حول العمل المنتج والعمل غير المنتج


يوسف يوسف المصري
2013 / 12 / 2 - 07:15     


هذه هي الورقة الاخيرة في الرد على من قال ان ماركس اختلس افكار الآخرين في مجال الاقتصاد السياسي ونسخها ونسبها الى نفسه في واطلق على ذلك – اي على ان ماركس كان (من الآخر) نصاب - اسما مهذبا هو "نقد" افكار ماركس دون ان يعرض لنا اي شئ متماسك عما ينتقده وعن اوجه هذا النقد.
وربما يشعر الكاتب اولا ان عليه ان يبرهن على صحة قوله ان ماركس "استنسخ حرفيا ديالكتيك ريكاردو على صعيد التحليل الطبقي وعلى مستوى نظرية القيمة ولم يضف اليها سوى الصوت العالي وكهنة المعبد يعلمون ذلك" حسب قوله.
لقد قكرت في الرد على هذا الزعم المضحك ولكنني افضل ان افعل ذلك فقط بعد ان يتفضل الكاتب بشرح ما يقصده بالضبط بديالكتيك ريكاردو وكيف استنسخه ماركس. وهو لن يفعل بطبيعة الحال لا اليوم ولا غدا ولا بعد عام اذ ليس هناك "ديالكتيك ريكاردي" ومن ثم فان ماركس لم يستسخ ريكاردو بل اثبت في المانيوسكريبت والجروندريس ان كلا من ريكاردو وسميث كانا على خطأ في عشرات من قضاياهما وان ما منعهما من رؤية تلك الاخطاء تلخص في انهما كان بورجوازيين يدافعان عن ترشيد النظام الرأسمالي وابديته.
كل ما اريد قوله للكاتب هو ان بوسعه ان يتهم ماركس بانه نصاب مليون مرة ولكن عليه ان يبرهن على صحة اتهامه في كل مرة لان فائدة القراء جميعا هي هنا بالذات اي في تفنيد افكار هذا المفكر الكبير بطريقة علمية متماسكة. اما العناوين العامة التي تترك انطباعات بان المفكر الكبير كان نصابا فانها لا تصلح ابدا لاثبات اي شئ ولا تثري العقول ولا تضيف شيئا او تترك شيئا خلفها بل هي تحكم على كاتبها.
وقد قرأت توا ان الكاتب ينوي ان يعكف على اعادة دراسة اسس الاقتصاد السياسي مرة اخرى وهو امر يستحق الاشادة اذ من المؤلم ان نرى امكانية ذهنية مثل كاتبنا تهدر دون بحث جاد ولو عن اخطاء ماركس طالما كان ذلك يتصل بالموضوع. ومن الوجهة الشخصية فانني آمل ان يكتب لي الله ان ارى مساهمات الكاتب بعد ذلك التي اثق انها ستكون مفيدة ومثرية لذهني ولاذهان الجميع. كما انني آمل مرة اخرى ان يدرك كاتبنا انني خلال هذه المداخلات لم اكن اقصده كشخص بالمرة اذ انني - مرة اخرى - لم اتشرف ابدا بلقائه وهو او انا كأشخاص لا اهمية لنا في هذا السياق بدليل اننا نتحاور حول ماركس دون ان يقول اي منا انه تناول معه العشاء ليلة امس مثلا او انه كان رجلا خلوقا وطيبا او غير ذلك اعني دون ان نعرفه كشخص لا من قريب او من بعيد. ولعل كاتبنا - في وقت لاحق - يقدم نقدا ذاتيا لارائه. ولا يقدر على نقد افكاره السابقة الا من عرف ان الافكار لا سيد لها الا الحقيقة ومن استوعب حقا موضوعه بقدر كاف يتيح له رؤيته ليس فقط في شموله ولكن في علاقته بالاراء المخالفة. ان من يفعلون ذلك باختصار هم من يملي عليهم عمق علمهم احترام الحقيقة وحدها او هم بالاحرى من تخلصوا من تراث الافكار القبلية التي تحتم التضامن مع "الشلة" على حساب الحقيقة او التمسك بالاخطاء دفاعا عن الذات وعلى حساب الحقيقة ايضا.
