محاولة لقراءة ماركسية, للمملكة العربية السعودية.


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 12 / 12 - 11:56     

توجد هناك قراءات عديدة للوضع الداخلي والخارجي للسعودية, وهذه القراءة, هي مجرد محاولة نعرضها على القراء, فلا ندعي هنا أن هذه القراءة تستنفذ القراءات الاخرى, الا انها مجرد محاولة لاستعراض بعض النقاط الجوهرية من سمات المملكة السعودية, الاقتصادية والاجتماعية.
وما يراه القراء من احصائيات وارقام هي ما توفرت لدينا من على الانترنت والكتب المتاحة, على قلتها جميعاً.

لقد طرأت تغيرات كبيرة منذ السبعينات من القرن الماضي على القاعدة الاقتصادية للسعودية, تمت في ظل السلطة الملكية الاقطاعية وتحت حمايتها, ان العامل الأهم في تغير بنية المجتمع كان الايرادات النفطية الهائلة, التي لا يمكن أن يقارن بها, لا تدفق الذهب من القارة الأمريكية, ولا الايرادات من المستعمرات وتجارة العبيد التي عمت اوروبا في القرون الوسطى, هنا ترد الى اكثر من 19 مليون نسمة"1" أكثر من 336 مليار دولار سنوياً يذهب القسم الأكبر منه, كما سنبين لاحقاً, في جيوب حفنة صغيرة من المستغلين, الذين يسعون الى مواصلة ثرائهم والانضمام الى نادي الاحتكارات الامبريالية الدولية.
في اوروبا اقترن نشوء اسلوب الانتاج الرأسمالي بهزات ثورية وبنضالات مسلحة من جانب البرجوازية ضد البناء الفوقي الاقطاعي, أما في السعودية, فقد جرت بشكل مفاجيء وبهدوء نسبياً, وفي ظل سلطة مطلقة, سلطة الأرستقراطية القبلية الحاكمة.
تجدر الاشارة الى أن القوى السياسية في السعودية بعيدة جداً عن أن تكون متكافئة, وتقوم السلطة الملكية هنا على جبروت الجهاز التعسفي وتعتاش على تخلف جماهير السكان وتجهيلها, حيث لا يزال قسم كبير من السكان اسير عادات وتقاليد بدوية واسلامية وقبلية متعفنة, وعموماً, لا يعرف هذا القسم من السكان كل الأشكال البرلمانية للسلطة, ويتقبل النظام الملكي الثيوقراطي, وجهاز القمع بشكل محتم عموماً, ولا يوجد في السعودية حتى (الدستور), وفي السعودية الغيت شكلياً العبودية المقترنة بالدين, غير أنها لا زالت قائمة عملياً حتى الان, بجانب اشكال اخرى من العبودية (الخدم, شكل علاقة المحليين بالعمالة الوافدة), الخ.
بالاضافة الى ذلك, تحظى هذه الأنظمة بدعم شامل من قبل الاحتكارات النفطية والدول الامبريالية التقي تقف ورائها, British petroleum و occidental petroleum corporation.
فالولايات المتحدة الأمريكية ترى في البلاط الملكي السعودي ضماناً لتوريد النفط دون انقطاع, الى ماكنتها الاقتصادية الحربية, ومنبعاً لتوريد المليارات من الدولارات النفطية في اقتصادها (التوريدات الحربية التي ليس لها مثيل في الحجم تاريخياً, والمساعدات المالية, الخ)"2" وترى واشنطن في سلالة الملوك السعوديين حليفاً سياسياً رئيسياً في العالم العربي, ولذا, تبذل كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على عرشهم (بغض النظر عن هذا الخلاف السياسي أو ذاك), وتزود الولايات المتحدة السعودية بأحدث الأسلحة وتدرب جيشها.
ومع العوائل المالكة ورجال الدين وكبار ملاكي الأراضي الأغنياء وشيوخ قبائل البدو الرئيسية غدت البرجوازية التجارية-المصرفية الكبيرة فئة من النخبة الحاكمة, ويجتذب ممثلوها الى ادراة شئون الدولة, ويعينون وزراء, ويسمحون لهم بانشاء شركات تجارية ومالية وصناعية ومشاريع مستقلة أو بالمحاصصة مع الدولة, وبذلك تشهد الملكية المطلقة, من حيث مضمونها الاجتماعي, اتجاهاً نحو الانتقال التدريجي الى ملكية برجوازية منذ عدة عقود, وهذه الملكية تعبر عن مصالح مختلف الطبقات الاستغلالية.
أما بالنسبة للفئات الدنيا, فانه مهما قلت الحصة المخصصة لها من ايرادات النفط فهي كافية, من حيث مقدارها المطلق, لكي تتمكن الأوساط الحاكمة والطبقات الاستغلالية لفترة من الزمن من (رشوتها), واخماد غضب الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة والمثقفين بسبب حرمانهم من الحقوق السياسية. وتنمو في السعودية فئة (ارستقراطية عمالية), التي كثيراً ما يختلف مستوى معيشتها عن طروف ومعيشة العمال في الدول العربية الاخرى, وفي ظل هذا الوضع, من الصعب ان يكون لدى الجيل الأول من الطبقة العاملة المحلية وعي طبقي متبلور.
ان الاستراتيجية الاجتماعية للأوساط الحاكمة تكمن في اجتذاب القوى العاملة الأجنبية, لا بسبب النقص في القوى العاملة المحلية, بل لغرض خلق تباين اجتماعي ومادي وقانوني بين العمال المحليين والأجانب, والضغط على سوق العمل الداخلي وتحويل النزاعات الاجتماعية من الصراع الطبقي المتناحر, الى صراع بين العمال أنفسهم.
