دور ما يسمى القطاع الخدمي في توليد القيمة المضافة


يوسف يوسف المصري
2013 / 12 / 13 - 08:17     

نرى الآن صحفا مثلا "وول ستريت جورنال" و"فاينانشيال تايمز" ومجلات مثل "فورتشن" تتسابق في حصر ما تسميه "القطاعات المولدة للثروة" اي تلك التي تحتل المواقع الاولى في توليد الناتج المحلي الاجمالي في بلادها وهي قطاعات يتصدرها ما يسمى بالقطاع الخدمي. ويأتي ذلك في سياق الصياح الذي لم يتوقف منذ عقود طويلة حول ان مولدو القيمة والقيمة الفائضة ليسوا هم العمال وحدهم وانما يشترك الجميع في صنع الثروة الاجتماعية وان ذلك يبرهن على "تخبط" و"اخطاء" الاقتصاد السياسي الكلاسيكي لاسيما النهج الماركسي ومن ثم فانه "يعيد" دور الطبقة العاملة الى "حجمه الطبيعي" باعتبارها "احد الفئات الاجتماعية" التي تولد القيمة ومن ثم القيمة المضافة وان ما فيش حد احسن من حد وبالتالي فان هناك ضرورة على ابقاء المجتمع على ما هو عليه لانه على ما هو عليه عال العال ويشارك "كله" في توليد الثروة. ويحدث ذلك بصفة خاصة في المجتمعات التي نقلت صناعاتها الاساسية الى بلدان اخرى ضمن علاقات العولمة لتكلف عمال بلد آخر او مجموعة اخرى من البلدان بانتاج السلع المادية التي يحتاجونها ثم نظر اقتصاديوها حولهم ليجدوا ان "قطاعاتهم الوطنية" باتت خالية او تكاد من الصناعة وليجدوا ان حصة قطاعات "الخدمات" في الناتج المحلي الاجمالي باتت هي الاكبر
وليس هذا بالزعم الجديد على اي حال. فقد قال به اقتصاديون بورجوازيون معروفون كما يقول به بعض من حثالة الفكر الاقتصادي البورجوازي في بلادنا. ولا مفر من مواجهة هؤلاء واولئك بحزم اذ انهم يصبون بفعالية متباينة في نفس المستنقع الذي يهدف الى تجريد الماركسية من نصلها الاساسي - عن علم او عن جهل - وزعزعة حجر اساس مهم تأسست عليه نظرتها للمجتمع الانساني ولدور الطبقة العاملة به ولكون المجتمع الرأسمال مرحلة مؤقتة في تاريخنا ستزول على ايدي الطبقة العاملة التي تولد وحدها القيمة والقيمة المضافة.
لقد مر النقد الماركسي للاقتصاد السياسي البورجوازي بمحطات مهمة في سياق دحض هذا الزعم سواء كان في كتابات آدم سيمث او في "هري" بعض الهواة. فقد بلور ماركس "فئة" فائض القيمة كمفهوم اجتماعي واوضح الفارق بينها وبين الربح ثم عرج على العمل المنتج والعمل غير المنتج ليدحض مفهوم سميث وريكاردو وساي له ثم صاغ موقفه بالتالي من هذه القضايا جميعا.
وفي دول العالم المتقدمة سنجد علماء اقتصاد بذلوا ويبذلون جهدا مكثفا لتفريغ الماركسية من محتواها عبر مناقشة ونقد بعض القضايا المفصلية التي تأسس عليها علم الاقتصاد السياسي الماركسي. اما محليا فسوف نجد بعض المحاولات المثيرة للضحك احيانا التي تتهم الماركسية بانها "قوالب مستمدة من كراسات التعميم سوفياتية الصنع" ثم تسعى خلف هذا الستار الى الترويج لمفاهيم معادية للماركسية مثل ان المفكر الكبير سرق ديالكتيك ريكاردو او انه انتحل من هذا ونصب على ذلك وان قيل لهؤلاء الهواة انهم مخطئون لردوا بان برهان اخطائهم ليس هو ما قاله ماركس ولكنه مصنوع في كراسات التعميم السوفياتية اياها. واعترف بانه لم يسبق لي ان تشرفت بلقاء تلك الكراسات ولكنني اعدد ان ابلغ القراء عن انطباعي بعد الموعد الاول.
والظاهر المخادع الذي تحاول به البورجوازية تفنيد هذا النهج الماركسي لا يجب ان يخدع احدا بالمرة لاسيما من يقولون مثلي انهم يسعون الى ان يكونوا من تلاميذ هذا المفكر الكبير. فالماركسي لا ينظر الى اي عمل من زاوية نوعه ولا مظهره ولكن من زاوية علاقته برأس المال. ذلك ان الشرط الاساسي لتعريف العمل غير المنتج كما تراه الماركسية هو ان يكون هذا العمل منتجا لقيمة استعمالية لا تتحول – في السوق – الى قيمة تبادلية. اي ان "منتج" ترد هنا في سياق تعريف علاقة هذا العمل برأس المال – اي في سياق دراسة آليات عمل المجتمع الرأسمالي - وليس في سياق فائدته او نفعه. فلولا هذا العمل الذي كان "غير منتج" – طبقا لتعريفات الاقتصاد السياسي المعاصر - لما كانت هناك حياة بشرية او مجتمعات من الاصل اذ ان البشر يزرعون ويصنعون ادوات حياتهم وعملهم منذ البدء وفق علاقات سابقة على الرأسمالية اي سابقة على وجود الرأسماليين وعلى وجود نمط الانتاج الرأسمالي. لقد كان ذلك هو شرط وجود المجتمعات بل وشرط وجود الحياة الانسانية ذاتها.
فانت حين تجلب نجارا ليصنع لك قطعة من الاثاث لاستخدامك الخاص لا تتماس هنا مع تناول الماركسية للسلعة او للعمل "المنتج" في المجتمع الرأسمالي في شئ اذ انك تستخدم قيمة استعمالية تشبه ان تزرع حديقة منزلك او يزرعها لك شخص آخر لاستخدامك الشخصي. وفي نمط الانتاج الرأسمالي على نحو ما شرحه ماركس فان عمل العاهرة او الراقصة او مدرس الموسيقى المنزلي او النجار او المدرس او الطبيب لا يولد قيمة جديدة الا بقدر صلته بعملية الاضافة الى توسع رأس المال اي الى انتاج السلع بصرف النظر عما اذا كان لتلك السع "شكل مادي" او لم يكن لها هذا الشكل وبصرف النظر عن تحقيق ربح او اجر. فقد كانت بيوت الليل والمسارح الموسيقية وغيرها موجودة قبل سيادة المجتمع الرأسمالي وكانت تحقق ربحا عال العال لاصحابها. فضلا عن ذلك فاننا لو تصورنا ان العمال الذين ينتجون السلع التي تستهلكها هذه المجتمعات المتقدمة رأسماليا اينما كانوا قد كفوا عن انتاج سلعهم فان سكان تلك المجتمعات سيتحتم عليهم القبول بالعودة الى العصور السابقة على الرأسمالية بكل بدائيتها اذ لن يجد القطاع التجاري على النحو الذي نراه به الآن في تلك المجتمعات ما يوزعه ولن يجد القطاع المصرفي على نحو ما نراه الآن في تلك المجتمعات ما يبرر وجوده.
