بعض جوانب النزعة اليسارية المغامرة


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 12 / 9 - 13:31     

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

ان نجاح النضال الثوري يتوقف بدرجة كبيرة على صحة سياسة الحزب الثوري وعلى التقرير الصحيح لطرق ووسائل النضال, الا ان تاريخ الحركة العمالية وحركات النضال الاخرى يثبت بأنها ليست كلها, وليست دائماً, قادرة على وضع سياسة صحيحة, وفي حينه اشار لينين الى احد هذه الأخطاء: النزعة المغامرة.
ان النزعة المغامرة في الحركة الثورية هي سياسة توضع دون ان يؤخذ الواقع بعين الاعتبار, ودون المفهوم الصحيح لنسبة قوى الطبقات في المجتمع, ودون اخذ الاستعداد النفسي للجماهير بعين الاعتبار. وهذا هو السبب في ان النزعة المغامرة تلحق الضرر بقضية الثورة وتقود الى هزيمة القوى الثورية.

وأحياناً كثيرة, فان اؤلئك الذين يسلكون طريق اعمال متسرعة غير مهيأة, تستهويهم شعارات (يسارية مغالية). وهم يريدون عادةً ان يحلوا كل المسائل دفعةً واحدة دون التحضير الضروري ودون ان يأخذوا بعين الاعتبار لا الوضع الحقيقي ولا القوانين العامة لتطور المجتمع ولصراع الطبقات. ومثل هذه الأعمال الطائشة تهدد بتعريض الحركة الثورية بمجملها للخطر وتسبب خسائر بشرية وخسائر سياسية لا مبرر لها, والاضرار في نهاية الأمر بمسيرة النضال كاملةً. وهذا هو السبب في ان لينين ناضل دون كلل ضد النزعة المغامرة في صفوف الحركة العمالية الروسية والعالمية. وقد اعطى لينين تحليلاً وافياً لطبيعة مختلف تجليات النزعة المغامرة داخل الحركة العمالية في عدد كبير من مؤلفاته وخطبه, وخاصة في كتب معروفة مثل (ما العمل 1902), و( خطتان للاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية 1905), وخصوصاً في كتابه (مرض السارية الطفولي في الشيوعية 1920).

وقد اثبت لينين ان احد أسباب النزعة المغامرة لبعض الثوريين هو افتقارهم الى النضوج وضعف اعدادهم الأيديولوجي والنظري, ولجهلهم بقوانين تطور المجتمع وقوانين الصراع الطبقي والثورة, وعجزهم عن ان يحللوا تحليلاً عميقاً ومن جميع الجوانب, العمليات المعقدة التي تجري في المجتمع.
ويضع هؤلاء الناس سياستهم, لا انطلاقاً من ظروف موضوعية بل من رغبتهم الذاتية ومن مفاهيمهم وحيدة الجانب.
لقد بين لينين, ان على الحزب الشيوعي ان يعمل بالاستناد الى أخذ موضوعي لمجمل أوضاع كل طبقات مجتمع معين دون استثناء, وبالاستناد الى اخذ تطور هذا المجتمع, والوضع في البلدان الأخرى وفي العالم بأسره بعين الاعتبار.
وقد قال لينين أن هناك سبباً اخر لظهور اراء مغامرة, وهذا السبب يكمن في واقع أن بعض الثوريين قد قرروا تكتيكهم النضالي, لا وفقاً لعوامل ملائمة أو غير ملائمة لهذا النضال, بل بالاسترشاد فقط بالحالة النفسية الثورية لهذه الفئات من السكان أو تلك: ((في الواقع, ففي حالة عدم شعور ثوري لدى الجماهير, ومن غير ظروف تساعد هذا الشعور, فان التكتيك الثوري لن يتحول الى عمل. ولكن في روسيا, فان تجربة طويلة جداً وقاسية ودموية قد اقنعتنا بهذه الحقيقة القائلة بأنه لا يمكن اقامة تكتيك ثوري على الشعور الثوري وحده, ويجب أن يرسم التكتيك بترو وموضوعية صارمة, على ان تؤخذ بعين الاعتبار كل القوى الطبقية في دولة معينة, والوضع في الدول المحيطة وفي كل الدول على نطاق عالمي)).

وقد عاين لينين, بأن النزعة المغامرة في الحركة الثورية تتجلى ايضاً في الاتجاه الى اللجوء الى اشكال نضالية لم تأخذ بها الجماهير بعد, فالنضال المسلح (الانتفاضات, حرب الأنصار) يظن عندئذ بأنه (راديكالي) جداً, وأنه الشكل الوحيد الواجب استخدامه في أية ظروف كانت, وقد أدان لينين بحزم النزعة الذاتية لهؤلاء الثوريين وأثبت بأن اعمالاً لا تؤيدها الجماهير وليست مستعدة لها, من شأنها الاضرار بالحركة الثورية.
وقد أكد لينين بأن الثوريين الحقيقيين لا يمكنهم اضفاء الصفة المطلقة لهذه الأشكال او تلك من نضالات الشغيلة, ويتوجب عليهم أن يحكموا على جدواها في لحظة معينة, اخذين بصرامة بعين الاعتبار مستوى الحركة الثورية, والحالة النفسية للجماهير, والوضع الحقيقي للامور.