فمثلاً, تلزم السلطات السعودية, الشركات الغربية, لضمان بناء هذا المشروع أو ذاك, باستخدام القوى العاملة الأجنبية, التي ينبغي تهجيرها مع الانتهاء من العمل, وفي السعودية, يشتغل ما يربو من 9 ملايين عامل وموظف اجنبي, من اصل 28 مليون نسمة, اي أكثر من ثلث السكان, ويشكل هؤلاء عدد كبير من الجنسيات, وبالأساس من اليمن, مصر, السودان, الهند, اثيوبيا, الفلبين, باكستان, وكانت العمالة الوافدة تشكل نصف السكان في بداية الثمانينات..
وتأتي الطفيلية (الموقف السلبي من العمل, والعيش على حساب عمل الاخرين, عدم الانتاجية, انتظار نتائج جاهزة) خاصية جوهرية للمجتمع المحلي في السعودية, فقد انهالت أموال طائلة عليها وعلى غيرها من دول الخليج, دفعة واحدة وكأنها من السماء, بدون جهود كبيرة من جانبها.
ولا يثير الاستغراب, ان الأوساط الحاكمة في السعودية وكذا دول الخليج, لا تعتبر الامبريالية والصهيونية عدوها اللدود, بل تعتبر كل القوى التقدمية في المنطقة عدوها الأول, فقد استولت هذه الدولة على الريع النفطي, وترى مهمتها الرئيسية الان, في حماية ثروتها وسلطتها, وحماية دولها (الخليج), من اي (هبة) تغيير, ولا يمكنها القيام بذلك الا اعتماداً على الامبريالية.
ان الأمر المذهل, ليس نطاقات اغتناء الأوساط الملكية والتجارية المالية فحسب, بل وأن هذه المبالغ الخيالية تتركز كلياً تقريباً في أيدي العائلات المالكة, ومن الصعوبة الوقوف على المقادير الدقيقة, لثروة العائلة المالكية السعودية, وذلك لأن المعلومات عنها في طي الكتمان, الا أن المتاح, يشير الى ان الثروة تزيد عن 1000 مليار دولار, وثروة عبدالله بن عبد العزيز تقدر بأكثر من 22 مليار دولار, وعلى اية حال, فان الثروة الشخصية لحكام النفط في السعودية ودول الخليج الاخرى, قد تخطت منذ زمن بعيد, من حيث المقادير, ثروات الاسر الاوليغارشية في الدول الامبريالية, مثل روكفلر ومورغان وروتشيلد.
ان أفراد النخبة الحاكمة في السعودية يشكلوا بالتعاون مع البرجوازية التجارية-المالية, ما يسمى ب(السلطة النفطية الدينية), التي هي احدى قوى العصر الأكثر رجعية, ونظراً لأن هذه السلطة عاجزة عن الاستخدام المنتج للثروات المكدسة, فهي تصدرها على هيئة رأسمال تسليفي الى الغرب, فتحول بذلك الدولارات النفطية الى ودائع مصرفية, وسندات على الخزينة وأسهم وممتلكات غير منقولة, وغدت السعودية, ومعها دول الخليج الاخرى مقرضة للاحتكارات الدولية والبلدان الامبريالية, وافتتح امام مصدري الأسلحة وبضائع الاستهلاك سوق واسع للتصريف وبضائع جديدة للاثراء. وبمشاركة رأسمال الممالك النفطية انشأت الشركات متعددة الجنسيات مؤسسات ائتمانية وأرصدة استثمار كثيرة للتوسع في دول الطرف الرأسمالي, وتتحول القوى الحاكمة في السعودية وغيرها الى حلفاء مباشرين للرأسمال المصرفي الدولي, ومستغلي الشغيلة في البلدان الرأسمالية الطرفية وحتى المتقدمة.
أما في المجال السياسي فتسعى السعودية بالتعاون مع الحلفاء الغربيين, الى التمتع بنفوذ قوي في العالم العربي, والبحث عن حلول ارهابية في الشرق الأوسط يمكنها لدى الحفاظ على الوحدة الطبقية بين السلطة النفطية والرجعية الدولية, ان تضمن السعودية الزعامة في العالم العربي, بجر شتى الدول الى محاور سياسية رجعية باستخدام المال النفطي.
ان تطور اقتصاد النفط وبناء الطرق والمدن, قد ادى الى بروز ظواهر اجتماعية عديدة, منها ما يظهر للعيان, وما لا يثير الاستغراب, أن يبدو (الشيخ) في هيئة تاجر أو مصرفي, بل وأحياناً كثيرة, حتى وصناعي, غير أن المواقع الأساسية في المشاريع الرأسمالية الخاصة لا تشغلها البرجوازية المنتجة, بل التجارية والطفيلية والمضاربة بالعملة, أما الطبقة العاملة المحلية, فتتكون اساساً من المنتجين الصغار, الحرفيين, التجار الذين اصيبوا بالخراب, صيادي الأسماك, الفلاحين, البدو الذين يرسلهم الشيوخ للحصول على الأجر, ويعمل عدد لا بأس به من البدو في الجيش, ويتجنب هؤلاء العمل الجسدي الشاق في المشاريع الصناعية.
ان المجتمع في السعودية لا يزال على العموم, متعدد الأنماط, الا أن النمط السائد هو الرأسمالي اذا اعتبرنا القطاع النفطي قطاع رأسمالي (وهو كذلك بالأساس), فالعلاقات الانتاجية الرأسمالية في الممالك النفطية, لا تزال مثقلة, الى حد كبير, بمخلفات الاقطاع والعبودية.