وهناك من يقارنون بين بيوت الليل في الدول التي تصرح باقامتها مثل بعض دول اوروبا والمصانع مثلا من زاوية ان العاهرة تبذل قوة عمل وان هناك فائضا من قوة عملها هذه يذهب الى صاحب "رأس المال" الذي وظف رأسماله في الشركة وان تلك العاهرة تنتج بالتالي "فائض قيمة" اذ انها "توسع من رأس المال وتضيف اليه" ومن ثم فان علينا رغم الاشمئزاز الاخلاقي ان ندرج العاهرات في صفوف البروليتاريا. وهذه المحاولة الغبية – وقد ضربت لها مثلا مغاليا لا لشئ الا لابرز سخفها – تسقط من حكايتها المسلية هذه ان العاهرة لا تضيف اي قيمة الى مجمل القيم التي يولدها المجتمع الرأسمالي الذي نبحث آلياته الآن اذ ان "سلعتها" تقتصر على كونها سلعة استعمالية لتنتهي العملية برمتها كما بدأت دون ان تخلف شيئا ذي قيمة. وربما يكون سعي بعض الجهلاء الى ارغام مثل هذه الانشطة "الخدمية" وغيرها مما قد يكون اكثر "احتراما" على ان تدرج في الانشطة المولدة للقيمة ومن ثم للقيمة المضافة ناتجا عن تخبط عميق في فهم معنى القيمة من الاصل كمفهوم اجتماعي يفترض وجوده وجود مجتمع رأسمالي اذ لا تتولد القيمة ومن ثم القيمة المضافة الا في هذا المجتمع. ان تلك الادعاءات الفارغة لا تبرهن على شئ الا على كونها تنطلق من اسس الاقتصاد السياسي الرأسمالي لتنتقد الماركسية بعد ان تسميها من باب التمويه امام من لا يعرفون "كراسات تعميم سوفيتية الصنع" ولتبرر استنادها الى طلاء "ماركسي". ولقد برهنت على تخريف بعض تلك الادعاءات بالاستناد على ما قاله ماركس وسميث وريكاردو وساي وليس على اي شئ سوفيتي او غير سوفيتي الصنع. فهذا ما قاله الكبار كما قالوه. ولن استخدم في تفنيد هذه التخريفات التي سأتناولها الآن الا ما قاله ماركس وحده للبرهنة على مدى بلاهة الادعاءات بان الدفاع عن الماركسية بات سوفيتي الصنع!
ولكنني سأعرض اولا رؤية ماركس في بعض البلاهات التي قيلت مؤخرا عن ان "القطاع الخدمي يولد قيمة مضافة مستقلة" محاولا الا استخدم عبارات معقدة او ان اضع اسماء اقتصاديين كبار كما يفعل البعض لا لشئ الا لابهار القارئ الذي لا يعرف الكثير عن الاقتصاد السياسي لاسيما ببؤسه الراهن في بلادنا او للزهو بالذات او لادعاء المعرفة.
فلنعد الى ما قاله ماركس اذن.
العمود الفقري للمجتمع الرأسمالي هو دورة رأس المال – بصرف النظر عن موقعها في عالم العولمة الحالي الذي يزيد ارتباك المرتبكين. ولكن هل يعني ذلك ان قطاعات الصحة والتعليم وكل القطاعات الخدمية متساوية في هذه الحالة؟ كلا بالطبع. اذ يتعين علينا ان ندرس كل قطاع في خصوصيته من حيث علاقته بعملية الانتاج الرأسمالي – او على نحو اكثر دقة بتوليد القيمة وفائض القيمة - لتحديد ما ان كان له دور في العملية الانتاجية. ولا يمكن بطبيعة الحال تناول توليد القيمة المضافة بدون ارتباطها بتوليد القيمة اذ ان توليد القيمة المضافة يفترض مسبقا ان هناك قيمة قد ولدت. فعمل العاهرات غير عمل المعلمين من حيث الصلة بالعملية الانتاجية. وعمل ممثلي السينما غير عمل الاطباء من حيث العلاقة ذاتها ايضا. والتمييز بين عمل وعمل لا يؤسس على طبيعة السلعة التي تنتج سواء آكانت مادية او غير مادية. ان اساس التمييز هو علاقته بتوليد القيمة المضافة. والقيمة المضافة ليست الربح. والربح لا يرتبط كما قلت توا بالمجتمع الرأسمالي اذ كان اصحاب الاراضي يربحون من ملكيتهم لارض لا يزرعونها في المجتمعات السابقة على الرأسمالية. ولكن فلنعد الى ما قاله ماركس في هذه القضية:
يقول ماركس في المانيوسكريبت (الباب الرابع)
"ان كل عالم "السلع" يمكن تقسيمه الى جزئين كبيرين. الاول هو قوة العمل والثاني هو السلع لو فصلناها عن قوة العمل ذاتها. وبالنسبة لشراء الخدمات التي تدرب قوة العمل او تصونها او تغيرها وتعدلها الخ اي بكلمتين تعطيها شكلها المتخصص او حتى تصونها فان هذه الخدمات تسفر عن سلعة قابلة للبيع وهي قوة العمل نفسها التي تدخل تلك السلع في تكلفة انتاجها او اعادة انتاجها. وهكذا فان عمل المدرس على سبيل المثال بقدر ما يكون "ضروري صناعيا" او مفيد وخدمة الطبيب بقدر ما يصون الصحة ومن ثم يحافظ على مصدر كل القيم الخ اي بالتحديد قوة العمل ذاتها يدرج في هذا النطاق. ولم يعرف أدام سميث على اي حال الا القليل عن الكيفية التي يدخل بها "التعليم" في تكلفة انتاج كتلة الرجال العاملين. وفي كل الاحوال فان خدمة الطبيب تنتمي الى التكلفة غير المباشرة للانتاج. ان بالامكان حسابها كتكلفة اصلاح وصيانة القوة العاملة. ولنفترض ان اجور العمال والارباح انخفضت في وقت واحد من حيث قيمتها الاجمالية لاي سبب كان (مثلا ان الكسل اصاب امة من الامم) ومن حيث قيمتها الاستعمالية (لان العامل بات اقل انتاجا بعد موسم حصاد سئ الخ) اي في كلمتين ان جزء المنتج الذي تساوي قيمته الدخل انخفض لان العمل الجديد الذي اضيف في العام المنصرم ولان العمل الذي اضيف كان ذو انتاجية اقل. في هذه الظروف واذا اراد الرأسماليون والعمال استهلاك نفس القدر من القيم التي كانوا يستهلكونها من قبل فان عليهم اذن شراء خدمات اقل من الطبيب او ناظر المدرسة. واذا ما تحتم عليهم انفاق نفس النفقات السابقة على الطبيب والمدرس فسوف يتحتم عليهم تقييد نفقاتهم في امور اخرى. ولذا فان من الواضح ان الدكتور والمدرس لا يساهمان مباشرة في خلق المبالغ التي يتقاضون منها ما يتقاضونه على الرغم من ان عملهم يدخل في نفقات الانتاج الناجمة عن المبلغ الذي يخلق كل القيم مهما كان نوعها اي بالتحديد نفقات انتاج قوة العمل".
