في العلاقة بين المزاحة والإحتكارية في عصر الإمبريالية


الأماميون الثوريون
2013 / 12 / 19 - 15:08     


لقد عمل لينين على وضع أسس النظام العالمي في عصر الإمبريالية باعتبارها الأساس الإقتصادي للفكر السائد آنذاك في أوساط التحريفية الإنتهازية، وعمل على فضح ادعاءاتها حول "الرأسمالية الجديدة التي تتجه إلى الإشتراكية لإسعاد البشرية" كما يدعي الكاوتسكيون وأتباعهم الذين يعملون على خداع البروليتاريا، عبر أقوالهم المغلوطة التي تهدف إلى تيسير استغلال البروليتاريا من طرف الرأسماليين، وكانت الدعاية لمساندة الحرب الإمبريالية الأولى باعتبارها "حربا بروليتارية" حسب زعمهم، محطة تاريخية حاسمة لفضح أذناب الأممية الثانية الذين ساهموا في تشرذم الحركة العمالية العالمية. وسار المناشفة في دربهم وأيدوا قيام الحرب للحيلولة دون إنجاز الثورة اٌشتراكية، وأكدت وقائع الحرب الأهلية واقع الطفيلية والتعفن التي تتسم بها الرأسمالية الإمبريالية، باعتبارها أرضية خصبة لانتشار الفكر التحريفي الإنتهازي، عبر ترويج المنظور البورجوازي للوقائع والأحداث التاريخية خاصة في عصر الإمبريالية التي تسيطر فيها حفنة من الدول الغنية على باقي شعوب العالم، وهي تهدف إلى مزيد من استغلال البروليتاريا ولا تتوانى في تقديم رشاوى لزعماء الحركة العمالية عبر العالم الذين يتحولون إلى أروستوقراطية عمالية تخدع البروليتاريا وتبيع مصالحها. وكما أن الرأسمالية في حاجة إلى البورجوازية الصغيرة اقتصاديا خاصة منها أرباب الأعمال الصغيرة من أجل تخطي أزماتها وتجديد نفسها، فهي بحاجة إلى البورجوازية الصغيرة سياسيا خاصة المثقفون والأريستوقراطية العمالية لتمرير سياساتها الطبقية. يقول عنها لينين:"وإذا لم يدرك المرء الجذور الاقتصادية لهذه الظاهرة(التحريفية الإنتهاوية). إذا لم يقدر أهميتها السياسية والاجتماعية حق قدرها لا يستطيع أن يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الاجتماعية المقبلة." (1)

وكما أكد ماركس على أن الأساس الإقتصادي هو الذي يحدد نوعية البنية الفوقية أي الأفكار والثقافة السائدة في المجتمعات الرأسمالية، سعى لينين إلى تحديد الأساس الإقتصادي للممارسة التحريفية الإنتهازية في تلك المرحلة التاريخية من تطور الرأسمالية إلى الإمبريالية خاصة منها أذناب الأمية الثانية. وحدد لينين أسس البنية السياسية والإقتصادية للرأسمالية الإمبريالية التي تعتبر نتاج النمو الهائل لوسائل الإنتاج، عبر التطور الصناعي خلال القرن 19 وطفرة العلوم الطبيعية خاصة الفيزياء، مما ساهم في تحول الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية بعد تخطي حدود المزاحمة بين الرأسماليين في السوق التجارية العالمية. يقول لينين عن هذه المرحلة:"إن نمو الصناعة الهائل والسرعة الكبرى في سير تمركز الإنتاج في مشاريع تتضخم باستمرار هما خاصة من أخص خصائص الرأسمالية. وتعطي الإحصاءات الصناعية الحديثة عن هذا السير أكمل المعلومات وأضبطها."نفس المرجع. وعكس ما كانت البورجوازية ومعها التحريفية الإنتهازية الكاوتسكية تدعيه حول "الأعمال الصغرى الحرة" و"المنافسة الحرة" التي تجلب الرخاء والديمقراطية للبروليتاريا، فإن تطور الرأسمالية إلى مرحلة عليا يؤكد صحة النظرية الماركسية اللينينية، مما أكد صحة القول بأن المشاريع الرأسمالية الصغرى لا مجال لها في عصر الإمبريالية سوى دورها في امتصاص أزمة الرأسمالية. يقول لينين عن المزاحمة والإحتكارية:"إن الملكية الخاصة القائمة على عمل صغار أصحاب الأعمال، والمزاحمة الحرة، والديموقراطية – إن جميع هذه الشعارات التي يخدع بها الرأسماليون وصحافتهم العمال والفلاحين قد اندرجت بعيدا في طيات الماضي. لقد آلت الرأسمالية إلى نظام عالمي لاضطهاد الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعماريا وخنقها ماليا من قبل حفنة من البلدان «المتقدمة». ويجري اقتسام هذه «الغنيمة» بين ضاريين أو ثلاث ضوار أقوياء في النطاق العالمي، مسلحين من الرأس حتى أخمص القدمين (أمريكا وانجلترا واليابان) يجرون الأرض كلها إلى حربـهم من أجل اقتسام غنيمتـهم." (2)