ولدى النضال ضد النزعة المغامرة, كشف لينين عن طبيعتها الطبقية, وعن الجذور الاجتماعية لظهورها في صفوف الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني, وقد اعتبر لينين ان مصدر الاراء والاتجاهات المغامرة في الحركة الثورية هو الأيديولوجية والسياسة البرجوازيتان الصغيرتان, والنزعة الثورية البرجوازية الصغيرة. وأكد لينين ان البرجوازي الصغير الذي تثير (سعاره) فظائع الرأسمالية غير قادر على خوض نضال طويل ومثابر ومنظم, وهو يفتقر الى الحزم والانضباط والثبات, وهو يريد التخلص من رأس المال, او النظام الحاكم بأسرع ما يمكن, ولهذا السبب فهو يعتمد بكل طيبة خاطر اشكال النضال المتطرفة, والحمقاء, او رفع الشعارات التي لم يحن اوانها, معتقداً أن هذا هو اسرع طريق للنصر.
وقد اضطر الحزب الذي قاده لينين اكثر من مرة الى التدخل ضد مختلف الاتجاهات المغامرة في الحركة العمالية. وقد كان هذا النضال حاداً في روسيا في الأعوام الاولى التي اعقبت انتصار ثورة اكتوبر.
فقد حدثت ثورة اكتوبر خلال الحرب العالمية الأولى, وكانت روسيا تقاتل انذاك المانيا وحلفاءها, وكانت مصالح الثورة الاشتراكية تتطلب ان تنسحب روسيا من الحرب الامبريالية وأن تعقد صلحاً مع الدول المتحاربة.
لكن كتلة من اعضاء الحزب, كان يطلق عليها اسم (الشيوعيين اليساريين) قد عارضت ذلك, فان الشيوعيين اليساريين كانوا يقولون بأن روسيا الثورية بلاد ديكتاتورية الالبروليتاريا, لا يتوجب ان تعقد صلحاً مع الدول الامبريالية, وقد اكدوا بغطرسة, بأن السياسة الوحيدة الصحيحة بالنسبة للشيوعيين هي الحرب الثورية لروسيا السوفييتية ضد كل الامبرياليين.
وهب لينين, واكثرية اعضاء الحزب بحزم ضد الديماغوجية اللامسؤولة ل(الشيوعيين اليساريين).
لم تكن لدى روسيا السوفييتية انذاك امكانية خوض حرب دفاعية فعالة ضد هجوم قوات الامبراطور الألمانية, فالجيش الأحمر لم يكن قد انشئ بعد. اما فيما يتعلق بدوات الكتلة (اليسارية) تلك الى (الحرب الثورية) ضد اوروبا الغربية, فان هذه السياسة كانت غير مقبولة, واللينينية ترفض مبدأياً, كل "تحفيز" للثورات من الخارج, كل محاولة لتصدير الثورة, وقد كتب لينين, يفترضون (بأن مصالح الثورة العالمية تتطلب ان تحفز هذه الثورة, وأن الحرب هي وحدها التي يمكن ان تكون هذا الحافز.. ان مثل هذه النظرية, تتناقض تناقضاً صارخاً مع الماركسية التي انكرت دائماً تحفيز الثورات التي تتطور بمقدار ما تستفحل التناقضات الطبقية التي تولدها).
وحين عارض لينين المزاعم القائلة بأن الثورة تدفعها الى الأمام (حراب الجيش الأحمر) حذر جدياً من الخطر البالغ لتناول معادي للماركسية لهذه المسألة.
وقد قال: (في الواقع يوجد اناس يعتقدون بأن الثورة في بلد أجنبي ما يمكن ان تنشأ بناءاً على الطلب, بموجب اتفاق, وهؤلاء الناس, اما مجانين أو انهم عملاء استفزازيون).
ان افكار لينين حول ضرورة خوض نضال حازم ضد النزعة المغامرة في النضال الثوري قد احتفظت بصفتها الراهنة, ذلك انه بالرغم من التجربة الطويلة للحركة الشيوعية والعمالية, فان الثوريين في بلدان عديدة ما يزالون مضطرين اليوم للدفاع عن افكار الماركسية ضد (الجملة الثورية) وضد محاولة ابدال الصراع الطبقي بمختلف المغامرات والشعارات التي لم يحن اوانها, وضد (ثورات البلاط).