بصدد اشكالية تجديد المشروع الاشتراكي


محمد الخباشي
2005 / 6 / 10 - 13:24     

بصدد اشكالية تجديد المشروع الاشتراكي

أود ان اشير الى ان الدخول في نقاش من هذا النوع فرض نفسه من جانبين : الاول وهو المهم، يتعلق بما خلص اليه بعض من دعاة "تجديد الفكر الاشتراكي" وما انتجوه من افكار ورؤى، شكل بعضها تجاوزا للاشتراكية أو رجوعا بها الى الوراء، عوض التقدم. الاثني ولا يقل اهمية، وهو أن نقاشا من هذا النوع، ظل محدودا في المغرب لأسباب، ضمنها عدم التأثر المباشر للحركات الاشتراكية بانهيار التجارب السابقة.
من هنا اسعى الى طرح مفهوم "التجديد" في المشروع الاشتراكي للنقاش. ثم تناول بعض ما خلص اليه هذا "التجديد" في توره للاشتراكية وتجديدها. وأمل ان يتطور النقاش وان يتجاوز الدعوات الى التجديد لطرق باب الاقتراحات والاجتهادات العملية. ومن هذا المنطلق طرحت ارضية للنقاش حول تصوري للجوانب التي ارتأيت انها تصور واضح لبرنامج البناء الاشتراكي (منشورة بالعدد 1221 من الحوار المتمدن ليوم7/6/2005(

ما الدافع الى التفكير في ضرورة "تجديد المشروع الاشتراكي"؟
برزت كتابات متعددة تدعو الى "التجديد"، معتمكو تحليلات تحاول دمج التطورات التي عرفتها مختلف جوانب الحياة البشرية من الناحية العلمية والاقتصادية والاجتماعية..... واذا كا من الشرزري الاقرار بصحة مادأب اليه دعاة تحين التحليلات وملاءمتها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الحالي، اليس استعمال مفهوم "التجديد" نوعا التضليل ؟
القول بضرورة "تجديد مشروعنا الاشتراكي" يعني اننا نتبنى مشروعا اشتراكيا تقادم وتجاوزته المرحلة، وبالتالي وجبتحيينه وتجديده. وهنا يكمن التضليل بالتحديد. المشرو ع الاشتراكي، استنادا الى المنطق المادي الجدلي، غير قابل للتقادم. ويفرض ذلك المنطق ان يساير التفكير تطورات الحياة البشرية، واستعاب التحولات.وبهذه الطريقة تبلور المشروع الاشتراكي السليم خارج الانشداد لاي نمودج يتم تقديسه، وخارج التبني الاكاديمي للنظرية الاشتراكية العلمية. وبهذه الطريقة وحدها تتبلور نظرية علمية للتغييرن مستوعبة لمتغيرات الواقع، وناتجة عن رؤية لتطوره. وهكذا يبقى المشروع الاشتراكين في مختلف مراحل تبلوره، في حياة دائمة وأبدية شرط ان يتطور مع تطور لواقع، ويبقى منفتحا دوما في وجه المستجد، والتغير بتغير عنصر من عناصر الواقع الاقتصادي والاتماعي والثقافي....
وحتى اذا اكتمل بناء المشروع الاشتراكي، في الجانبين العملي والفلسفي في النظرية العلمية، فإن اكتماله هذا لا يكون مطلقا الا لحظة قصيرة. لان الحقيقة تكون مطلقة ما لم يظهر عنصر جديد يضع حدا لاطلاقيتها، مع عامل الزمن. واحتمال بروز الجديد يحولها الى نسبية، الى أن تتم البرهنة على حلول مرحلة اطلاقيتها من جديد. وهكذا فهي مطلقة لما تمت البرهنة عليه، ونسبية لما سيأتي.
وإذا كنت أرفض استعمال مفهوم "التجديد"، فأنني لا أقصد ان الاشتراكية لا تقبل الجديد، انما أحبد استبعاده لأن اغلب من دعا اليه استعمله لاخفاء انكفاءه لمدة طولة الى نمودج محدد، مغلقا عنه امام كل الذين اغنوا الفكر والتجربة الاشتراكين. فلما انهار النمودج، عوض ان تكون الجرأة سيدة الموقف لتوجيه النقد لهذه التجارب و الوقوف عند أخطائها، عوض ذلك كان الاندفاع قويا نحو فكرة التجديد. وأصل ذلك احساس مفرط بالذنب من جراء الجمود الذي عاشته تلك العقول لمدة طولة.
وإذا كان التجديد مطلوبا، فإنه مطلوب في العقلة والمنطق الذي قرأ به اولئك فكر ماركس والمادية الجدلية، ونظرتهم للمجتمعات وتطوراتها. ونضاف الى ذلك أن أغلبهم اختبأ وراء مفهوم التجديد فخلص الى نظرة ترجعنا الى الوراء، يصل البعض الى اشتراكية سان سيمون وبرنشتاين. وفي احسن الاحوال لا تتجاوز اجتهاداتهم سقف برنامج ذي افق برجوازي لثورة وطنية دمقراطية.

