دحض ما يسمى ب - دولة كل الشعب


مريم نجمه
2005 / 6 / 15 - 12:38     

لا بد لنا من العودة إلى الماضي .., ليس لتقديسه أو إجتراره بل لأخذ العبر منه ,الإيجابي ونطوره .. وننبذ السلبي , و لنجعل هذا الماضي يخدم الحاضر والمستقبل .
وفي سبيل توعية الأجيال الجديدة التي لم تعش تلك المراحل , ولم تخض المعارك السياسية ... نكتب .

لأجل تقييم التجارب الثورية في العالم , وأسباب توقفها أو سقوطها أو تحولها إلى إتجاهات مغايرة

هل هي النظرية بعمقها .. , وجوهرها , وشموليتها , ونهجها ... ؟ أم هم القادة والأشخاص ( الحزب والدولة ) الذين انحرفوا عنها وخانوها أو جمّدوها .... ؟
لأجل ذلك نكتب ..

من أهم الإنحرافات التي تمت في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية .. أولا : طرح ( مقولة ) دولة كل الشعب . - وبهذا الطرح اعتبر الصراع الطبقي قد انتهى داخل الدولة والحزب في النظام الإشتراكي .
لذلك ضمّ الحزب الشيوعي البيروقراطية البرجوازية , إلى جانب الطبقة العاملة أرباب العمل والعمال , في حزب واحد بعد تحول النظام الإشتراكي إلى رأسمالية الدولة , وغياب قيادة الطبقة العاملة .
ثانيا :
التخلي عن دعم حركات التحرر الوطني , وثورات الشعوب في العالم , تحت شعار : ( التعايش السلمي ) مع الإمبريالية العالمية والسلم العالمي المزعوم .
هذه النظرية التحريفية أخذت بالإتساع بعد سقوط الإتحاد السوفييتي حتى وصلت في عصرنا الحالي إلى التخلي عن الماركسية والسقوط في مستنقع الليبرالية الحديثة .. إوإلى تخلي الكثير من الشخصيات وأحزاب شيوعية عن الماركسية بنسب مختلفة .

