سرير بروكست الستاليني!..تأملات سياسية في تحنيط الافكار!(5-6)


ماجد الشمري
2013 / 12 / 30 - 16:41     

ان المواقف المختلفة لكل من لينين وستالين ازاء عبادة الفرد(الشخصية)و(او)الحزب،تعبر بوضوح عن هوة التناقض المنهجي بينهما.الا اننا سنذهب الى ابعد من حدود ذلك الحدث الذي ذكرناه سابقا،حتى نصبح في قلب القضية العامة المثارة بالفعل،للبحث عن جذور الستالينية.ان احد سمات مجموع نظام لينين الثابتة في المنهج والطريقة وابرزها،هي:الحاحه وحيويته في طرح الصعوبات التي لابد من التغلب عليها،وقد تأكدت هذه السمات بمزيد من القوة في المراحل الاخيرة من عمل لينين النظري ونضاله السياسي.ولكن كيف ينبغي تناول مثل هذه الصعوبات ومعالجتها؟.وهل هناك منهجا يمكنه ان يكون ناجحا وفعالا؟.بالنسبة لستالين،فان هذا المنهج موجود،وقد تمسك به بثبات خلال عمله السياسي كله من البداية الى النهاية.هذا المنهج هو:منهج الواقعية السياسية القديم قدم التاريخ،والذي تمتد جذوره الى ماهو ابعد من ذلك بكثير،لتصل الى المبدأ القائل،بأن:السياسة هي القوة..وقد يبدو من النظرة الاولى،لم يفعل اكثر من مجرد المبالغة في استعمال هذا المبدأ،مما افقده الكثير!(وهنا نتذكر نصامن"الشيوعية اليسارية":"ان ضمن الطرق للاساءة الى وتحطيم اي رأي سياسي جديد(ليس السياسي وحده)هي بتحويله الى التسطيح والابتذال بحجة الدفاع عنه.لان اي حقيقة اذا "بولغ"بها..او جعلت تتعدى حدود امكانيات تطبيقها على الواقع،يمكنها ان تغدو مبتذلة،بل وتكون محكومة لان تغدو كذلك في ظل مثل هذه الشروط"-هذا النص استبعده ستالين من الطبعة الرابعة للمؤلفات الكاملة للينين!!-.في التركيز على مفهوم كان ايضا سمة مميزة للينين،ولكن ليس هذا كل مافي الامر،فمن جهة رأى لينين فعلا:ان السياسة،وبصورة رئيسية،مسألة قوة او سلطة،ومن جهة اخرى،اعترف ستالين ايضا،ان السلطة ليست قضية قوة فقط،بل ومسألة قدرة وقوة احتمال وثبات وكفاءة وانضباط-اي مسألة تنظيم الارادة باختصار-.فقد كان ستالين سباقا في اللينينية وسباقا في الماركسية،لانه لم يرى شيئا خارج الارادة،وهكذا فهم اولوية السياسة على انها اولوية الارادة السياسية،وكل شيء هو مظهر من مظاهر الارادة كما رأى،وبالتالي فان كل شيء عليه ان يوظف في خدمة عملية تنظيم تلك الارادة السياسية..فحتى النظرية السياسية،بوصفها اداة تابعة للممارسة العملية وللارادة السياسية،كان عليها ان تخدم متطلباتها،وان تتكيف وفق مهماتها الشاملة،وفي خدمة هذا النوع من السياسة،فان للنظرية ان تتغاضى عن الصعوبات التي تعجز الممارسة السياسية عن التغلب عليها!.فاذا تبين ان العقبات التي تقف في طريق التحويل الاشتراكي للمجتمع عقبات عصية،ولايمكن التغلب عليها،وعلى سبيل المثال:فلم لانستنجد بنظرية تقول،بأن:ماهو قائم وماتم تحقيقه هو نفسه الاشتراكية؟؟!!!.فما ان تتوفر السلطة الكفيلة بمنع نقض هذه النظرية،حتى تصبح هي الحقيقة،وغير القابلة للدحض او النقض!!!.من السهل جدا رؤية التخريجات التي قادت اليها،غير انه علينا ان لانتغاضى عن حقيقة ساطعة،وهي:ان نفس المنطق التقليدي ماقبل الماركسي وماقبل اللينيني الذي ادى الى مثل هذه التخريجات المتحذلقة،وجعل من تبريرها وترسيخها واخفاءها ممكنين طوال هذه الفترة المديدة،وفي حالةعدم التعرف على الاصل،فقد تظهر عمليات مشابهة بصورة تلقائية(دون وعي بها)او قد تصبح خالدة ودائمة ومتخفية في صيغ اخرى،والاشكالية هي:ان اي نقد للستالينية يبقى بعيد المنال،اذا ماتم انقاذ"اللينينية"المفبركة بقالب بارد!،او"حرر المرء نفسه"من نظام لينين ومنهجه،بنسخة ستالين!