لماذا لا يعرف الأمريكيون شيئا عن السياسات الامبريالية لبلادهم؟

نعوم تشومسكي
2013 / 12 / 14 - 11:29     

ترجمة: حسام عامر

* ينبغي أن يخطر على بالك ثلاثة أسئلة عند قراءتك أن إيران هي أكبر تهديد للسلام في العالم، السؤال الأول هو: من يعتقد ذلك؟ السؤال الثاني هو: ما هو التهديد؟ والسؤال الثالث هو: ان كان هنالك تهديد فما الذي يجب علينا فعله بشأنه؟


* كل شيء تقرأه في الصحف، مثل ما كتبه توماس فريدمان أو أي شيء آخر، يتحدث عن: كم تحب الولايات المتحدة الضغط من أجل الديمقراطية في العالم العربي.. لكن الوضع عكس ذلك تماما، الضغط من أجل الديمقراطية أمر مرعب بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة


سأبدأ بالحديث عن مسائل متعلقة بالإعلام. هنالك مثل أعلى يحتفي به الاعلام النخبوي الأمريكي خاصة الا وهو الحفاظ على الموضوعية.
الموضوعية لها معنى محدد جدا في ثقافة الاعلام الأمريكي وتعني ترديد أي شيء يقال في واشنطن وبدقة. ان تفعل ذلك فتلك موضوعية، وإذا ما تعديت ذلك فانه تحيز أو لا موضوعية أو عاطفية وما الى ذلك.
هنالك مفهوم آخر: الواقعية، وغالبا ما لا تتطابق موضوعية الاعلام الأمريكي مع الواقع، في الحقيقة، كثيرًا ما تكون هنالك فجوة كبيرة جدا بينهما، نوعا من الامتثال للوضع الطبيعي. سأبدأ بالحديث عن تلك الموضوعية ثم سأنتقل سريعا الى الحديث عن الواقع وسأستمر بالحديث عن السياسة الخارجية.
في السياسة الخارجية، هنالك بعض القضايا يكون فيها التماثل بين ما يصدر عن واشنطن وبين ما يردده الاعلام كبيرا جدا، لا يضيف الاعلام شيئا جوهريا، هنالك فقط "موضوعية" أي بالدرجة الأولى ترديد الاعلام لأقوال جميع المسؤولين في واشنطن.
سأذكر مثالا واحدًا على ذلك ألا وهو حملة الرئيس أوباما العالمية للاغتيال، أعني حملة الطائرات من دون طيار. ذلك فعلا جدير بالملاحظة، هنالك دول كان لها حملات اغتيال مثلا الرئيس التشيلي بينوشيه، وجنوب إفريقيا كان لها حملة، والخميني في إيران كان له حملة، واسرائيل كانت لها واحدة لسنوات، لكن ليس بينهم ما يمكن مقارنته بدرجة التطور التقني لحملة أوباما أو بسعة نطاقها.
قرأنا عنها الكثير وما هو مكتوب عنها مثير جدا للانتباه. وكما تعلمون، أنا متأكد من أن القرارات تتخذ في البيت الأبيض من قبل الرئيس بعد قراءته نصوصا للقديس أوغسطين ومناقشتها مع مستشاره الكهنوتي.. ولا أريد أن أقول لكم ما هي القواعد، أنتم تعرفونها، ومن ثم يغتالون أيا من يرغبون.
هنالك القليل من النقاش وقليل من الاهتمام بخصوص حقيقة أنهم في بعض الأحيان يقتلون مواطنين أمريكيين، اذ عندما قتلوا موظفا أمريكيا في اليمن، العولقي، كان هنالك بعض الحديث. ربما انه من اللطيف قتل أمريكيين. وكذلك قتلوا مرافقه الذي كان معه في السيارة وهو أيضا أمريكي. بعدها بأسبوعين قتلوا ابنه البالغ من العمر 16 عاما وهو أيضا أمريكي. إذًا يشعرون بالانزعاج قليلا حيال ذلك لكن قتل أي أحد آخر أمر لا بأس فيه، والسؤال الوحيد الذي يطرح هو: كم مرة ينبغي عليك فعل ذلك؟
كان هنالك مقال مثير للانتباه في صحيفة التايمز، ربما قرأتموه، للصحافي "سكوت شين" وأحد الصحافيين الذين عرضوا رواية البيت الأبيض عن كيفية حدوث كل ذلك وبفخر كبير، وقال: "نعم هنالك بعض المسائل الأخلاقية" لكن آخر سطر في مقالته كان: "أنظر، ان ذلك أفضل مما فعلناه في درزدن" (درزدن هو اسم مدينة ألمانية قصفتها قوات التحالف بكثافة في الحرب العالمية الثانية).
وذلك صحيح، بإمكاننا فعل ما هو أسوأ، وذلك هو مدى موضوعية الاعلام الأمريكي بحيث يطرح القضية بتلك الطريقة، هل علينا فعل ما قمنا بفعله في درزدن أم علينا أن نقوم باغتيالات ذات نطاق عالمي!




