مراسم دفن الرأسمالية.


سعيد زارا
2013 / 12 / 8 - 23:47     

تلقى النظام الرأسمالي ثلاث ضربات قاسية أتت على حياته ,أولاها كانت بقيام أول دولة اشتراكية في العالم بقيادة البلاشفة العظام لوت عنقه فخنقت أنفاسه و أصبح يتنفس في حدود ضيقة بعدما أن كانت الشمس لا تغيب عن مستعمراته, ثانيها كانت بنجاح حركة التحرر الوطني المدعومة حصرا من طرف موسكو عاصمة دولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة البلشفي العظيم ستالين أصابت دعائمه فالقته كسيحا عاجزا عن التحرك ففصلت مراكزه عن محيطاته, أما الثالثة فقد استهدفت قلبه النابض عندما تم نسف قانون القيمة الرأسمالي بإخراج البضاعة النقدية من دورتها الحيوية كتمت أنفاسه إلى الأبد. كان قرار نيكسون في خطابه يومه 15 من شهر غشت 1971 الضربة الأخيرة و القاضية التي أنهت حياة النظام الرأسمالي, قرر نيكسون تعليق الغطاء الذهبي# مؤقتا# حيث قال :" لقد وجهت الكاتب كونلي أن يعلق مؤقتا الغطاء الذهبي.." وبدلك بدا نهاية نظام النقد الدولي نظام بروتن وود و كان قراره أحاديا دون أن يستشير كبيرا من كبار العالم, تعليق الغطاء الذهبي بشكل مؤقت كان خدعة من القاتل الوحيد من اجل الإيقاع بالآخرين- الكبار- و إشراكهم في عملية الاغتيال. إخراج البضاعة النقدية من شريانها الحيوي و لو لوقت معين هو اغتيال للنظام الرأسمالي مثله في دلك مثل بنو ادم الذي لا يحتمل السكتة القلبية, فان توقف نبض قلبه سكت إلى الأبد و مات.

قد يتساءل متسائل فيقول قد سبق الرئيس روزفلت الرئيس نيكسون و أعلن تعويم الدولار سنة 1933 و لم يسبب دلك في ممات النظام الرأسمالي؟ و هو سؤال وجيه نسوقه هنا لنقلد ماركس في ضرورة التمييز بين نوعين من الأزمات المالية, نوع أول يكون أساسه في أزمة الإنتاج الفائض أي أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بجوهر الرأسمالية و يترتب عليها أزمة مالية , و ما الأزمة المالية في بداية ثلاثينات القرن الماضي إلا تجل لازمة فائض الإنتاج لسنة 1929, ونوع ثان ينجم عن المؤسسات المالية حصرا من بنوك و بورصات و ... دون أن يكون مبعثه الإنتاج الفائض, و ما أزمة 2008 المعروفة بأزمة الرهن العقاري إلا برهانا قاطعا أن الأزمة اندلعت في المؤسسات المالية فقط.

تكرمت البورجوازية الوضيعة و تكلفت بمراسم دفن النظام الرأسمالي علنا و نعت جثمانه في مراسم مأساوية أدخلت المجتمع البشري في فوضى كارثية بإعلان الاستهلاكية نمطا وريثا لكل الأنماط. و إننا في هدا المقال نذكر بهده المراسم التي تراها الأغلبية مجرد إصابات عرضية غير مميتة للنظام الرأسمالي نجا منها بفعل إسعافات من دوي الاختصاص كما يعتقدون. فمن اجتماعات معهد سميثسونيان أو ما يعرف باتفاقيات واشنطن إلى اتفاقيات بال فالثعبان الاروبي ثم إعلان رامبويه و أخيرا اتفاقيات جمايكا كنغستون.

المرسم الأول: اجتماعات معهد سميثسونيان 18 دجنبر 1971.