فهل نستطيع ابراز التعارض بين البنية المنطقية للستالينية من جهة، وبين تلك التي نجدها عند لينين؟!.لنتتبع احد نصوص لينين،وهو تقريره الى المؤتمر الحادي عشر للحزب(اذار-1922)فليس من الصعب تعقب الخيط الرئيسي او العمود الفقري للتقرير،يقول لينين في تقريره:"لاتكمن المسألة في تولي السلطة السياسية،بل في القدرة على الادارة".هذه الصياغة بالغة الوضوح في التمييز بين القيادة من جهة،والسيطرة/الحكم من جهة ثانية.وهذ ايضا هو التمييز الذي استخدمه غرامشي في مابعد لتطوير نظرية الهيمنة لديه،وسيكون من باب التبسيط الشديد للامور.ان نضع ذلك مقابل مفهوم ستالين الذي ظل يكرره دون تردد في"مسائل اللينينية":"ان المسألة كلها في الحفاظ على السلطة وتعزيزها،وجعلها غير قابلة لان تهزم"!.بينما نجد لينين يقول:"اين تكمن قوتنا؟وما الذي نحتاج اليه؟اننا نمتلك قدرا كافيا من السلطة السياسية..السلطة الاقتصادية الرئيسية هي بين ايدينا..فما الذي نحتاج اليه اذن؟من الواضح ان الذي نحتاجه هو:الثقافة".ان ماهو اكثر اهمية هو:جلاء المضامين النظرية بعيدة المدى لهذين الموقفين.اننا امام مفهومين مختلفين من المفاهيم السياسية:فالسياسة بالنسبة الى لينين،ليست قوة وسلطة وتنظيما للارادة فقط،بل هي شيئا اخر مضاف لكل هذا وهو:"الثقافة".ففي التقرير الذي قدمه لينين الى المؤتمر الحادي عشر للحزب،تم تحديد ذلك "الشيء الاخر"بكلمة بسيطة جدا،ولو كان يكتنفها الغموض بعض الشيء!هي:"الثقافة".وفي هذه النقطة لابد من التعمق بالمسألة كلها:ليس فقط لاقتناص ماقصده لينين بدقة من كلمة"ثقافة"،بل ولجلاء العلاقة بين هذين العنصرين اللذان يكونان سياسة لينين،ومدى امكانية فصل احدهما عن الاخر،وجعلها يستقلان عن بعضهما.من الواضح ان لينين لم يسع الى جعل انوذج معين،او علاقة ثابتة بين الناحيتين،استنادا لقاعدة نموذجية ما،وهنا ايضا فان فكره لم يتطور تطورا منهجيا بصورة كاملة،بل سار من الحاجات السياسية الملحة،الى مقترحات عملية للممارسة،وهو في كل الاحوال،اعتمد على بنيان مفهومي ليس فقط غير متطابق،بل ومتناقض مع الارادوية الستالينية،وبكثير من الالحاح(كما لاحظ هو نفسه،يصل لحدود الكابوس!،مثلما قال في كتاباته الاخيرة).فلينين يعود للتركيز على ضورة تطوير العنصر الثقافي،ويبدو كما لو احس بانه تأخر كثيرا،وكما لو كان من الضروري التعويض تقريبا عن المبالغة في الالحاح على لحظة السياسة كسلطة.هذه المبالغة التي لجأاليها في الماضي،انطلاقا من الحاجة لاستثارة الطاقات الثورية،غير ان ذلك سيكون اسلوبا خاطئا في طرح المسألة:فلينين لايبدو ان تساءل لمرة واحدة حول،ما اذا كانت المبالغة في السلطة السياسية،يمكنها ان تصبح عقبة في طريق اتساع العنصر الثقافي!،فقد كان مقتنعا على كل حال،بان مثل ذلك الاتساع كان حاسما ليس فقط من اجل الدفاع عن سلطة الطبقة العاملة(والتي بدونه ستبقى معلقة في الهواء)بل وفي سبيل التحويل الاشتراكي للمجتمع بالذات.وفي الشهور الاخيرة من حياته الواعية،ادرك لينين:ان عددا من الاخطاء قد ارتكبت في هذا المجال!ولشعوره بالمسؤولية الشخصية،اقترح معالجة"مسألة ستالين"بحزم-ولانقصد فقط تلك المحاولة البائسة التي تضمنها"وصية لينين"المفترضة.بل الى سلسلة المناقشات الواردة في الرسائل والمقالات والكتابات النقدية التي املاها لينين خلال فترة مرضه الاخير.-ومن المؤسف انه لم يستطع لاان يصحح الاخطاء في حينها،ولا ان يتعمق في القضايا النظرية التي اثارها تحليل تلك التجربة،وخسر معركته الاخيرة،وانهزمت النزاهة والحس النقدي امام عجرفة وفظاظة ستالين!!!!......
................................................................
يتبع الاخير...
وعلى الاخاء نلتقي....