*"منح التفويض للدفاع الوطني"*

في الواقع، يظهر نفس التفاوت في قضية (منح التفويض للدفاع الوطني)، أنتم تعلمون عن أني كنت قد مثلت للادعاء فيها، ولكني شعرت بالقلق بشأنها (شارك تشومسكي وآخرون فريق الادعاء في القضية التي رفعوها على ادارة الرئيس الأمريكي أوباما-المترجم) ركزت قضية منح التفويض على حقيقة أن التشريع الذي مُرر ووقعه أوباما والآن يؤخذ الى محكمة عليا في محاولة لتنفيذه، يسمح ذلك للحكومة من حيث المبدأ القيام باعتقالات وقائية من دون محاكمة والى أجل غير مسمى للمواطنين الأمريكيين. ومن غير المفترض أن نحب ذلك لكن ماذا عن أي أحد آخر؟ أعني، هذا ينتهك مبادئ تعود الى وثيقة "الماجنا كارتا" الصادرة عام 1215 والتي تنص على عدم جواز أن يحرم أي أحد من حقوقه من دون خضوعه لاجراءات قانونية ولمحاكمة مستعجلة من قبل قضاه نزيهين وشرفاء، وبالأساس ما هو مكتوب في الدستور الأمريكي في المواد المعدلة الخامسة والسادسة. إذًا تم محو كل ذلك من الدستور، وبالنسبة لهم لا بأس في ذلك، لكن هنالك خلافا صغيرا عندما يتعلق الأمر بالأمريكيين. لماذا علينا القبول بذلك؟ لماذا علينا حتى السعي لذلك؟ كل هذا خارج إطار النقاش الاعلامي، إذًا حديثهم يبقى داخل اطار "الموضوعية".
ذات الشيء صحيح بما يتعلق بموضوع آخر، والذي لا أعلم ان كنتم قد تتبعتموه لكنه يستحق أن تبقوا أعينكم عليه. احد التوسعات الجديدة للدولة الاستثنائية التي يقوم ببنائها الرئيس هي الديسبوسيشن ماتركس (شبكة المراد التخلص منهم) انها فكرة مثيرة جدا للانتباه. هنالك نظام مراقبة ضخم حول العالم يقوم بجمع كميات هائلة من المعلومات عن أي أحد تعتقد الحكومة أنه في يوما ما يريد فعل شيء لا يعجبنا، وتشعر ان معظم تلك المعلومات لا تستحق حتى الضحك عليها، لكن مهما كانت تذهب الى داخل نظام حاسوبي رئيسي يجمع كميات هائلة من المعلومات، وبطريقة ما يرتبط - بطرق لم تفسر بعد - بنظام حاسوبي آخر يقوم بجمع كميات ضخمة من المعلومات عن الأمريكيين ومن هذه المعلومات يفترض أن تستدعي الحكومة معلومات عمن تريد التخلص منه. تلك هي الديسبوسيشن ماتركس. لا يوجد هنالك سوابق لهذا، لكن هنالك بعض الحديث عنها لكن فقط حديث "موضوعي" أي ترديد الاعلام لما يقال في واشنطن.
طالما أنني أتحدث عن السياسة الخارجية. هنالك طريقة سهلة جدا في هذه الحالة لإعطاء اعتبار موضوعي حقيقي للقضايا المتعلقة بالشؤون الدولية، على سبيل المثال بإمكانك مشاهدة المناظرة الرئاسية السابقة -ان كنت تستطيع احتمالها-. كان هنالك كلمتان في المناظرة الرئاسية قد قزّمتا كل شيء آخر تماما وطغتا على كل شيء آخر ، الكلمة الاولى منهما كانت اسرائيل والكلمة الأخرى كانت إيران.
بالنسبة الى اسرائيل، السبب هو انه كان على كل مرشح أن يعبر عن احترامه الفائض لإسرائيل ولكل ما تفعله ، وبالنسبة الى أوباما هذا ليس شيئا جديدا أبدا. كتبت عن موقفه من اسرائيل مستعينا فقط بصفحة موقعه الالكتروني المشينة قبل الانتخابات في عام 2008، ما رأيته فيها كان صادما، لكن هذه المرة تفوّق على منافسه والذي كان أيضا يفيض احتراما واعجابا. إذًا هذا فيما يتعلق بإسرائيل، لكن لماذا إيران؟
