معادية للصهيونية كأداة للامبريالية، لكنها لم تكن احترابا يهوديا – عربيا، بغض النظر عن ظهور انحراف في الحركة القومية العربية حاول أن يجعلها كذلك، في لهاثه وراء خدمة سياسة الامبريالية وخدمة نهجها وسياسة " فرق تسد " لتحييد بريطانيا من الواجهة والمواجهة

*الشيوعيون (اليهود أولا) إلى جانب انتفاضات الفلاحين العرب في مواجهة فظائع الصهيونية*

في إطار الرؤية الأممية الكفاحية المنحازة لنضال العمال والفلاحين العرب، حيّت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في كانون الأول 1932 "المواقف الشجاعة التي وقفها العمال العرب في وادي حنين، وأشادت بقيام العمال العرب بالدفاع عن أنفسهم بالقوة ضد اعتداء المخافر الصهيونية اللئيمة التي تم تشكيلها من عمال يهود... وأشارت الى أنه لا توجد لغة غير لغة القوة، للتعامل مع الانذال الذين يهجمون على خبز العامل.. والشيء الذي كان لا بد ان يحصل قد حصل، فالعامل العربي هبّ للكفاح، من أجل مصالحه الاقتصادية والاجتماعية، اضطر أن يقاوم الهجوم الذي تدبره الهستدروت منذ سنين. وانتهى البيان قائلا: فليسقط الاحتلال الصهيوني والهجرة الفاشستية!، فلتسقط الحكومة الاستعمارية وإرهابها البوليسي! فليسقط الافندية الاقطاعيون الخونة!
"ودعا الحزب الفلاحين العرب في وادي الحوارث، وفي أم خالد وفي الدامون حيث تعرضوا للهجمات، الى الدفاع عن أراضيهم ووجودهم بالقوة، والامتناع عن دفع الضرائب والغرامات والديون، ودعاهم الى احتلال الاراضي الاميرية، وأراضي المستوطنين الصهيونيين، والملاكين العرب، والاتحاد مع عمال المدن، وتشكيل لجان ثورية في القرى لقيادة تحركاتهم ". (ماهر الشريف – الشيوعية والمسألة القومية، ص 77).
وانضم الشيوعيون اليهود والعرب الى المعركة العنيفة القاسية التي خاضها فلاحو العفولة العرب الذين هبوا لمقاومة قوات الانتداب وتراكتورات الحركة الصهيونية التي وصلت لطردهم من ارضهم التي كانوا يفلحونها ويعيشون عليها، بعد أن باعها الاقطاعي سرسق بمن عليها في العام 1924 لمتمول أمريكي، اشتراها لصالح الحركة الصهيونية، وسقط في هذه المواجهة قتيل وجرحى. وأصدر الحزب الشيوعي منشورا جاء فيه: تسقط سياسة الكذب التي تجمع القيادة الصهيونية والحكومة الامبريالية! يسقط احتلال العفولة! يعيش التضامن بين العمال اليهود والعرب! تعيش الحرب الطبقية ضد برجوازيتنا والبرجوازية الاجنبية!
وقد طورد الشيوعيون في أعقاب هذا الموقف وتعرضوا الى حملة اعتداءات وقمع جسدي وحصار اقتصادي تجويعي شرس، وطوردوا وضربوا في أماكن عملهم، وأماكن سكناهم، لمجرد دفاعهم عن فلاحي العفولة وحقهم في فلاحة أرضهم. ("مختارات من شهادات ووثائق حول:"الحركة الشيوعية والييشوف في أرض إسرائيل 1920 -1940"، إصدار الجامعة العبرية.
ولم يكن صدفة في وقت لاحق، ان تلاقي ثورة القسام 1936، الدعم السياسي والعسكري من الحزب الشيوعي الفلسطيني ورفاقه اليهود والعرب.. واعتبرها الحزب الشيوعي الفلسطيني ثورة شعبية، ثورة فلاحين وعمال ومثقفين وطنيين، ركزت نارها جوهريا على مواقع الامبريالية البريطانية، وهي ثورة معادية للصهيونية كأداة للامبريالية، لكنها لم تكن احترابا يهوديا – عربيا، بغض النظر عن ظهور انحراف في الحركة القومية العربية حاول أن يجعلها كذلك، في لهاثه وراء خدمة سياسة الامبريالية وخدمة نهجها وسياسة " فرق تسد " لتحييد بريطانيا من الواجهة والمواجهة.




