لأجل مستقبل بلا حروب


عصام مخول
2013 / 12 / 21 - 08:32     


•الحكومة الإسرائيلية تعمل على شقلبة جدول الأعمال السياسي في المنطقة، تدفع بالموضوع الإيراني إلى المقدمة، على حساب مركزية القضية الفلسطينية والحل السياسي السلمي. وهي بذلك تدفع بمسائل جوهرية مثل التنكر للحقوق القومية للشعب الفلسطيني، وفظائع الاحتلال الإسرائيلي، والتمدد الاستيطاني وحصار غزة، إلى مؤخرة جدول الأعمال


•إن المعادلة الإسرائيلية يجب أن تقلب رأسا على عقب: ليس السلام الشامل في المنطقة هو الشرط المسبق لنزع الأسلحة النووية من المنطقة، وإنما على العكس، فإن نزع الأسلحة النووية ووقف جميع مشاريع تطويرها في المنطقة، بما في ذلك في إسرائيل وإيران، يجب أن يكون جزءا أساسيا من الحل السلمي في المنطقة.




ينعقد مؤتمر حيفا الدولي من أجل منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في وضع دولي بالغ الأهمية وشرق أوسط شديد الحساسية. ويأتي هذا المؤتمر الأول من نوعه في إسرائيل في التوقيت الصحيح. وفي المكان الصحيح، ويدور حول القضية الصحيحة والأكثر إلحاحا وتأثيرا على مستقبل شعوب منطقتنا.
وصادف أن تلازم انعقاد المؤتمر مع توقيع الاتفاق التاريخي مؤخرا في جنيف بين إيران والدول الست ذات النفوذ عالميا بشأن المشروع النووي الإيراني. كما أن انعقاد المؤتمر يأتي بعد أشهر قليلة من الاتفاق بشأن التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية،، وهي الاتفاقية التي جرى التوصل إليها في الأمم المتحدة في إطار عملية دبلوماسية وضعت حدا لمخططات الحرب العدوانية الأمريكية على سوريا.
نحن لم نخطط مسبقا لانعقاد المؤتمر في تزامن مع توقيع هاتين الاتفاقيتين الدوليتين الهامتين، ولكن هذا التلازم يعطي زخما هائلا لانعقاد مؤتمر حيفا الدولي، ويسلط الضوء على صدقية الدعوة التي تنطلق من هذا المؤتمر التاريخي وواقعيتها: " إن أمن الناس في إسرائيل، لن يتحقق من خلال التهديد بحروب كارثية، وإنما يمكن أن يتحقق فقط من خلال إنجاز حل سياسي في إطار منطقة خالية من السلاح النووي، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.
إن رياحا جديدة تهب من جنيف، هي نفسها الرياح التي هبت من الاتفاق مع سوريا حول التخلص من ترسانتها الكيماوية، وهي رياح جديدة تهب على شعوب العالم كله في أيامنا، تتطلب من جميع الأطراف التجاوب مع الدعوة الى انعقاد مؤتمر هلسنكي من أجل منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط. إن مؤتمر حيفا الدولي يهدف إلى نقل رسالة إلى الجمهور في إسرائيل، تؤكد أن الأمن والسلام والازدهار، لن يتأتى من الحروب الكارثية التي يروج لها رئيس حكومتهم، ولا بالاستناد إلى مئات الرؤوس النووية التي تمتلكها إسرائيل، ولا اعتمادا على الغواصات النووية التي تصنعها لها ألمانيا، ولا توفره صواريخ كروز النووية المصنعة في الولايات المتحدة، ولا يضمنه المفاعل النووي في ديمونا الذي قدمته فرنسا الدولة الاستعمارية العجوز مكافأة على تورط اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. إنما السلام والأمن، يمكن أن يتحققا من خلال نزع كامل للأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ومن خلال التخلص من أسلحة الدمار الشامل، ومن خلال تبني سياسة صادقة تهدف إلى التوصل إلى السلام العادل مع الشعب الفلسطيني ومع دول المنطقة جميعها. هذه هي الفرصة التي تحاول المؤسسة الحكومية الإسرائيلية استبعادها والتستر عليها ووضعها خارج متناول الوعي.
ومن المثير ملاحظته، أن الحكومة الإسرائيلية التي لا تترك مناسبة إلا وتتباكى فيها على "التهديد الوجودي المحدق بها " فيما لو نجحت، ومتى ما نجحت أي من دول المنطقة بامتلاك السلاح النووي، فهي في الوقت نفسه الدولة الأولى وربما الوحيدة في المنطقة التي تعارض فكرة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط , وتعرقل تحقيقها.
إن مؤتمرنا يكشف أن المزيد من النشيطين والمنظمات الإسرائيلية والعالمية الذين يدعمون نزع الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ينضمون إلى النداء الذي أطلقناه في كانون أول الماضي في مؤتمر هلسنكي البديل- الذي انعقد بعد رفض إسرائيل المشاركة في مؤتمر هلسنكي الدولي – حيث طرحنا التحدي: " إذا كانت إسرائيل ترفض المجيء إلى هلسنكي فإن على "هلسنكي " أن تأتي إلى إسرائيل"، حاملة معها الدعوة إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط. وهذا هو ما نقوم به في حيفا اليوم.
إن ما يميز الناشطين والمنظمات المشاركة معنا اليوم في أوسع ائتلاف عرفته إسرائيل في الموضوع النووي هو كونهم يميزون الحد الفاصل بين النظام النووي القديم والنظام الجديد المناهض للتسلح النووي.