حسنًا، سببان: الاول لأن إيران حسب قولهم تعتبر تهديدا لإسرائيل، ربما حتى تهديدا وجوديا لها والثاني انها تعتبر أكبر تهديد للسلام في العالم. جرى التطرق لذلك مرارا وتكرارا.
إذا نظرت الى الاعلام في اليوم التالي كانوا فعلا "موضوعيين"، أوردوا وبرزانة أن إيران هي التهديد الأكبر للسلام في العالم.. بالنهاية هذا نقل للإخبار بطريقة موضوعية! ويستمر هذا، بطرق غير مباشرة.
في اليوم الذي سبق الانتخابات، كان هنالك صفحة كاملة في النيويورك تايمز تشمل موضوعين، الموضوع الذي تصدر قسم الصفحة العلوي كان عن حوار دار في مجلس الوزراء الاسرائيلي قبل عامين، أي عام 2010 عن إذا كان علينا أن نقوم بقصف إيران أم علينا أن ننتظر؟ ودار نقاش خلال الجلسة ووصل الى الأمور البراغماتية، هل باستطاعتك ادارة ذلك؟ هل باستطاعتك النجاة من عواقب ذلك؟ هل سيكون من الصعب اعادة تزويد الطائرات بالوقود؟ وفي النهاية قرروا أنه ليس هذا الوقت المناسب لها. أسلوب النقاش مثير للانتباه، كان هنالك سلسلة من الحوارات المشابهة غير بعيدة زمنيا عن اليوم الذي سئل فيه وزير الدفاع ليئون بانيتا عن قصف اسرائيل لإيران، قال: "حسنا نحن لا نعتقد أنها فكرة جيدة لكنها دولة ذات سيادة، لذا فإن هم شعروا بأنهم يريدون فعل ذلك فهذا شأنهم وليس عندنا شيء لنقوله بخصوص ذلك."
ما ينبغي أن يفعله كل شخص عند قراءته لذلك هو أن يقوم بعكس ذلك، قم بتجربة فكرية، افترض أنه كان هنالك تقرير عن اجتماع ايراني يخطط لقصف اسرائيل ويقررون فيه عما إذا كان بإمكانهم النجاة من عواقب ذلك وعما إذا كان ذلك معرَّضا للفشل وما الى ذلك، هل سيكون عندنا ردة الفعل هذه؟ في الواقع، أنتم تعلمون ما ستكون ردة الفعل.
خذ التعليق الذي زعم بأنه لأحمدي نجاد والذي كشف عن كونه ملفقا قبل سنوات لكن يستمر في ترديده مرة تلو الأخرى وها قد أعيد ذكره اليوم ،انه أفضل من أن يتخلوا عنه،الا وهو أنه يريد مسح اسرائيل عن الخارطة. لا يهم ان كان ذلك صحيحا او زائفا، ولكن من الجيد استعمال هذا التعليق، لذا نستعمله، أعني، ان تلك التهمة الباطلة والتي لا يعرف من أين أتوا بها، كانت ولا زالت جزءًا أساسيا من الحملة الاعلامية ضد إيران، افترض حدوث شيء كالذي حدث في مجلس الوزراء الاسرائيلي، حسنا، سأترك ذلك لمخيلتكم.
النصف الأسفل من الصفحة كان عن إسرائيل. كان هنالك تعليق لعباس الذي يعرف برئيس السلطة الفلسطينية لكن في الواقع هو ليس رئيسا فعليا. عباس علّق قائلا بأنه يود زيارة البلدة التي ولد فيها، صفد، لكنه لا يريد العودة للعيش هناك، وسبّب ذلك لغطا كبيرا، هنا وفي الشرق الأوسط، واللغط هنا كقولهم: "أخيرا يوجد لإسرائيل والولايات المتحدة شريك للسلام والذي كانوا يتوقون ويسعون لإيجاده لسنوات لكن الفلسطينيين والعرب عموما متزمتون جدا وكارهون بحيث انه لم يكن ابدا بالإمكان أن يكون لدينا شركاء للسلام، لذلك، ربما أن هنالك فرصة الآن.