تجديد نحو التطوير ام تجاوز؟

لو خلص هذا النقاش الى بناء نظرية او اسس نظرية شاملة متجاوزة لجمود الفترة السابقة، والى نتائج متماسكة، منبعتة من قراءة جديدة للواقع الاقتادي والاجتماعي والثقافي لمجتمعاتنا، بنظرة علمية مستوعبة لعناصر هذا التطور،سقطت سابقا في التحلي، وملاءمة هذا الاخير مع تلك التطورات،لو كان الامر كذلك، فإن رفض مفهوم التجديد أمر خاطئ للغاية. الا أن المسألة لم تصل الى حد بلورة نظرية من النوع المطلوب. بعبارة اوضح، ان المطلوب الآن هو بلورة نظرية شاملة للتغيير بعقلية علمية منطقية ومنفتحة ، مستندة الى أساس مادي و فلسفي صحيح، و مرتبطة في جوهرها بقوانين تطور المجتمعات التي ثبت علميا واقعيا انها صحيحة.الحاجة ماسة الى متشبتة بالجوهر الحي للماركسية والاشتراكة عامة، وليس الى نظرية تتجاوز الاشتراكة بشكل نهائي، تحت غطاء تجديد المشروع الاشتراكي. اذا كان التجديد مطروحا فإنه مطروح في اتحاه تطوير النتائح التي تم التوصل اليها نحو تجدير الاشتراكية وتصليب بنيان نظرية شاملة، تتبلور بتطور المجتمع وبتفاعل معه.
لقد اتسعت دائرة هذا النقاش في اوساط المفكرين والمناضلين والحركات السياسية المنتسبة للواء الفكر الاشتراكي في المشرق العربي بصفة خاصة، حيث كانت الاحزاب الشيوعية مرتبطة بالنمودج السوفياتي. لكن تحت غطاء "ضرورة التجديد" وبنية التطويرن خلص بعض المتحمسين لهذا التطوير، والاكثر غيرة على الفكر الاشتراكي، الى نتائج قفزت على الاشتراكية بصفة نهائية. وأذكر رائدين لهذا النقاش وهما كرم مروة وماهر الشريف. وبالرغم من كون الاحاطة بما خلصا اليه يجب ان يكون موضوع دراسة مستقلة ومعمقة، نظرا لغناها، فانني سأقتصر على ما ورد في مداخلة ماهر الشريف في ندوة نظمتها مجلة الطريق ببيروت عام 1997. في محاولة منه لتحديد معالم "اشتراكية المستقبل" ؤكد ماهر الشريف ان "التصور الجديد للاشتراكة يحتم على انصارها ان يعيدوا النظر في مفهوم الاشتراكية نفسه" ويضف "..... لم تعد تمثل نمودجا مجتمعيا مختلفا بصورة نوعية يقطع مع النمودج المجتمعي الرأسمالي الذي عرفته الحذاثة ويقوم على انقاض هذا الاخير، بل ارت تظهر بوصفها نمودجا مجتمعيا متطورا عن النمودج المجتمعي الرأسمالي ويتوالد ف رحمه..."
صحيح ان الاشتراكة كنقيض للراسمالية تتوالد من رحم المجتمع الرأسمالي. لكن كيف؟ وهذا ما اخفق ماهر الشريف في تحديده. ورسم سيرورة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكيةبشكا مشوه، بنفيه لأي قطع بين المرحلتين من تطور المجتمع. خط الانتقال ليس خطا تصاعديا دون قفزات. النتيجة الاولى، ادن، ليست تطويرا للاشتراكية انما عودة بها الى ما قبل المادية الجدلية والى التصور الهيجيلي للتاريخ. ويضيف " الاتراكية تبرز باعتبارها سيرورة طويلة تسعى الى تحويل التنظيم المجتمعي الرأسمالي تحويلا عميقا، بما يضمن في نهاية المطاف، تجاوز الرأسمالية تجاوزا جدلا...."