ولكن لننصرف الآن الى الموضوع اذ قد يكون من المفيد للقارئ في هذا السياق ان اورد رأي ريكاردو ايضا - ضمن عرض اساتذة الاقتصاد السياسي - في الفارق بين العمل المنتج والعمل غير المنتج وكيف فنده ماركس بدقة مذهلة في سياق تفنيده لمقولات آدام سميث في نفس المجال اذ ان ذلك سيوضح للقارئ ان ماركس لم يستنسخ شيئا كما انه سيوضح ايضا جوانب من تطور النقاش بين علماء الاقتصاد السياسي حول الفارق بين العمل المنتج والعمل غير المنتج ولعل يبقى في المساحة فسحة بعد ذلك لايضاح كيف حاول الحزب الشيوعي السوفييتي خلال الستالينية طمس ما قاله ماركس في هذه القضية بالذات بل تحريفه لانه كان يمس بصورة مباشرة صفوة الحزب التي سيطرت على مقاليد البلاد.
قال آدم سميث عند تعرضه للعمل غير المنتج (ثرة الامم الباب الثالث الجزء الثاني ص 93):
"هناك نوع من العمل يضيف قيمة الى موضوع العمل الذي يوضع امامه. وهناك نوع آخر من العمل لا يفعل ذلك. والعمل الاول اي الذي ينتج قيمة يمكن ان يسمى عمل منتج. اما العمل الثاني فانه عمل غير منتج. وهكذا فان عمل الصانع يضيف على وجه العموم الى قيمة المادة التي يعمل عليها قيمة تجديد قوته هو نفسه بالاضافة الى ربح سيده. وعمل الخدم المنزليين على العكس من ذلك لا يضيف اي شئ الى القيمة. وعلى الرغم من ان الصانع يحصل على اجره مقدما من سيده فانه في الحقيقة لا يكلف هذا السيد اي شئ بالمرة اذ ان قيمة ذلك الاجر الذي دفع مقدما عادة ما تسترد عبر التحسن في قيمة موضوع العمل الذي وضع امام الصانع. ولكن تجديد قوة (او صيانة) خدم المنازل لا تسترد ابدا. ويصبح اي رجل اكثر ثراء اذا ما وظف عدد اكبر من الصناع ولكنه يصبح ااقل ثراء اذا ما وظف عدد كبير من خدم المنزل. ولو كانت كمية المأكل والملبس التي استهلكها العمل غير المنتج وزعت على الايدي المنتجة لكانت تلك الايدي قد اعادت انتاجها مع ربح".
وسنلاحظ هنا ان سميث لا يتحدث ولم يتحدث ابدا عن القيمة المضافة باعتبارها كذلك بل كان يتحدث كبورجوازي تقي عن "ربح السيد وتجديد العمل لقوته" وهو الامر الذي لا يختلف من الناحية الجوهرية عما فعله ريكاردو (اسس الاقتصاد السياسي وفرض الضرائب ص 470 الى ص 479) كما سنرى بعد قليل. وقد انتقد ماركس ذلك بشدة على اساس ان كل من سميث وريكاردو كانا يعبران في نظرتيهما الى العمل غير المنتج عن نظرة الرأسمالي الصناعي وينظران الى قوة العمل من زاوية صارمة وبالغة الضيق هي زاوية الربح الذي تحققه لهذا الرأسمالي.
ويقول ماركس في المانيوسكريبت الباب الرابع ان تعريف العمل المنتج والعمل غير المنتج هو الاساس المشترك الذي يوحد الاقتصاديين السياسيين البورجوازيين ويضيف ان هذا التعريف يوضح ضمنا فهمهم ايضا للعمل غير المنتج. فحيث ان العمل المنتج هو ذلك الذي يمكن مبادلته برأس المال المتغير ومن ثم استعادته مضافا اليه القيمة المضافة فان العمل غير المنتج لابد ان يكون اذن هو ذلك الذي يمكن استبداله بالدخل او بالعائد.
