رأسماليةٌ واقتصادٌ حكومي، كيف؟


عبدالله خليفة
2013 / 12 / 27 - 09:54     

رأسماليةٌ وحكوميةٌ كيف تحدث هذه الصيغة العبقرية العجيبة في الواقع والتاريخ الشرقي؟
الرأسماليةُ مبدأُ الحرية الفردية والنتاج الشخصي والمسئولية الذاتية والمؤسسة المُراقبَّة والمُدارة من قبل مصلحة خاصة تُعني فيها بكلِ قطعةِ نقدٍ وربما لا تُعني بكل يد، وتجعلها مرهونةً بالسوق وإنتاج الارباح فإذا خسرت تُباع وإذا فشلت تُصحح!
ولكن الاقتصادية الحكومية مختلفة تمام الإختلاف!
ليست ثمة حريات فردية كاملة، فالحكومةُ المسئولةُ عن العيش والنقد والأرض والسلع تتداخل في أماكن كثيرة حسب النظام الشرقي، فإذا كان (شيوعياً) فهو كامل التحكم في الوجود البشري الخاضع من الرغيف حتى المصنع، ومن ولادة الطفل حتى وفاته، ومن تكون السلعة في بطن المصنع حتى ضجيجها في السوق.
وإذا كان الاقتصاد حكومياً واسعاً فللخواص والتجار بعض الحريات الاقتصادية ولكن الشبكة الاقتصادية الواسعة بيد الحكومات، فالاقتصادُ هنا ضائعُ الملامح، فاقدُ الشخصية، لا هو رأسمالي له قوانين بُنية اقتصادية رأسمالية واضحة ذات قوانين متماسكة سياسية ليبرالية وقوانين اقتصادية تصرخ دعه يعمل دعه يمر! فاذا بارتْ السلعُ وانهارت الأسعارُ له آليةُ تصحيحٍ رغم إلقاء بعض السلع في البحر وحرق أخرى وطرد العمال من المصانع لأن ثمة أشكال عديدة من الضمانات فيزداد الاقتصاد بعدها في تطوراته متجهاً لأزمات أخرى وحلول كامنة فيه!
لكن الاقتصاد الذي ليس شيوعياً فينضبط كاملاً بشكل عسكري، ولا هو إقتصاد حر له قوانين تضبطه عبر الحريات نفسها والمسئوليات الاجتماعية المختلفة، ماذا يكون وماذا يحدث له؟
الرأسمالية هي تراكمٌ مالي بقصدِ إنتاجِ الثروة بشكل شخصي، وإذا غدا الاقتصاد العام الحكومي رأسمالياً فإن المصالح الاقتصادية تتمركز بالضرورة في جماعة هي بمثابة فرد رمزي، فتتراكم الأرباحُ والثروات في جهة وتتآكل من الجهات الأخرى حتى تحدث الأزمة الاقتصادية السياسية.
لهذا فإننا نرى الدول العربية الاشتراكية كيف تفلس على مدى بضعة عقود قليلة، وهنا تغدو الجماعة الرمز المالكة قوى عسكرية وربما كانت دينية أو حزبية وغيرها كثير في العالم الثالث، لكنها ليست شيوعية فتجعل الاقتصاد كله رأسمالية واحدةً مملوكة للدولة، وتحقق على الأقل بنية اقتصادية متقدمة، بل نراها عاجزة متخلفة وتنهار اقتصادياً وسياسياً وتفتح المجال للثورات وسرقة الثروات!
فلا أحد يعرف من يملك الكثير من المزارع والأراضي التي يستولي عليها كبارُ الموظفين. تقوم قوانين السياسة بلجم قوانين الاقتصاد، وتتعمق هذه الآلية حتى تجف الضروع، وكما قال عمرُ بن عبدالعزيز: يجف النهرُ الأصلي وتزدهرُ السواقي!
وثمة مناطق فيها حرية تجارة وتسمى مفتوحة وثمة مناطق تهيمنُّ عليها الدولة، والأسعارُ والأجورُ متباينةٌ متضاربة عبر مناطق.
ومن أشكال هذا التضارب ما نراه في الاقتصاديات الخليجية من عمالة مهاجرة ذات أجور متدنية، وعمالة محلية مختلفة الأجور في القطاع العام في حين يغدو عمال القطاع الخاص في نفس ظروف العمال المهاجرين وتتضارب الأسعار بسبب إختلاف البنى الاقتصادية!
لكن أسوأ جانب في الرأسماليات العامة الخاصة الفاقدة للشخصية هو غياب آلة التصحيح، فالسوق غير قادر على ذلك، وهو في الاقتصاديات الرأسماليات العريقة يفقد صوابه، فكيف في بُنى إقتصادية وسياسية مفككة؟
من أهم أسباب الاضطرابات العربية هو غياب بُنى التصحيح فحتى الإدارات (الشيوعية) في الأنظمة المكتملة السيطرة كانت تملك قدرةً على الضبط الاقتصادي السياسي لعقود لكنها فقدتها لكونها هي الأخرى في العمق مضطربة بين الرأسمالية والاشتراكية، ولكونها شكلٌ انتقالي رأسمالي قومي فرضتْ فيه مقولات السياسة على مقولات الاقتصاد لكن مقولات الاقتصاد ثارتْ وثأرت لنفسِها ودمرتْ الشكلَ البيروقراطي الحكومي.
لكن الأنظمةَ الاشتراكية والحكومية العربية لا تملك حتى مثل هذا الضبط الذي هيمنتْ فيه الأنظمةُ الشيوعية على جماهير كبرى بفضل الشبكة الهائلة من المصانع المؤممة، في حين تبقي أقسامٌ كبيرة من الاقتصاديات العربية خارج السيطرة والضبط والتخطيط!
رأسمالية وحكومية إلى متى؟