لا مكن ان نتصور ان الانتقال يتم بضربة واحدة. عملي الانتقال هي تحول تدريجي للمجتمع من واقعه اللاديمقراطي الى واقع تسود فيه الديمقراطية الشاملة وتسيد العلاقات الاشتراكية واحداث بناء اجتماعي يستند الى ذلك. وهذا ما دأب اليه ماهر الشريف، وحدد آلية هذه السيرورة التحويلية الطويلة لتجاوز الرأسمالية تجاوزا جدليا، فهي آلية الديمقراطية. وهذه نتجة صحيحة وليس فيها أي جديد. انما الجديد يكمن في نفي وتجاوز مفهوم الثورة الاشتراكية. وهنا يطرح سؤال : كيف يمكن ان نبني الاشتراكة دون ثورة اشتراكية؟ هذا الامر لس ممكنا في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بل ليس ممكنا على الاطلاق. والثورة الاشتراكية سلسلة متواصلة من الاصلاحات والثورات وعلى اصعدة مختلفة، ولها شروط تستوجبها. احيل القارئ على المقال المنشور بالعدد 1221 من الحوار المتمدن ليوم 7/06/2005.
في محاولة للاجابة عن اشكالية الانتقال، يرسم ماهر الشريف خطا لم يتجاوز ما دابت اليه الشيوعية الاوربية ابان انزواءها نحو ما سمي ب "الطريق البرلماني للاشتراكية "، تحت ضغط الوصاية الابوية الستالينة، لتبرير اجهاض الثورات الاشتراكيةفي اوربا الغربية، استجابة لمتطلبات ترتيب العلاقات الدولية. اما ما يتعلق ببرنامج هذا الانتقال، الذي يجب ان يكون هو برنامج الثورة الاشتراكية، فإن ما اقترحه ماهر الشريف لا تجاوز برنامج لثورة وطنية ديمقراطية، يقتضيها بناء الاشتراكية ولست هي الاشتراكية بذاتها. وعلى مستوى متطلبات التنمية، بالاضافة الى عنار دمقرطة المجتمع وتوسيع دائرة المشاركةوتوسيع دائرة مشاركة المواطنين، بقي ما اقترحه ماهر الشريف حبيس ثنائية القطاع العم والقطاع الخاص. ودافع عن "قطاع الدولة" والابقاء على القطاع الخاص المنتج وجعل شركات المساهمة ااسا لنشاطه. واستفاض في ذكر لا يمكن تصنفها الا كشكل من أشكال "رأسمالية الدولة" ولا يتجاوز سقف تصور قومي برجوازي. (انظر المقالة السالفة الذكر).

خلاصة اولية
ليس هناك جدد فيما قدمه ماهر الشريف وكل ما اقترحه، هو اما اعادة لئياغو ما سلةته ثزرات سابقة خاصة الناصرية ، واما اتبعاث جديد لتصورات تجاوزها التارخ وثبت انحصارها الطريق البرلماني الى الاشتراكية، او عودة الى ما قبل ماركس.
وحتى ينفتح الفكر في اتجاه القادم، علينا ان ننظر الى الامام ونتطلع الى الآفاق لا أن ننكفئ الى ماض يتجدد في تصورات تخدع بشعار ضرورة التجديد