وهذا في واقع الامر ما يقوله سميث (ص 98) من ان "اي جزء من مال شخص يوظف كرأسمال يترتب عليه ان ينتظر استعادته مضافا اليه ربحا وهكذا فانه يوظفه في ايدي منتجة فقط. وحينما يوظف اي جزء من رأس ماله في ايدي غير منتجة من اي نوع فانه بداية من تلك اللحظة يسحب ذلك الجزء من رأس المال ليحسب كانفاق من الدخل او استهلاك".
وقد حرص ماركس في رأس المال على ان يشرط حديثه عن العمل المنتج والعمل غير المنتج دوما بتحديد الزاوية التي ينظر منها الى الموضوع. وكان يميز دائما بين نظرة كل من سميث وريكاردو وبين نظرة العامل سواء كان منتجا او غير منتج – طبقا لتعريفات سميث وريكاردو. فالطباخ في الفندق هو منتج اذا تسبب في اثراء صاحب الفندق اي في الاضافة الى رأس مال سيده ولكنه بنفس عمله هو بالذات وربما بنفس ساعات العمل ومشقته يصبح غير منتج في نظر الاقتصاد السياسي البورجوازي لسميث وريكاردو اذا ادى نفس الوظيفة بالضبط في احد المنازل.
ويتابع "ان قوة العمل بالنسبة للعامل المنتج هي سلعة في نظره. ويتطابق ذلك مع نظر العامل غير المنتج لقوة عمله ايضا. ولكن العامل المنتج ينتج سلعة لمن يشتري قوة عمله اما العامل غير المنتج فانه ينتج بالنسبة لمن يشتري قوة عمله قيمة استعمالية فقط (وليس سلعة) .. انه من صفات العمل غير المنتج اصلا الا ينتج سلعا لمن يشتري ذلك النوع من العمل بل ان العامل يتسلم من المشتري سلعا (اي اجره الذي سيشتري له سلعا)" (ما بين قوسين هو لي).
ما هو معنى كل ذلك؟ معناه باختصار ان ماركس يسأل دوما "منتج ام غير منتج في نظر من؟". اذا نظرنا للعامل نفسه سواء نال تعريف المنتج من سميث وريكاردو ان لم يتشرف به فان الامر "ما يفرقش". او كما قال في رأس المال "ان محصل البنك لا يهتم بما اذا كان عمله منتجا او غير منتج. والمحاسب لا يهتم بذلك ايضا فهما يعملان عددا محددا من الساعات ويحصلان على اجريهما". الفارق ينتج في رأس سميث وريكاردو فقط وهو فارق من زاوية نظر الرأسمالي فحسب. بعبارة اخرى كان ماركس يعرض وجه الضعف في تعريفات الاقتصاديين السياسيين البورجوازيين بقوله ان من الطبيعي ان يبيع العامل "غير المنتج" شيئا آخر غير السلع اذ اننا افترضنا توا انه غير منتج بمعنى انه لا يخلق امتدادا لرأس المال طبقا لتعريف سميث.
ويقول سميث ان من خصائص العامل غير المنتج "ان موضوع عمله يتبدد لحظة ادائه وقلما يترك اي اثر او قيمة خلفه. ان احد اكثر انواع العمل تقديرا وهو عمل الخدمة في البيوت هو عمل لا ينتج قيمة ولا يحقق نفسه في اي موضوع دائم او اي سلعة قابلة للبيع".
وسوف نرى بداية من الفصل الرابع من الجزء السادس ان سميث يتراجع قليلا عن بعض جوانب هذه التعريفات التي تتضمن في الحقيقة بعض التناقضات مما رصده هو نفسه. فنحن نراه لاحقا يدرج عمل ملاحظي الاقسام والمشرفين الفنيين والمهندسين والكتبة والمحاسبين والمديرين او باختصار كل انواع العمل التي يتضمنها فرع معين من الانتاج ذات الصلة بانتاج سلع معينة والتي يحتاج انتاجها الى هذا العمل الجماعي تحت عنوان العمل المنتج اذ ان عملهم الجماعي يذهب الى الاضافة الى رأس المال الموظف في ذلك الفرع.