*نتنياهو: بين سياسة الأمن، وأمن سياسته!*

ويبدو أن أكثر ما يثير مخاوف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، ليس القنبلة النووية الايرانية المحتملة، في وقت تمتلك فيه إسرائيل ترسانة نووية فيها أكثر من 200 رأس نووي، ولكن ما يثير قلق نتنياهو هو الدور المحوري الذي تعود إيران لتلعبه بعد اتفاقات جنيف، كلاعب مركزي في كل القضايا المعقدة في المنطقة، وأن عزلها عالميا لم يعد ممكنا أكثر. وإذا كان السؤال المطروح هو من سيعزل من فإن يد نتنياهو باتت هي السفلى وسياسته هي المهزومة.
ومن المثير للدهشة، أنه في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل "أن المشكلة ليست بالأساس في السلاح النووي بصفته سلاحا نوويا، وإنما في خطر وقوعه في أيد غير ديمقراطية وغير مسؤولة" (بالمقياس الإسرائيلي)، فإن الصحف ووسائل الإعلام قد نشرت على مدار الأسبوعين الماضيين بتوسع حول التعاون النووي بين حكومة إسرائيل، والمملكة العربية السعودية "الديمقراطية والمسؤولة جدا" – في محاولة الدولتين وضع العراقيل أمام نجاح الاتفاقية التي وقعت مع إيران في جنيف.
وعلى خلاف ما تقوله الحكومة الإسرائيلية بعصبية فاضحة، فإن اتفاقات جنيف بشأن تقليص أنشطة المشروع النووي الإيراني مؤقتا، لم تقوّض أمن المواطنين في إسرائيل، وإنما قوّضت وتقوّض أمن سياسة هذه الحكومة وتهديداتها التي لا تتوقف بشن حرب إقليمية عدوانية، والتهويش على ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وأصبح واضحا أنه بدلا من التركيز على كيفية تدمير المشروع النووي الإيراني بوسائل عسكرية , فإن المصلحة الحقيقية لجميع الشعوب في منطقة الشرق الأوسط بما فيها الإسرائيليون والإيرانيون، هي في الحفاظ على أمنها ليس بالاعتماد على ترسانات نووية وشن حروب عدوانية، وإنما من خلال نزع كامل للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الاخرى من جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل وإيران.
إن معارضة التهديد النووي لا يجوز أن تكون معارضة انتقائية، ولا يحتمل أن تتناولها المنظومة الدولية من خلال الكيل بمكيالين.
لقد وصلت البشرية اليوم إلى نقطة انعطاف تاريخية. فإن النظام النووي التقليدي القديم، الذي بدأ بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بإلقاء القنبلتين النوويتين على كل من مد ينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في أول جريمة نووية في التاريخ البشري، هذا النظام قد وصل الى نهايته. وبات على شعوب العالم وبضمنها شعوب منطقة الشرق الأوسط، أن تختار بين إمكانيتين اثنتين لا ثالث لهما. فإما أن تنضم الى نادي الدول النووية جميع الدول التي ترغب في ذلك وتقدر على إنتاج القنبلة النووية، وإما أن تختار البشرية أن تعيش في عالم خال نهائيا من السلاح النووي. وينطبق هذا على الشرق الاوسط.
إن الأمر الواضح اليوم، والذي يصبح أكثر وضوحا يوما بعد يوم، أن المزيد والمزيد من القوى في عالمنا قد أخذت تتحدى "حق" حفنة من الدول في احتكار السلاح النووي، وأخذت تعبر عن رفضها التسليم بهذا الواقع النووي المشوه. إن مصادر التوتر النووي في العالم ومراكز هذا التوتر، تدور حول دول نووية، من بينها إسرائيل تصر على الاحتفاظ باحتكارها السلاح النووي، والمعرفة النووية من جهة، ودول إقليمية تتحدى هذا الاحتكار من الجهة الأخرى. إن هذا الإلحاح على احتكار السلاح النووي في الشرق الأوسط يهدد قضية السلام العالمي ويهدد حياة الناس في المنطقة.