وهنا يشرح لنا المفكر الكبير خصوصية العلاقة بين نشاط لا يولد قيمة او قيمة فائضة على نحو مباشر ولكنه يولدها على نحو غير مباشر. وهذه الخصوصية هي على وجه التحديد ما يجب ان يبقى في ذهن اي دارس للاقتصاد السياسي الماركسي حتى لا يقع في براثن تعميمات بلهاء عن "القطاع الخدمي بصفة عامة". ان قطاع التعليم مثلا " عمل المدرس على سبيل المثال بقدر ما يكون "ضروري صناعيا" او مفيد وخدمة الطبيب بقدر ما يصون الصحة ومن ثم يحافظ على مصدر كل القيم الخ اي بالتحديد قوة العمل ذاتها يدرج في هذا النطاق" اي في نطاق انتاج السلع في المجتمع الرأسمالي.
ولكن هل تعد خدمة المعلم او الطبيب التي تدخل في صيانه واعادة تشكيل قوة العمل التي يشتريها الصناعي لانجاز دورة الانتاج هل تعد "سلعة" رغم انها لا توجد ماديا وانما توجد على هيئة قيمة استعمالية؟ يرد ماركس على السؤال بقوله :
"لهذا فانه لو تجسد ما يسمى بالعمل غير المنتج في قيمة استعمالية اي يمكنها ايضا ان تكون سلعة - اي سلعة قابلة للبيع - فان جزءا من الخدمات بالمعنى الصارم للكلمة مما لا يكتسب شكلا موضوعيا ملموسا اي الذي لا يتمثل كشئ موجود على نحو مستقل بالانفصال عمن ينتجون هذه الخدمات ولا يدخل في السلع الملوسة كجزء من قيمتها يمكن ان يشتري برأس المال – بواسطة مشتري العمل المباشر – ويمكن ان يستبدل باجورهم ومن ثم يمثل ربحا له".
اي ان صاحب المصنع يمكنه ايضا ان يؤسس مستشفى لعماله او ان يرسلهم الى دورات تدريبية في مدرسة مجاورة لا لشئ الا ان لأن ذلك يحافظ ويطور قوة العمل التي يستخدمها هو نفسه. اما ما يدفع للمعلمين او الاطباء فانه في واقع الامر يمكن ان يشترى بواسطة الرأسمالي نفسه باعتباره نفقات انتاج او ان يقتص من اجور العمال. اي بالامكان هنا ان يحصل الطبيب او المعلم على اجره من الرأسمالي مباشرة ويحسب الامر هنا على اعتباره جزءا من رأس المال كما يمكن ان لهما ان يحصلا على اجرهما من العامل اي من اجره وهنا لا يعد من نفقات رأس المال الا ان ذلك لا يغير من طبيعة العلاقة بين مثل هاتين الخدمتين برفع كفاءة قوة العمل اذ انهما في نهاية المطاف يؤديان الى توليد القيمة عن طريق رفع كفاءة قوة العمل. اما اذا انخفضت كفاءة قوة العمل فان ذلك سيعني تقلص مهنتي التدريس والطب اذ انهما شأن بقية ما يحدث في المجتمع الرأسمالي من انشطة يمولان من ارباح الرأسمالي او من اجور العمال.
ومعيار ماركس هنا بالغ الوضوح. بعبارة اخرى كان معيار المفكر الكبير هنا هو علاقة اي عمل خدمي بالعملية الانتاجية في المجتمع الرأسمالي وباستخدام هذا المعيار وحده يمكن النظر الى علاقة اي عمل في "القطاع الخدمي" هذا بعملية توليد القيمة المضافة (سأكشف لاحقا عن محاولات الالتفاف – ربما عن جهل – على هذا المعيار).
ويقول ماركس خلال سخريته من مفهوم آدام سميث عن العمل المنتج والعمل غير المنتج والخدمة التي تتبدد فور ادائها والتي لا تتجسد في منتج مادي وكافة تخريجات سميث الاخرى:
"ان مستثمرا يمتلك مسرحا او بيتا للدعارة او للموسيقى الخ يشتري من الممثل او العاهرة او الموسيقار قوة عمله المبذولة والتي تستهلك آنيا في عملية التفاف لها فقط شكل المصلحة الاقتصادية وهي عملية لا تتبدل في نهايتها عن بدايتها". ويعني ماركس بذلك انها لا تضيف قيمة فائضة او زائدة تبقى بعد انتهاء العملية الانتاجية. فما هو بالضبط المتبقي من عمل ممثلي المسرح بعد انتهائه؟ او من عمل الموسيقي؟ او من عمل العاهرة؟ لا شئ الا الانبساط ولا مؤاخذة. اين يا عم القيمة الزائدة التي اضيفت او القيمة التي انتجت للمجتمع؟ الانبساط طبعا!.
ويقول المفكر الكبير ايضا (رأس المال المجلد الثاني):
"مع تقدم تصدر الطبيعة التعاونية لعملية العمل يجب ان تتواجد توسعة متزايدة ايضا لمفهوم العمل المنتج ولمفهوم حامل هذا العمل. فالعامل المنتج وحتى يتسنى له ان يعمل عملا منتجا لا يحتاج بالضرورة لان يضع يديه هو نفسه في موضوع العمل اذ يكفي ان يكون عضوا في العمل الجماعي وانه يقوم باي عمل خاضع له. ومن بين اولئك العمال المنتجين بطبيعة الحال كل من يساهمون في انتاج تلك السلعة من عامل التشغيل الى المدير او المهندس ولكن ليس الراسمالي".
بعبارة اخرى فان تصنيف اي عمل في مجتمع ما وفقا لماركس يعتمد على اساس معرفي (ابستمولوجي) ومنهجي يستند الى اساسه الاجتماعي وعلى وجه الحصر الى علاقته بعملية توليد القيمة والقيمة المضافة. اي ان الاهتمام لا يتوجه الى فحص ما يفعله الشخص لتصنيف انتماء نشاطه وانما يتوجه الى بحث الخصائص غير المرئية بالضرورة مثل علاقة هذا النشاط برأس المال وبالعملية الانتاجية وبتوليد القيمة وفائض القيمة. ووفقا للاقتصاد السياسي البورجوازي فان التصنيف يتم وفقا لمعيار ظاهري (فينمولوجي) اي فحص شكل النشاط ذاته وعلاقته بتوليد الارباح (كما رأينا في مداخلات سميث وريكاردو وساي) لتحديد الى اين ينتمي. فضلا عن ذلك فان السلعة في الاقتصاد السياسي الماركسي تعد سلعة طبقا لظروف انتاجها وليس طبقا لخصائصها الفيزيقية التي انتجت بها. المقاعد والدواليب والاسرة كانت تنتج قبل المجتمع الرأسمالي وخلاله. الا ان انتاجها قبل المجتمع الرأسمالي يختلف تماما على صعيد توليد القيمة والقيمة المضافة عنه قبل ذلك.
وفي ذلك يقول ماركس في رأس المال الجزء الثاني "من اجل ان نصنف العمل كعمل منتج فان هناك خصائص معينة تصبح مطلوبة وهي خصائص لا علاقة لها البتة بالمحتوى المعين لهذا العمل او بالقيمة الاستعمالية التي يقدمها بالذات والتي تتحول الى موضوع في نتيجة عمله."(objectified)
ولان كل الاطار التحليلي لكارل ماركس في هذا السياق تركز على بحث دورة رأس المال وتناول القضايا الاخرى او الدورات الاخرى بالاحرى بقدر علاقتها بدورة رأس المال فان تعريف ماركس سعى دوما لتحديد العلاقة بين عمل معين ورأس المال بصرف النظر عن طبيعة العمل وبصرف النظر عما اذا كان ينتج سلعة مادية من عدمه.