ومن كل معالجة سميث وريكاردو لمسألة العمل المنتج والعمل غير المنتج سنلاحظ انه لم يكن مهما بالنسبة لهما نوع العمل الملموس عند تفكيرهما في تعريفه بقدر ما يتضح من تناولهما للسلعة اغفالهما لاي خصائص تتعلق بمدى منفعتها. فالمهم في الحالتين كان علاقة النوعين من العمل برأس المال. الاول يضيف الى رأس المال بأكثر مما يأخذ منه والثاني يأخذ من العائد ولا يضيف اي شئ في المقابل. اما السلعة فالمهم هو ان تباع وتحقق ربحا سواء كانت شيئا سخيفا او شيئا ضروريا.
اما ريكاردو فيقول في "اسس الاقتصاد السياسي وفرض الضرائب ص 475 – 476" فقد دافع عن استئجار العمل غير المنتج ولكن من زاوية اخرى. فقد قال "ان العمل غير المنتج لا يضيف الى رأس المال ولكنه يأكل من الدخل. ولكن اذا ما انفقت دخلي البالغ 10 آلاف جنيه على شراء سلع فاخرة مثل الملابس والاثاث والعربات والجياد سيكون الامر مختلفا عما لو انفقته في توظيف خدم للمنزل... سيمكنني اذا ما اشتريت اشياء فاخرة ان استمتع بها دون ان يعني ذلك زيادة في الطلب على العمل المنتج. ولكن اذا ما انفقت دخلي في توظيف خدم سيكون مختلفا على الرغم من انه في الحالتين سيكون ستتساوى كمية العمل المنتج المستهلكة. فاذا ما انفقت دخلي دخلي على الاثاث فانني سأستمتع به حتى يبلى اي ان شراء الاثاث لن يعني اي اضافة آنية الى الطلب على العمل.. وهكذا فان العمال يفضلون ان انفق دخلي على الخدم بقدر الامكان وان يتحول اكبر قدر ممكن من دخلي بعيدا عن الاشياء الفاخرة اذ ان ذلك يخلق طلبا آنيا على العمل"
اما جان بابتيست ساي فانه يقول في "معالجة للاقتصاد السياسي" (ص 120) "من المستحيل ان اقبلمنطق مسيو جرانييه (يقصد جيرمان جرانييه) الذي يقول ان عمل الطبيب و المحامي والمهن الاخرى المباشرة هو عمل منتج. ان هذا العمل هو اوجه ضعف اي امة وزيادته يزيد ضعفها. ان الخدمات او نتائجها (حيث انه استنكف من استخدام كلمة منتجاتها فاستخدم بدلا منها كلمة نتائج) لا تؤدي الى زيادة الثروة الوطنية. فاي امة لديها اعداد كبيرة من الموسيقيين والقساوسة والموظفين يمكن ان تقضي وقت فراغ ممتع وان تكون متعلمة على مستوى جيد ومحكومة بشكل جيد الا ان هذا سيكون كل شئ. ذلك ان رأس مالها لن يتلقى اي زيادة مباشرة من تعب هؤلاء وجهدهم اذ ان منتجاتهم ستستهلك فور انتاجها"
وواقع الحال ان تعريفي سميث – ريكاردو - ساي اتسما بتخبط واضح. فالقول مثلا ان العمل غير المنتج هو الخدمة التي تتبدد فور ادائها هو باختصار كلام لا معنى له. وحصر العمل المنتج في العملية الانتاجية على نحو مباشر حتى في عصر ساي - سميث – ريكاردو المبكر كان ايضا لا معنى له. ولنأخذ مثلا واحدا على ذلك هو مثل صاحب المطعم المتهالك الذي يذهب اليه العمال ليأكلون مثلا. الطباخة في المطعم تعاني من حكاية تبدد عملها فور ادائه اذ يلتهمه العمال. وصاحب المطعم يدفع للطباخة جزءا من رأس المال لانها ببساطة تعيد "انتاجه". والعمال يأكلون ليعودوا الى عملهم. كيف يمكن اعراب عملها اذن؟.