إن الأمر المؤكد، هو أن المبادرة إلى حرب عدوانية تهدد بشنها إسرائيل على إيران، لن تكون حربا للدفاع عن وجودها، وإنما حربا تشنها للدفاع عن احتكار إسرائيل للسلاح النووي في الشرق الأوسط.
وتطغى القناعة لدى الإسرائيليين أيضا، بأن فرصة احتكار السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى من قبل طرف واحد في الشرق الأوسط لم تعد ممكنة. فإذا وجدت هذه الأسلحة في الشرق الأوسط فإنها لن تكون حكرا على جانب واحد. وعلى ذلك، فإن وجود كمية هائلة من الرؤوس النووية في إسرائيل، ليس من شأنه أن يردع دولا أخرى من تطوير أسلحة مشابهة، بل إنه يدفعها بشكل فعلي للحصول على هذه الأسلحة، وأسلحة غير تقليدية أخرى ردا على الترسانة الإسرائيلية.
ومن هنا فإننا مقتنعون , على خلاف الحكومة الإسرائيلية، بأن بمقدور اتفاق جنيف الأخير بشأن المشروع النووي الإيراني أن يتحول إلى نقطة انعطاف تاريخية في التعامل مع المسألة النووية تقود الى إخلاء الشرق الأوسط من هذه الأسلحة.


*الرفض في المسألة النووية يغذي الرفض في المسألة السياسية!*

عندما يشتد الضغط على القيادة الإسرائيلية للانضمام إلى مبادرة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، فإن ردها يأتي بأن إسرائيل ستكون مستعدة لمناقشة هذه المسألة، فقط بعد أن يحل السلام الشامل والثابت والدائم بين إسرائيل والمنطقة كلها. إن وراء هذا الإدعاء المضلل يختبئ الإدعاء القائل بأن الترسانة النووية الإسرائيلية هي في الواقع شرط مسبق لتحقيق السلام في المنطقة. إن هذا مجرد خداع إسرائيلي ووهم آخر، يجدر أن نرفضه بشكل جذري.
إن الحكومة الإسرائيلية تعمل على شقلبة جدول الأعمال السياسي في المنطقة، فهي تدفع بالموضوع الإيراني إلى مقدمة جدول الأعمال الدولي، على حساب مركزية القضية الفلسطينية والحل السياسي السلمي. وهي بذلك تدفع بمسائل جوهرية مثل التنكر للحقوق القومية للشعب الفلسطيني، وفظائع الاحتلال الإسرائيلي، والتمدد الاستيطاني وحصار غزة، إلى مؤخرة جدول الأعمال وإلى هامش الاهتمام الشعبي المحلي والعالمي.
إن الحقيقة هي أن الرفض الإسرائيلي للتقدم نحو السلام العادل والحل السياسي، وتهديداتها المتواصلة بالحر ب والعدوان في المنطقة، وتنكرها للحقوق القومية للشعب الفلسطيني، وامتهانها لقرارات الأمم المتحدة، ورفضها الانصياع للقانون الدولي، إضافة إلى مواصلتها توسيع الاستيطان وتعميق الاحتلال في الأراضي الفلسطينية والعربية، إن كل هذه الممارسات يغذيها اعتماد إسرائيل على احتكارها السلاح النووي من جهة، ويدعمها الغطاء غير المحدود الذي تقدمه لها الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، من الجهة الأخرى. ولذلك نحن نعود ونؤكد: إن الرفض الإسرائيلي في المسألة النووية هو الذي يعزز الرفض الإسرائيلي في المسألة السياسية ويؤسس لعرقلة الحل السلمي.
إن المعادلة الإسرائيلية يجب أن تقلب رأسا على عقب: ليس السلام الشامل في المنطقة هو الشرط المسبق لنزع الأسلحة النووية من المنطقة، وإنما على العكس، فإن نزع الأسلحة النووية ووقف جميع مشاريع تطويرها في المنطقة، بما في ذلك في إسرائيل وإيران، يجب أن يكون جزءا أساسيا من الحل السلمي في المنطقة.