وسوف نجد هنا مدرسة تقول التالي : بما ان تصنيف ماركس لم يشترط ان ينتج عامل ما سلعة مادية (اذ لا شأن لخصائص السلعة بالموضوع) وبما ان الدورة هي فلوس – سلعة(اولية) – عمل – سلعة نهائية (تفوق قيمتها قيمة مكوناتها بما في ذلك قوة العمل التي انتجتها اي تحمل قيمة مضافة) – فلوس، فان من الطبيعي اعتبار كل الخدمات قطاعات منتجة للقيمة المضافة.
فالسلعة تتضمن قيمة استعمالية (تلبي بعض احتياجات الانسان سواء كانت طبيعية ام تشكلت اجتماعيا) وتتضمن قيمة تبادلية اي انها صنعت للتبادل في السوق وليس للاستعمال الشخصي وحيث انها انتجت فان ذلك يعني بالضرورة انها تتضمن قوة عمل انساني يعرف كل مبتدأ انها تعرف كقوة عمل اجتماعية في الاساس. وهذا التعريف ينطبق على "السلع" الخدمية ومن ثم فان اي مؤسسة امنية خاصة مثلا تعد منتجة للقيمة وللقيمة المضافة واي مصرف يمكن اعتباره بما انه يربح ويستأجر موظفين يتقاضون اجورا ويعود على اصحابه بالربح الوفير. ولكن ما هو اذن تشريح القيمة المضافة في هذه الحالة؟ بل ما هو تشريح القيمة؟ ان هذه العلاقة كان يمكن ان تحدث في اي مجتمع سابق على المجتمع الصناعي الرأسمالي.
ومشكلة هذه المدرسة واضحة اذ انها بورجوازية في جوهرها لانها تنظر الى العملية الانتاجية من زاوية معينة هي زاوية دوره في توليد الربح كربح للمستثمر وليس في صنع القيم اذ ان مثل هذه القطاعات لا تخلق قيمة ولا تخلف قيمة مضافة وانما تعد عبئا عليهما معا. وبطبيعة الحال فانا لا ادين اي نشاط انساني هنا من زاوية اخلاقية رغم ان بعض تلك "الانشطة" يستحق الادانة حقا مثل عمل العاهرات – برغم انها "المهنة" الاقدم كما يقولون - ولكنني انظر اليه من الزاوية التي نظر بها ماركس اي من زاوية علاقته بالانتاج الرأسمالي اي بتوليد القيمة. وقبل ان اوضح ذلك يتعين على ان اشير الى ان بعض منظري هذه المدرسة في اوربا ممن يدعون انهم ماركسيون فيما يحملون بالضبط اسس الاقتصاد السياسي البورجوازي في رؤوسهم يصل بهم الامتداد المنطقي لما يقولون الى نتيجة مؤداها ان الدولة بالتالي – كدولة – هي كائن منتج للقيمة اذ انها توظف الآلاف في خدمات الشرطة والجيش والقضاة الخ الخ وتدفع لهم من الضرائب وهي ضرائب تزداد باستقرار المجتمع وانتعاش اقتصاده بسبب فعالية انشطة اجهزة الدولة اي ان الدولة تحصل مرة اخرى على "استثمارها" مضافا اليه القيمة الزائدة بعد ان اضاف اليه العاملون في اجهزتها قوة العمل اي القيمة وبسبب النظر الى "خدماتهم" باعتبارها سلعا غير مادية اذ يضبط البوليس امن الشارع والناس ويطبق القضاة العدالة ويدافع الجيش عن الوطن الخ الخ.
من هنا فان فقدان المعيار او الاحادية في فهم تحليل ماركس للنظام الرأسمالي يمكن ان تفضي الى تخريفات من هذا النوع اذ يتبين لنا الأن ان الجميع ينتجون قيمة فالجميع متساوون كأسنان المشط.. وجاي تقولي بروليتاريا؟! الافضل ان تقول للبرليتاريا "قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا" فالمجتمع ينتج قيما بكل قطاعاته الخدمية اذن فهو ينتج قيما مضافة اذ لا يمكن افتراض توليد قيمة مضافة دون اشتراط توليد القيمة اصلا كما قلت. ولكن اليس غريبا ان هذا المجتمع ذاته سينهار لو لم يجد طعاما او كهرباء او ملابس يرتديها سكانه او بيوت يسكنونها او اي شئ مما يحيط بنا. ولو جال احدنا بنظره في غرفته الآن لوجد ان ما بها هو نتاج لتفاعل قوة العمل مع ما تقدمه الطبيعة حسب قول ماركس في مطلع نقد برنامج جوتا. كل شئ بلا استثناء. بامكانك ان تغلق التلفزيون والا تسمع موسيقى ولكن ليس بامكانك الا تعيش بدون مياه وملابس ومأوى وكهرباء وكل القيم التي يولدها العمال وحدهم.
ولكن ما هو وجه الخلل في هذه المدرسة البورجوازية المتخفية خلف اردية ماركسية زاعقة احيانا ومهلهلة احيانا اخرى؟ فلنعد الى ماركس الذي وضع معايير محددة للنظر الى هذه المسألة. ولكن من المهم ان اشير هنا الى خاصية محددة اردت دوما خلال هذا المداخلات ان اذكرها.
تلك هي ان ماركس شارك سميث في تعريفه للعمل المنتج بانه ذلك الذي تجري مبادلته برأس المال والعمل غير المنتج بانه ذلك الذي تجري مبادلته بالدخول. الا ان العلاقة بين الاثنين تنتهي فقط عند هذه النقطة من التلاقي الظاهري. ذلك ان ماركس حين شرع في تحليل علاقة العمل برأس المال اوضح ان المرحلة الاولى من التبادل بين الرأسمالي والعمال هي ان الرأسمالي يشتري من العمال قوة عملهم كقيمة استعمالية. فالعامل هنا يذهب ليبيع سلعته اي قوة عمله ورأسالمالي يشتريها منها لاستخدامها في يوم عمل معين مقابل اجر معين وهو يشتريها فقط بسبب قيمتها الاستعمالية اذ انه يستهلكها في يوم العمل المفترض لاداء ما يسميه ماركس عملية العمل الانساني. بعبارة اخرى فاننا لو فحصنا التبادل الاول بين الرأسمالي والعامل لوجدنا ان العامل يبيع سلعة باعتبارها قيمة استعمالية والرأسمالي يشتريها لهذا السبب (راس المال – المجلد الاول ص 179).
الا ان عملية الانتاج في المجتمع الراسمالي لا تتعلق بانتاج القيم الاستعمالية انها تتمحور حول غايتها اي انتاج القيمة المضافة. انها عملية تتعلق بانتاج السلع التي تتبادل في الاسواق باعتبارها سلعا وبتوليد القيم الفائضة كغاية للرأسمالي. وحين يشتري الرأسمالي قوة العمل كقيمة استعمالية فانه لا يشتريها لاستعمالها لمزاجه الخاص وانما لاستعمالها كقوة عمل قادرة على توليد قيمة اعلى منها هي ذاتها. وسوف نلاحظ هنا امرا قد يكون صعبا على الادراك للوهلة الاولى هو ان القيمة الاستعمالية لقوة العمل هنا هي قيمتين استعماليتين وليس قيمة واحدة. فالرأسمالي يشتري اولا قوة العمل باعتبارها سلعة سيعود الى شرائها غدا طالما انه يهدف الى الربح اليوم وغدا ثم انه يشتري قوة عمل ملموسة اي قادرة على ان تنتج له قيمة تفوق قيمتها هي نفسها.