كانت ذريعة نيكسون في إزهاق روح الدولار المشيرة إلى المعدن البراق هي تفادي المضاربة بالعملات, و ضغط على باقي الرؤساء الكبار من اجل ربط حياة عملاتهم بعملة غدت ميتة لا تحرك ساكنا حيال أغلى المعادن في المعمورة عن طريق فرض إتاوة إضافية مؤقتة حددت في 10 بالمائة على ما يقرب نصف واردات أمريكا. انكشف ادعاء نيكسون المزيف وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماعات العشر الكبار بمعهد سميثسونيان أو ما يعرف باتفاقيات واشنطن أو اجتماعات المكتبة في دجنبر 1971 خفض عملتها لأول مرة مند 1934 من 35 دولار لاونصة الذهب الواحدة إلى 38 دولارا بمعدل 8 بالمائة نسبة إلى العملات الأجنبية, ومن بعد إلى 42 دولارا. و لكي يلمع ذريعته النكراء في محو كل اثر للذهب النقد في الشريان الحيوي للإنتاج نقد-بضاعة-نقد اعتبر الرئيس نيكسون اتفاقيات المعهد من أهم الاتفاقيات النقدية في تاريخ العالم, لكن الوقائع على الأرض كشفت أكاذيبه و سرعان ما تدهورت حالة الميزان التجاري الأمريكي بشكل مهول خلال سنة 1972.
و في هده الفترة قال كاتب الخزينة الأمريكية المعين في فبراير 1971 و احد المستشارين الاخصائيين المقربين إلى الرئيس نيكسون السيد جون كونلي قولته الشهيرة:
« The dollar is our currency and your problem », « Le dollar est notre devise et votre problème » , -الدولار عملتنا و هي مشكلتكم-
و هي قولة لها من الدلالات العميقة ما يكفي لنفهم و نتحسس وضع الدولار كعملة عالمية في المعاملات الكونية و موته كنقد عالمي كان يشير بدقة إلى حد ما إلى كل القيم الاستعمالية يعني اجتثات كل إشاراته -البارزة للعميان- إلى الثروة الحقيقية.

المرسم الثاني : اتفاقيات بال ابريل 1972 و الثعبان الاروبي النقدي

نظرا لقوة الولايات المتحدة الأمريكية و أهمية الدولار في المبادلات العالمية و خصوصا مع المجموعة الاروبية الاقتصادية , فقد تعهد أعضاء المجموعة متضامنين بإبداء مقاومة اتجاه قرارات المكتبة في اتفاقيات بال الموقعة يومه الرابع و العشرين من شهر ابريل 1972 حيث تم قبول مخطط فانر بيير الوزير الأول لدولة اللوكسومبورغ الذي يقضي بإنشاء اتحاد اروبي ونقدي , و عليه تم خلق الثعبان النقدي الاروبي. أراد الاروبيون بمخطط فارنر أن ينفحوا الروح في جسد الرأسمالية الهالك لكنهم في الحقيقة كانوا يشيعون جثمانه في القارة العجوز مهد الرأسمالية لأنهم جعلوا ثعبانهم يتقلب في "النفق الأمريكي" و ربطوا عملاتهم بالدولار الذي فقد بريقه .
يتوجب على المجموعة اثر دلك المخطط أن تسمح بتموجات أسعار صرف عملاتها داخل "النفق الأمريكي" و هو هامش تقلباتها في حدود 4.5 بالمائة بالنسبة للدولار و أن تحترم نسب معينة لأسعار الصرف. عندما ينطح سعر صرف عملة بالنسبة إلى عملة أخرى مثلا نسبة الفرنك الفرنسي إلى المارك الألماني سقف النفق يقولون انه ظهر الثعبان و عندما يمر السعر الأخر أي نسبة المارك الألماني إلى الفرنك الفرنسي بأرضية النفق يتكلمون عن بطن الثعبان.
في فبراير 1973 خفضت أمريكا الدولار من 38/1 إلى 42/1 بمعدل يفوق العشرة بالمائة لم يحتمل الثعبان هدا التخفيض فخرج من النفق, لكنه رغم دلك ظلت عملات الاتحاد مرتبطة بالدولار الزائف.