*الموقف الأممي حاضر منذ البدايات الاولى في رؤية الحزب الشيوعي لمستقبل البلاد*

منذ البدايات، وجد الحزب الشيوعي نفسه أمام تحديات معقدة، وكان عليه أن يصقل برنامجه لمواجهتها. وفي مقدمة هذه التحديات، كيف يربط الحزب المصلحة الحقيقية للعمال في التجمع الاستيطاني اليهودي بالنضال التحرري المناهض للامبريالية والصهيونية الذي تخوضه الحركة الوطنية الفلسطينية وجماهيرها العربية؟ وما هي استراتيجيته لسلخ الفئات العمالية الواعية في التجمع الاستيطاني اليهودي عن الصهيونية ومؤسساتها. وما هو الجواب الديمقراطي الذي يوفره الحزب الشيوعي الفلسطيني، للعمال اليهود ومستقبلهم ومستقبل تجمعهم الاستيطاني؟.
في كانون الثاني 1926 أصدر الحزب الشيوعي الفلسطيني نشرة تحت اسم "حزب الطبقة العاملة"، ضمنها تقريرا عن مواقف ودور أعضاء الحزب في مجلس النواب الصهيوني الثاني (نهاية 1925). وكان الحزب في اطار استراتيجيته للعمل من داخل مؤسسات الييشوف ومحاربتها من الداخل، قد خاض الانتخابات للمجلس تحت اسم "حزب الطبقة العاملة "، بعد أن حرم من استعمال اسمه، بسبب محاربة القوى الصهيونية له عقب طرد "فراكتسيا العمال"( كتلته النقابية) من الهستدروت. وتمكن الشيوعيون من إدخال ستة مندوبين الى مجلس النواب (أسيفات هنفحاريم ). وتشير النشرة الى ان ممثلا للحزب طالب في الجلسة الاولى لمجلس النواب، بحذف جدول الاعمال المقترح بكامله واقترح جدولا آخر يتضمن البحث: "في إقامة جبهة عمالية يهودية – عربية مشتركة ضد النير الاستعماري".
بطرح هذه القضية يقف الحزب على النقيض الكامل مع الاحزاب الصهيونية. فدعوته إلى النضال لانتزاع الاستقلال التام لفلسطين على قاعدة العداء للامبريالية، وفي إطار جبهة عمالية، يهودية – عربية، يحرج الاحزاب الصهيونية ويفضح ارتباطها العضوي بالامبر يالية، ويهدد مشروعها بالفناء.
في رد المندوب الشيوعي على مشروع بن غوريون إعطاء اليهود استقلالا ذاتيا في فلسطين، يرفض بيرمان مشروع بن غوريون جملة وتفصيلا ويقول انه مليء بالتناقضات. ويضيف: "إذا كان بن غوريون يطالب باستقلال إقليمي بحت فإنه يتحتم عليه الاعتراف بأن البلاد يجب أن تكون مستقلة وغير مرتبطة بالاستعمار، لأنه من غير الممكن أن يطالب اليهود بامتيازات يحرم منها العرب وأن نسمي ذلك استقلالا. " ويستنتج بيرمان متوجها الى العمال اليهود قائلا: "مدوا أيديكم إلى إخوتكم الحقيقيين، إلى العامل العربي المضطهد والمظلوم مثلكم. يجب ألا يكون هناك مجلس نواب قومي (يهودي)، بل مجلس عام واحد لجميع البلاد يكون منتخبا من قبل العرب واليهود. والحل الوحيد في هذه الحالة هو استقلال البلاد التام وإقرار دستور ديمقراطي لها.
ويضيف بيرمان:"ليس لكم أن تدحضوا اقتراحنا بادعاء أن مجلس نواب ذا أكثرية عربية سيضطهد حقوقنا كيهود. إن الفلاح العربي والعامل العربي ليسوا لوردات بريطانيين، وليسوا برجوازيين صهيونيين، إن تحالفنا معهم يجعل حقوقنا أكثر صونا مما هي في ظل الحكم القائم الحالي... حتى أولئك العمال الذين لا زالو يعارضون الوحدة مع العمال العرب، عليكم أن تسألوا أنفسكم، ما الذي يربطكم بالطبقات الطفيلية من أبناء شعبكم؟ إن هؤلاء العمال أنفسهم سيعترفون أنهم أقرب ألف مرة إلى الفقراء الجائعين من العرب، منهم الى البرجوازيين اليهود المتخمين الذين يعتاشون على تعب الشعب.إن قضايا الطبقة العاملة مشتركة لجميع العاملين في البلاد عربًا ويهودَ.
وفي إطار طرحه برنامج الحزب للحل في هذه المرحلة من تاريخ فلسطين وتاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني يقول بيرمان: "لم يقصد العمال الذين أرسلوننا الى هنا إعطاء البرجوازية الصهيونية حق تمثيلهم في إجرائها مفاوضات الخنوع مع حكومة الانتداب وفي إعاقتهم قيام حلف الكادحين اليهود والعرب. لذلك فنحن لن نشترك في انتخابات اللجنة القومية ونقترح بدلها انتخاب لجنة أخرى تكون مهمتها الوحيدة التفاوض مع الممثلين العرب بهدف التحضير لمؤتمر تأسيسي قطري."
وأضاف: "من الممكن ضمان الحقوق المدنية لليهود، فقط في حالة إيجاد الشروط الاساسية لوجود الديمقراطية في فلسطين، وهذه الشروط هي انهاء الانتداب وجلاء جيش الاحتلال، والدعوه لعقد مؤتمر تأسيسي ديمقراطي وقطري يمثل الجماهير الكادحة ويكون باستطاعته ضمان الحقوق الكاملة لجميع مواطني هذه البلاد. وفي بند آخر يقول: "من الممكن تحقيق ذلك عن طريق كفاح منظم تقوم به جماهير الكادحين في البلاد في إطار جبهة عربية يهودية مشتركة، وذلك بالتحالف مع القوى الثورية في العالم كافة ". (سليمان بشير- المشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية 1918- 1928، ص 156- 157 )
ان هذا الطرح أممي مناهض للامبريالية ومعادٍ للصهيونية مطبوع بمفاهيم الحزب الشيوعي. (يتبع)