إن كل من له إلمام بأبجديات الماركسية اللينينية يعرف أن مفهوم الدولة هو مفهوم طبقي .
وقد أوضح لينين أن ( الصفة المميزة للدولة هي وجود طبقة منفصلة من الناس تكون السلطة مركزة في أياديها )) - لينين - المحتوى الإقتصادي للغارودية . - .إن الدولة هي سلاح للصراع الطبقي , وجهاز تضطهد بواسطته طبقة واحدة طبقة أخرى . كل دولة هي ديكتاتورية طبقة معينة . وطالما ظلّت الدولة باقية لا يمكن أن تكون فوق الطبقات أو تنتمي إلى كل الشعب .
إن الطبقة العاملة وحزبها السياسي لم يحدث أبدا أن أخفيا اّراءهما . وهما يعلنان بالتحديد أن الغرض المعلوم من الثورة الإشتراكية البروليتارية هو الإطاحة بحكم البرجوازية وتأسيس سلطة الطبقة العاملة . وبعد إنتصار الثورة الإشتراكية لابد للطبقة العاملة وحزبها من السعي بلا كلل لأداء المهام التاريخية لتمتين سلطتها . لإستئصال الطبقات والفوارق الطبقية وتمكين الدولة من التلاشي شيئا فشيئا .
إن البرجوازية وأحزابها وحدهما هما اللتان تحاولان بكل السبل الممكنة ستر وتغطية الطبيعة الطبقية لسلطة الدولة بغرض خداع الجماهير , وتصفان جهاز الدولة الذي تحت سيطرتهما بأنه جهاز (كل الشعب ) وأنه (( فوق الطبقات )) .
لقد قدّم ماركس في مؤلفه : نقد برنامج غوتا )) المبدأ الشهير القائل بأن سلطة الطبقة العاملة هي دولة فترة الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية . . وقد قدّم لينين تفسيرا واضحا لهذا المبدأ حين قال : "" كتب ماركس في نقده لبرنامج غوتا : " تقع بين المجتمعين الرأسمالي والشيوعي فترة التحوّل الثوري من الأول إلى الثاني . وتقابل هذا أيضا فترة إنتقال سياسي لا تكون فيها الدولة سوى ديكتاتورية البروليتارية الثورية "" . أن هذا المبدأ لم ينازع حتى الاّن تقريبا من قبل الإشتراكيين , ومع ذلك يتضمّن الإعتراف بوجود - الدولة - حتى الوقت الذي تكون فيه الإشتراكية الظافرة قد نمت وأصبحت شيوعية تامة . "" لينين - حول تلخيص مناقشة مسألة تقرير المصير - .
وقال لينين بالإضافة إلى ذلك : " إن جوهر تعاليم ماركس حول الدولة قد تملكه فقط من فهموا أن ديكتاتورية طبقة - واحدة - ضرورية لا لكل مجتمع طبقي عموما , لا - للبروليتاريا - التي أطاحت بالبرجوازية وحسب , بل ضرورية أيضا طوال ( الفترة التاريخية ) التي تفصل الرأسمالية عن "" المجتمع اللاطبقي "" , عن الشيوعية "" . - لينين : - الدولة والثورة -
من الواضح تمام الوضوح أن الفترة التاريخية التي ذكرها ماركس ولينين والتي توجد فيها دولة سلطة الطبقة العاملة ليست هي مجرّد فترة الإنتقال من الرأسمالية إلى المرحلة الأولى من الشيوعية , كما ادعت التحريفية أيام خروتشوف - بل هي فترة الإنتقال من الرأسمالية إلى "" الشيوعية التامة "" , إلى الوقت الذي تكون فيه جميع الفوارق الطبقية قد قضي عليها , وتم فيه تحقيق ( المجتمع اللاطبقي ) , أي إلى المرحلة العليا من الشيوعية .
ويتضح بنفس القدر أن الدولة في مرحلة الإنتقال , التي أشار إليها ماركس ولينين تكون هي ديكتاتورية البروليتارية ولا شئ عداها .

إن سلطة الطبقة العاملة.. هي شكل الدولة , خلال فترة الإنتقال بأكملها .. من الرأسمالية إلى المرحلة العليا من الشيوعية , وأيضا هي اّخر شكل للدولة في التاريخ الإنساني . وهذا يعني أن تلاشي سلطة الطبقة العاملة هو تلاشي الدولة . قال لينين : " لقد استنتج ماركس من كل تاريخ الإشتراكية والصراع السياسي , أن الدولة لا بد أن تختفي , وأن الشكل الإنتقالي لإختفائها ( الإنتقال من دولة إلى لا دولة ) سيكون هو " " الطبقة العاملة المنظمة في شكل الطبقة الحاكمة "" . -
ومن الناحية التاريخية .. , قد تتخذ سلطة الطبقة العاملة عدة أشكال تختلف باختلاف كل بلد عن الاّخر , وباختلاف فترة عن أخرى , إلا أنها تبقى في الجوهر كما هي . قال لينين : "" إن الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا يمكن إلا أن يجلب أنواعا كافية , ومختلفة من الأشكال السياسية , إلا أن الجوهر لا بد أن يكون واحدا هو ديكتاتورية البروليتارية .أي سلطة الطبقة العاملة - برنامج لبناء الشيوعية - .. مقال بقلم هيئة تحرير " البرافدا " 18 اّب أغسطس 1961 .

قال لينين في مؤلفه : ( رأي الماركسية حول الدولة ) .. تفسيرا رائعا "" إن سلطة الطبقة العاملة هي "" فترة إنتقال سياسية "" .. ولكن ماركس نفسه أردف يتحدّث عن " نظام الدولة المقبل في المجتمع الشيوعي "!"" !! وهكذا ستكون هناك دولة حتى في " المجتمع الشيوعي "" !! أليس من تناقض في هذا ؟ أجاب لينين قائلا " كلا " ! ثم سرد المراحل الثلاث التي تبرز أثناء التطور من الدولة الرجوازية حتى تلاشي الدولة والتي هي :
المرحلة الأولى :
في المجتمع الرأسمالي تحتاج البرجوازية إلى الدولة , أي تحتاج إلى الدولة البرجوازية .
المرحلة الثانية :
في مرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية .. , تحتاج الطبقة العاملة إلى الدولة , أي تحتاج إلى دولة سلطة العمال ( ديكتاتورية البروليتاريا )
المرحلة الثالثة :
في المجتمع الشيوعي , لا حاجة إلى الدولة , إنها تتلاشى وتختفي .