المرسم الثالث : إعلان رامبويه نونبر 1975

بعد أن اعتاد الكبار على موت الرأسمالية و القبول بأمر الواقع والعمل بتعويم الدولار الذي أصبحت كل جدائله المشدودة إلى البضاعة النقد مبتورة تماما.اجتمعت حكومات الدول الخمس الكبرى و ايطاليا بضواحي باريس في رامبويه لتقود العالم إلى المجهول. و قرروا نهب العالم بشكل غير مسبوق في البند 11 من إعلانهم.
الرفاق الدين لا يرون في البند 11 من إعلان رامبويه مرسما أخر من مراسم دفن الرأسمالية و ينكرون أهمية البند المذكور في تعويم العملات نسبة إلى الدولار و حرص الحكومات على العمل بمنع التقلبات الفجائية في أسعار الصرف هم محقون في حالة واحدة و هي إمكانية قيام الرأسمالية بدون نقد و هي حالة يستحيل وجودها في نظام ينطلق في دورة لا متناهية من النقد المعاير لوقت العمل المتجسد في البضائع إلى النقد أيضا.
دول الإعلان شطبت كل اثر لعلاقة عملاتها بالقيم وعلى اثر هدا القرار الخطير استطاعت البورجوازية الوضيعة أن تهزم البروليتاريا و تسحر العالم ليقبل بنقود فقدت مغزاها المستتر و هو إشاراتها الدقيقة إلى البضائع, و الأخطر من دلك هو قبول الماركسيين بالخدعة دون أن يتعلموا شيئا مما شرحه ماركس في رأس المال الذي وضح أن تسمية النقود لا تمت بآي صلة إلى طبيعتها. طبيعة الدولار ليست في اسمه أو حتى في اشتقاقه التالر و لكنها في تعبيره عن قيم البضائع. الدولار الإيقونة العالمية للبضائع هي حية وحقيقية بعد تغطيتها بالذهب , لكنها ميتة لا تدب فيها الحياة بعزلها كليا عن البضاعة النقد. النقد و هو السلطة السيادية لكل دولة و هو رمز الثراء في المجتمع الرأسمالي.

لم يبق للبورجوازية الوضيعة بعد هدا الإعلان إلا أن تدق أخر مسمار في نعش الرأسمالية فكانت اتفاقيات جمايكا كنغستون.

المرسم الرابع و الأخير : اتفاقيات جمايكا كنغستون يناير 1976

و قد نعت البرجوازية الوضيعة جثمان الرأسمالية , لم يبق لها سوى أن تعيد هيكلة صندوق النقد الدولي حارس ارثها الذي و رثته بغير حق من الهالك. أكدت اللجنة المؤقتة التي كان يترأسها الوزير البلجيكي ويلي ديكلرك مراجعة الفصل الرابع من اتفاقية صندوق النقد الدولي الخاص بنظام الصرف و جعله رسميا يضع حدا نهائيا لبنود معاهدة بروتن وودز و التخلي نهائيا عن طبيعة النقود . و هكذا سيق دهب العالم لبيعه في المزاد العلني و فق جدول زمني حددته الاتفاقية.


يستهجن العديد من النقاد كلامنا فيقولون: كيف لنظام عالمي مثل النظام الرأسمالي أن ينهار بمجرد خطاب رئيس أو قرار مجموعة رؤساء؟ صحيح كلبا أن الخطابات و القرارات لا تمحو طبقة اجتماعية و كذلك لا تحييها إن كنست من على مسرح التاريخ , مجريات الصراع الطبقي و قوانبن حركة المجتمعات البشرية وحدها تقرر مسار تطورها. سؤال نرد عليه بأخر: لئن كان الأمر كذلك فلماذا لم يستطع أي من رؤساء العالم الآن بخطاب منهم فرادى أو جماعة أن يحيي دورة الإنتاج الرأسمالي و يعيد للدولار -دلك اللاشيء المقنع بزي النقد كما يقول جاك رووف - روحه و جوهره كمعاير للقيم الاستعمالية الخازنة للعمل البشري؟ لقد حاول الرئيس اوباما توجيه نداء إلى الأمريكيين بالرجوع إلى الإنتاج الصناعي خلال الآونة الأخيرة كحل لازمة بلاده لكن دون جدوى.الرجوع إلى الإنتاج الصناعي يعني الإتيان بالبرجوازية الدينامية و البرجوازية الدينامية لم تبق الاستهلاكية على نمط إنتاجها الرأسمالي. الرأسمالية انهارت لكن معظمهم لا زالوا يرونها حية -متوحشة تفترس- بعد أن نسفت دعاماتها. لو استطاع هؤلاء النقاد أن يؤتوا بالمسيح عيسى ويحضروا له لحم البقرة الصفراء الفاقعة لونها وضرب بلحمها على وجنتي الدولار الورقة الخضراء الذابلة لقامت روحها و أشارت إلى قاتليها و على رأسهم نيكسون.



ملحوظة لابد منها : رجائي في المقالة أعلاه أن تكون محاكمة ل مانيفيستو القرن الحادي والعشرين –النقد- أملي أن تكون محاكمة علمية