ويتم الترويج اليوم لما يسمى "تحرير التجارة العالمية من القيود الجمركية" و"إنشاء المناطق التجارية الحرة"، وسخرت الرأسمالية الإمبريالية لذلك "منظمة التجارة العالمية" لفرض القيود على الدولة التي ترفض الإندماج في هذه المنظمة الإستعمارية. لقد حاولت التحريفية الإنتهازية، فيما قبل كما تفعل اليوم، طمس حقيقة الرأسمالية الإمبريالية التي برزت نتيجة المزاحمة الحرة والتمركز في الإنتاج كما أكد ماركس على ذلك. يقول لينين:"حاول العلم الرسمي أن يقتل عن طريق مؤامرة الصمت مؤلف ماركس الذي برهن بتحليله النظري والتاريخي للرأسمالية على أن المزاحمة الحرة تولد تمركز الإنتاج وعلى أن هذا التمركز يفضي، عند درجة معينة من تطوره، إلى الاحتكار."نفس المرجع. واليوم يسعى المناشفة الجدد إلى دحض الماركسية باسم تطويرها مدعين أننا لسنا بحاجة إلى أعمال ماركس، محاولين دحض الدياليكتيك الماركسي خدمة للمذهب البورجوازي باتهامهم ماركس بأنه لا يملك تصورا واضحا حول الثورة الإشتراكية، مدعين أنه يقول بأنها ستقوم في العالم دفعة واحدة، بذلك يعتبرون الماركسية عبارة عن أوهام المادية الميتافيزيقية التي لطالما حاربها ماركس في حربه ضد الهكليين. وهم يعتبرون أن عدم قدرة ماركس على وضع تصور واضح للمجتمعات الإشتراكية هو ما دفعه إلى تأسيس الأممية الأولى في 1864، انطلاقا من عالمية الإشتراكية في مقابل عالمية الرأسمالية، وهذا الخطأ هو الذي دفعه إلى حل الأممية الأولى ليسقط رفيقه إنجلس في نفس الخطأ، وذلك بتأسيس الأممية الثانية من أحزاب إشتراكية ونقابات التي ما تزال قائمة إلى اليوم. إنه بالفعل تحليل منبثق من اللاعرفانية التي تتسم بها أفكارهم، وهم ينطلقون من ماركس محاولين تجاوز الدياليكتيك الماركسي ليسقطوا في الهيونية والكانطية، وهم يحاولون تجاوز مقولة "يا عمال العالم اتحدوا !" بتناولها بشكل تبسيطي لتبخيس المذهب الماركسي، هذا الشعار الذي اتخذه ماركس أساسا لمواجهة إتحاد الرأسماليين من أجل إسقاط الرأسمالية وبناء المجتمعات الإشتراكية. وفي محاولتهم لتجاوز الماركسية اللينينية يدعي المناشفة الجدد أننا لسنا بحاجة إلى لينين متهمين إياه أنه لم يعر إهتماما كبيرا لدور ما يسمونه "البورجوازية الوضعية" أي البورجوازية الصغيرة المثقفة، ذلك ما عرض مشروعه الإشتراكي للدمار بعد سيطرة هذه الطبقة على السلطة وانهيار الإتحاد السوفييتي. هذا الإدعاء البئيس دفعهم إلى السقوط في أخطاء فادحة، بعد القول بأن روسيا في بداية الثورة الإشتراكية تعرف طبقتين رئيسيتين هما العمال والفلاحون لكن مع مرحلة البناء الإشتراكي ظهرت طبقة ثالثة وهي "البورجوازية الوضعية"، هذا التقسيم الطبقي الغريب عن المذهب الماركسي الذي وضع ماركس وإنجلس أسسه، والذي دفع به لينين إلى الأمام بتطويره للدياليكتيك الماركسي بعد دحضه لأقوال الماخيين. إن منهجهم اللاعرفاني هو الذي دفع بهم إلى مثل هذه الإدعاءات المغلوطة معتقدين أنهم يطورون الماركسية، وهم يدعون أن الإشتراكية هي التي أفرزت هذا التقسيم الطبقي الجديد مما أدى إلى تفكيك الإتحاد السوفييتي.