واهمية الفارق بين القيمتين هي ان الاولى تؤخذ من رأس المال اما الثانية فانها تضاف الى رأس المال. فاجر العامل الذي سيمكنه من القدوم للعمل في اليوم التالي هو مأخوذ من رأس المال. ولو امكن للرأسمالي الا يدفع شيئا لفعل الا انه لن يجد العامل حيا في اليوم التالي. اما القيمة الاستعمالية الثانية اي تلك التي تتحول الى توسعة لرأس المال فانها تتمثل في الفارق بين القيمة التي انتجها العامل بعد تفاعله مع المواد التي قدمتها الطبيعة بواسطة ادوات الانتاج وبين القيمة كما تتحقق في تبادلها مع قيم اخرى في السوق.
ويقول ماركس ان العمليتين لا علاقة لهما ببعضهما البعض الا من الوجهة الظاهرية فحسب.
فالعملية الثانية اي عملية توليد فائض القيمة ليست تبادلا من الاصل اذ ان الرأسمالي حين استهلك السلعة المنتجة بواسطة قوة العمل تحول من "مالك فلوس" الى رأسمالي. وهكذا فان العامل المنتج في تعريف ماركس هو ذلك العامل الذي تتم مبادلة قوة عمله اولا بالفلوس المستعدة للعب دور رأس المال او ما يسميه ماركس رأس المال المالي ثم جرى استخدامها بواسطة الرأسمالي خلال العملية الانتاجية او هو "التعبير الدقيق عن كل العلاقة والشكل والطريقة التي تظهر بها قوة العمل في عملية الانتاج الرأسمالي" حسب قول المفكر الكبير.
وثمة فقرة معبرة للغاية اوضح بها ماركس هذا المفهوم الذي عجز سميث عن رؤيته ومن ثم تخبط في تعريف العمل المنتج والعمل غير المنتج او الانفاق على السلع الفاخرة الخ اذ يقول المفكر الكبير "ان القيمة التي يضعها الرأسمالي في وسائل الانتاج تظل قيمة ثابتة قبل وبعد دمجها في عملية العمل ولذا فانها تعرف كرأسمال ثابت. اما رأس المال المتحرك فهو من الناحية الاخرى يظل ثابتا فقط طالما كان في يد الرأسمالي على هيئة مال او سلع. وحين ينتقل من شكله المالي او السلعي الى شكله الانتاجي اي الى قوة عمل حية فانه يتحول من كمية ثابتة ومحددة الى متغير اي الى قيمة تتوسع ذاتيا اي الى رأسمال. ان رأس المال المتغير يصبح رأس مال متغير حقيقي (شدد على كلمة حقيقي) فقط بعد ان يتحول الى قوة عمل تعمل كجزء من رأس المال المنتج في عملية الانتاج الرأسمالي". (رأس المال المجلد الثاني ص 213)
بعبارة اخرى فان التبادل الشكلي او الظاهري بين رأس المال والعمل يمكن ان يكون تبادلا بين قوة عمل حية وقوة عمل "ميتة" اي متجسدة في السلع التي يعطيها الرأسمالي للعامل مقابل شراء قوة عمله وهي سلع انتجها عمال ايضا من قبل. اما التبادل الاهم فانه يحدث خلال عملية العمل ذاتها التي تختفي خلف العملية الاولى "ولذا فان كل الاقتصاديين السوقيين لا يذهبون الى ابعد من العملية الاولى" حسب قول ماركس الذي يأخذنا بذلك الى قدس اقداس المجتمع الرأسمالي ليتجاوز عجز سميث او ريكاردو عن تحليل نمط انتاج ذلك المجتمع بعحزهما عن ادراك مفهوم قوة العمل كسلعة او بالطبيعة الثنائية لهذه السلعة على نحو ما اوضحت.
ان فحص صراخ الصحف والدوريات الرأسمالية عن ابرز الشركات المولدة للثروة والتي يتصدرها دائما القطاع المصرفي وتليها شركات البيع بالتجزئة او شركات الاتصالات يقدم باختصار صورة لما يريد الرأسماليون نشره من تخريفات. ومن هذه التخريفات ما قيل من ان القطاع التجاري يخلق قيمة ومن ثم قيمة فائضة ضمن بعض التقعيرات التي سنجدها كراسات التعميم المصرية الصنع.
ويقول ماركس في ذلك ان التاجر يكمل دورة فلوس – سلعة – فلوس. اذ يدخل الرأسمالي الى الساحة برأسماله الذي يتحول في المصنع الى سلع ولكنه لا يبيع السلع مباشرة فيما كان في امكانه ان يفعل ذلك. انه يعطيها – على هيئة سلع الى التاجر الذي يدفع له مقابلها فلوس. الجزء الاخير اذن من دورة فلوس – سلعة – فلوس قام به التاجر والجزء الاول قام به الرأسمالي الصناعي. وسنلاحظ خلال ذلك ان الفلوس غيرت شكلها الى سلعة ثم عادت السلعة فغيرت شكلها الى فلوس. وخلال هذه الدورة فان السلعة من حيث جوهرها ظلت هي السلعة بكل اختصار وبساطة. فبعد ان اكسبها العامل"قيمتها" في المصنع او في المراحل السابقة على التصنيع بقيت على ما هي عليه خلال وجودها في يد التاجر ثم بيعها للمستهلك. السلعة لم يركبها عفريت ليزيد من قيمتها الحقيقية في هذا المشوار. ما هي القيمة اذن التي اضافها التاجر الى السلعة؟. لا شئ. ولان قيمة السلعة ثابتة فان مهارة التاجر لا تستطيع الا ان تتبدى اما في التلاعب بعوامل هامشية تتعلق بالتوزيع اذ ان السلعة تباع في نهاية المطاف مقابل سلعة اخرى مساوية في القيمة كقانون عام.
كما يقول ماركس في رأس المال الجزء الثاني الباب السادس "حين تباع السلع بقيمتها فان حجم القيمة التي تتواجد في يد البائع والمشتري يظل دون تغير. ما يتغير هو فقط شكل تواجد هذه القيمة . واذا لم تباع السلعة بقيمتها فانه عندئذ لا تتغير القيمة التي تحولت. فالموجب في جهة يتحول الى سالب في الجهة الاخرى".
ثم يرد ماركس على القائلين بان من يوزعون السلع يتعبون ويشقون ويكدون ثم كيف تقول يا عم انهم لا يضيفون قيمة الى السلعة بقوله "ان الابعاد التي يكتسبها تحويل السلعة (من شكل الى شكل) لا يمكن ان تحول ذلك العمل الذي لا يخلق اي قيمة الى عمل ينتج قيمة".
كما ان ماركس اشار في رأس المال الجزء الثاني الباب السادس الى هذه المسألة بالذات حين قارن عمل التاجر بعمل الآلة في المصنع. ان الآلة في المصنع لا تضيف في ذاتها اي قيمة ولكنها تعجل من معدلات تكوين القيمة الزائدة. بعبارة اخرى تزيد الآلة من قدرة العامل على الانتاج في يوم العمل ذاته او مما يسمى اليوم بمعدل الاستغلال ومن ثم تزيد من نسبة الحصة التي يحظى بها رأس المال على هيئة قيمة فائضة او زائدة دون ان تغير من التركيب العضوي للقيمة.