*السؤال الأول هو: من يعتقد ذلك؟*


دعوني أقول شيئا عن موضوعية كل من هذه القضايا، وبالتالي سأبدأ بإيران. ينبغي أن يخطر على بالك ثلاثة أسئلة عند قراءتك أن إيران هي أكبر تهديد للسلام في العالم، السؤال الأول هو: من يعتقد ذلك؟ السؤال الثاني هو: ما هو التهديد؟ والسؤال الثالث هو: ان كان هنالك تهديد فما الذي يجب علينا فعله بشأنه؟
دعونا ننظر الى هذه الأسئلة. من يعتقد ذلك، الجواب سهل جدا انه هاجس غربي. معظم دول العالم لا تعتقد ذلك. حركة دول عدم الانحياز وهي معظم دول العالم والى حد بعيد معظم شعوب العالم كان لها مؤخرا احد الاجتماعات الاعتيادية، وهذا الاجتماع كان في طهران، ومرة أخرى أكدوا وبشدة على حق إيران في تخصيب اليورانيوم وأدانوا بصرامة العقوبات ودعوا الى اقامة منطقة حظر للأسلحة النووية في الإقليم. لا أعتقد بأنه قد وردت كلمة واحدة عن ذلك في الاعلام الأمريكي، لأنه سيكون من غير الموضوعية ايراد ذلك، والسبب هو انه لا أحد في واشنطن قال كلمة عن ذلك.
إذًا، ليست حركة دول عدم الانحياز التي تعتقد أن ايران هي أكبر تهديد للسلام في العالم. ماذا عن العالم العربي؟ تلك قضية مثيرة للانتباه، جرى استطلاع للرأي العام في العالم العربي مرارا من قبل أهم هيئات استطلاعات الرأي الأمريكية والنتائج مثيرة للانتباه، انهم يرون بأن هنالك تهديدا، انهم يرون أن أكبر تهديدين هما اسرائيل والولايات المتحدة،انهم لا يحبون إيران تلك عداوات تعود الى زمن بعيد جدا، لكنهم لا يعتبرون أن إيران مصدر تهديد،أعداد صغيرة جدا تعتبر أن إيران مصدر تهديد، في الواقع ان المعارضة لسياسة الولايات المتحدة قوية جدا، بحيث انه وفي معظم هذه الاستطلاعات هنالك أعداد كبيرة جدا تعتقد أن الإقليم سيصبح أكثر أمنا إذا ما امتلكت إيران أسلحة نووية، بالطبع هم لا يريدون أن تمتلك إيران أسلحة نووية لكن من أجل موازنة القوة مع الولايات المتحدة وإسرائيل ربما يكون ذلك أفضل.
ومرة أخرى أقول إنه لن يكون من الموضوعية ايراد ذلك في الاعلام بسبب أنه لم يتحدث عن ذلك أحد في واشنطن، وعليك أن تبحث جاهدا لتجد ذكرا لهذا، وان وجدت، ربما ستجد كلمتين عن ذلك في الصحف الرئيسية لكن ما تراه هو شيء مختلف، وهو أن العرب يدعموننا ضد إيران وانتشر ذلك في جميع الأنحاء. في الواقع، فسرت تسريبات ويكيليكس على أنها تقول ذلك، بعناوين رئيسية عن احتمالية ان ويكيليكس تدار من قبل السي أي أيه لكونهم يعطون معلومات مجانية كهذه، ليس كل ذلك خاطئا لكن عليك أن تسأل الى من يشيرون؟ الى أي عرب؟ حسنا، تبين أنهم يشيرون الى دكتاتورات العرب، بعض دكتاتورات العرب يدعمون سياسة الولايات المتحدة، وإذا ما دعمنا الدكتاتور وعارضتنا الأغلبية الساحقة من السكان فبالنسبة لهم ذلك يعني أن العرب يدعموننا. يعلمنا ذلك شيئا عن كم هو احتقار الديمقراطية راسخا وكذلك الخوف منها وكرهها، ويظهر ذلك مباشرة في الربيع العربي، كل شيء تقرأه في الصحف، مثل ما كتبه توماس فريدمان أو أي شيء آخر يتحدث عن كم تحب الولايات المتحدة الضغط من أجل الديمقراطية في العالم العربي، انه عكس ذلك تماما، الضغط من أجل الديمقراطية أمر مرعب بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة، لسبب بسيط جدا، فقط ألقى نظرة على استطلاعات الرأي العام، مع امتداد العملية الديمقراطية يكون للرأي العام تأثير على السياسة، وبالتالي هل تريد الولايات المتحدة من مصر مثلا أن تتبع سياسات مبنية على فكرة أن التهديدات الرئيسية التي تواجهها هي اسرائيل والولايات المتحدة؟ وأن إيران ليست تهديدا؟ وأن على إيران تطوير أسلحة نووية ليحصل توازن قوة مع الولايات المتحدة؟ لا هم لا يريدون ذلك، لذلك يقفون ضد الديمقراطية، وإذا نظرت الى السجل الحقيقي، بإمكانك أن ترى أن الأمور تجري تماما بهذه الطريقة، لا أريد الخوض فيه لأنه ليس هنالك وقت كاف، لكنه واضح. غير أن ذلك يعد خروجا من عالم "الموضوعية" الى عالم الواقعية وتلك خطوة خطيرة بالنسبة لهم.