ولتفسيرهم للصراع الطبقي يقولون بأن "العلاقة بين أداة الإنتاج والمنتج علاقة تناقض" التي تنبثق منها المعرفة المسيطرة على العمل، عكس ما يقوله ماركس عن المعرفة التي تنبثق من داخل الصراع بين القوى المنتجة الجديدة (أدوات الإنتاج والعمال المنتجون) وعلاقات الإنتاج الرأسمالية، هكذا بكل بساطة يحاولون تجاوز المفاهيم الماركسية بوضع كلمات بسيطة في محاولة لتجاوز الدياليكتيك الماركسي بأقوالهم المليئة بالتناقضات، مما دفعهم إلى محاولة تجاوز الفهم الماركسي اللينيني للنظام العالمي المتسم بالصفة الإمبريالية، وهنا يقعون في معضلة البؤس الفكري الذي يقول بانهيار الرأسمالية والإشتراكية معا. وفي مقولتهم هذه يقعون في أخطاء الماخيين الذين يقولون "المادة تزول" وهنا يكمن صلب منهجهم اللاعرفاني، الذي يريد صياغة "النظرية الثالثة" للعالم وهي لا رأسمالية ولا إشتراكية وإنما شيء ما بينهما، ليكتمل لديهم البناء الفكري المادي الميتافيزيقي الذي ينطلق من المثالية الذاتية، فهم يدعون أنهم ماركسيون ويحاولون التوافق بين المادية والمثالية مدعين أن الماركسية اللينينية تجاوزها العصر، واهمين أنهم قد تجاوزوا ماركس وإنجلس ولينين وستالين وماو وأن الماركسية اللينينية غير قادرة على إعطاء الأجوبة الصحيحة للتناقض الأساسي بين الإمبريالية والإشتراكية.

وأنهوا بناء صرح مشروعهم الفكري البورجوازي الصغير المفعم بالتحريفية الإنتهازية المنشفية، بتبرير كل الكوارث التاريخية التي لحقت بالبروليتاريا في الربع الأخير من القرن 20 بالمشروع الإمبريالي للإقتصاد الإستهلاكي، وهم يجهلون أنه لا يوجد استهلاك خارج مجتمع منتج، وهم يتحدثون عن الرأسمال في محاولة لتفسير أزماته المزمة عبر إخفاقات العملة الأمريكية معتبرين أن أساس الأزمات الإقتصادية ما هو إلا أزمات الدولار، مدعين أن نهج الإقتصاد الإستهلاكي بدول العالم الثالث وسيطرة "البورجوازية الوضعية" بالدول الإمبريالية هو الذي ألحق الكارثة بالعالم، وهم عاجزون عن فهم تناقضات النظام الرأسمالي الإمبريالي بعدم قدرتهم على تجاوز تناقضات منهجهم اللاعرفاني وسيطرة المثالية الذاتية على فكرهم، والتي لا تخرج عن نطاق المدارس البورجوازية الصغيرة التي تسعى إلى وضع البورجوازية الصغيرة شبه المثقفة في صرح الترف الفكري البورجوازي وفوق الجماهير.
ــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب:الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.
(2) نفس المرجع.