يعرض ماركس بعد ذلك وظيفة اخرى في المصنع هي وظيفة المحاسب. ويقدم بعد ذلك المعيار الذي يمكننا ان نقيس عليه كافة الحالات المشابهة بقوله "ان تقسيم العمل واعلانه مستقلا لا يجعلان من وظيفة معينة وظيفة خالقة للقيمة ما لم تكن وظيفة اصيلة (اي تتواجد في جوهر المفهوم المطروح وهوالعملية الانتاجية) اي لو لم تكن كذلك قبل ان تعلن انفصالها".
ماذا يعني المفكر الكبير بذلك؟. انه يعني اننا لو رأينا في اي حقبة سابقة ان الرأسمالي كان يبيع انتاجه مباشرة دون حاجة للتاجر او للمحاسب (كما كان يحدث بالفعل اذ كان الصانع يبيع سلعه مباشرة ويحسب مصروفاته وحده كما قال هو نفسه عند شرحه لهذا المسألة) وكما اشرت في مداخلة سابقة او ان صانع القيمة يبيعها مباشرة اي يحول شكلها الى فلوس او الى سلع اخرى مرادفة في القيمة فان ذلك يعني ان انفصال عملية البيع عن عملية التصنيع لا تجعل من الاولى خالقة للقيمة اذ تظل الثانية - اي صنع السلعة - هي الوحيدة الخالقة للقيمة في هذه الدورة وداخلها اي دورة فلوس – سلعة – فلوس في علاقتها بالسلعة التي انتجها عامل المصنع ويوزعها التاجر.
بل ان ماركس يصف بصراحة محاولة وصف عملية تحويل وظيفة غير خالقة للقيمة كوظيفة التاجر الى وظيفة خالقة للقيمة بالمعجزة. فضلا عن ذلك فان رأس مال التاجر هو بالتحديد سلع الرأسمالي المنتج كما قلت من قبل لمن يريد ان يفهم. اي ان الفلوس التي دفعها التاجر لعماله محسوبة من رأس مال المنتج والفلوس التي دفعها التاجر للصانع هي عملية تحويل تحدث داخل الدورة ذاتها وهي لم تغير من اصل رأس المال على نحو ما تلقاه التاجر من الصانع (اي على هيئة سلع). ولو افترضنا اضافة اي ربح وبصرف النظر عن وجود اثنين ينجزان نفس العملية وليس واحدا فان علينا ان ننظر الى رأس المال الذي "يحقق" هذه العملية بالذات وليس الى كيف انتقل من هذه اليد الى اليد الاخرى اذ انه واحد في الحالتين من وجهة نظر تلك الدورة.
ولكن كيف يمكن السقوط في براثن "الشكل" الذي يؤدى به العمل الى هذا الحد؟ الماركسي لا ينظر ابدا الى شكل العمل او مظاهره التي تبدو للاعين ولكنه يسعى لتحليل العلاقة بين هذا العمل وخلق القيمة ومن ثم القيمة المضافة.
وحتى نبسط الامر نعيد الى ذاكرة الجميع ان ما يحدث في الواقع ان السلعة تباع اولا لتاجر جملة ثم لتاجر جملة فرعي ثم لتاجر نصف جملة ثم لتاجر القطاعي. اي ان الفلوس تنتقل من يد الى اخرى عدة مرات داخل الدورة الواحدة دون ان يتغير اي شئ اصيل في الدورة التي تحدثنا عنها ولا في قيمة السلعة. هل يمكن اذن افتراض ان كل اولئك – تاجر الجملة وتاجر نصف الجملة وكل من يشتري البضاعة ليبيعها لتاجر آخر - يضيفون قيمة الى السلعة على اي نحو؟ يا عم افهم. ان كل تلك العمليات هي عمليات وسيطة تهدف الى استكمال الدورة اي تحقيق القيمة المضافة.
ولكن المفكر الكبير يحسب رأس المال التجاري ورأس المال الصناعي معا باعتبارهما انفصلا شكليا (اي اصبحا قادمين من مصدرين مختلفين) دون ان ينفصلا عضويا داخل معادلة فلوس – سلعة – فلوس. وعند حساب معدل فائض القيمة في هذه الدورة يتعين علينا ان نحسب الرأسمالين معا كما لو انهما كانا معا يأتيان من مصدر واحد هو مصدر "رأس المال" داخل هذه الدورة بالذات (دون خلطه برأس المال الاجتماعي وهذه التقعيرات التي لا محل لها في هذه المسألة بالذات). بعبارة اخرى يدخل رأس المال التجاري لاتمام حلقة تحويل السلعة الى فلوس ولو كان اتمها الصناعي نفسه لما اختلف الامر. ان الصناعي ضاعف "رأسماله" هو (من ناحية المحتوى) - على الرغم من ان الشكل الظاهر لنا هو انهما شخصيت اثنين يمتلكان رأس المال - بأشراك التاجر الذي "حقق" القيمة الفائضة واعاد تشغيل العمال بسرعة بعد ان فرغ من التوزيع ومن ثم زاد من معدل الاستغلال الذي اشرت اليه اي عجل في بدء دورة انتاجية جديدة ان كان نشطا ثم اقتسم الاثنان تلك القيمة الفائضة بما انهما يكملان الدورة الانتاجية ذاتها. ويعني ذلك ان رأس المال الصناعي ورأس المال التجاري معا يتمان دورة فلوس – سلعة – فلوس فيما يقوم عمال التاجر بتحقيق القيمة الفائضة التي خلقها عمال الصانع ضمن تقسيم العمل في هذه الدورة. ولو افترضنا جدلا ان الرأسمالي الصناعي كان هو صاحب رأس المال الذي وظف في العمل التجاري فان ذلك يمكن ان يحل المشكلة التي حاول بعض السخفاء والمدعين استخدامها في سياق الترويج لمقولة فارغة تفيد في مؤداها النهائي بان الجميع – خدمات وراقصات في كباريه وشركات امنية خاصة وبنات الليل في شركات الدعارة المرخصة في بعض الدول الاوروبية ومذيعو التلفزيون وممثل السينما يساهمون في خلق الثروةة الاجتماعية عن طريق توليد القيمة الفائضة كل على نحو مستقل في قطاعه ومن ثم يتعين اقرار حقوقهم جميعا كمنتجين.
لقد قال ماركس ان العامل في القطاع التجاري لا ينتج قيمة وانا اقول هنا ان العامل في القطاع التجاري لا ينتج قيمة. ولا يمكن الادعاء بانه ينتج قيمة فائضة الا بافتراض انه ينتج قيمة اولا. وهناك من يخلص من ذلك الى ان المفكر الكبير كان مرتبكا ومحتاسا وان نظرته هو الالمعية ادت الى"فقس" الموضوع وكشفه على عكس كهنة المعبد الذين يحاولون التستر على ذلك ولكن كيف لهم ان يتستروا وصاحبنا جالس بالمرصاد لكشف المستور..اي كلام فارغ يمشي. فالناس عادة لا تقرأ في قضايا الاقتصاد السياسي كثيرا ويمكن لاي عبارات مقتضبة رنانة تدخلها كلمات مثل الديالكتيك ومد الامور على استقامتها وبقية المصطلحات البراقة والتي لا تهدف الى شئ الا ابهار من لا يعرفون (وهي امور كان يسخر منها ماركس بتسميتها باصحاب ال"كاتش فريز") – من الممكن ان تعطي انطباعا ان شخصا يعرف المستور والجدل المسروق والخفايا المسكوت عنها. ولكن ذلك لا ينبغي ان يمر.