*2 شباط 2000 – ذبح البقرة النووية المقدسة!*

في الثاني من شباط القادم، تكون قد انقضت أربعة عشر سنة على قيام الكنيست للمرة الأولى في تاريخها بمناقشة موضوع السياسة النووية الإسرائيلية بشكل رسمي. وكان إدراج الموضوع على جدول أعمال الكنيست بمبادرتي قد تم، فقط بعد أن قمت بالتوجه إلى محكمة العدل العليا وإصراري على حقي الأساسي في مناقشة هذا الموضوع الخطير من على منصة الكنيست من جهة، وعلى حق الجمهور الإسرائيلي متابعة هذا النقاش الهام من الجهة الأخرى. وعلى الرغم من اضطرار رئاسة الكنيست إلى منح الضوء الأخضر والموافقة على إجراء هذا النقاش على ضوء توجهي الى المحكمة العليا، إلا أن إجراء النقاش بشكل فعلي لم يكن أمرا مفروغا منه. فغالبية أعضاء الكنيست قاوموا محاولاتي مناقشة الموضوع وحاولوا إنزالي من المنصة وانفلتوا بصراخ هستيري دون توقف، وكأنني كنت أذبح بقرتهم المقدسة على منصة الكنيست. لقد كان يوم 2 شباط عام 2000 يوما تاريخيا للحركة المناهضة للسلاح النووي في إسرائيل وفي العالم. ولو لم يتواجد هناك، رئيس الكنيست في حينه أبراهام بورغ, الذي أخذ على نفسه بشجاعة أن يدافع عن حقي في إيصال رسالتي وطرح نقاشي في القضية النووية، لم يكن من المؤكد أن يكون هذا النقاش قد حصل.
لقد احتفظت في نفسي دائما بالتقدير الكبير للشجاعة السياسية والاستقامة والالتزام التي يتحلى بها بورغ، ولكنه لم يخطر في بالي أبدا أنه يصبح بعد أربعة عشر عاما شريكي الرئيسي في تنظيم أول مؤتمر دولي في إسرائيل من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.
إن هذا المؤتمر هو مؤتمر الشجعان الذين حضروا هنا في حيفا اليوم من كل أنحاء الدنيا. الذين لا يخشون قول الحقيقة لشعوبهم ولجميع شعوب المنطقة. إنه مؤتمر أولئك الذين يطمحون لبناء مستقبل آمن للمواطنين في إسرائيل من اليهود والعرب، ولشعبي هذه البلاد، ولشعوب المنطقة، وشعوب العالم قاطبة. أولئك الذين يتوقون إلى مستقبل بلا حروب، خال من السلاح النووي ومن أسلحة الدمار الشامل الأخرى. مستقبل السلام العادل، " سلام الشعوب بحق الشعوب".


5-6.12.2013*محاضرة في افتتاح مؤتمر حيفا الدولي،