ولم يكن ذلك راجعا الى "غباء" سميث او ريكاردو او ساي. فقد كانوا ابعد ما يكون عن الغباء اذ انهم قدموا اساس الاقتصاد السياسي كما نعرفه الآن. ولكن المشكلة كانت ذات طابع موضوعي وليس ذاتيا. فقد كان الثلاثة من منظري الاقتصاد الرأسمالي الذين يدرسونه في حدوده ومن خلال الافتراض بانه باق الى الابد لان معطياته الاساسية بدورها ابدية. لقد حصر هذه الافتراض وما ترتب عليه من عجز عن نقد آليات اداء المجتمع الرأسمالي بصورة شاملة من زاوية تاريخية اي باعتباره مرحلة مؤقتة من تطور المجتمعات الانسانية كان لها بداية وسيكون لها نهاية حصر ذلك نظرة اولئك المفكرين الكبار عن رؤية ما رآه كارل ماركس بنهجه النقدي - التاريخي الثاقب.
فماذا يقول ماركس اذن عن هذه المسألة اي مسالة العمل المنتج او العمل غير المنتج؟ ما يحير بعض دراسي الاقتصاد السياسي هو على وجه الحصر ما ادى الى تخبط المفكرين الكبار الذين اشرت اليهم اي حصر صيغة السؤال في نطاق رؤية رأس المال للعمل. وفي معالجة ماركس للمسألة ذاتها كانت المهمة الاساسية بالنسبة له هي رؤية العامل لهذا التقسيم. اما من الوجهة النظرية في تحليله للمجتمع الرأسمالي فقد ذهب مذهب آخر تماما غير مذهب سميث – ريكاردو – ساي.
ذلك ان ماركس لم يحلل قوة العمل – وهو المفهوم الذي تجاوز به عجز ريكاردو بالذات عن حل القضايا التي طرحها اذ كان الثلاثة يتحدثون عن العمل – على اساس علاقته المباشرة بعملية الانتاج. فقد انطلق المفكر الكبير من تشخيص لعملية الانتاج باعتبارها عملية اجتماعية ومن مفهوم لقوة العمل كسلعة ومن القيمة وفائض القيمة باعتبارهما علاقات اجتماعية اي من منظور اجتماعي. ومن ثم فانه ارتكز دائما على النظر الى هذه القضية في كليتها قبل ان يبحث خصائصها العيانية.
وليس هناك نقاش في ان انواع العمل العياني الملموس يمكن ان تقسم الى آلاف الاقسام وان بعض هذه الاقسام له علاقة مباشرة بعملية الانتاج وبعضها الآخر علاقته بهذ العملية غير مباشرة دون ان يعني ذلك انه عمل غير منتج وان على نحو غير مباشر. فانتاج الاشياء المفيدة هو عملية لم تكن قاصرة على المجتمع الرأسمالي. في المجتمعات الاقطاعية كانوا ينتجون الطعام والعربات ويبنون البيوت وينسجون الملابس. وفي المجتمعات السابقة على ذلك كانوا يصنعون الرماح والنبال والسهام ويزرعون ويصنعون الجبن والخبز. فقط حين تحولت هذه الاشياء المفيدة الى سلع في علاقات الانتاج الرأسمالي اكتسبت ابعادها التي يعرفها من قرأوا رأس المال.
من هنا فان العمل المنتج كان دائما موجود بل انه النواة في المجتمعات الانسانية منذ فجر تاريخها. وهناك بطبيعة الحال اعمال غير منتجة يقول ماركس انها مدمرة كمن يفرضون دورهم على المجتمعات للاستحواذ بالقوة على اكبر قدر من الثورة المادية وكعشرات من معاونيهم. ولكن فلنعد الى تعامل ماركس مع تعريفي العمل المنتج وغير المنتج كما ظهر ذلك في ثلاثة من كتبه. الاول هو ال"مانيوسكريبت" والثاني هو ال"جروندريس" والثالث هو "رأس المال". (قد اعرض جزءا قصيرا للغاية من نقد برنامج جوتا الفصل الاول لمعرفة تحفظ ماركس على القول بان "المجتمع كله" يشارك في الانتاج ومن ثم فلا فضل لعربي على اعجمي اي ان الرأسمالي وكل المهن متساوية كاسنان المشط في الانتاج ومن ثم عيب ان يقول احد ان بعضهم يعيش على قفا الآخرين).
ويبدو ان علي ان اعرض ذلك في مداخلة منفصلة بعد ايام قليلة حتى لا اطيل على القارئ ان لم يكن قد استغرق في النوم بعد.