هناك اذن فارق بين عمل التاجر وعمل الطبيب. الطبيب يصون السلعة الاهم في المجتمع اي قوة العمل والتاجر "يحقق" فائض القيمة (اي بالانجليزية "رياليز" حيث انني حاولت وضع الكلمة بالانجليزية في النص ولكن تبين ان ذلك يستعصي على قدراتي التكنولوجية الا ان يأتي الامر بالصدفة) اي انه لا يولده ولا يتساوى مع منتج فائض القيمة اي العامل. هناك اذن فارق بين العمل المنتج للقيمة والعمل الذي "يحقق" القيمة الفائضة. وتحقيق القيمة الفائضة هنا – لو جاز لنا استعارة التعبير من هيجل – هو "تحويلها" الى صورتها الاخيرة في الدورة اي الى فلوس.
عمل الطبيب اذن مولد للقيمة من حيث علاقته بصيانة قوة العمل وتجديدها. وعمل المدرس مولد للقيمة من حيث علاقته برفع مستوى تعليم ومهارات القوة العاملة في المجتمع (راجع ما اوردته مما قاله ماركس في المانيوسكريبت اعلاه). ويمكن لاي بروجوازي "نص كم" ان يقول ان عمل الشرطي مهم ومولد للقيمة من حيث حمايته لامن القوة العاملة او اجبارها على العمل بفض الاضرابات. وهكذا سنصل الى ان عمل القضاة والقانون والاعلام والمطربين والمطربات والشيوخ مولد للقيمة ايضا. وكذا البنوك وبرامج الترفيه والسلوى الروحية والنفسية وضع ما تشاء لتصل الى ان الكل زي اسنان المشط ومن ثم تصل الى نتيجة واحدة تبدو عندئذ منطقية : حافظوا على الدولة والمجتمع الرأسماليين لانهما معا كده في سلة واحدة يولدون القيمة ويحققون الثروة الاجتماعية بفضل الله وبفضل اصحاب هذه التنظيرات البلهاء. انهم جميعا مهمين لسعادة الجميع بينما العكس تماما هو الصحيح اذ ان قطاع "الخدمات" غير ذي صلة بتوليد القيمة هو عبء على توليد القيمة في حالات كثيرة. الا ان هذه قضية اخرى قد اعود اليها في مناسبة لاحقة.
ان القطاعات الانتاجية المولدة للقيمة تتقاضى اجورها من رأس المال لتعيد هذه الاجور بعد ذلك الى رأس المال مضافا اليها فائض القيمة. اما قطاعات الخدمات التي لا تولد القيمة المضافة ولا علاقة لها بالعملية الانتاجية على اي نحو مباشر او غير مباشر فانها تحصل على دخلها من اجور العاملين ومن ارباح الرأس ماليين. فمن يذهب ليشتري تذكرة في السينما يدفع ذلك من اجره ان كان عاملا او من ربحه ان كان رأسماليا. وقطاع الخدمات هذا يتحرك في مساحة لا تتصل بمد وتوسعة رأس المال وان كان يولد ربحا. وفي حالة قطاعات الخدمات التي تتصل بصورة غير مباشرة بالعملية الانتاجية مثل المواصلات التي تنقل العمال الى عملهم وتختصر وقت قوة العمل خارج نطاق العمل او تصون هذه القوة او تمدها بالقدرة على العمل او ترفع عن كاهلها مشاق ما هو غير متصل بعملية العمل لتكثف قواها في انتاج القيمة والقيمة المضافة فانها تساهم بصورة غير مباشرة في خلق القيمة. من هنا تكمن اهمية دراسة خصوصية العلاقة بين اي قطاع خدمي وعملية توليد القيمة. ان ماركس كان حريصا على ان يسمى الفلوس التي تستثمر في اي مجال لا صلة مباشرة او غير مباشرة بعملية توليد القيمة بالمبلغ (فند بالانجليزية) وان يسمي صاحب المسرح او دار السينما "المستثمر". لقد اراد باختصار التأكيد على ان دورة الربح في قطاع الخدمات لا صلة لها بمفهوم رأس المال وتوليد القيمة والقيمة المضافة اذ ان بيوت الدعارة والملاهي والبارات والمسارح وجدت قبل ان يوجد هذا المجتمع كما اشرت. بل انه اشار بصراحة الى ان الدورتين هما امرين منفصلين تماما.
ومشكلة اي دارس للاقتصاد السياسي هي انه يرغب دوما في تحويل القيمة الى شئ ملموس قابل للفهم البسيط والمباشر. الا ان القيمة طبقا لماركس تقدم نفسها للدارس باعتبارها عمل اجتماعي تحت ظرف معين ومحدد هو ظرف نمط وعلاقات الانتاج الرأسمالية. وليست هذه هي مشكلة الدارس الآن فحسب ولكنها ايضا كانت مشكلة سميث وريكاردو اذ انهما لم ينظرا الى القيمة باعتبارها مفهوما مجردا واجتماعيا. وعلى الرغم من رغبتي الدائمة ان ابتعد عن العبارات الرنانة الا انني اعتقد ان نقيصة ريكاردو الاساسية هي انه نظر للقيمة على اساس كمي اي بحصر نظرته في الشكل الذي تبدو به في نهاية المطاف اي القيمة التبادلية اي انه فهمها من زاوية حجمها وليس من زاوية محتواها. وكان ذلك راجعا على وجه التحديد الى لا جدلية ريكاردو وليس الى جدليته التي سرقها ماركس وزعق بعد ذلك حتى يغطي سرقته على نحو ما زعم كاتبنا. وظل ريكاردو دوما ينظر الى القيمة باعتبارها دالة في الفلوس كما نظر الى الفلوس باعتبارها مجرد وسيلة للتغلب على صعوبة عمليات المقايضة اي من مفهومها التقني وليس من مفهومها الاجتماعي. ولا اريد ان اثقل على القارئ هنا بما لا يتصل بموضوعنا مباشرة ولكنني اردت فقط القول ان دراسة ريكاردو تبرهن ان الرجل كان قادرا على رصد آليات عمل المجتمع الرأسمالي بنظر ثاقب حقا الا انه لم يتمكن من حل القضايا التي اثارها هو نفسه. وقد تسنح فرصة للكتابة عن اوجه القصور التي حالت دون ان يستكمل ريكاردو مشواره ولكن يكفي هنا ان اشير الى ان ما جعل ماركس قادرا بعد ذلك على وضع "رأس المال" هو درايته الفلسفية العميقة وعلى وجه التحديد استخدامه لديالكتيك هيجل بعد ان نزع قشرته الصوفية حسب قوله. وانا انتمي باختصار الى من يقولون ان ماركس كان هيجيليا من حيث الادوات وطريقة التحليل والتركيب للظواهر التي يعالجها.
والنظر الى القيمة من الزاوية الكمية يجعل المرء يعتقد ان العامل التجاري – كما رأه سميث – هو عامل منتج فقد كان من المستحيل عليه ان يميز على هذا الاساس الكمي بين خلق القيمة وتحقيق القيمة المضافة اذ انه عجز عن رؤية "مفهوم" القيمة المضافة من الاصل. بل ان الادب الرأس المال لا يزال حائرا حتى الآن في وضع اساس نظري يفسر الربح الذي يحققه الرأس مالي. واذا افترضنا ان "كل القطاع الخدمي بصفة عامة" يساهم في توليد القيمة لكنا كمن يعفي الاقتصاديين الرسماليين من هذا المأزق بكرم ما بعد كرم ونتخلى عن الماركسية تماما.