السمات الاجتماعية الرئيسية للسعودية:
1- لقد أدى استخدام مبالغ طائلة من الدولارات النفطية الى تغييرات هائلة في حياة المجتمع السعودي, فيجري بنطاقات لا مثيل لها من قبل, اثراء الأوساط الملكية الاقطاعية والأوساط البيروقراطية العليا, والبرجوازية التجارية والمالية, حيث اصبحت شخصياتها تعرض كمثل على الثروة, وأخذت هذه السمة طابعاً مفضوحاً تماماً.
ترصد أموال كثيرة لارشاء قسم من الفئات السكانية القليلة الدخل بهدف تلطيف التناحرات الاجتماعية, ويجري تحسن ظروف العمل والمعيشة ل(بعض) الشغيلة المحليين, بأشكال غير حادة من الصراع الطبقي, مما يعيق بلا ريب, ادراك الطبقة العاملة, الفئات المهمشة, لمهمتها التاريخية, ويتطور الصراع الاجتماعي هنا, بدرجة معينة, لا عمقاً, بل افقياً, ان صح التعبير, حيث تشارك فيه جماهير العمال المهاجرين المحرومين عملياً من الحقوق والمطبق عليهم (العقوبات الاسلامية الرجعية), والذين يعيشون في ظروف اسوأ من المحليين. وهذا الواقع, وواقع (السموم الطائفية) التي تبثها الأوساط الحاكمة بين صفوف الناس, غالباً, ما يعيق هؤلاء واولئك في النضال من أجل مصالحهم.
2- ان كثرة أفراد العشائر الحاكمة, التي نفسرها بتعدد الزوجات, وأصل وطابع صلات القربى, والعلاقات المتبادلة المعقدة داخل العشائر, التي غالباً ما شهدت صراعات قاسية وحتى دموية, ونمط التفكير الاجتماعي النفسي المتفاعل مع الدين, وسلوك ارستقراطية القبائل, والغلاف الديني للمملكة, وطراز وطايع السلطة الملكية ذاتهما-كل ذلك علائم جلية للنظام الاقطاعي مشوبة بعلاقات سابقة للاقطاعية, ويتناقض هذا تناقضاً صارخاً مع وسائل الحصول على المبالغ الطائلة, ووسائل استخدامها, فتأخذ هذه طابعاً رأسمالياً.
3- يعيش سكان السعودية فيما يشبه عالمين في ان واحد, عالم قديم جداً, أقطاعي, وعالم جديد, رأسمالي.
لقد بقيت من الماضي الملكية المطلقة, وشرائح القرون الوسطى الدينية في الحياة السياسية-الاجتماعية والمنزلية, ومن هنا يأتي تسلط رجال الدين, وخضوع المرأة وحرمانها من الحقوق, والمعاقبة العلنية بالرجم, وقطع يد السارق, وحرمان الأشخاص ذوي الاعتقادات الدينية المغايرة من زيارة المدن الدينية, وينقسم المجتمع المحلي الى قبائل, ويتم رفض القواعد الديمقراطية البرجوازية, وتضفى صفة دينية على الأعمال السياسية الخارجية والداخلية, ويبث روح الدين القديم بين الناس.
ومما يثير الاهتمام, وتجدر الاشارة اليه, الى أنه وبجانب مما ذكر في هذه النقطة, فان دخول متطلبات الحياة العصرية والحوسبة والانترنت, الشوارع العصرية والفنادق الفارهة, أغلى السيارات, القصور بكامل زينتها, أي تداخل نفسية وأيديولوجيا الجماهير الدينية بالعناصر الاقطاعية, تداخل هذه مع (الحياة العصرية الماصلة), قد ولد النزعة الاستهلاكية التي لم تشهد البشرية مثيلاً لها على الاطلاق, في السعودية.
وينسحب على هذا, بحدود مختلفةعلى الدول الخليجية الاخرى.
4- وبالرغم مما ذكر ايضاً, الا أنه يسعنا ان نقول, بأن في السعودية والدول الخليجية الاخرى, توجد قوى تتصدى للسلطة النفطية, وتحالفها مع الامبريالية, تسعى للاطاحة بالنظام القائم, وثمة ممثلون للمعارضة اليسارية والليبرالية وسط العمال والمثقفين, غير ان كثير من محاولات هذه القوى التقدمية قد قمعت بقساوة.
ومما يساعد على تثبيط الحراكات الجماهيرية للناس وتثبيط الصراع الطبقي, السيكولوجيا الدينية المنتشرة بين الناس, والسلطة الأبوية في الحكم وتأكيد السلطات على (المستوى المعاشي العالي للمحليين قياساً بعمال الدول المجاورة), وتأكيد السلطات بكافة الطرق (على ان النظام الحاكم يحمي المقدسات الدينية, وهو صمام الأمان لمكة والمدينة), والتأكيد الديماغوجي على (النظام السياسي الديني السمح).. الخ.
ويجب أن نؤكد هنا, بأن الأنظمة النفطية تسعى بالتحالف مع الامبريالية والأنظمة الرجعية للدول المجاورة, الى المساعدة في تعزيز القوى المحافظة في الدول العربية الأخرى, وتحاول جاهدةً أن تبعد اي (مجرد رائحة) للتغيير السياسي عن حدود بلدانها.
ونؤكد ايضاً, بأن (التناقضات داخل البنية التحتية, والتناقضات بين البناء التحتي والبناء الفوقي المتعفن) و(بين المتطلبات الموضوعية لتحديث علاقات الانتاج وبين الجهل الديني) هي من الحدة, بحيث لا يمكن الا وأن تجد لها حلاًُ في نهاية المطاف, حتى ولو كان حلاً جزئياً.
وبالطبع لا نستطيع ان نتكهن بطرق ذلك التحويل (داخيلة-خارجية) – (طبيعية-ثورية) لصعوبة الوضع المعقد هناك.