* *
إن الماركسية اللينينية تعلمنا بأن الديمقراطية .. وهي شكل من أشكال الدولة .. هي مثل الديكتاتورية أي ( السلطة ) - مفهوم طبقي . وكل ديمقراطية لا بد أن تكون ديمقراطية طبقية , ولا يمكن أن تكون هناك ( ديمقراطية لكل الشعب ) .
قال لينين : "" الديمقراطية للأغلبية الساحقة من الشعب , والكبت بالقوة على من يستغلون ويكبتون الشعب أي حرمانهم من الديمقراطية - هذا هو التغيّر الذي تمر به الديمقراطية خلال ( الإنتقال ) من الرأسمالية إلى الشيوعية . "" -لينين , الدولة والثورة - .
فبدون سلطة الطبقة العاملة لا يمكن وجود ديمقراطية حقيقية للجماهير الكادحة .
حيثما توجد ديمقراطية برجوازية لا توجد ديمقراطية للطبقة العاملة وجميع الكادحين ,. وحيثما توجد ديمقراطية للطبقة العاملة لا توجد ديمقراطية برجوازية . . أن وجود إحداهما يقضي على الأخرى . أن هذا لا مفر منه ولا يسمح بأدنى قدر من المساومة . وكلما تم القضاء قضاء تاما على الديمقراطية البرجوازية فتح المجال لتوسيع ديمقراطية الطبقة العاملة وكل طبقات الشعب الكادحة المستغلة . وكل بلد .. يحدث فيه هذا هو في نظر البرجوازيين أو الإمبريالية العالمية هو بلد تنعدم في الديمقراطية ......!!!
ولكن هذا في الحقيقة .. تطوير للديمقراطية الحقيقية ديمقراطية الأكثرية الساحقة والمسحوقة .. , وتضييق واستئصال للديمقراطية البرجوازية .
وهذا ما أغفله - ستالين - حيث وطد المركزية ,والبناء الإداري , على حساب الديمقراطية الإشتراكية .
ولكن - خروتشوف - وخطه التحريفي كان يعارض هذا الإستنتاج الأساسي الماركسي اللينيني . والذي اعتقد أنه طالما ظل الأعداء معرضين لسلطة الطبقة العاملة , لا توجد ديمقراطية . وإن السبيل الوحيد لتطويرها هي إزالة السلطة العمالية )المفروضة على الأعداء ورفع الكبت عنهم وتطبيق .. (( ديمقراطية كل الشعب )) .

قال لينين في نقده لكاوتسكي : " إن الديمقراطية الخالصة "" ليست عبارة غبية تكشف عن عدم فهم الصراع الطبقي وطبيعة الدولة وحسب , بل هي عبارة جوفاء تماما , ذلك أنه بالرغم من أن الديمقراطية سوف تتلاشى في المجتمع الشيوعي أثناء تحولها إلى عادة . إلا أنها سوف لا تصبح أبدا ديمقراطية "" خالصة "" . ))لينين - الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي "" .
وأضاف موضحا أيضا : " إن "" سير "" الديالكتيك المتطور هو كما يلي : من الحكم المطلق إلى الديمقراطية البرجوازية , - ومن الديمقراطية البرجوازية إلى الديمقراطية البروليتارية , - ومن الديمقراطية البروليتارية إلى لا نوع من الديمقراطية . ""- لينين : ( رأي الماركسية حول الدولة ) .
ومعنى هذا أن ديمقراطية الطبقة العاملة سوف تتلاشى مع تلاشي الطبقات , وتلاشي واختفاء سلطة الطبقة العاملة في المرحلة العليا من الشيوعية .