والآن قد يكون مفيدا للقارئ ان ينتقد هو نفسه ما قاله واحد من هواة الحديث عن الاقتصاد السياسي طبقا لمنهاجنا الجامعية ولكراسات التعميم الجامعية المصرية الصنع اذ سأورد هنا حرفا بحرف ما قاله في هذا الصدد :
" على الرغم من أن ماركس كان يرى أن إنتاج القيمة الزائدة يتم فى حقل الإنتاج المادى، كما يتم فى حقل "الإنتاج غير المادى"، ويضرب على ذلك مثلاً، فى المجلد الأول من "رأس المال"، حين يقول:"... وإذا ذكرنا مثالاً من خارج نطاق الإنتاج المادى، لوجدنا أن المُعلم فى المدرسة يُعد عاملاً منتجاً حين ينهك نفسه أثناء العمل، من أجل إثراء مالك المدرسة، بالإضافة إلى تعليم الأولاد. أما كون مالك المدرسة قد استثمر رأسماله فى مدرسة للتعليم أم فى مصنع لإنتاج المقانق، فذلك لا يغير من الأمر شيئاً..." أى أن ماركس لديه الوعى بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادى، أى الرأسمال الصناعى. نقول على الرغم من ذلك إلا أنه وجد صعوبة، على ما بدا لى، حينما إنتقل، فى المجلد الثالث، إلى مناقشة الربح التجارى. وبصفة خاصة حين تسائل كيف يُنتج العمال فى قطاع التجارة قيمة زائدة:"ما وضع العمال المأجورين الذين يستخدمهم الرأسمالى التجارى؟" إذ رأى أن العمال فى حقل الإنتاج غير المادى ينتجون قيمة زائدة، وإنما بشكل غير مباشر، إذ بفضل عملهم يحصل الرأسمالى التجارى، أى قطاع الخدمات، على القيمة الزائدة المنتجة فى حقل الإنتاج الصناعى، ويقدم لذلك تفسيرين، الأول: "أن الرأسمال الصناعى ينتج القيمة الزائدة من خلال الاستيلاء مباشرة على عمل الآخرين غير مدفوع الأجر، أما الرأسمال التجارى فانه يستولى على جزء من القيمة الزائدة عن طريق اجبار الرأسمال الصناعى على التنازل عن أحد أجزاء تلك القيمة له". وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن الرأسمال التجارى يدخل فى حساب الرأسمال الاجتماعى الكلى، بعد أن يفقد هويته أثناء الإنتاج، ولا ينبغى أن يضللنا تفاوت الدورانات واختلافها من نوع إلى آخر من الرساميل. الثانى: "أن العامل فى قطاع الخدمات لا يخلق قيمة زائدة مباشرة، بل لأنه يساعد فى تقليص تكاليف تحقيق القيمة الزائدة". وهذا التفسير أيضاً غير صحيح؛ فالعامل، فى قطاع الخدمات، لا يقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتجة فى قطاع الصناعة، وإنما يخلقها فى قطاعه هو. ولا شأن له بقيمة زائدة منتجة فى قطاع آخر. إلا بقدر كون ما ينتجه من قيمة زائدة هو أحد الأجزاء المتساوية من القيمة الزائدة الإجمالية على الصعيد الاجتماعى. وأنا أرى أن التفسيرين، بمثل هذا التشوش، إنما يرجع إلى الطريقة التى تعامل بها ماركس مع الرأسمال التجارى، ومن ثم الربح التجارى، فبعد أن حلل ماركس القوانين الموضوعية التى تحكم عمل النظام الرأسمالى، الصناعى، وجد لزاماً عليه أن يحلل رأسمال، رأه هو، أى ماركس، له طبيعة مختلفة، وهذا غير صحيح، وهو الرأسمال التجارى، وبعد أن استبعد قدرة هذا النوع من الرأسمال على خلق القيمة الزائدة، كان عليه أن يدخله، خلسة، بنصيب فى الإنتاج الصناعى. ومن ثم تعود إليه قيمة زائدة، تصور ماركس انها أنتجت فى حقل الصناعة، وحتى لو كان ذلك صحيحاً من زاوية ما، فإنما أنتجت القيمة الزائدة بفعل دخول الرأسمال التجارى بنصيب فى الدورة الرأسمالية الكلية على الصعيد الاجتماعى. أما وانها خلقت فى المصنع، برساميل صناعية وتجارية، فهو لا يعنى على الاطلاق أن الرأسمال الأخير لم يسهم فى خلق القيمة الزائدة، بل العكس هو الصحيح. ان الارتباك يزول حين يُعاد النظر إلى الرأسمال التجارى كأحد أجزاء الرأسمال الكلى على الصعيد الاجتماعى، من جهة، وحين ننشغل بحقل الرأسمال التجارى، بوصفه السابق، ونحلل كيف تُنتَج القيمة الزائدة بداخله كحقل مستقل فى نفس الوقت، من جهة أخرى. وعلى كل حال ليس من المناسب هنا إلا أن نذكر أننا نمد، بدون إلتواء، القوانين الموضوعية التى تحكم عمل التنظيم الاقتصادى الرأسمالى الصناعى، على القطاع الخدمى. وكما يمكن استخلاص قيمة زائدة من عامل الحديد والصلب، فيمكن، بالمثل ووفقاً لنفس القانون، استخلاص قيمة زائدة من الطبيب الذى يعمل فى أحد المستشفيات طبيباً مأجوراً"
لن اعلق على هذا التخريف المشوش ( فالعامل، فى قطاع الخدمات، لا يقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتجة فى قطاع الصناعة، وإنما يخلقها فى قطاعه هو) اذ سأترك للقارئ فرصة لتأمله ولمعرفة مدى تخبطه. ولكنني فقط سأقول ان الاقتصاد السياسي الماركسي هو رأس رمح المنهج الماركسي الذي برهن على ان المجتمع الرأسمالي هو مجتمع مؤقت ومصيره الى زوال. وحين نصدق هذه التخريفات فاننا نزيل حجر الاساس للاقتصاد السياسي الماركسي ونصفي رؤيتنا للطبقة العاملة باعتبارها المسؤول تاريخيا عن دفن هذه الوصمة التي باتت تخنق البشر في كل مكان من عالمنا الفسيح. ولا احسب ان ذلك بالامر الذي يستحق الاعجاب والتصفيق بل انه يستدعي ان يواجه بلا مواربة ولا مجاملة. لا احد كما قلت من قبل يعتقد ان ماركس كان آخر المرسلين ولا حتى اولهم. ومن حق الجميع نقده بل ان حجم ما كتب في نقد ماركس فاق مئات المرات حجم ما كتبه هذا المفكر العظيم. ولكن على من ينتقدون ان يوضحوا اسباب نقدهم وان يزيلوا البرقع الماركسي عن وجوهههم وان يكفوا عن منطق جامعاتنا المصونة التي تحكمها عبارات من قبيل "هكذا انهينا المنهج وسأحدد الآن الابواب التي سيأتي منها الامتحان". كما ان عليهم ان يكفوا عن محاولات ابهار من لا يعرفون بقدر كاف عبر حشر كلمات مفتعلة اي وضع شوية "ديالكتيك" على شوية اسماء كبيرة على ادعاء فارغ بالمعرفة ليصفق هؤلاء لعبارات ال"كاتش فريز". فالحبال عادة ما تلتف حول ارجل امهر الراقصين. وهي الآن تلتف حول بعض من اسؤهم ايضا.