ان مسيرة مجتمعات ممالك النفط العربية تبين أن (أمطار الذهب) من النفط قادرة على اخماد التناحرات الاجتماعية مؤقتاً, ولكن الأحداث العالمية, والتناقضات الداخلية المتفاقمة فيها, تشهد على أن امكانيات الأوساط الحاكمة في المناورة الاجتماعية حتى في اقصى ظروف الازدهار, بعيدة عن أن تكون (لا محدودة)

"1" - نتحدث عن السكان المحليين فقط.
"2" – نشير الى صفقة التسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية سنة 2010 بقيمة 60 مليار دولار ثمن اسطول كامل من الطائرات الحربية مع عقود صيانتها, وتعتبر هذه الصفقة, أكبر صفقة تسليحية في التاريخ.

المصادر:
1-كتاب الخليج العربي, غريغوري بونداريفسكي, دكتور في فلسفة التاريخ.
2-كتاب التحول الرأسمالي للاحتكارات النفطية,روبين اندرياسيان, دكتور فلسفة في العلوم الجغرافية, رئيس قسم في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الاتحاد السوفييتي
3- الدولارات النفطية والاقتصاد الدولي, ناتاليا اوشاكوفا, دكتورة فلسفة في العلوم الاقتصادية, باحثة لدى اكاديمية العلوم السوفييتية
4- اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني, اضافات, اختصار وتصرف وتحديث.