سرير بروكست الستاليني!..تأملات سياسية في تحنيط الافكار!(6-6)


ماجد الشمري
2014 / 1 / 4 - 16:25     

ليس من مجال للشك في امكانية تحويل مفهوم"الثقافة"لدى لينين الى جانب ثانوي وهامشي،وتابع من توابع السلطة السياسية.فالثقافة بالنسبة الى لينين،تشير بصورة رئيسية،ليس فقط الى القدرة التكنيكية على العمل،بل وايضا الى القدرة على تعلم كيفية القيام بالعمل،وفي الوقت نفسه،وهي بذلك تفترض مسبقا-الثقافة-،وجود تصميم دائم على قيام المرء بتجاوز نفسه والتفوق عليها،بتجاوز حدوده والتغلب عليها،دون الاخلاد للراحة،عبر الرضى عن الذات،والقناعة بما هو كائن وموجود.فالمعرفة الخاضعة للممارسة العملية والتابعة لها،غير قادرة على القيادة،على قيادة هذه الممارسة العملية،وبسبب كون المعرفة ملزمة بخدمة الممارسة العملية بالضبط،فانها تحتاج الى افق اوسع من ذلك الذي يتحدد بالاهداف المباشرة لهذا العمل المحدد او ذاك،ونظرا لاستحالة المعرفة المسبقة بما يلزم فعله في موقف معين،فانه من الضروري دوما تعلم المزيد،ونتعلم اكثر مما تطلبه تعرجات الممارسة العملية ومطباتها.لقد سبق وان اكد لينين في"الشيوعية اليسارية"على كيفية توظيف هذه الميزة البنيوية لل"الثقافة"لخدمة الضرورة العملية لسياسته الثورية:"اننالانعرف ولانستطيع ان نعرف تلك الشرارة،من بين العديد من الشرارات التطايرة حولنا في كل البلدان نتيجة للازمة الاقتصادية والسياسية العالمية،التي ستشعل الحريق،بمعنى استنهاض الجماهير،وعلينا لذلك،بمبادئنا الجديدة والشيوعية،ان نعمل على تحريك كل شيء حتى القديمة جدا،وكل الاجواء حتى تلك التي تبدو لاامل فيها،والا فلن نستطيع ان نكون جديرين بمهماتنا،ولن نكون مستعدين استعدادا شاملا،ولن نكون ممتلكين لكل الاسلحة،ولن نعد انفسنا لابكسب النصر ضد البرجوازية(التي نظمت كل نواحي الحياة وعادت لتنسف ترتيبها بطريقتها البرجوازية)ولالتحقيق اعادة التنظيم الشيوعي لكل مجالات الحياة،اثر ذلك النصر"...ومثل هذا المفهوم لل"الثقافة" يأبى القبول بالضرورة الخالدة لتقسيم العمل(كما سبق لماركس ان اكد في ملاحظة هامشية له في"رأس المال" حول التعريف الهيجيلي"الهرطقي"-بوصف ماركس-يقول ماركس في تلك الملاحظة:"كان هيجل يحمل اراء بالغة الهرطقة حول تقسيم العمل فهو يقول في"فلسفة الحق":"عندما نقول المثقفين فنحن نعني اولئك الذين يستطيعون ان يفعلوا ما يفعله الاخرون".وهكذا فانه من المفترض،بالنسبة الى لينين ان يكون الامر محسوما مع الاضمحلال الكامل والمتوقع للدولة-هذا الامر الذي يعتبر هذه الايام ومرة اخرى لدى الكثير احد اكثر الجوانب"خيالية"في عمله النظري-.ومن الطبيعي ان يكون ستالين قد وضع شروطه ليتحرر من هذه الاعباء الطوباوية،وليستعيد الاراء الايديولوجية الاكثر قربا من الحس السليم،وبالتالي الاكثر برغماتية وجدوى بالنسبة للممارسة السياسية التي لاتتطلب الا اشكالا وصيغا ثانوية وتابعة من الثقافة.فمن خلال قيامه بتشيد بنيان"اللينينية"كمثال نظري نموذجي ووحيد،نجح ستالين في وقف اي تطوير او تجديد للتجربة الثورية البالغة الفرادة،والمتضمنة في عمل لينين النظري خلال نصف قرن من الزمن والتي استمرت ذيولها وتبعاتها حتى الانهيار الاخير الذي بدأمباشرة بعد وفاة لينين1924وحكم الثالوث وانفراد ستالين بالسلطة وتصفيته لاغلب اعضاء اللجنة المركزية والمتكب السياسي!.هذه التجربة تتطلب وتستدعي طبعا توسيعا دائما ومراجعة نقدية،من ذلك النوع الذي كان لينين ميالا منهجيا لقبوله وتبنيه في كل مراحل تنظيره ونضاله السياسي.اما ان ندير ظهرنا لتلك التجربة،وكما لو كانت عاجزة عن ان تعلمنا شيئا وتمدنا بالدروس،فهذا سيقودنا حتما،ولو ضد رغبتنا،الى تقديم الطاعة والخنوع للستالينية التي حرصت ودأبت على ابعاد كل ماليس او ما يمكن ان يكون ممنهجا ومصبوبا في قوالب من فكر لينين.ان ذلك سيحكمنا بان نبقى اسرى عملية ايديولوجية هي جزء لايتجزأ من ارث ثقيل جاثم كالصخر،ومن الصعب ازالته والتخلص منه...لم يكن ماركس ماركسيا،وكذلك لم يكن لينين لينينيا-بالمعنى العقائدي المستقيم والجامد!-ولكن ستالين،جعل من منهج ماركس المادي التاريخي،دوغما مكفهرة قاتمة وخانقة ولاتطاق،وجعل من افكار لينين الحيوية والملموسة لواقع ملموس،صنع منها سريرا بروكوستيا"اللينينية"وبقياسات من حجمه الخاص،كارثوذوكسية اشد تزمتا من الاصوليات الدينية!ليكون هو لاغيره الوصي الوحيد والحارس الامين على تنفيذ التعاليم كحبر اعظم يستمد وحيا ماورائيا!!فلم يكتفي بتحنيط جثمان لينين-الذي كان ليثير الغضب لدى لينين لهذا الفعل المقزز!!-وتحويله الى ايقونة مقدسة!1بل وحنط ايضا افكاره بخرافة"اللينينية"الكلية القداسة!!وليكون هو فقط دون منازع،كاهن المعبد الوحيد!!!.....................
..............................................................................
وعلى الاخاء نلتقي.....